مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

“النسائيات البيضاوات والامبريالية”

إلياس بوزغاية

 

 

 

كتاب “النسائيات البيضاوات والامبريالية” (Les féministes blanches et l’empire) إصدار جديد لدار النشر الفرنسية La fabrique سنة 2012 بقلم الكاتبين الصاعدينFelix Boggio Ewanje-Epee و Stella Magliani-Belkace. يهدف الكتاب إلى الكشف عن الوجه الإمبريالي للحركة النسوية الفرنسية من خلال الأبعاد العنصرية التي تأخذها ومن خلال الإستغلال السياسي (instrumentalisation) الذي تقوم به من أجل خدمة أجندات فئوية تمثل انحرافا واضحا للخط النضالي النسائي. يناقش الكاتبان من خلال 6 محاور في الكتاب مظاهر هذا الانحراف الذي يشكل في نظرهما أزمة للحركة النسوية الفرنسية.

 

استعمال النسوية كأداة من أجل غايات عنصرية

ظهرت ملامح البعد العنصري لدى الحركة النسوية الفرنسية بوضوح يوم 15 مارس 2004 حين أعلنت الحرب على الحجاب وانحازت بذلك إلى اليسار الراديكالي من أجل إخراج قانون حضره. كما أخذ هذا التوجه طابعا مؤسساتيا لدى الحكومة والنقابات والأحزاب جعلت من التيارات الرافضة لحضر الحجاب أقلية تم تهميشها وإقصاؤها. كان واضحا خلال هذه الحرب مدى التقاء مصالح النخبة السياسية بفرنسا مع التوجه العنصري للنسويات البورجوازيات، وتمثل ذلك في خلق إسلاموفوبيا ركزت في خطابها على تشويه سمعة الجالية المسلمة من خلال الادعاء بفرض الحجاب والاكراه على الزواج والتعدد والعنف.

 

فرص استراتيجية

في رصد لتاريخ هذا التوجه العنصري يسترجع الكاتبان فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر حيث كانت الدعوة واضحة إلى نشر القيم والثقافة الفرنسية في الجزائر على أنها جزء من  المشروع الامبريالي لتحضير المجتمع (mission civilizatrice). وكان المثير في الأمر هو التقاء ما هو استعماري مع ما نسوي في دراسات استشراقية هدفت إلى اختراق المجتمع من خلال المجال الخاص الذي تمثل النساء والحجاب  محوره الأساس ورمزا للهوية والمقاومة الجزائرية كما في كتابات Frantz Fanon. لذلك عمل المشروع الاستعماري بنظرة استعلاء على صناعة النموذج الحداثي الذي يجب على النساء اتباعه، لكن التناقض الحاصل هنا هو أن فرنسا نفسها لم تكن بعد صادقت على حق المرأة في الانتخاب ليكون واضحا بذلك أن المشروع الامبريالي أخذ أولوية قصوى على كل ما هو شأن داخلي.

 

من القياس إلى المنافسة

منذ سبعينات القرن الماضي حدث أن تحالف التمييز الجنسي مع التمييز العنصري في فرنسا، وكان ذلك في تناقض صارخ للمبادئ والنظريات الداعية إلى التفكيك ونبذ الأفكار الجاهزة حيث استمر الاضطهاد العنصري والجنسي رغم الاعتراف بأن اختلاف الأجناس والجنسيات ليس له أصل بيولوجي بقدر ما هو تأثير ثقافي. لقد صار الجنس الأنثوي يمثل امتيازا فقط لدى الطبقة البورجوازية ذات النزعة العنصرية، فيما أصبحت باقي النساء ضحية لاضطهاد مضاعف يجمع بين كونهن إناثا وكونهن من أصول أخرى. لذلك يتساءل الكاتبان كيف يمكن للنسائيات غير البيضاوات أن يناضلن ويشكلن أفكارهن النضالية في وجه الظلم الطبقي والنموذج المهيمن الذي لم يكتسب شرعيته إلا من خلال الاستعمال الانتقائي والسياسي لماهية المطالب النسائية. 

 

نقص في الرقابة على العملية السياسية

منذ حرب الخليج تم التسويق لعبارة العرب القذرون (sale Arabe) للتعبير عن التمايز بين الأنا والآخر خاصة بعد تكاثر الهجرات والتفاعل بين الشعوب وبعد وقوع أحداث 11 من شتنبر التي مهدت لاعلان الحرب على الإرهاب التي شكل الحجاب واضطهاد المرأة جزءا منها. فالحجاب في فرنسا لا يمثل لباسا عاديا بل هو رمز للمرأة المضطهدة من طرف الدين، ولذلك نجد ساركوزي رئيس فرنسا السابق يعلن أنه لن يتخلى عن النساء الغير متحررات اللواتي يرتدين البرقع. لقد أصبحت السياسة والمطالب النسائية متشابكة إلى حد أن النسائيات لم يعدن قادرات على تشكيل رؤيتهن النضالية خارج الأجندات السياسية، ولذلك نبه الكاتبان إلى أن هذا الارتهان بالسياسة سيساهم في تهميش وإضعاف الحركة النسائية ومطالبها الأصلية التي ينبغي أن تركز على سبل التحالف مع الآخر وتدبير قضايا التنوع بدون عنصرية في ظل العالمية وتطور أوضاع النساء ليعطي للنسوية نفسا جديدا.

 

التضامن العالمي والهيمنة الغربية

التضامن العالمي يعكس توجها نحو الهيمنة الغربية وذلك بفرض نموذج نضالي معين على باقي البلدان ويتمثل ذلك في التركيز على قضايا المثلية والسحاقية والمتحولين جنسيا. لقد أصبحت هذه المواضيع متداولة ليس فقط في الغرب ولكن يتم التسويق لها في البلدان الإسلامية خاصة في إطار ما يسمى حقوق الإنسان الكونية. بهذا الفعل يحاول دعاة التحرر خلق إجماع عنصري حول حقوق الأفراد على أنها معيار تقدم أو تأخر الشعوب وهذا ملاحظ أيضا في كل الأجهزة الحقوقية والخطابات الحكومية. إن مواضيع الطبقة البورجوازية يتم نقلها في رؤية استشراقية إلى العالم الإسلامي مما يجعل من الاستثناء قاعدة ويفرض على هذه الشعوب أن تكون في موقع الدفاع.

 

من الهامش إلى المركز

 لقد أصبح بالإمكان اليوم الاصطلاح على عبارة النسوية المهيمنة التي قامت بتحريف المسار الحقيقي للنسوية. رغم أن الإمكانات أصبحت تتيح باختراق المجال التشريعي والحكومي لتصبح النسوية جماعة ضغط إلا أن السياسة هي التي استغلتها بطريقة تعكس النزعة الامبريالية والعنصرية. يجدر بالحركة النسوية في الغرب حسب الكاتبة أن توجه خياراتها التكتيكية نحو محاربة العنصرية وخلق دينامية للاندماج بين جميع الشعوب. ويبدو هذا الدور منوطا جدا بالنسويات اللواتي يمثلن الخط الرافض لتوجهات السياسة المستغلة للنسوية كأداة لتحقيق مصالحها الخاصة. هذا الدور يتطلب فهما جديدا لطبيعة العلاقة بين الشرق والغرب من عدة زوايا وأيضا إعادة تعريف لمفهوم التحرير من منظور الأقليات مما سيسمح باستيعاب التعدد وإشراك المهاجرين في التفكير في أجندة عالمية جديدة للنسوية تذهب بها من الهامش إلى المركز.

 

لقد تمكن الكاتبان من خلال هذا الإصدار من تسليط الضوء على موضوع ظل إلى أمد قريب مسكوتا عنه في الأوشاط الغربية. وشكل تحليل العلاقة التي تربط بين النسوية والعنصرية والسياسة الامبريالية في فرنسا دعوة لكل القراء لإحياء لدراسة  حقبة الاستعمار ومدى استمرار تأثيرها على العقلين الغربي والشرقي في علاقة متفاعلة بدأت تشهد تحولا ملحوظا في الآونة الأخيرة لصالح فهم أفضل للأنا والآخر لتقود في الأخير إلى دعوات أكثر وأكبر لخلق مساواة حضارية تشمل بكل تأكيد المساواة بين الجنسين

 

 

نشر بتاريخ: 14 / 07 / 2013

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق