مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

النّقل والتحويل عند العروضيين

كتبه: أبو مدين شعيب تياو الأزهري الطوبوي
الباحث بمركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية
تطرأ على التفاعيل عِدَّة تغييرات، تُسمَّى بالزِّحافات والعلل، وليسَ حديثُنا في هذا المقام عن مفهومهما وأقسامهما والفرقِ بينهما، وإنما عن التفاعيل المزاحَفة التي تحوّل إلى أوزانٍ وصيغٍ أخرى مألوفةٍ، وذلك ما يصطلحُ عليه العروضيُّون بالنّقل، وقد يُطلق عليه: الردُّ والتّحويلُ، لكن الأول أكثر شيوعاً وتَداولًا واستعمالًا.
وقد تكلم عن ذلك علماء هذا الفنّ، وذكروا في معرض حديثهم عن البحور ما يجوز في كل بحرٍ من الزِّحافِ والصيغةَ المنقُولَ إليهَا الجُزْءُ المزاحَفُ، لكن لم يخصّصوا لذلك مبحثاً خاصاً، بل كان كلامهم عرضاً وعلى غير نسقٍ، إلّا بدر الدين الدماميني، فقد أفاض فيه الكلام في كتابه الزاخر «العيون الغامزة، 224-231»، والزنجانيّ في «معيار النظار، 1/13-17» وبعض شراح «المقصد الجليل في علم الخليل» المشهور بعروض ابن الحاجب كأحمد بن محمد بن علي الفيّومي المقري، كما لَمَّح إليه ابن جني في كتابهِ «الخصائص، 2/69» – رحمهم الله أجمعين -.
مفهوم النقل والتحويل:
يمكنُ أن نُعرّفَ النَّقْلَ بأنَّهُ: تَحويلُ التَّفعيلة المزاحَفة إلى صيغةٍ أُخرَى مَألُوفةٍ ومُستعمَلةٍ. ومعنى ذلك أن التفعيلة حين يطرأ عليها تغييرٌ من زحافٍ

تطرأ على التفاعيل عِدَّة تغييرات، تُسمَّى بالزِّحافات والعلل، وليسَ حديثُنا في هذا المقام عن مفهومهما وأقسامهما والفرقِ بينهما، وإنما عن التفاعيل المزاحَفة التي تحوّل إلى أوزانٍ وصيغٍ أخرى مألوفةٍ، وذلك ما يصطلحُ عليه العروضيُّون بالنّقل، وقد يُطلق عليه: الردُّ والتّحويلُ، لكن الأول أكثر شيوعاً وتَداولًا واستعمالًا.

وقد تكلم عن ذلك علماء هذا الفنّ، وذكروا في معرض حديثهم عن البحور ما يجوز في كل بحرٍ من الزِّحافِ والصيغةَ المنقُولَ إليهَا الجُزْءُ المزاحَفُ، لكن لم يخصّصوا لذلك مبحثاً خاصاً، بل كان كلامهم عرضاً وعلى غير نسقٍ، إلّا بدر الدين الدماميني، فقد أفاض فيه الكلام في كتابه الزاخر «العيون الغامزة، 224-231»، والزنجانيّ في «معيار النظار، 1/13-17» وبعض شراح «المقصد الجليل في علم الخليل» المشهور بعروض ابن الحاجب كأحمد بن محمد بن علي الفيّومي المقري، كما لَمَّح إليه ابن جني في كتابهِ «الخصائص، 2/69» – رحمهم الله أجمعين -.

مفهوم النقل والتحويل:

يمكنُ أن نُعرّفَ النَّقْلَ بأنَّهُ: تَحويلُ التَّفعيلة المزاحَفة إلى صيغةٍ أُخرَى مَألُوفةٍ ومُستعمَلةٍ. ومعنى ذلك أن التفعيلة حين يطرأ عليها تغييرٌ من زحافٍ أو علةٍ أو هما معاً قد تَكون على وزنٍ غير مألوفٍ ومعروفٍ، ومثالٍ خارج عن أمثلة العروضيّين فتردّ إلى صيغةٍ مُوائمةٍ لسَننهم وقَواعدهم.

قَال ابنُ جنيّ – رحمه الله -:” إنَّ الخليل لما رتَّب أمر أجزاء العروض المزاحَفة، فأوقع للزحاف مثالًا مكان مثالٍ عَدَلَ عن الأوّل المألوف الوزن إلى آخَرَ مِثلِه في كونه مألوفًا, وهَجَر مَا كانَ بقَّتْهُ صَنعةُ الزِّحاف من الجزءِ المزاحَف مما كانَ خارجًا عن أمثلةِ لُغتهمْ (1)”، وقال الدَّماميني – رحمه الله -:”إنّ العروضيّين يَنقُلونَ صِيَغ الأفَاعيل في كثيرٍ منَ الأوقاتِ عندَ دُخُولِ التَّغيير عَليهَا إلى لَفظٍ آخَرَ تَحسيناً لِلْعِبَارَة (2)”.

مثال ذلك من الأجزاء:

«مَفَاعِيلُنْ» إذا دخله الحذفُ، وهو: حذفُ السَّبب الخفيف، يصيرُ «مَفَاعِي»، وَهُوَ مِثالٌ غَيرُ مَألوفٍ، فَيُنقَلُ إلى مثالٍ مألوفٍ وَهُوَ «فَعُولُنْ».

و«مُسْتَفْعِلُنْ» إذا دخلَهُ الطَّيُّ، وهو: حَذْفُ الرَّابِع السَّاكِن، فيكون «مُسْتَعِلُنْ»، وهُو مثالٌ غير مَألوفٍ، فينقل إلى «مُفْتَعِلنْ».

أسباب النقل والتحويل:

يُنقَلُ الجزءُ المزاحَف إلى جزءٍ آخر لكونه غير معروفٍ ومستعمَلٍ، وذلك لا يخلو من حالتين: الأُولى: أنْ يَسْقُط أَحدُ أَحرُفِ الوَزن، والثانيةُ: ألَّا يسقط واحد منها، لَكن يُسْتثقَل النُّطق بهِ (3).

الحالة الأولى: أن يُسقط التغييرُ من التفعيلة شيئاً من أحرف الوزن، وهي: الفاء والعين واللام؛ فقد “اختارَ العروضيُّون للأجزاء الدائرةِ بينهم في وزن الشعر الفاءَ والعينَ واللامَ اقتفاءً لأهل الصَّرف في عادَتهم وزنَ الأصول بهذه الحروفِ، فحذَوا حذْوَهُمْ في مُطلق الوزن بِهَا لِمَا كانَ على ثلاثة أحرفٍ مع قطع النظر عن الأصالةِ والزِّيادةِ، وأضافوا إلى ذَلك من الحُروف الزَّوائد سَبعةً، وهي: الألفُ والياءُ والواوُ والسِّينُ والتاءُ والنُّونُ والميمُ، ويجمعُ هذه الأحرفَ قولك:”لمعتْ سُيوفُنا”. وتُسمَّى عندَهم بأحرفِ التَّقطيع (4)”.

ففي هذه الحالة يُنقل الجزءُ ـ أي التفعيلة ـ إلى صيغةٍ تجتمعُ فيهَا هَذِهِ الأحرفُ، قال الفيُّوميُّ صاحبُ «المصباح المنير» في شرحه على عروض ابن الحاجب – رحمهما الله -:”ما سَقَطَ بعضُ أُصولهِ فَلا بُدَّ من نَقْلِهِ إِلى بِنَاءٍ تَكمُلُ فيهِ أُصولُه حيث أَمْكَنَ، وذَلك عَادَتهُمْ مُحافظةً على إعادةِ الأصول إلى الجُزْءِ الَّذِي أَفضى به الزِّحافُ إِلَى حَذْفِ أَصلٍ منه؛ لأنَّ الخَليلَ ـ رحمه الله ـ بَنى أَجْزَاءَ التَّفعيلِ عَلى الأُصولِ الَّتي تُعْتَبَر فِي امتِحَانِ الكَلِمَةِ العَرَبِيَّةِ، وَهيَ: الفَاءُ والعينُ واللامُ (5)”

  مثال ذلك:

«فَعُولُنْ» إذا دخله الثَّلْمُ، وهو: حذفُ أول الوتد المجموع، فيكون «عُولُنْ»، بإسقاط الفاء، فينقل إلى «فَعْلُنْ»، أو يدخله الحذف، فيصير «فَعُو» فيُنقل إلى «فَعَلْ».

و«مُتَفَاعِلُنْ» إذا دَخَلَهُ الحَذذُ، وهو: حذفُ الوَتِدِ المجمُوع، فيصير «مُتَفَا» فينقل إلى «فَعِلُنْ».

و«فَاعِلَاتُنْ» إذا دخله التَّشعيثُ، وهو حذف أحد متحركي الوتد المجموع، فصير «فَاعَاتُنْ/فَالَاتُنْ» بإسقاط العين أو اللام، فينقل إلى «مَفْعُولُنْ».

الحالة الثانية: ألَّا يَسْقُط من الجُزْءِ أَحدُ أَحْرفِ الوزن المذكورة، لكن يُسْتَثقَل النُّطقُ بِهِ، لمجِيئِهِ عَلى غير الأَمثلة المعروفة والأوزان المستعملة عندهم، نحو:«مَفَاعيلن» إذا دخله الخرْم فيصير «فاعيلن» فينقل إلى «مَفْعُولُنْ»، و«مُتَفَاعِلُنْ» إذا دخله الوقص، وهو: حذف الثاني المتحرك، فيصير «مُفَاعِلُنْ» بضمِّ الميمِ فينقل إلى «مَفَاعِلُنْ» بفتح الميمِ.

ومِنْ صُورِ هَذهِ الحالةِ أيضًا(6):

1-  أَنْ يصيرَ الجُزءُ بِالتَّغيير مُسَكَّن اللَّامِ، نحو:«فَاعِلُنْ» إذا دخله القطعُ، وهو: حذفُ سَاكن الوَتدِ المجموع وتسكينُ ما قبله، فيصير «فَاعِلْ»، فينقل إلى «فَعْلُنْ». ونحو: «فَاعِلَاتُنْ» إذا دخله البَتْرُ، وهوَ: مجموعُ الحَذْفِ وَالقَطْعِ، فيصيرُ «فَاعِلْ»، فَيُنقَل إلى «فَعْلُنْ». ونحو:«مُسْتَفْعِلُنْ» إذا دخله القطع فيصير «مُسْتَفْعِلْ»، فينقل إلى «مَفْعُولُنْ». ونحو:«مُفَاعَلَتُنْ» إذا دخله القطف، وهو: مجموع الحذْفِ والعصب، فالحذف سبق تعريفهُ، والعَصْبُ: تسكينُ الخَامِس المتحرِّك، فيصير «مُفاعَلْ» فيُنقل إلى «فَعُولُنْ». وأما «فَعُولْ» مقصور «فَعُولُنْ» فلا ينقل لأنه مثالٌ مألوف ومستعمَلٌ.

2- أن يصيرَ الجزء بالتغيير مُسكَّنَ التاء، نحو:«فَاعِلَاتُنْ» إذا دخله القصر، وهو: حذفُ ساكن السَّبب الخفيف وإسكانُ مُتحرِّكِهِ، فَيصير «فَاعِلَاتْ» فينقل إلى «فَاعِلَانْ». ونحو: «مَفْعُولَاتُ» إِذَا دَخلَهُ الوَقْفُ، وهوَ: إِسكانُ آخِرِ الوَتِدِ المفْرُوقِ، فَيصيرُ «مَفْعُولَاتْ» فَينقَل إلى «مفعُولانْ».

3-  أنْ يَصير الجُزْءُ بِالتَّغْيير عَلى هيئةِ الاِسْمِ المنصُوبِ الموْقُوفِ عَلَيْهِ، نحو:«فَاعِلَاتُنْ» إذَا دخلهُ الحذفُ، فيصيرُ «فَاعِلَا» فَينقَلُ إلى «فَاعِلُنْ»، أو الحذفُ والخبنُ معاً فيصير «فَعِلَا»، فينقل إلى «فَعِلُنْ»، ونحو: «مَفْعُولَاتُ» إذَا دَخلهُ الكشْفُ أو الكَسْفُ، وهوَ: حذفُ آخِرِ الوَتدِ المفْروقِ، فَيصيرُ «مَفْعُولَا» فينقل إلى «مَفْعُولُنْ»، أو دخله الكشفُ والطيُّ معاً فَيصيرُ «مَفْعُلا» فينقل إلى «فَاعِلُنْ».

*   *    *

وأما إذا طرأ على الجُزء تَغييرٌ وبقي على وزنٍ مألوفٍ وصيغةٍ مستعمَلةٍ فلا يُنقل إلى صيغةٍ أُخرَى، نحو:«مَفَاعِيلُنْ» و«فَعُولُنْ» إذا دخلهما القبضُ، وهو: حذف الخامس الساكن، فيبقيان «مَفَاعِلُنْ» و«فَعُولُ» من غير نقلٍ. و«فَاعِلُنْ» إذا دخله الخبنُ، وهو: حذفُ الثاني الساكن، فيبقى«فَعِلُنْ»،   و«فَاعِلَاتُنْ» إذا دخله الخبنُ، فيبقى «فَعِلَاتُنْ»، أو الكفُّ، وهو: حذفُ السابع الساكن، فيبقى «فاعلاتُ»، أو الشَّكلُ، وهو: مجموع الخبن والكفّ، فيبقى «فَعِلَاتُ»، قال ابن جني ـ رحمه الله ـ:” إنَّ الزِّحافَ إذا عَرض في موضعٍ فكان ما يَبقى بعد إيقاعه مِثالًا مَعْروفًا لم يَسْتَبْدِلْ [أي:الخليل] بِه غَيرَه. وذلك كقبضه «مفَاعِيلُنْ» إذا صارَ إلى «مَفَاعِلُنْ», وكَكَفِّه أَيضًا لمَّا صار إلى «مَفَاعِيلُ». فلمَّا كانَ ما بَقيَ عَليه الجزءُ بعدَ زحافهِ مثالًا غير مُسْتَنْكَرٍ أقرَّه على صُورته، ولم يَتجشَّمْ تصوير مثالٍ آخرَ غيره عوضًا منه (7)”.

ومع ذلك فقد يختلف أهلُ الفنِّ في بعض الأجزاء المزاحَفة؛ بين من يُبقي الجزءَ على صِيغته بعد التغيير وبين من ينقُله إلى صيغة أخرى، نحو «فعولن» إذا دخله البتر؛ فبعضهُمْ يُبقيه على وَزْنِ «فَعْ»، كأبي الحسن العروضي وابن جني والتبريزي وابن عبّاد، وآخرون ينقلونَهُ إِلى «فَلْ» كابن عبد ربه وابن القطاع والزنجاني (8). كما أنهم قد يختلفون في الصيغة المنقولِ إليها الجزءُ، نحو:«فَاعِلَاتُنْ» إذا دخله التسبيغ، وهو: زيادةُ حرفٍ ساكن على ما آخره سبب خفيفٌ، فيصير «فاعلاتُنّْ» بنون مشددةٍ موقوف عليها، قال الدماميني:”يُعبَّر عنهُ عند الأكثرين بـ«فاعليَّانْ»، وبعضهم يُعبِّر عنهُ بـ«فَاعِلَاتَانْ» (9)”. فمن الطائفة الأولى الجوهري، وابن جني، والتبريزي، وابن عباد، ومن الطائفة الثانية ابن عبد ربه، وأبو الحسن العروضي، وابن القطاع (10).

ـــــــــــ

الهوامش:

1.   الخصائص، 2/69.

2.   العيون الغامزة، ص:224.

3.   انظر: العيون الغامزة، ص:224، شرح عروض ابن الحاجب، للفيومي، ص:21.

4.   العيون الغامزة، ص:26.

5.   شرح عروض ابن الحاجب، ص:21.

6.   انظر: العيون الغامزة، ص:224.

7.   الخصائص، 2/69.

8.   انظر: العيون الغامزة، ص:225، العروض لابن جني، ص:104، الوافي، ص:169، الإقناع، ص:73، معيار النظار، 1/81.  العقد الفريد، 5/450، الجامع، ص:168، البارع، ص:204.

9.   العيون الغامزة، ص:227. قال الإسنوي ـ رحمه الله ـ في «فاعلاتن» المسبّغ:”زيد على سببه نون ساكنةٌ فلم يمكن النطق بها، فقلبوا نون «فاعلاتن» ألفاً فبقي «فاعلاتانْ»، فطال لوجود ثلاث ألفاتٍ، فقلبت التاء والألف التي قبلها ياءين وأدغمتْ الأولى في الثانية”[نهاية الراغب، ص:250]

10.   انظر: عروض الورقة، ص:54، العروض لابن جني، ص:80، الجامع، ص:136، الوافي، ص:112، الإقناع، ص:46. العقد الفريد، 5/438، معيار النظار، 1/54، البارع، ص:159.

ــــــــــــ

أهمّ المصادر والمراجع:

ـ الخصائص، لأبي الفتح عثمان بن جني، تحقيق: محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، مصر، ط:4، 1999م، ج:2.

ـ شرح عروض ابن الحاجب، لأحمد بن محمد بن علي الفيومي المقري، تحقيق: د. محمود محمد العامودي، الناشر: دار الكتب العلمية، لبنان، ط:1، 1434هـ/2013م.

ـ العيون الغامزة على خبايا الرامزة، لبدر الدين أبي عبد الله محمد بن أبي بكر الدماميني، تحقيق: الحساني حسن عبد الله، الناشر: مكتبة الخانجي بالقاهرة، مصر، ط:2، 1415هـ/1994م.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق