مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

الهدي النبوي في العشر الأواخر من رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

وصلى الله على سيدنا  محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين

لقد أدبرت علينا الأيام الأولى من شهر رمضان، حسنها وسيئها، فمنا الظالم لنفسه، ومنا المقتصد، ومنا السابق بالخيرات، فمن وجد خيرا فليحمد الله تعالى، ومن وجد غير ذلك فلا يلمن إلا نفسه، وأقبلت علينا العشر الأواخر من هذا الشهر، عسى أن يستدرك المقصر منا ما فات، وأن يجتهد فيها كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، كيف ذلك، وقد غفر الله تعالى له ما تقدم من ذنبه وتأخر.

فقد كان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا دخلت العشر الأواخر من شهر رمضان: الاجتهاد، وإحياء الليل، وشد المئزر، وإيقاظ الأهل، وتحري ليلة القدر.

فأما الاجتهاد:

فقد كان يجتهد النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان من العبادة فوق العادة، ويزيد فيها في العشر الأواخر منه، ويخصها بأنواع الطاعة؛ لأنها ختام الشهر المبارك، فيختمها بصالح الأعمال[1].

عن عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ما لا يجتهد في غيره».

هذا الحديث أخرجه مسلم في: كتاب: الاعتكاف، باب: الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان، من: صحيحه[2]، واللفظ له، والترمذي في: أبواب الصوم، باب: ما جاء في ليلة القدر، من: سننه[3]، وابن ماجه في: كتاب: الصيام، باب: في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان، من: سننه[4]، والنسائي في: كتاب: الاعتكاف، من كان يعتكف كل سنة ثم سافر، من: سننه الكبرى[5]، وأحمد في مسنده[6].

وأما إحياء الليل:

فكان يحيه صلى الله عليه وسلم بأنواع العبادات من: الصلاة، والذكر، والفكر، أو أحيا نفسه بالسهر فيه؛ لأن النوم أخو الموت، كأن الزمان الخالي عن العبادة بمنزلة الميت، وبالعبادة فيه يصير حيا، وأضافته إلى الليل اتساعاً؛ لأن النائم إذا حيى باليقظة حيى ليله بحياته[7].

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، «إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد وشد المئزر».

أخرجه البخاري في: كتاب: فضل ليلة القدر، باب: العمل في العشر الأواخر من رمضان، من صحيحه[8]، ومسلم في: كتاب: الاعتكاف، باب: الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان، من: صحيحه[9]، واللفظ له، وابن ماجه في: كتاب: الصيام، باب: في فضل العشر الأواخر من شهر رمضان، من: سننه[10]، وأبو داود في: كتاب الصلاة، باب: قيام شهر رمضان، من: سننه[11]، والنسائي في: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، ذكر الاختلاف على أم المؤمنين عائشة في إحياء رسول الله صلى الله عليه وسلم الليل، من سننه الكبرى[12]، وأحمد في مسنده[13].

وأما شد المئزر:

فيشد مئزره صلى الله عليه وسلم، ويتفرغ للعبادة، ويشتغل بها عن غيرها، وإليه يرمز قول الشاعر:

دنيت للمجد والساعون قد بلغوا***جهد النفوس وألقوا دونه الإزرا[14]

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشد المئزر»[15].

وعن عائشة رضي الله عنها أيضا، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل رمضان، شد مئزره، ثم لم يأت فراشه حتى ينسلخ».

أخرجه ابن خزيمة في: كتاب: الصوم، باب: استحباب ترك المبيت على الفراش في رمضان إذ البائت على الفراش أثقل نوما، وأقل نشاطا للقيام من النائم على غير الفرش الوطيئة الممهدة في شهر رمضان، من صحيحه[16]، والبيهقي في شعبه[17]، حسنه السيوطي في الجامع الصغير[18].

وأما إيقاظ الأهل:

فقد كان صلى الله عليه وسلم يوقظ أهله للصلاة في الليل، تنبيهاً لهم على فضل تلك الأوقات، وعلى وقت الخير، ليتعرضوا للنفحات، دلالة لهم على محل الخير، وإعانة لهم على تحصيله، واغتنام صالح العمل فيها[19].

عن عائشة رضي الله عنها، قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر، أحيا الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشد المئزر»[20].

وعن علي رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوقظ أهله في العشر الأواخر من رمضان».

أخرجه الترمذي في: أبواب الصوم، باب: ما جاء في ليلة القدر، من: سننه[21]، وأحمد في: مسنده[22]، والبزار في: مسنده[23]، وعبد الرزاق في: كتاب: الصيام، باب: ليلة القدر، من مصنفه[24]، وابن أبي شيبة في: مصنفه[25].

وأما تحري ليلة القدر:

كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر، ويحرص على طلب ليلة القدر، ويبالي في طلبها[26].

عن عائشة قالت:  قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان».

أخرجه البخاري في: كتاب: فضل ليلة القدر، باب: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر، من صحيحه[27]، ومسلم في: كتاب: الصيام، باب: استحباب صوم ستة أيام من شوال إتباعا لرمضان، من: صحيحه[28]، واللفظ له، ومالك في موطئه[29]، والترمذي في: أبواب الصوم، باب: ما جاء في ليلة القدر، من: سننه[30]، وأحمد في مسنده[31].

هكذا كان هدي النبي صلى الله عليه وسلم وحاله، إذا أقبلت العشر الأواخر من رمضان، وهو صلى الله عليه وسلم غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولهذا فلتقتدي بهديه، ونستن سنته، في هذه العشر الأواخر، ونحن على أبواب توديع شهر رمضان، شهر القرآن والغفران، وهذه العشر الأواخر منه، وجب اغتنامها بتقليل النوم، وشد المئزر، وإيقاظ الأهل، والزيادة في الطاعات، من: قيام الليل، وإحيائه، وتحري ليلة القدر؛ لأن هذه العشر الأخيرة، هي ختام الشهر المبارك، فينبغي ختمها بصالح الأعمال، عسى مغفرة ما تقدم من الذنوب، والعبرة بالخواتيم.

********************

هوامش المقال:

[1]) فيض القدير شرح الجامع الصغير 5 /203، التنوير شرح الجامع الصغير 8/ 45.

[2]) الصحيح 2/ 832، رقم الحديث: 1175.

[3]) السنن 3 /152، رقم الحديث: 796.

[4]) السنن 1 /562، رقم الحديث: 1767.

[5]) السنن الكبرى 3/ 395، رقم الحديث: 3376.

[6]) المسند 43/ 259، رقم الحديث: 26188.

[7]) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 6 /656، سنن ابن ماجه بشرح السندي 2 /357.

[8]) الصحيح 3 /47، رقم الحديث: 2024.

[9]) الصحيح 2 /832، رقم الحديث: 1174.

[10]) السنن 1/ 562، رقم الحديث: 1768.

[11]) السنن 2 /526، رقم الحديث: 1376.

[12]) السنن الكبرى 2 /130، رقم الحديث: 1336.

[13]) المسند 40/ 159، رقم الحديث: 24131.

[14]) مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح 4/ 1441.

[15]) سبق تخريجه.

[16]) الصحيح 2 /1059، رقم الحديث: 2216.

[17]) شعب الإيمان 5/ 234، رقم الحديث: 3352.

[18]) الجامع الصغير من حديث البشير النذير 2 /88.

[19]) دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين 2 /315، 6/ 656، 7/ 35.

[20]) سبق تخريجه.

[21]) السنن 3 /152، رقم الحديث: 795، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”.

[22]) المسند 2 /156، رقم الحديث:  762.

[23]) المسند 2 /300، رقم الحديث:  724.

[24]) المصنف 2/ 77، رقم الحديث:  7839.

[25]) المصنف 3 /597، رقم الحديث:  8597.

[26]) شرح مصابيح السنة لابن الملك 2/559.

[27]) الصحيح 3 /47، رقم الحديث: 2020.

[28]) الصحيح 2 /828، رقم الحديث: 1169.

[29]) الموطأ رواية الليثي 3/ 460-461، رقم الحديث: 1140/ 330.

[30]) السنن 3 /149، رقم الحديث: 792.

[31]) المسند 40 /335، رقم الحديث: 24292.

*********************

جريدة المراجع

البحر الزخار (المسند) لأحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار، تحقيق (ج2): عادل بن سعد، مكتبة العلوم والحكم، المدينة المنورة- السعودية، الطبعة الأولى: 1415/ 1995.

التنوير شرح الجامع الصغير لمحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني، تحقيق: محمَّد إسحاق محمَّد إبراهيم، مكتبة دار السلام، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1432 /2011.

الجامع الصحيح (السنن) لمحمد بن عيسى بن سَوْرة الترمذي، تحقيق ج3: محمد فؤاد عبد الباقي، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، الطبعة الثانية: 1388/ 1968.

الجامع الصغير من حديث البشير النذير لعبد الرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي، المطبعة الخيرية، القاهرة- مصر، 1321.

الجامع المسند الصحيح المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه محمد بن إسماعيل البخاري الجعفي، تحقيق: محمد زهير بن ناصر الناصر، دار طوق النجاة، بيروت-لبنان، دار المنهاج، جدة-السعودية، الطبعة: الأولى: 1422، طبعة مصورة عن الطبعة الكبرى الأميرية، بولاق- مصر، 1311.

الجامع لشعب الإيمان لأحمد بن الحسين بن علي البيهقي، تحقيق: عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الأولى: 1423 /2003.

دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لمحمد علي بن محمد بن علان البكري، اعتناء: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت – لبنان، الطبعة الرابعة: 1425/ 2004.

سنن ابن ماجه بشرح محمد بن عبد الهادي السندي، اعتناء: خليل مأمون شيحا، دار المعرفة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1416 /1996.

السنن الكبرى لأحمد بن شعيب بن علي النسائي، تحقيق: حسن عبد المنعم شلبي، إشراف: شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421/ 2001.

السنن لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، محمد كامل قره بللي، دار الرسالة العالمية، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1430 /2009.

السنن لمحمد بن يزيد ابن ماجه القزويني، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء الكتب العربية، مصر، (د-ت).

شرح مصابيح السنة للإمام البغوي لمحمد بن عبد اللطيف ابن الملك الكرماني، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، إدارة الثقافة الإسلامية، الكويت، تحقيق: لجنة من المحققين بإشراف نور الدين طالب، الطبعة الأولى: 1433/ 2012.

فيض القدير شرح الجامع الصغير لعبد الرؤوف بن تاج العارفين بن علي بن زين العابدين المناوي القاهري، المكتبة التجارية الكبرى، مصر، الطبعة الأولى: 1356.

مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لعلي بن محمد الهروي القاري، اعتناء: صدقي محمد جميل العطار، دار الفكر، بيروت- لبنان، 1414/ 1994.

المسند الصحيح المختصر بنقل العدل عن العدل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار إحياء التراث العربي، بيروت-لبنان، (د-ت).

المسند لأحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: جماعة من الباحثين، إشراف: عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، بيروت- لبنان، الطبعة الأولى: 1421/ 2001.

المصنف لعبد الرزاق بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني، دار التأصيل، القاهرة- مصر، الطبعة الأولى: 1436/ 2015.

المصنف لعبد الله بن محمد بن أبي شيبة العبسي، تحقيق: حمد بن عبد الله الجمعة، ومحمد بن إبراهيم اللحيان، مكتبة الرشد، الرياض- السعودية، الطبعة الثانية: 1427 /2006.

الموطأ لمالك بن أنس بن مالك بن عامر الأصبحي المدني رواية يحيى بن يحيى الليثي، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، منشورات مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، أبو ظبي- الإمارات، الطبعة الأولى: 1425 /2004.

Science

يوسف أزهار

  • باحث بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسير ة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق