مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامةنصوص مترجمة

النبي محمد صلى الله عليه وسلم، الرحمة المهداة

دينا القادري
ترجمة: بشرى لغزالي

عاشت النساء في عصر الجاهلية أحوالا قاسية من الضعف والإحباط والإهانة، غير ثائرات على هذا الوضع من أجل التحرر من قيوده، وبقي الأمر على حاله لم يتبدل، إلى أن بُعث رجل من جلدتهم يحمل إلى الناس رسالة الهدى ودين الإسلام الذي قلب الموازين وغيًر عادات مخزية وتقاليد قاسية سادت طيلة عصور. إنه النبي محمد (ص) الذي جاء ليضع الإصر والأغلال التي كانت على الناس ويحرر النساء من القمع والطغيان.
أمام جملة من الإكراهات التي عرفها المجتمع الجاهلي، وفي خضم واقع همجي كانت تُقترف فيه الجرائم في حق الفتيات بوأدهن في غياب تام لقيم العدل والمساواة، كان سلوك الرسول الكريم صلوات الله عليه يرقى إلى الحكمة ودماثة الخلق ولطف المعشر وحسن المعاملة. لم يكن النبي يسعى إلى تغيير العادات السائدة باستعمال القوة، بل كان يُعطي القدوة الحسنة وينطق بأحسن الكلام؛ فقد علمنا خير الأنام أن المنع يتم بالإفهام واللين لا بفرض البدائل والإكراه.
كم من فتاة أُرغمت على تحمل كوابيس واقع أليم ومخزي جدا وهي ترى والدها يئدها لا لشيء إلا لأنها خُلقت أنثى، وهذا كان سببا كافيا لتعليل الجريمة التي كانت تُرتكب في حق الفتيات. وكم من نساء أُجبرن على تحمل الإهانة والذل والعار والاحتقار، والحرمان من الإرث، بل أكثر من ذلك فقد كن يورثن ضمن الحاجات التي يخلفها الأموات. ألا يبعث هذا الوضع الذي عشن فيه على الاشمئزاز؟
لم تُرسل امرأة لتحرير النساء من طوق العبودية ومن هذا الوضع المستبد الذي كان يفرضه الذكور، وإنما بُعث رجل من بني البشر. إنه رسول اتصف بالعدل واحترام الآخر وتحلى بالحب والتسامح، تلقى مجموعة من المبادئ الأساسية ذات معان قوية علًمها بدوره للآخرين عبر نصوص مأثورة من قبيل قوله (ص): “لأن تُخطئ في العفو خير من أن تُخطئ في العقوبة“، وقوله (ص): “ما تعدون الصرعة فيكم ؟ قالوا : الذي لا يصرعه الرجال ، قال : ولكنه الذي يملك نفسه عند الغضب“. رواه مسلم .
ومنذ أن بُعث رسول الإسلام، لم يعد من المقبول تعريض أي شخص للظلم، رجلا كان أو امرأة، فلا مجال لوضع مصير النساء تحت رحمة قرار من الجنس الآخر. وفي ظل هذا الواقع الجديد، بدأت حقوق النساء والرجال تعرف التطور والانتشار، وبدأ المؤمنون يتأثرون بما تحمله من رحمة وعدالة، وشيئا فشيئا تمكنت النساء من تكسير حاجز الصمت بعد تحريرهن من جهالة الرجال وما ترتب عن ذلك من معاناة. لقد كُن شغوفات ومهتمات بكل ما يعنيهن لدرجة لم يترددن معها في إبداء معارضتهن وتقديم إجابتهن والتعبير عن مطالبهن وكشف الحقائق بكل انطلاق. كما عكست مواقفهن شجاعة لا توصف بإصرارهن على إثبات الوجود وفرض رأيهن عند الضرورة وحماية حقوقهن الفتية التي اكتسبنها في وقت قريب.
السؤال الذي يُطرح اليوم: أين نحن من هذه المكاسب في عصرنا الحالي؟ وما مصير هذه الحقوق المُستحقة؟ لماذا تختار بعض النساء أو بعض الرجال غض الطرف عن الحقوق والحريات التي منحها الإسلام؟ ولماذا نقبل بالعودة لعصر الجاهلية من خلال عقليات وسلوكيات لا تناسب القيم الإنسانية التي اكتسبناها من المنهج النبوي ورسالة الإسلام؟ كيف أمكننا أن نسيء لرسالة التحرير العظيمة بهذا الشكل الذي يشهد عليه واقع حال النساء في العديد من الأقطار عبر العالم، حيث تُحرم النساء من التعليم ومن حرية اختيار لباسهن أو بكل بساطة من القدرة على اختيار شريك حياتهن؟ كيف أمكن للمسلمين أن يلوذوا بالصمت أمام كل هذا الظلم باسم “المذهبية” ؟
لا نجد مبررا لما سبق سوى في الجهل الذي يظهر عندما تُحرم المرأة من حقها في التعليم لمجرد كونها أنثى. ولا توجد جريمة أبشع من أن يُنسب للرسول الكريم ما لم يتلفظ به، ولا أقبح من أن يتم استخدام “مذهب” من المذاهب كذريعة لاقتراف أفعال ظالمة بكل “شرعية”.
عندما أتى رجلٌ الرسول في فترة الوحي يسأله عن البر والإثم، أجابه (ص) قائلا: “الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ“.
إن الله عز وجل يحب عباده، وخير دليل على ذلك أنه بعث رسله إليهم ليرشدوهم ويُنيروا طريقهم. فضلا عن ذلك، فقد منحهم أفضل مُرشد وموجه وهو الفؤاد. لهذه الغاية إذن، وجب علينا تطهير القلوب بالتضرع إلى الله عز وجل بالدعاء والتزام الصلاة ثم، بشكل خاص، نهج سلوك حسن على أثر الرسول صلى الله عليه وسلم على الدوام.
وهكذا فإننا نُعد الفؤاد ليُوجهنا في اتخاذ قراراتنا باتباع الطريق الأقوم، أي الطريق الأكثر عدلا باسم العدل سبحانه.

نشر بتاريخ 17/04/2012

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق