مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتابنصوص مترجمة

“النساء ونقل المعرفة الدينية في الإسلام” لأسماء سيد

 

سوزانا كيز[1]

ترجمة بشرى لغزالي

 

 

تقديم

تكشف أسماء سيد في كتابها المعنون “النساء ونقل المعرفة الدينية في الإسلام” والصادر باللغة الإنجليزية، (Women and the Transmissions of Religious Knowledge in Islam) عن دور المحدثات في التاريخ الإسلامي عبر قيامها بتحليل عميق لرواية الحديث. وشملت دراسة الكاتبة أربع حقب امتدت من القرن السابع إلى السادس عشر وعرضت فيها نماذج لنساء بارزات في رواية الحديث، لتستخلص أن الاستعمال المتغير للمعرفة الدينية الاجتماعية على مر التاريخ الإسلامي أثر بشكل كبير على دور النساء في هذه المعرفة.

ويبين الكتاب أن رواية الحديث كانت في بادئ الأمر مجالا مفتوحا للرجال والنساء على السواء بعد وفاة النبي محمد (ص)، لكن مشاركة النساء في هذا المجال تغيرت بعد ذلك في بداية القرن الثامن بعد أن اتخذت رواية الحديث طابعا رسميا، لتتقلص فرص مشاركتهن فيها. ولم تدخل النساء هذا المجال من جديد إلا في القرن العاشر.  

وتقسم الكاتبة تحليلها إلى أربعة أجزاء، حيث تتطرق في الفصل الأول إلى دور الصحابيات اللواتي عشن في الحقبة النبوية والتقين بالنبي (ص)، وكانت رواياتهن مصادر مهمة للمعرفة الدينية. وقد شمل هذا الرعيل الأول من الصحابيات زوجات النبي ونساء أخريات كن شاهدات على أفعال وأقوال النبي (ص). وتصف في الفصل الثاني خفوت دور النساء في رواية الحديث الذي تزامن مع مجموعة من التغيرات الاجتماعية، مع تسليطها الضوء على خمس محدثات بارزات في زمن التابعين.

أما في الفصل الثالث، فتشرح الكاتبة استرجاع النساء دورهن في رواية الحديث بعد غياب دام 250 عاما بسبب تنامي كتابة الحديث وعوامل اجتماعية أخرى بداية من القرن الرابع الهجري. ثم تركز في الفصل الرابع على حشد همم النساء في مجال رواية الحديث ما بين القرن السادس والتاسع الهجري.

ويُفند هذا البحث ما يُقال على أن المسلمات لم يُسهمن على مر التاريخ في المعرفة الدينية، إذ تؤكد الكاتبة على أن المشاركة في رواية الحديث والفقه الإسلامي أُخضعا لمقاربات ثقافية واجتماعية متغيرة.

الفصل الأول: الصحابيات ووضع التراث

أشارت الكاتبة في هذا الفصل إلى تراجم 112 امرأة من الصحابيات اضطلعن بدور مؤثر في تشكيل أولى الروايات عن الفكر النبوي والشريعة الإسلامية. فلم تكن النساء مجرد ناقلات للرسالة، وإنما راويات لقصص توضح كيفية تفسير بعض الأحكام. وقسمت الكاتبة هؤلاء المحدثات الصحابيات إلى ثلاثة أصناف: زوجات النبي، وآل البيت النبوي، والصحابيات.

  1. زوجات النبي: ناقشت زوجتين بالتفصيل، وهما: عائشة التي نقلت عن النبي (ص) أحاديث في مواضيع مختلفة وكانت ذات حس نقدي ميزها عن معاصراتها؛ وأم سلمة التي تعكس الأحاديث التي روتها مدى تأثيرها -الذي لم يضاهي تأثير عائشة- واللجوء إليها للمشورة. بالإضافة إلى باقي زوجات النبي اللواتي وُصفن بتفاصيل أقل ونقلن أحاديث عن مواضيع ترتبط بالطهارة والصلاة وغيرها.
  2. نساء آل البيت: شاركن بشكل أقل في رواية الحديث. وهذا يبين أن النسب لم يكن العامل الوحيد الذي يحدد مدى الانخراط في مجال المعرفة الدينية في الحقبة الأولى من نزول الوحي.
  3. نساء أخريات: وهن 112 صحابية، إذ توفر البحوث الأكاديمية معلومات قليلة عن حياة هذه الشخصيات رغم إمكانية تقسيمهن عموما إلى خمس فئات: 1) نساء يملكن الأفضلية نظرا لمكانتهن باعتبارهن من بين أول من اعتنق الإسلام، 2) النساء اللواتي شاركن في الغزوات كمحاربات وممرضات، 3) النساء اللواتي عاهدن الرسول، 4) النساء اللواتي كن السبب في إصدار الفتاوى التي ركز عليها الفقه فيما بعد، 5) نساء أقل شهرة وهن اللواتي نقلن حديثا واحدا عقب لقاء موجز مع النبي (ص).

وختاما، يبين الفصل الأول أن رواية الحديث في المجتمع الإسلامي الأول كان مفتوحا على مختلف النساء ولم يقتصر على آل البيت. فرغم أن زوجات النبي تطرقن إلى مواضيع مختلفة، لا يوجد دليل على أن المعرفة الدينية كانت مهمة للإسهام في الرواية. لكن التركيز الأكبر ومصداقية المحدثة ارتبطا بلقاء النبي ومعاصرته.

الفصل الثاني: التابعيات

تناقش أسماء سيد في هذا الفصل التراجع السريع الذي شهدته مشاركة النساء في رواية الحديث، إذ عُرفت مجموعة من النساء مباشرة بعد عصر الصحابة برواية الحديث قبل أن يبدأ تهميشهن في هذا المجال. وتقسمهن الكاتبة إلى صنفين: يتمثل الصنف الأول في التابعيات من سلالة عريقة مثل عمرة بنت عبد الرحمان التي كانت نموذجا نادرا للفقيهة، وعائشة بنت أبي بكر التي عُرفت بدراستها الشعر والأدب ولم تقتصر على المعرفة الدينية. أما الصنف الثاني فيتمثل في الزاهدات مثل أم الدرداء التي عُرفت بتقواها التي شملت أقاربها، وحفصة بنت سيرين التي كان تأثيرها كبيرا وكانت ترشد أقرباءها الذكور في قضايا قرآنية.

وأشارت الكاتبة إلى ضرورة مراعاة منهجية رواية الحديث في دراسة انتشار المعرفة الدينية في الإسلام. ويمكن في نظرها إثبات تقلص مشاركة النساء في هذا المجال عبر إلقاء نظرة على الإسناد، إذ ترد النساء في 2065 حديث كأولى الراويات في السند نقلا عن النبي مباشرة، وكثاني الرواة في 525 حديثا. وهذا يبين أن مشاركة النساء في نقل الحديث عرف أوجه في الفترات الأولى بعد نزول الوحي. إلا أن مشاركتهن عرفت تراجعا بعد عصر التابعين بسبب إعطاء رواية الحديث طابعا رسميا ووضع المزيد من الشروط ليُعتد براوي الحديث، وتصاعد النقاش بخصوص استعمال الحديث كمصدر تشريعي، والسفر كوسيلة لجمع الحديث. وتربط الكاتبة هذا التراجع بتوجه معين في التاريخ الاجتماعي. فالنقاش حول مدى صحة الأحاديث دفع بعض نقلة الحديث، بما فيهم النساء، إلى التوقف عن كتابة ونشر معرفتهم خوفا من صرف النظر عن القرآن. كما أن القول بوضع بعض الأحاديث غير الصحيحة أدى إلى تشديد معايير الرواية، مما أثر سلبا على إمكانية مشاركة النساء.

وتبين أسماء في ختام هذا الفصل أن تراجع مشاركة النساء في رواية الحديث راجع بالأساس إلى تغير استعمال المعرفة الدينية اجتماعيا. فرغم أن هذا التراجع يواكب تراجع حرية النساء من منظور تاريخي، فإنه ليس التفسير الوحيد.

الفصل الثالث: الإحياء التقليدي

يعرض هذا الفصل كيف أن المحدثات عدن للبروز كحاملات للمعرفة الدينية بعد غياب دام 250 سنة. وتصف الكاتبة أسماء أهمية هذه الفترة الزمنية نظرا لارتفاع جودة الرواية وعدد المشاركات، وتمكن النساء لأول مرة من رواية سلسلة من الأحاديث، وظهور مصطلح “المحدثة”.

وأشارت أسماء إلى أن تلك الحقبة عرفت نوعا مختلفا من المشاركة عن القرن الأول. فقد اعتُبرت المحدثات ثقات في الإسناد وتأثرن بنماذج الصحابيات، ولاسيما نساء النبي، ومن أبرزهن كريمة المروزية التي كانت من أكثر المحدثات تأثيرا في زمانها، وفاطمة بنت الحسين المحدثة التقية. وتبين تراجم هؤلاء النساء أنهن كن متميزات ومتفردات في زمانهن، إذ اعتمدت عليهما الكاتبة لتبين كيفية وأسباب تمكن النساء من البروز من جديد كعالمات من خلال مثلا تدوين الحديث وعدم الاقتصار على صيغته الشفهية وانتشار شبكة العلماء الذين تصدوا للهيمنة العسكرية والسياسية.

 بالتالي أعطت مجموعة من العوامل الاجتماعية المجال للمشاركة النسائية في ظل تراجع الشروط الصارمة التي كانت موضوعة على رواية الحديث، كما تمكنت النساء من المشاركة في عملية الرواية والالتحاق بطبقة النخبة المتعلمة وولوج التربية الدينية.

الفصل الرابع:

في هذا الفصل، تعمقت سيد في تحليلها لفترة ازدهار رواية الحديث وعودة النساء إلى هذا المجال عبر التركيز على ثلاث محدثات متميزات تعكس تراجمهن استقرار المشاركة النسائية وقبول النساء كنماذج وحاملات للمعرفة الدينية والانفتاح على التبادل الفكري. وتتمثل هؤلاء النساء في شهدة بنت الخطيب التي عُرفت بانخراطها العلمي إلى جانب علماء مرموقين، وزينب بنت الكمال وعائشة بنت محمد اللتين كانتا محدثين وفقيهتين في دمشق. تكشف سير هؤلاء المحدثات أن هذا المجال عرف استقرارا وانخراط النساء في المعرفة الدينية. وتربط الكاتبة تراجع رواية النساء الحديث بالانتقال من الاهتمام بالرواية إلى التركيز على التفاسير. وبالتالي يصف هذا الفصل بالتفصيل ارتفاع مشاركة النساء التي عرفت للأسف انعطافا آخر غير متوقع مع توسع الإمبراطورية العثمانية بمصر والشام.

الخاتمة:

يصف كتاب أسماء سيد مشاركة النساء في رواية الحديث على مدى عشرة قرون من التاريخ الإسلامي. فرغم أن القرن الأول عرف مشاركة مهمة للنساء في رواية الحديث، إلا أن دورهن خفت بسرعة بعد ذلك وعرف تذبذبا ارتبط باستعمال المعرفة الدينية في فترات التاريخ. وتتمثل أهمية عمل سيد في أنه يدحض التصور السائد بأن مشاركة النساء في الحديث تعرضت دائما للقمع أو خضعت لضغوط سياسية. وبذلك يُعد هذا الكتاب إسهاما مهما في مجال الدراسات النسائية والتاريخ الإسلامي والمجال الديني.

 


[1]  متدربة بمركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام.

 

 

نشر بتاريخ: 06 / 01 / 2015

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق