وحدة الإحياءدراسات محكمة

النظر المقاصدي في التراث الفقهي للإمام مالك

يرى الباحث أن اجتهاد الإمام مالك مؤسس على نظر مقاصدي، وأن فكرة المقاصد كانت المحدد الأساس لهذا الاجتهاد المالكي الذي قد يتغير بتغير الحيثيات والملابسات. وقد استعرض الباحث مجموعة من النماذج التي تبين مدى مراعاة الإمام مالك لمقاصد الشارع بمختلف أنواعها في اجتهاداته وآرائه، وما احتله العمل بها عنده من مرتبة عليا في فقهه.

إذا كان الفقه في الدين وتنزيله في واقع الحياة بما يحقق مصالح الناس العاجلة والآجلة، يعتبر منتهى غاية الشريعة الإسلامية وخلاصة مقاصدها؛ فإن تحقيق هذا الأمر لا يكون إلا باستفراغ الجهد في فهم الخطاب الشرعي وإدراك مقاصده، مع الإلمام بأساسيات الواقع ومتطلباته، بما يمكن من الاجتهاد واستخراج الأحكام المناسبة للوقائع المستجدة.
ومن ثمة ندرك أن النظر المقاصدي وسيلة أساسية يتوصل المجتهد من خلالها إلى تقرير كثير من الأحكام، ولذلك جرى العلماء على النظر في المقاصد في سبيل معرفة وجه الدليل حسب مراد المشرع.
وقد اعتمد الإمام مالك رضي الله عنه في اجتهاده الفقهي على قواعد الأصول، مع استحضار مقاصد الشريعة ومراعاة ظروف الواقع، فكان اجتهاده بذلك مؤسسا على نظر مقاصدي، حتى أنه كان رائدا في هذا المجال. وعلى هذا سنعمل على تجلية النظر المقاصدي لإمامنا في تراثه الفقهي، بما يبرز مدى إلمامه بأسس ومضامين مقاصد الشريعة، وتشبعه بها واعتماده على قواعدها وتبصره بها في اجتهاداته وفتاويه وآرائه في مختلف المسائل.
ولما كانت المقاصد تنقسم بصفة عامة إلى قسمين هما:
مقاصد الشارع ومقاصد المكلف؛ فسنعمل على إبراز عمل مالك على مراعاة المقاصد في فقهه من جانبين: أحدهما مراعاته لمقاصد الشارع، وثانيها مراعاته لمقاصد المكلف.

1.  مراعاة مقاصد الشارع في فقه الإمام مالك

أهم ما في مقاصد الشارع هو قصده في وضع الشريعة لتحصيل مصالح العباد في العاجل والآجل؛ ومن ثمة كانت تكاليف الشريعة تهدف إلى حفظ مصالح الناس الضرورية فالحاجية ثم التحسينية، حيث يتم في هذه المستويات الثلاثة الحفاظ على الأصول الكلية الخمسة الممثلة في: الدين والنفس والعقل والنسل والمال.
ومن أهم ما يكمل هذا النوع ويفصله ما أطلق عليه الشاطبي قصد الشارع في وضع الشريعة للتكليف مقتضاها ؛ حيث إن الشارع لم يقصد إلى التكليف بما فيه مشقة، فضلا عن التكليف بما لا يطاق؛ لأنه منفي عن الشريعة إجماعا. ومن ثمة فرغم تضمن التكاليف الشرعية لقدر من الشقة فإن الشارع لم يقصد نفس تلك المشقة، وإنما قصد ما في تلك التكاليف من المصالح الراجعة للعباد؛ ولذلك لا يجوز لهم أن يقصدوا السعي إلى المشقة في التكليف والدخول فيها إذا لم تكن من لوازمه.
ويضاف إلى ذلك ما ذكره الشاطبي في قصد الشارع في دخول المكلف تحت أحكام الشريعة؛ حيث بين أن المقصد الشرعي من وضع الشريعة هو إخراج المكلف عن داعية هواه ؛ لأن مصالح المكلفين لا تتحقق إلا من خلال العمل بأحكام الشرع، وهذا لا يكون إلا بالخروج عن إتباع الأهواء والسعي إلى المصالح الحقيقية الموافقة لقواعد الشريعة.
وبناء على ذلك فإن مقاصد الشارع التي سنعمل على بيان مراعاة مالك لها في آرائه الفقهية وفتاويه، تتلخص في مراعاة رتب المصالح الثلاث: الضرورية فالحاجية ثم الحسنية؛ محافظة على الكليات الخمس وما قد يلحق بها، مع مراعاة التيسير ورفع الحرج عن الناس، ومراعاة إخراج المكلفين عن داعية أهوائهم.
علما بأن هذا التقسيم منهجي يتوخى توضيح مدى مراعاة الإمام مالك لأنواع المقاصد المذكورة في فقهه، وإلا فإن عملية الاجتهاد تتداخل فيها غالبا مراعاة تلك المقاصد بالإضافة إلى غيرها من آليات الاجتهاد الفقهي.

الحرص على تحصيل مصالح العباد في الدارين

لما كانت الشريعة موضوعة لأجل تحقيق مصالح الناس في الدنيا والآخرة، وأن حفظ تلك المصالح  يتدرج في ثلاث مراتب كما بينا؛ فإن مالكا كان حريصا على مراعاة قصد الشارع إلى تحصيل تلك المصالح  بما يتضمن الحفاظ على الكليات الخمس وما يتصل بها أو يلحق بها، كما سيتضح من بعض النماذج التطبيقية الدالة على ذلك من فقهه.
فمن أمثلة آراء مالك الفقهية التي يتضح مسايرته فيها لهذا الجانب من “مقاصد الشريعة من تشريع الأحكام”؛ ما نجده في مجال العبادات فيما يتعلق بالطهارة؛ ذلك أن أخذ مالك بمبدإ التيسير –كما سنرى لاحقا- لا يعني عنده إهمال بعض ما ينبغي على المكلف فعله، ومن ثمة نجد إمامنا في غسل الجنابة يلزم المغتسل بالدلك مراعاة لقصد الشارع من الاغتسال، ونفس الشيء في الوضوء.

جاء في المدونة: وقال مالك في الجنب يأتي النهر فينغمس فيه انغماسا وهو ينوي الغسل من الجنابة ثم يخرج، لا يجزئه إلا أن يتدلك وإن نوى الغسل، وكذلك الوضوء بماء. وإن مر بيديه على بعض جسده، لا يجزئه حتى يمرهما على جميع جسده ويتدلك ؛ لأن عليه إيصال الماء إلى بدنه على وجه يسمى غسلا لا غمسا، وذلك يقتضي صفة زائدة على إيصال الماء حتى يتحقق مقصود الغسل، ولأن أهل اللغة قد فرقوا بين الغسل والغمس؛ ومن ثمة لا يجزئه مجرد الانغماس أو صب الماء، خلافا لأبي حنيفة والشافعي .
كما أن مالكا مراعاة منه لهذا الجانب من المقاصد الذي نحن بصدده ذهب إلى كراهة التزويق في القبلة؛ معللا ذلك بشغل المصلين، وكما هو واضح فإنه نظر إلى أحد مقاصد الشرع في أداء الصلاة وهو الخشوع فيها؛ الذي جعله الله تعالى من أسباب فلاح المؤمنين في قوله تعالى: “قد اَفلح المومنون، الذين هم في صلاتهم خاشعون” [سورة المومنون / الآيتان: 1 – 2]، وقدر أن ذلك قد يلهي المصلي عن الخشوع، بمعنى أن فكرة المقاصد كانت المحدد الأساس لهذا الاجتهاد المالكي الذي قد يتغير بتغير الحيثيات والملابسات.
وقد صرح مالك بذلك التعليل كما رواه عنه ابن القاسم الذي سأله سحنون: أكان مالك يكره التزويق في القبلة؟ فأجابه: نعم كان يكرهه، ويقول: يشغل المصلين . ومالك مستند في ذلك إلى ما أفادته بعض الأحاديث والآثار  المتعلقة بالنظر في الصلاة إلى ما يبعد عن الانشغال عنها، مراعاة للخشوع الذي يعتبر مطلوبا من المكلف في أداء الصلاة، حرصا على إبعاد كل ما قد يشوش على المصلي ويحول بينه وبين الخشوع في صلاته. بل إن مالكا مراعاة لهذا المقصد كره أن يتعمد المصلي جعل المصحف في القبلة، وإن كان أجاز أن يتوجه المصلي إليه إذا كان مكان المصحف جهة القبلة عادة؛ حيث قال: (وأكره أن يكون المصحف في القبلة ليصلى إليه، فإذا كان ذلك موضعه حيث يعلق فلا أرى به بأسا).
وفي إطار مراعاة نفس النوع من المقاصد؛ نجد مالكا أورد في الموطأ بعض الآثار في زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها، تدل على أن الولي يخرج الزكاة عمن ولي ماله؛ من ذلك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب قال: (اتجروا في أموال اليتامى، ولا تأكلها الزكاة). ومن ذلك أيضا ما روى عن عبد الرحمان بن القاسم، (ت126هـ) عن أبيه -القاسم بن محمد- أنه قال: كانت عائشة تليني وأخالي، يتيمين في حجرها، فكانت تخرج من أموالنا الزكاة . وجاء في المدونة أن سحنون سأل ابن القاسم، هل في أموال الصبيان والمجانين زكاة؟ فقال: سألنا مالكا عن الصبيان، فقال: في أموالهم الصدقة وفي حروثهم وفي ناضهم وفي ماشيتهم وفيما يديرون للتجارة. قال ابن القاسم: والمجانين عندي بمنزلة الصبيان .
فالقول بإجراج الزكاة من مال المحجور عليه صبيا أو مجنونا، بالإضافة إلى كونه مستندا للنص القرآني العام الذي لم يرد في شأنه ما يخصصه، وهو قوله تعالى: “والذين في أموالهم حق معلوم، للسائل والمحروم” [سورة المعارج / الآيتان: 24 – 25]. فإن مبني على مراعاة قصد الشارع من الزكاة؛ وهو تحقيق مصلحة الفقراء، وتحصين المال، وتزكية النفس؛ (لأن الزكاة تراد لثواب المزكي، ومواساة الفقير. والصبي والمجنون من أهل الثواب، ومن أهل المواساة، ولهذا يجب عليهما نفقة الأقارب. وهذا الرأي أولى لما فيه من تحقيق مصلحة الفقراء، وسد حاجتهم وتحصين المال من تطلع المحتاجين إليه، وتزكية النفس وتدريبها على المعونة والجود) .
وإذا انتقلنا من أحكام العبادات إلى أحكام المعاملات وغيرها؛ فإننا نجدها عند مالك لا تقل مراعاة لمقاصد الشارع من تشريع الأحكام والحرص فيها على تحصيل مصالح العباد؛ ففي مسائل البيوع نجد مالكا يقول إنه “لا ينبغي أن يستثنى جنين في بطن أمه إذا بيعت؛ لأن ذلك غرر، لا يدري أذكر هو أم أنثى، أحسن أم قبيح، أو ناقص أو تام، أو حي أو ميت، وذلك يضع من ثمنها . فقد نظر مالك في هذا إلى ما يبعد الغرر عن المتبايعين، مراعاة لمقصد الشريعة في دفع الغرر عن المتعاملين بالمال. وقد علق الباجي على ذلك مبينا صحة التعليل الذي ذكره مالك قال: (وهذا كما قال إنه لا يجوز أن تباع أمة أو شيء من إناث الحيوان ويستثنى جنين في بطنها. وعلل ذلك بعلتين؛ إحداهما أنه مجهول الصفة والحياة، والثانية أنه ينقص ذلك من ثمنها، وهذان تعليلان صحيحان) .
وفي ميدان العقوبات، واعتبارا لقصد الشارع في درء الحدود بالشبهات؛ فإن مالكا قال: “في الذي يعترف على نفسه بالزنى، ثم يرجع عن ذلك ويقول لم أفعل، وإنما كان ذلك مني على وجه كذا وكذا، لشيء يذكره، إن ذلك يقبل منه، ولا يقام عليه الحد” . وظاهره أن تكذيب نفسه بدون إبداء عذر لا يقبل، وهو مروي عن الإمام نصا وأشهب وعبد الملك، والمذهب قول ابن القاسم وابن وهب وابن عبد الحكم بقبول رجوعه مطلقا . وقد بين ابن عبد البر استحالة حكم الشرع بإقامة حد بغير يقين تام لا يدع مجالا للشك؛ لأن المسلم له حرمة ودمه محرم فلا يستباح منه شيء إلا بيقين، ثم استدل لذلك بحديث أبي هريرة، في قصة ماعز .
وفي إطار اعتبار نفس المقصد الشرعي ذهب مالك إلى أنه إذا اختلف شهود الزنى في مكان الفعل لا تقبل شهادتهم، ولا يثبت بها حد الزنى؛ لأن الحدود تدرء بالشبهات، واختلاف الشهود يعد شبهة، ويقام بالمقابل على الشهود حد الفرية زجرا لهم، وحفظا لأعراض المسلمين من أن تخدش إلا بيقين. وقد بين ابن رشد أن مالكا ومن وافقه في هذه المسألة اعتبروا الاختلاف في المكان كالاختلاف في الزمان، مع أن الاختلاف في الزمان يؤثر في رد الشهادة باتفاق، ومعلوم أن هذا الاختلاف يورث شبهة في ثبوت الجريمة، وقد علم من الشارع قصده إلى درء الحدود بالشبهات، كما أن الظاهر منه التوثق في ثبوت هذا الحد أكثر منه في سائر الحدود . ومن هنا رد الغزالي على القائلين بقبول تلك الشهادة وإقامة حد الزنى على المشهود عليه، واصفا ذلك بأنه هوس؛ لأن نصدقهم ولا نرجم المشهود عليه، كما لو شهد ثلاثة، وندرء الرجم من حيث لم نعلم يقينا اجتماع الأربعة على شهادة واحدة، فدرء الحد بالشبهة أحسن . وفي مجال العقوبات الشرعية أيضا، وحرصا من مالك على تحقيق مصلحة حفظ المال، والحفاظ على نظام الأمة وعموم الأمن فيها؛ فقد ذهب إلى أن من قطع الطريق في المصر أو قريبا منه يعتبر قاطع طريق، ويقام عليه حد قطع الطريق . وكما هو واضح فإن هذا الرأي يساير مقاصد الشريعة من العقوبات عامة ومن إقامة حد الحرابة خاصة؛ ذلك أن جميع تصرفات الشريعة تحوم حول إصلاح حال الأمة في سائر أحوالها، والزواجر والعقوبات والحدود ما هي إلا إصلاح لحال الناس، ومن أكبر مقاصد الشريعة حفظ نظام الأمة، وليس يحفظ نظامها إلا بسد ثلمات الهرج والفتن والاعتداء . والدليل على صحة ما ذهب إليه مالك أيضا أن عموم الآية  الواردة في الموضوع يتناول كل محارب، فالمقصد الشرعي الذي من أجله شرع حد الحرابة متوفر في قاطع الطريق داخل المدينة كما هو الشأن بالنسبة لقاطع الطريق خارجها، وعلى هذا يقام حد الحرابة على قاطع الطريق في المصر قياسا على قاطعه في الصحراء ونحوها، بل إن قاطعه في المدينة أولى بإقامة الحد عليه؛ نظرا لجرأته فيها وضرره أكثر وهي موضع أمن.
وفي مجال الجهاد في قسمة الفيء نجد مالكا نظرا إلى إعطاء الأولوية في تلك القسمة لذوي الحاجة، متبعا في ذلك عمل عمر بن الخطاب، كما أنه جعل ما فضل –بعدما استغنى أهل الإسلام- من هذا المال، على اجتهاد الإمام إن رأى أن يحبس ما بقي لنوائب أهل الإسلام حبسه، وإن رأى أن يفرقه على أغنيائهم فرقه . وفي هذا الرأي ما لا يخفى من نظر متقدم في حسن تدبير المال العام، حتى أنه يمكن القول بتقدمه على أحدث النظريات المعاصرة في هذا المجال.

2.1. مراعاة التيسير وعدم التكليف بالمشاق

من مقاصد الشارع –كما أشرنا سابقا- عدم تكليف المكلفين بالمشاق، وبناء على ذلك لا يجوز لهم القصد إلى المشاق في أداء التكاليف إذا لم تكن تلك المشاق لازمة لها، كما أنه إذا كان من شأن العمل أن يحصل به للمكلف مشقة زائدة على المعتاد؛ فلا ينبغي له أن يقوم به بل يترخص فيه بحسب ما شرع له المشرع. ومن هذا المنطق الشرعي المراعي لرفع الحرج سنسوق بعض آراء مالك التي نظر فيها إلى التيسير على المكلفين؛ بما يراعي قصد الشارع في عدم تكليفهم بالمشاق.
فمن أمثلة آرائه الفقهية التي يتضح فيها مسايرته لهذا الجانب من المقاصد الشرعية في مجال العبادات؛ إجازته للمسح والتنشيف بعد الوضوء والغسل، خلافا لمن قال بكراهة ذلك ؛ لأن المقصود الشرعي  من الوضوء والغسل يكون قد حصل، فلا معنى لكراهة تنشيف الماء الذي يبقى على الجسد؛ لأن ذلك يؤدي إلى نوع من المشقة على المكلف، مع ما قد ينتج عنه من مرض خاصة في الغسل.
ومن آراء مالك الموافقة لما ترمي إليه مقاصد الشرع من التيسير ورفع الحرج؛ قوله بعدم انتفاض الوضوء بشيء يخرج من غير السبيلين، خلافا للإمام أبي حنيفة وأصحابه وكذا الإمام أحمد في قولهم بانتقاضه بالكثير من ذلك، على أن الآثار الواردة في الموضوع وعمل أهل المدينة والاستصحاب كلها أدلة تؤيد صحة قول مالك في هذه المسألة .
وفي نفس سياق النظر المقاصدي الذي نحن بصدده رأى مالك أنه إذا تيمم شخص لعدم وجود الماء وافتتح الصلاة بالتيمم ثم ظهر الماء خلال صلاته فإن تيممه لا يبطل، وبالتالي صلاته به صحيحة بعد وجود الماء أثناءها، وقد وافق الشافعي هذا الرأي بينما خالف فيه أبو حنيفة . وكما هو واضح فقول مالك ومن معه يوافق مقاصد الشرع في عدم إعنات المكلف وتكليفه بما فيه حرج؛ لأنه شرع في صلاته بالتيمم فتستصحب صحة صلاته حتى آخرها.
وفي نفس الإطار قال مالك بجواز الجمع بين المغرب والعشاء في حال المطر، وإذا كان طين وظلمة وإن لم يكن مطر، ولا يجمع بين الظهر والعصر في المطر. وخالف الشافعي في ذلك حيث رأى أنه يجمع بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء في المطر الوابل الدائم، كما خالف أبو حنيفة ذلك ورأى في المقابل أنه لا يجمع أحد بين الصلاتين في المطر لا الظهر والعصر ولا المغرب والعشاء . وبهذا يتجلى أن رأي مالك يتميز بالوسطية، ويسير وفق قصد المشرع في عدم التكليف بالمشاق؛ فحال الطين والظلمة توجد فيها علة الجمع، بينما المطر في وسط النهار ليس سببا للجمع، لأن المشقة والأخطار منتفية فيه، ومن هنا  ندرك الجانب المصلحي الذي راعاه مالك في رأيه.
وسيرا مع مراعاة نفس المقصد ذهب مالك إلى أن المسافر إذا فاتته الصلاة في السفر فذكرها في الحضر وقد خرج وقتها، فإنه يقضيها صلاة سفر معتمدا في ذلك على ما جرى به العمل بالمدينة. وقد وافق أبو حنيفة هذا الرأي، بينما ذهب الشافعي وأحمد إلى أن الواجب عليه أن يصليها صلاة المقيم . فهذه الصلاة اجتمع فيها اعتباران: أحدهما ما في الذمة وهو القصر للمسافر، وثانيهما حكم المقيم وهو الإتمام. فمالك –ومن وافقه- رجح جهة ما وقع فيه الوجوب في السفر وتعلق بالذمة، بما تضمنه من تلك الرخصة من باب التيسير على المكلف، خاصة أن وقت تلك الصلاة قد ذهب، فناسب أن يقضي ما كان عليه في السفر قصرا ما دام لم يتعمد تأخيرها.
وفي الزكاة نجد من المسائل المختلف فيها بين الفقهاء؛ وجوب الزكاة على من ملك نصابا وعليه دين يستغرق نصابه أو بعضه، وقد راعى مالك مصلحة المدين فلم يوجب الزكاة في ماله، وخالفه في ذلك الشافعي ، ويتجلى وجه النظر المقاصدي عند مالك في أن القول بعدم وجوب الزكاة في مال المدين، فيما يتعلق بالنقود وعروض التجارة، يسير وفق قصد المشرع الذي يرمي إلى عدم إعنات المكلف بما يشق عليه، مع تمكينه من أداء دينه لدائنه أولا.
ومن مراعاة مالك لهذا النوع من المقاصد في الصيام نصه على أن المريض الذي يشق عليه الصيام ويتعبه ويبلغ ذلك منه له أن يفطر، وقد جاء قول مالك احتجاجا منه على من أنكر الفطر للمريض، إلا لخوف الهلاك دون المشقة الزائدة. وقد أجاد مالك في هذه المسألة وأتى فيها بعين الصواب؛ لأن المسلم مؤتمن على نفسه فإذا خشي زيادة المرض جاز له أن يفطر .
كما أن مالكا نظر إلى رفع المشقة غير اللازمة فيما ينذر فعله من القرب، مراعاة منه لمقاصد الشرع في التيسير ورفع الحرج والمشقة عن المكلف، باعتبار أن الطاعة والأجر عليها لا يكون بالقصد إلى المشقة في تلك الطاعة، كما تنص على ذلك قواعد الشرع ونصوصه، ومن ثمة إذا نذر المكلف التقرب إلى الله بفعل فيه مشقة زائدة غير لازمة، فإن مالكا يفتي بفعل الطاعة مجردة عن تلك المشقة؛ كما هو الشأن في إفتائه من نذر المشي إلى بيت الله حافيا راجلا أن ينتعل، ومن ثمة قرر ابن عبد السلام وتابعه الشاطبي أنه لا يصح التقرب بالمشاق .

1. الاهتمام بإخراج المكلف عن داعية هواه

أشرنا آنفا إلى أن من مقاصد الشارع إخراج المكلفين عن داعية أهوائهم، ونضيف أن إتباع الأهواء يؤدي إلى المذموم شرعا؛ لأن الاسترسال في تلبية أهواء النفس يعود المكلف العمل على إرضاء نفسه دون التزام بأحكام الشرع وتوجيهاته، حتى يفضي به ذلك إلى ارتكاب المحظورات والتساهل في إتيانها. وقد كان مالك مهتما بهذا الجانب من مقاصد الشارع مراعيا لقصده في إخراج المكلف عن داعية هواه.
فمن ذلك في مجال العبادات اختيار مالك لتفسير الصلاة الوسطى -التي أكد الله على المحافظة عليها– بأنها صلاة الصبح . وهو اختيار يتناسب مع اعتبار قصد الشارع في إخراج المكلف عن داعية هواه؛ الذي يختص هنا بالنهوض عن النوم للصلاة.
في نفس السياق بين مالك المقصود بالسعي لصلاة الجمعة؛ بأنه العمل والفعل وليس السعي على الأقدام، وفي هذا نظر مقاصدي وتفسير مصلحي للنص القرآني الذي ورد فيه الأمر بالسعي لصلاة الجمعة ، فتبين بهذا أن قول مالك مبني على اهتمامه بالاستعداد لصلاة الجمعة وأدائها كما هو مطلوب ممن تجب عليه، وعدم انشغاله عنها بشؤون الحياة وتحصيل الكسب، حتى تفوته الخطبة أو الصلاة، ولا يخفى أن الانشغال عن صلاة الجمعة بالتجارة ونحوها، إنما يكون اتباعا لأهواء النفس، والرغبة في تحصيل مطالبها العاجلة على حساب مصالحها الحقيقية.
وقد حكم مالك المجال الذي نحن بصدده من النظر المقاصدي فيمن يؤخر إخراج  الزكاة حتى يتوفى، أو يؤخر الوفاء بالنذر ونحوه ثم يوصي به عند الوفاة، حيث بين أن من مات وعليه زكاة لو يؤدها، أنه إن أوصى بها لزم الورثة إخراجها من الثلث، وإن لم يوص بها لم يلزمهم شيء، وكذا إن أوصى بأن يوفى نذره من ماله إنما يلزم الورثة إخراج ذلك من الثلث ، وفي هذا اهتمام بإخراج المكلف عن اباع هوى نفسه التي تدعوه للشح بماله وعدم أداء زكاته وعدم الوفاء بنذوره، اعتمادا على أن ذلك سيحصل بعد وفاته، حينما يمتنع عليه الانتفاع بماله، وقد يتخذ ذلك ذريعة للإضرار بورثته.
وفي مسائل الحج اعتبر مالك قصد الشارع في الامتثال لأمره، ومخالفة الهوى الذي قد يدفع الموسر إلى عدم الامتثال لما يقتضيه الإحرام بالحج من خشونة وتجرد من أشكال الزينة تحقيقا للمقصود من الحج. فمن أراد أم يأتي  شيئا من محظورات الإحرام من غير ضرورة ويفتدي مستسهلا الفدية  لكثرة ماله، فإنه لا يجوز له ذلك وهو آثم .
وإذا كان مالك قد اهتم بإخراج المكلف عن داعية هواه في المجال المالي ونحوه؛ فإنه إلى جانب ذلك اهتم بإخراجه عن إتباع الهوى في مجال الغريزة؛ ومن ذلك أنه ذكر فيما لا يجوز من السلف منع قرض الجواري؛ لأن ذلك ذريعة إلى استباحة الفروج المحرمة. وهو قول جمهور الفقهاء، وروي عن المزني وابن جرير الطبري، إباحة ذلك. ووجه المنع ما احتج به مالك من حظر الفروج، ومعلوم أن من استقرض شيئا كان له أن يرده وإن كان قد انتفع به ما دام على صفته، وهذا يفضي في هذه المسألة إلى إباحة الفروج المحظورة .
وبهذه النماذج المذكورة اتضح إلى أي مدى كان مالك يراعي مقاصد الشارع بمختلف أنواعها في اجتهاداته وآرائه، وما احتله العمل بها عنده من مرتبة عليا في فقهه، الذي يسير وفق ما يرمي إليه الشارع الحكيم من مقاصد من تشريع الأحكام، والأمثلة سوى ما ذكر كثيرة، على أن ما أوردناه منها يفي بالغرض. وبقى أن نبين مدى مراعاة مالك في فقهه للقسم الثاني من المقاصد؛ وهو القسم المتعلق بمقاصد المكلف.

2. مراعاة مقاصد المكلف في فقه الإمام مالك

يعتبر النظر في مقاصد المكلفين جزءا مهما من مراعاة المقاصد في الاجتهاد الفقهي، وهو بالتالي جزء هام من النظر المقاصدي عند مالك؛ ذلك أن مقاصد المكلف هي التي تخرج مقاصد الشارع  وتنزل بها إلى مجال الممارسة الفعلية في حياة المكلف.
ويتلخص اعتبار مقاصد المكلف في “أن الأعمال بالنيات، والمقاصد معتبرة في التصرفات من العبادات والعادات” . وينبني على هذا الأصل العام قاعتان: إحداهما أن قصد الشارع من المكلف أن يكون قصده في العمل موافقا لقصد المشرع في التشريع. والثانية أن كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شرعت له فقد ناقض الشريعة، وكل من ناقضها فعمله في المناقضة باطل؛ فمن ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له فعمله باطل .
إلا أن مذاهب الأئمة والعلماء اختلفت في النظر إلى هذه المقاصد  ومدى اعتبارها؛ فأما  الشافعية فإنهم يعتدون في العقود بالألفاظ دون النظر إلى النيات، كما صرح بذلك الشافعي ، ويبدو مما قرره فقهاء الظاهرية من أحكام فقهية أنهم لم يأخذوا أيضا بالبواعث والقصود، وإنما أجروا عقود الناس وتصرفاتهم على ظاهرها . وأما الحنفية فإنهم يميلون إلى الأخذ بظواهر الألفاظ في العقود من غير تتبع للنيات الخفية، وهذا هو الاتجاه الغالب في فقههم، وإن كان في مذهبهم بعض الأحكام التي لوحظ فيها مقاصد المتعاقدين وبواعثهم على التصرف . وأما الحنابلة فالظاهر من الأحكام التي قرروها في المسائل الفقهية أن الاتجاه الغالب عندهم هو الأخذ بالبواعث والقصود، وعدم الوقوف عند حد الظاهر من التصرفات. على أن مذهب المالكية، وعلى رأسهم مالك، يعتبر الأكثر ملاحظة لمقاصد المكلف، واعتبارها في الحكم على تصرفاته وعقوده بالصحة أو البطلان، كما سيتجلى ذلك من النماذج التي سنسوقها.
ومما يدل على صحة مذهب مالك ومن وافقه في الأخذ بالمقاصد والبناء عليها؛ أن الألفاظ ما كانت  لها قوة إنشاء العقود إلا لأنها إخبارات عن النفس وما يجول بها من معان ورغبات، وما يختفي في ثناياها من نيات؛ فلا بد لصحتها من مطابقة خبرها للحقيقة، فإذا لم تكن الأخبار مطابقة للنيات  والأغراض، كانت أخبارا كاذبة، فتفقد ما نيط بها من تكوين العقد؛ ومن ثمة ينبغي أن لا ينشأ منها عقد ولا يناط بها حكم، والنيات تتلمس ويبحث عنها إذا وجدت أمارات لها .
ومن شدة اهتمام مالك بالنيات والمقاصد أنه اعتبرها ونظر إليها سواء في إنشاء العقود أو في غيرها من التصرفات الصادرة عن المكلف، كما سنبين ذلك من خلال جملة من آرائه الفقهية الدالة على اعتباره للمقاصد بصفة عامة في التصرفات والعقود، ومراعاته لموافقة قصد المكلف في العمل لقصد المشرع في التشريع، وإبطاله عمل من يبتغي في التكاليف ما لم تشرع له، ومعاملته للمكلف بنقيض مقصوده الفاسد كلما ظهر بالدلائل والقرائن ذلك المقصود.

1.2. اعتبار المقاصد عموما في التصرفات والعقود

اعتبار هذه المقاصد يمثل الأصل العام الذي تندرج تحته باقي القواعد الأخرى المشار إليها؛ لأنه يعني النظر إلى مقاصد المكلف واعتبارها في كل تصرفاته وعقوده وعدم الاكتفاء بظواهرها؛ ومن ثمة يعلم إمكان إدراج جل أمثلة مراعاة مقاصد المكلف على اختلاف أنواعها تحته، إلا أننا سنقتصر هنا على بعض الأمثلة العامة، تاركين غيرها للمكان الأنسب له مما سيأتي في بقية القواعد المتفرعة عن اعتبار مقاصد المكلف.
فمن ذلك قول مالك فيمن نسي تكبيرة الإحرام  وكبر للركوع قاصدا بها الافتتاح وكان مع الإمام أنه يتمادى ويجزئه. فالإمام مالك راعى الخلاف في هذه المسألة معتبرا فيها قصد المكلف؛ فلو لم يكن المصلي ناويا بتكبيرته الافتتاح لما رأى مالك ذلك مجزئا له، كما يستفاد مما ذكره في الموطأ والمدونة .
ومن النظر المقاصدي لمالك المندرج في هذا الإطار؛ ما ذهب إليه متابعا رأي عمر بن الخطاب، فيما يخص التعريض بالزنى؛ حيث اعتبر ذلك قذفا يوجب الحد، وذكر أنه المذهب المعمول به عند أهل المدينة، ويتبين قصد المكلف في مثل هذه الحال بقرائن  الأحوال الدالة على باطن مدلولا كلامه، كما وضح ذلك الباجي .
ومن ذلك أيضا أن مالكا قاس وجوب الحد على السارق بعد إخراجه المسروق من حرزه وإن رد إلى صاحبه إذا بلغ السلطان، وعلى وجوب الحد على الشارب وإن لم يسكر، بجامع القصد من كل منهما إلى حصول السكر بالنسبة للشارب، والانتفاع بالمسروق بالنسبة للسارق .
ومما يندرج في هذا الإطار قول مالك في الرجل  يمسك رجلا لآخر فيضربه فيموت؛ أنه إن أمسكه وهو يرى أنه يريد قتله قتلا به جميعا، وإن أمسكه وهو يرى أنه إنما يريد ضربه؛ فإنه يقتل القاتل ويعاقب الممسك ويسجن .
كما سار مالك في العقود على وقف ما تنص عليه القاعدة “العبرة العقوق للمقاصد والمعاني لا للألفاظ والمباني” وذلك في تحديد معاني العقود وحلها وحرمتها وصحتها وفسادها بالمقاصد والنيات لا بمجرد الألفاظ، فلا يصح التمسك بظاهر اللفظ إذا ثبت أن القصد خلافه، ومن ذلك ما نص عليه ابن جزي أن الصيغة في النكاح على مذهب مالك هي ما يقتضي الإيجاب والقبول كلفظ التزويج والتمليك، ويجري مجراهما البيع والهبة، خلافا للشافعي .

2.2. مراعاة موافقة قصد المكلف لمقصود الشارع

فالشريعة جاءت بالأحكام التي تكفل مصالح الناس؛ ولذلك كان المطلوب منهم أن تكون أعمالهم  ومقاصدهم فيها جارية وفق مقاصد المشرع في تشريعه، ومن هذا المنطلق وعلى أساسه أقام مالك كثيرا من آرائه واجتهاداته، كما سيتجلى ذلك من بعض النماذج.
فمن ذلك قول مالك إنه إنما يوتر بعد الفجر من نام عن الوتر، ولا ينبغي لأحد أن يتعمد ذلك حتى يضع وتره بعد الفجر . ففي هذا اعتبار لقصد المكلف؛ فلا ينبغي لأحد أن يعتمد تأخير الوتر عن طلوع الفجر لأنه من صلاة الليل، فمن قصد وتعمد تأخيره لما بعد الفجر فقد أتى مكروها، ومن مراعاة مالك لقصد المكلف أنه اعتبر الغرض الذي من أجله يمسك الذهب والحلي؛ فإن كان القصد  من ذلك إنما هو اللبس فلا زكاة فيه، وأيضا إن كان القصد إصلاحه لأجل اللبس؛ فلا زكاة فيه، خلافا للشافعي الذي لم يعتبر الغرض من إمساكه هنا . فالشافعي تمشيا مع مذهبه في إهدار الأغراض والقصود وعدم الالتفات إليها؛ جعل الزكاة واجبة في هذا النوع من الحلي المكسور ولو كان أصحابه يمسكونه بغرض الإصلاح واللبس، بينما اعتبر مالك القصد من إمساكه ولاحظ أنه ليس الغرض منه التجارة والتنمية وإنما هو الإصلاح لأجل اللبس، فأسقط فيه الزكاة، وفي هذا من النظر المقاصدي ما لا يخفى.
ومن ذلك أن مالكا أوجب تبييت نية الصيام سواء أكان صوم رمضان أو غيره فرضا أو نفلا. والدليل من جهة النظر على أنه لا بد من العزم على الصيام والقصد له قبل الشروع فيه؛ أن الصوم من جملة العبادات وهي مفتقرة إلى النية لأن الأعمال بالنيات.
وفي نفس الإطار فرق مالك بين إفساد صوم النفل عمدا وإفساده سهوا؛ فجعل في الأول القضاء دون الثاني، وكان القياس يقتضي عدم القضاء في النفل مطلقا، فهذا التفصيل في النفل مبني على مراعاة قصد المكلف ، حيث طالبه أن يكون عمله موافقا لقصد الشارع في التشريع؛ وهو الاستمرار في عمل الطاعة حتى يتم، إلا إذا حال دون إتمامه سبب يعذر به المكلف، دون أن يتعمد إبطال عمله بغير عذر مقبول شرعا.
ومن باب اعتبار مقاصد المكلف عند مالك تحريمه ما يصاد لأجل الحاج  ويقصد به، خلافا لما يكون عند رجل لم يرد به المحرمين؛ فلحم الصيد إذا وجده المحرم يباع، فإنه لا يخلو أن يصاد من أجل محرم أو محل، فإن صيد من أجل محل جاز أكله، وإن صيد من أجل محرم –خاصة بعد إحرامه- لم يجز له أكله؛ لأنه صيد للمحرم .
وتطبيقا لنفس مجال النظر المقاصدي الذي نحن بصدده فرق مالك في النذر بين القصد إلى المشقة وعدم القصد إليها؛ حيث سئل عن الرجل  يقول  للرجل أنا أحملك إلى بيت الله. فقال: إن نوى أن يحمله على رقبته، يريد بذلك المشقة وتعب نفسه فليس ذلك عليه، وليمش على رجليه وليهد. وإن لم يكن نوى شيئا فليحجج وليركب، وليحجج بذلك الرجل معه . فقد نظر مالك في هذه الفتوى إلى قصد المكلف ونيته، واعتبر في ذلك قصد الشارع في عدم قصد المكلف إلى المشقة في أداء التكاليف الشرعية.

3.2. إبطال عمل من ابتغى في التكاليف ما لم تشرع له

فالمكلف إذا قام بعمل وكان ذلك العمل وسيلة إلى نقض مقصود المشرع في المسألة المتعلقة بعمل المكلف؛ فإن هذا الأخير يتم إبطال عمله، وعدم تحقيق ما قصد الوصول إليه بذلك العمل. وفيما يلي بعض النماذج التطبيقية لذلك من فقه مالك.
ففي زكاة الشريكين فسر مالك قول عمر بن الخطاب: لا يجمع بين مفترق ولا يفرق بين مجتمع خشية الصدقة؛ أنه إنما يعني بذلك أصحاب المواشي، مراعيا في تفسيره نواياهم، بالتحيل على المقدار الواجب عليهم أداؤه في الزكاة .
ومن الأحكام التي بناها مالك على مراعاة قصد المكلف إبطاله نكاح المحلل؛ لأنه ينطوي على قصد فاسد مخالف لمقاصد الشارع من النكاح. ولا فرق عنده بين اشتراط ذلك بالقول أو بالتواطؤ والقصد؛ لأن القصود في العقود عنده معتبرة، والشرط المتواطأ عليه الذي دخل عليه المتعاقدان كالملفوظ عنده، والألفاظ لا تراد لعينها بل للدلالة على المعاني، فإذا ظهرت المقاصد فلا عبرة بالألفاظ، لأنها وسائل، وقد تحققت غايتها فترتبت عليها أحكامها .
وكلما كان قصد المكلف مخالفا لقصد الشارع، فإن مالكا يحكم ببطلان تصرفه، ومن ذلك ارتجاع الزوج لزوجته في عدتها ولا حاجة له بها، ولذلك إذا طلق الرجل (امرأته وله عليها رجعة فاعتدت بعض عدتها ثم ارتجعها ثم فارقها قبل أن يمسها، إنها لا تبني على ما مضى من عدتها، وأنها تستأنف من يوم طلاقها عدة مستقبلة، وقد ظلم زوجها نفسه وأخطأ، إن كان ارتجعها ولا حاجة له بها) .
ومما اعتبر فيه مالك قصد المكلف ولم يكتف بظاهر التصرف، فحكم ببطلان ذلك التصرف والعقد لفساد الغرض الخفي الذي أنشئ من أجله؛ حكمه ببطلان بيع العينة الذي يعتبر من بيوع الآجال التي يظهر فيها قصد المتبايعين للتوسل به إلى الربا بمقتضي العادة. وقد أدرج ابن رشد هذا البيع في بيوع الذرائع الربوبية، وبين الشاطبي أنه بيع انتفت منه المصالح التي لأجلها شرع البيع. ومن تطبيقات منع مالك للعقود التي تتخذ ذريعة إلى أكل الربا، كبيوع الآجال التي يكون ظاهرها الجواز لكنها تؤدي  إلى ممنوع، أنه أجاز الإقالة في البيع لكنه منع منها إذا زيد في الأجل مع زيادة في الثمن، معللا ذلك بأنه دخل في بيع الذهب بالذهب إلى أجل، فمنعه سدا لذريعة الربا . ومما يندرج في نفس الإطار؛ ما ذهب إليه مالك في بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان ذلك إلى أجل؛ حيث رأى أنه لا تجوز النسيئة فيما اتفقت منافعه وتشابه مع التفاضل. ومعتمده في منع النسيئة فيما اتفقت فيه الأغراض مع التفاضل إجماع أهل المدينة وسد الذريعة؛ لأنه كلما اتفقت الأغراض والمنافع فلا جدوي من بيعه متفاضلا إلى أجل، إلا أن يكون ذلك من باب سلف جر نفعا ومعلوم أنه محرم، فكل ما يِؤدي إليه يحرم سدا للذريعة . ومما يكون من التصرفات جائزا في الأصل لكنه ينقلب عند مالك  إلى عدم الجواز بسبب تطرق القصد الفاسد إليه؛ حكمه بعدم قبول هدية المدين إلى دائنه؛ لأن تلك الهدية تكون بمنزلة الربا. ومن ثمة نص مالك على أن لا يقبل الدائن هدية من مدينه إلا إذا كان ذلك معروفا بينهما، وهو يعلم أن هديته ليست لأجل دينه، سدا لذريعة الربا .

4.2. معاملة المكلف بنقيض مقصوده الفاسد

ذلك أن المكلف إذا عمل عملا وكان وسيلة إلى نقض مقصود المشرع، فإنه يعاقب بإبطال عمله، ثم يعامل بحكم خاص به يناسب سعيه إلى إبطال قصد الشارع فيعاقب بنقيض سعيه، وقد جرى مالك على العمل بهذه القاعدة في اجتهاداته، والأمثلة من فقهه على ذلك كثيرة.
فمن ذلك إبطال مالك لزواج من تزوج في العدة، وتفريقه بين الزوجين بصفة مؤبدة معاملة لهما  بنقيض مقصودهما، ومعاقبة لهما على استعجالهما الزواج قبل أوانه الشرعي، الذي دل عليه قول الله تعالى: “ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله” [سورة البقرة / الآية: 233]، تطبيقا للقاعدة الفقهية التي تم تأصيلها فيما بعد، التي تنص على أن “من استعجل الشيء قبل أوانه عوقب بحرمانه “.
وفي نفس السياق نجد مالكا –خلافا لغيره من الأئمة- قال ببطلان نكاح المريض مرض الموت؛ لاتهامه إياه بسوء القصد، وهو إدخال وارث جديد على الورثة مما يلحق بهم ضررا، ومن ثمة منع مالك التوارث بهد الزواج إذا وقع . وهذا يدل  على شديد اهتمام مالك بمقاصد المكلفين وبواعثهم في التصرفات الصادرة عنهم.
ومن المسائل التي حكم فيها مالك قصد المكلف فأعطاها حكما مخالفا لحكمها الأصلي المتعلق بظاهر التصرف؛ مسألة طلاق المريض مرض الموت زوجته طلاقا بائنا، فقد قال إمامنا بوقوع ذلك الطلاق، وهو ما عليه سائر الفقهاء، إلا أنه خالفهم في ميراثها من مطلقها؛ فقال بتوريثها منه سواء في العدة أو بعدها وسواء تزوجت أم لم تتزوج.
ومما يدل على اعتبار مالك، في توريث المطلقة أو عدم توريثها، قصد الزوج إلى حرمان زوجته المطلقة من الميراث، أنه أدار الحكم مع هذه العلة وجودا وعدما. والحق أن حجة مالك في هذه المسألة قوية جدا، فما  دام المقصود رفع الظلم عن المرأة، ورد القصد السيئ على المطلق بتوريثها منه؛ فيجب القول بتوريثها مطلقا إذا مات قبلها دون أي شرط آخر .
وفي الإطار نفسه إذا أقر المريض مرض الموت لوارثه بدين أو نحوه، فإن مالكا ينظر في حاله، فإن دلت قرينة على أن له قصدا سيئا؛ وهو محاباة الشخص المقر له، فإنه يحكم ببطلان ذلك الإقرار،  وأما إذا لم تقم قرينة على ذلك فإنه يحكم بصحته . وكما هو واضح فإن رأي مالك في هذه المسألة يتميز بالمرونة؛ حيث ينظر إلى كل حالة وما يناسبها حسب وجود التهمة بالقصد السيئ أو عدم  وجودها.
ومن باب مراعاة مقاصد المكلف معاملة القاتل بنقيض مقصوده؛ فمالك حكم بعدم توريثه من المقتول، حيث نظر إلى قصد القاتل لمورثه عمدا؛ لأنه متهم في ذلك باستعجال موته للتوصل إلى إرثه فعومل بنقيض مقصوده. وإن كان حرمان قاتل العمد من الميراث لا خلاف فيه بين العلماء، وإنما اختلفوا في القاتل خطأ، فقال بعضهم إنه لا يرث شيئا مثل القاتل عمدا، وقال آخرون يرث قاتل الخطأ من الدية ومن المال جميعا، وذهب مالك –وبعض العلماء- إلى ما ذكره في الموطأ من التفريق بين القاتل  العمد الذي لا يرث شيئا، وقاتل الخطأ الذي  يرث من المال ولا يرث من الدية شيئا .
واعتبارا لقصد المكلف أيضا جعل مالك البائع بالبراءة غير بريء إن علم بالمبيع عيبا فكتمه؛ لأن ذلك يكون  قصدا منه إلى التدليس على المشتري .
وبهذا نكون قد أتينا على قدر هام من النماذج التي توضح مدى اهتمام إمام دار الهجرة بمقاصد المكلف، ومراعاتها في الحكم على تصرفاته عامة، وما ينشئه من عقود خاصة.
ومما سبق تبينت جوانب مهمة من النظر المقاصدي عند الإمام مالك في تراثه الفقهي، تجلى منها ما تبوأه من مكانة عليا في فقه الرأي، والغوص في عمق المسائل المطروحة لتقرير أحكامها بما يوافق مقاصد الشارع الحكيم. وواضح أن ما رفع إمامنا إلى هذه المرتبة هو مراعاته للمصالح في اجتهاداته؛ من خلال حسن توفيقه بين الاعتماد على النصوص الشرعية واستعمال الرأي في مواضعه، مؤيدا ذلك بالآثار وما جرى عليه العمل بالمدينة، مع استحضاره لمقاصد الشريعة وإعماله لها فيما يقول به من آراء وما يفتي به في النوازل. مما جعل منهجه متميزا بالتوازن والاعتدال؛ ومن ثمة كان جديرا بالإفادة منه في ترشيد الاجتهاد الفقهي المعاصر.

الهوامش:

1.  “الموافقات في أصول الشريعة” أبو إسحاق الشاطبي، شرح: عبد الله دراز، دار المعرفة، بيروت لبنان، ط.2، 1395هـ 1975م، ج: 2، ص: 107.
2. “الموافقات” ج: 2، ص: 168.
3.  “المدونة الكبرى” الإمام مالك (رواها سحنون عن ابن القاسم عن مالك) دار صادر، بيروت، د. ت، ج:1، ص: 27.
4. المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس: القاضي عبد الوهاب البغدادي، تحقيق: حميش عبد الحق، دار الفكر، د. ت، ج: 1، ص: 133.
5. “المدونة”، ج: 2، ص: 405.
6. انظر في ذلك ما رواه مالك في الموطإ؛ كتاب الصلاة؛ باب النظر في الصلاة إلى ما يشغلك عنها، تعليق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الحديث، القاهرة، د. ت، ج:1، ص: 102، والبخاري في صحيحه؛ كتاب الصلاة، باب إذا صلى في ثوب له أعلام ونظر إلى علمها، ومسلم في صحيحه؛ كتاب المساجد ومواضع الصلاة؛ باب كراهة الصلاة في ثوب له أعلام.
7. “المدونة” ج: 2، ص: 405.
8. الموطأ، كتاب الزكاة، باب زكاة أموال اليتامى والتجارة لهم فيها، ج: 1، ص: 215.
9.  “المدونة” ج: 2، ص: 249 – 250.
10.  “الفقه الإسلامي وأدلته” د. وهبة الزحيلي، دار الفكر، دمشق، ط.3: 1409هـ / 1989م، ج:2، ص: 740.
11. الموطأ كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع العربان، ج:2، ص: 476.
12. المنتقى شرح موطأ الإمام مالك: أبو الوليد سليمان الباجي، دار الكتاب العربي، بيروت، د. ت، ج: 4، ص: 162.
13.  الموطأ، كتاب الحدود، باب ما جاء فيمن اعترف على نفسه بالزنى، ج: 2، ص: 630.
14. شرح الزرقاني على الموطأ الإمام مالك، محمد الزرقاني، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط. 1: 1411هـ – 1990م، ج:4، ص: 181.
15.  انظر “الاستذكار…” ابن عبد البر، تحقيق: د.عبد المعطي أمين قلعجي، مؤسسة الرسالة، ط. 1، 1413 – 1414هـ / 1993م، ج: 24، ص: 97 – 98، وحديث قصة ماعز أخرجه الترمذي؛ في الحدود، باب ما جاء في درء الحد عن المعترف إذا رجع.
16.  بداية المجتهد ونهاية المقتصد، محمد بن رشد، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط. 10،  1408 هـ / 1988م، ج: 2، ص: 439 – 440، وانظر نص قول مالك في المدونة، ج:16، ص: 243.
17. المستصفى من علم الأصول: أبو حامد الغزالي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط. 2، 1403هـ / 1983م، ج: 1، ص: 282.
18.  انظر “المدونةٍ” ج: 16، ص: 302. وبداية المجتهد ج:2، ص: 455.
19.  “مقاصد الشريعة الإسلامية” محمد الطاهر بن عاشور، الشركة التونسية للتوزيع، تونس، ط.  3: 1988م ، ص: 205.
20.    هي الآية: 35 من سورة المائدة: (إنما جزاؤا الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الاََرض فسادا اَن يقتَّلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم  وأرجلهم  من خلاف اَو ينفوا من الاَرض ذلك لهم خزي في الدنيا ولهم في الاَخرة عذاب عظيم).
21.    انظر “المدونةٍ”، ج:3، ص: 27- 28.
22.    انظر “المدونة” ج: 1، ص: 17، والبيان والتحصيل …: ابن رشد، تحقيق: د. محمد حجي وآخرين، دار الغرب الإسلامي، بيروت لبنان 1406هـ- 1986م، ج: 1، ص: 86، ونظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي: د. أحمد الريسوني، دار الأمان، الرباط، ط. 1، 1411هـ / 1991م، ص: 73.
23.    الموطأ؛ كتاب الطهارة، باب وضوء النائم إذا قام إلى الصلاة وباب ما لا يجب منه الوضوء وباب ما جاء في الرعاف، وانظر أيضا المنتقى ج:1. ص: 53.  و”بداية المجتهد” ج: 1. ص: 34 والاستذكار، ج:2. ص: 90 – 91  و136.
24.    الموطأ؛ كتاب الطهارة، باب في التيمم، ج: 1. ص: 72 و”المنتقى” ج: 1. ص: 111.
25.    الموطأ؛ كتاب قصر الصلاة في السفر، باب الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، ج:1. ص: 137 والاستذكار، ج:6. ص: 29 -30 و32 و”المدونة” ج: 1. ص: 115.
26.    الموطأ؛ كتاب وقوت الصلاة، باب جامع الوقوت، ج: 1. ص: 43، وأثر الأدلة المختلف فيها الفقه الإسلامي، د. مصطفى ديب البغا، دار القلم، دمشق، ط.2، 1413هـ/1993م وعمل أهل المدينة: عطية محمد سالم، دار التراث، المدينة، ط. 1، 1410هـ 1989م، ص: 65 – 66.
27.    الموطأ؛ كتاب الزكاة، باب الزكاة في الدين، ج: 1. ص: 217 وأثر الأدلة المختلف فيها ص: 469.
28.    انظر الموطأ؛ كتاب الصيام، باب ما يفعل المريض في صيامه، ج: 1. ص: 250 وشرح: الزرقاني على الموطأ ج: 2. ص: 246 والمنتقى ج: 2. ص: 62 والاستذكار ج: 10. ص: 164.
29.    انظر “المدونة” ج: 3. ص: 83، وقواعد الأحكام في مصالح الأنام، ابن عبد السلام، دار الجيل، ط.2. 1400هـ 1980م، ج: 1. ص: 36. و”الموافقات” ج: 2. ص: 128.
30.    الموطأ؛ كتاب الجماعة، باب الصلاة الوسطى، ج: 1. ص: 132 – 133.
31.    ورد ذلك في الآية 9 من سورة الجمعة، وانظر كلام مالك في الموضوع في الموطأ، كتاب الجمعة، باب ما جاء في سعي يوم الخطبة ج: 1. ص: 109.
32.    انظر الموطأ؛ كتاب الزكاة، باب زكاة الميراث، ج: 1. ص: 215 – 216، وكتاب الصيام، باب النذر في الصيام والصيام عن الميت، ج: 1. ص: 251، والمدونة ج: 1. ص: 211 – 212.
33.    الموطأ؛ كتاب الحج، باب جامع الفدية، ج: 1. ص: 334، والمنتقى ج: 3. ص: 72.
34.    انظر “المدونة” ج: 9. ص: 24، والموطأ؛ كتاب البيوع، باب ما لا يجوز من السلف ج: 2. ص: 526، والمنتقى، ج: 5. ص: 99، واختلاف الفقهاء: الطبري، تحقيق: د. فريديك، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان 1420هـ / 1999م، ص: 18.
35.    الموافقات، ج: 2، ص: 323.
36.    نفسه، ج: 2، ص: 331 و333.
37.    انظر الأم، الإمام الشافعي، تعليق: محمود مطرجي، دار الكتب العلمية، بيروت لبنان، ط. 1: 1413هـ / 1993م، ج: 3 ص: 65.
38.    ” أثر المقصود في التصرفات  والعقود” د. عبد الكريم زيدان ، مؤسسة “االرسالة” بيروت، ط. 2: 1408هـ / 1988م، ص: 13.
39.    “انظر الملكية ونظرية العقد” أبو زهرة، دار الفكر العربي، د.ت، ص: 222 وما بعدها و”أثر القصود في التصرفات والعقود” ص: 22- 23.
40.    انظر “أثر القصود في تصرفات العقود” ص: 19، وما بعدها.
41.    “الملكية ونظرية العقد” ص: 219 – 220.
42.    انظر ما جاء عنه في ذلك، في الموطأ؛ كتاب الصلاة، باب افتتاح الصلاة، ج:1. ص: 88، و”المدونة” ج:1. ص: 63.
43.    انظر ما ورد عن مالك في ذلك في الموطأ؛ كتاب الحدود، باب الحد في القذف والنفي والتعريض، ج: 2. ص: 633، و”المدونة” ج:16. ص: 224. وانظر توضيح الباجي في “المنتقى”، ج: 7. ص: 150.
44.    انظر الموطأ؛ كتاب الحدود، باب جامع القطع، ج:2. ص: 638.
45.    الموطأ؛ كتاب العقول، باب القصاص في القتل، ج:2. ص: 665.
46.    “القوانين الفقهية” ابن جزي، مطبعة الأمنية، الرباط، ط. 3. 1382هـ / 1962م، ص: 144.
47.    الموطأ؛ كتاب صلاة الليل، باب الوتر بعد الفجر، ج: 1. ص: 123.
48.    انظر الموطأ؛ كتاب الزكاة، باب ما لا زكاة فيه من الحلي والتبر والعنبر، ج:1. ص: 214 – 215. والاستذكار ج: 9. ص: 75.
49.    الموطأ؛ كتاب الصيام، باب من أجمع الصيام قبل الفجر، ج: 1. ص: 240. وشرح الزرقاني على الموطأ ج: 2، ص: 210.
50.    الموطأ؛ كتاب الصيام، باب قضاء التطوع، ج:1. ص: 253. والمدونة، ج: 1. ص: 205. والاستذكار، ج: 10. ص: 208.
51.    الموطأ؛ كتاب الحج، باب ما يجوز للمحرم أكله من الصيد، ج: 1. ص: 286. والاستذكار، ج: 11. ص: 293. والمنتقى، ج: 2. ص: 245.
52.    الموطأ؛ كتاب النذور والإيمان، باب فيمن نذر مشيا إلى بيت الله فعجز، ج:2. ص: 377 -378.
53.    الموطأ؛ كتاب الزكاة، باب الصدقة الخلطاء، ج:1. ص: 223.
54.    انظر أثر القصود في التصرفات  والعقود، ص: 17 – 18، و”زاد المعاد في هدى خير العباد” ابن قيم، تحقيق: الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط.13: 1406هـ / 1986م، ج: 5، ص: 110. والموطأ؛ كتاب النكاح، باب نكاح المحلل وما أشبهه، ج:2. ص: 420.
55.    الموطأ؛ كتاب الطلاق، باب جامع عده الطلاق، ج:2. ص: 456.
56.    انظر نص قول مالك في التطبقين معا في الموطأ؛ كتاب البيوع، باب ما جاء في بيع العربان، ج: 2. ص: 476. وانظر “بداية المجتهد” ج: 2. ص: 141 – 142، و”الموافقات” ج: 4. ص: 199 – 200.
57.    الموطأ؛ كتاب البيوع، باب ما يجوز من بيع الحيوان بعضه ببعض والسلف فيه، ج: 2. ص: 505 – 506. وشرح الزرقاني على الموطأ ج: 3، ص: 383.
58.    انظر المدونة ج: 9، ص: 139، و”أثر القصود في التصرفات والعقود” ص: 15 – 16، والفقه الإسلامي وأدلته، ج: 4، ص: 725.
59.    انظر هذه القاعدة في نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، د. محمد الروكي منشورات كلية الآداب، الرباط، ط. 1: 1414هـ /  1994م، ص: 150. انظر رأي مالك فيما أورده ابن عبد البر في الكافي في فقه أهل المدينة المالكي تحقيق: محمد أحيد ولد ماديك، مكتبة الرياض الحديثة، الرياض ط. 1، 1328هـ / 1978م، ج: 2، ص: 530 – 531.
60.    انظر “المدونة” ج: 6، ص: 37.
61.    “أثر القصود في التصرفات والعقود” ص: 16، وانظر المدونة، ج: 6، ص: 34 – 35.
62.    انظر “المدونة” ج: 13، ص: 213.
63.    الموطأ؛ كتاب العقود، باب ما جاء في ميراث العقل والتغليظ فيه، ج:2. ص: 661. والاستذكار، ج: 25، ص: 206 – 209.
64.    انظر ما قال مالك في ذلك في الموطإ؛ كتاب البيوع، باب ما جاء في العهدة، ج:2. ص: 477.

Science

د. محمد منصيف العسري

باحث في التراث الفقهي المالكي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق