مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

المنتقى من أحاديث لا تصح في الصلاة والفطر في رمضان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين حق حمده، أنعم علينا بسابغ فضله، وأكرمنا بعظيم نوله، فحق أن يثنى عليه ويشكر، ويمجد ويذكر، والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين، وإمام الغر المحجلين، وعلى آل بيته المطهرين، وأصحابه الفضلاء المجتبين، ومن تبعهم من العلماء العاملين إلى يوم العرض والدين.

وبعد:

فإن شهر رمضان من أيام الله تعالى المباركات  (أياما معدودات) ([1])، شهر الصيام، والقيام، وقراءة القرآن، شهر تنال فيه أجور من أطعم المحتاجين، وفطر الصائمين قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من فطر صائما كان له مثل أجره؛ غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا”([2])، شهر فيه من المكرمات والخيرات ما يحفز كل مسلم للمسارعة إليها، والسعي إلى فعلها، رجاء للأجر العظيم، ونيلا للثواب العميم، قال صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه”([3]).

ولما كان لهذا الشهر الكريم كل هذه الفضائل الربانية، والنفحات الإلهية، فقد سعى بعض رواة الأخبار، وجامعي الآثار إلى وضع أحاديث في فضل الصلاة والفطر في رمضان، لا تصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس لها أصل يؤصلها، ولا سند يعضدها؛ لأن الأصل هو: العمل بما هو صحيح مشروع، واجتناب ما هو موضوع مصنوع؛ وهكذا كان دأب سلفنا الصالح رضوان الله عليهم، قال ابن المبارك رحمه الله: “في صحيح الحديث شغل عن سقمه”([4])، وتوعد النبي صلى الله عليه وسلم كل كذاب ووضاع بقوله: “من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار”([5]).

وللتنبيه على بعض هذه الأحاديث في الصلاة والفطر في رمضان، أحببت أن أفردها بهذا المقال من خلال: ذكر ستة أحاديث لا تصح في الصلاة والفطر في رمضان، محيلا على من أخرجها، أو ذكرها، ومبينا حالها من خلال أقوال العلماء؛ حتى نسهم في الكشف عن كذبها، ونذب بذلك عن حديث النبي صلى الله عليه وسلم.

فأقول وبالله التوفيق:

أولا: أحاديث لا تصح في الصلاة في رمضان

الحديث الأول:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صلى من أول شهر رمضان إلى آخر رمضان في جماعة، فقد أخذ بحظه من ليلة القدر ” .

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في العلل المتناهية وقال: “هذا حديث لا يصح، وأبو الفتح مجهول الحال”([6]).

الحديث الثاني:

عن محمد بن علي رضي الله عنهما، رفعه قال : ” من صلى ليلة النصف من رمضان ، وليلة النصف من شعبان مائة ركعة يقرأ فيها بـ قل هو الله أحد ألف مرة ، لم يمت حتى يبشر بالجنة “.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن أبي الدنيا في فضائل رمضان([7])، وساق طرقها ابن الجوزي في الموضوعات([8])، وقال: “هذا حديث لا نشك أنه موضوع”.

الحديث الثالث:

“من قضى صلاة من الفرائض في آخر جمعة من شهر رمضان كان ذلك جابرا لكل صلاة فائته في عمره إلى سبعين سنة”.

تخريج الحديث:

ذكره علي القاري في الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة([9])، وقال: “باطل قطعا؛ لأنه مناقض للإجماع على أن شيئا من العبادات لا يقوم مقام فائتة سنوات، ثم لا عبرة بنقل النهاية، ولا ببقية شراح الهداية؛ فإنهم ليسوا من المحدثين، ولا أسندوا الحديث إلى أحد من المخرجين”.

ثانيا: أحاديث لا تصح في الفطر في رمضان

الحديث الرابع:

عن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” من فطر صائما على طعام وشراب من حلال صلت عليه الملائكة في ساعات شهر رمضان، وصافحه جبريل ليلة القدر، وصلى عليه. قال سلمان: فإن كان لا يقدر على قوته؟ قال: إن فطره على كسرة خبز ، أو مذقة لبن، أو شربة ماء كان له ذلك “.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات([10])، والسيوطي في اللآلئ([11])، كلاهما من حديث سلمان الفارسي رضي الله عنه، وقال ابن الجوزي: “هذا حديث لا يصح، وليس يرويه إلا الحسن وحكيم”، وقال السيوطي: “لا يصح؛ الحسن متروك، وكذا شيخه”.

الحديث الخامس:

عن أنس بن مالك رضي الله عنه مرفوعا: ” خمس يفطرن الصائم وينقضن الوضوء: الكذب، والنميمة، والغيبة، والنظر بشهوة، واليمين الكاذبة” .

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات([12])، وقال: “هذا موضوع”، والسيوطي في اللآلئ ([13])وقال أيضا: “موضوع”.

الحديث السادس:

عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” من أفطر يوما من شهر رمضان في الحضر فليهد بدنه؛ فإن لم يجد فليطعم ثلاثين صاعا من تمر المساكين “.

تخريج الحديث:

أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات([14])، وقال: “هذا حديث لا يصح”.

الخاتمة:

وفي ختام هذا المقال خلصت إلى أن:

1-فضل رمضان المبارك جعل بعض الوضاعين يختلقون أحاديث في فضل الصلاة والفطر فيه.

2-الأحاديث الست المذكورة في فضل الصلاة والفطر في رمضان كلها لا تصح حكم عليها العلماء بالوضع.

والحمد لله رب العالمين.

**********************

هوامش المقال:

([1]) البقرة: 184.

([2])أخرجه الترمذي في سننه(ص: 197)،كتاب: الصوم، باب: ما جاء في فضل من فطر صائما برقم: (807) من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه، وقال: “هذا حديث حسن صحيح”.

([3])أخرجه البخاري في صحيحه (س: 19)، كتاب: الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابا من الإيمان برقم: (38) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

([4])الجامع لأخلاق الراوي للخطيب البغدادي (2 /226)، برقم: (1524)

([5])أخرجه البخاري في صحيحه (ص: 40)، كتاب: العلم، باب: إثم من كذب على النبي صلى الله عليه وسلم برقم: (110).

([6])العلل المتناهية (2/ 531)، برقم: (877).

([7]) فضائل رمضان (ص: 33)، برقم: (9).

([8]) الموضوعات (2/ 129).

([9]) الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (ص: 342)، برقم: (519).

([10]) الموضوعات (2/ 192-193).

([11]) اللآلئ (2/ 103).

([12]) الموضوعات (2/ 195-196).

([13]) اللآلئ (2 /90).

([14]) الموضوعات (2/ 196).

*********************

لائحة المصادر والمراجع:

الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة المعروف بالموضوعات الكبرى. لنور الدين علي بن محمد بن سلطان المشهور بالملا علي القاري. تحقيق: محمد الصباغ. المكتب الإسلامي بيروت ط2/ 1406هـ- 1986مـ           

الجامع  لأخلاق الراوي وآداب السامع. لأبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي. تحقيق: عجاج الخطيب. مؤسسة الرسالة. ط3/ 1416هـ- 1996مـ.

سنن الترمذي. لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي. حكم على أحاديثه وآثاره  وعلق عليه: محمد ناصر الدين الألباني. اعتنى به: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان. مكتبة المعارف. الرياض. ط1 (د.ت) .

صحيح البخاري. لمحمد بن إسماعيل البخاري. دار ابن كثير، دمشق، ط1 /1423هـ- 2002مـ.

العلل المتناهية في الأحاديث الواهية. لجمال الدين أبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد ابن الجوزي. تحقيق: إرشاد الحق الأثري. إدارة العلوم الأثرية فيصل آباد باكستان، ط2/ 1401هـ- 1981مـ.

فضائل رمضان. لأبي بكر عبد الله ابن أبي الدنيا القرشي البغدادي. تحقيق: عبد الله بن حمد المنصور. دار السلف الرياض ط1 /1415هـ- 1995 مـ.

اللآلئ المصنوعة في الأحاديث الموضوعة. لجلال الدين عبد الرحمن السيوطي. تحقيق: محمد بن عبد المنعم رابح. دار الكتب العلمية لبنان 2007مـ .

الموضوعات . لأبي الفرج عبد الرحمن بن على بن الجوزي ، ت: عبد الرحمن محمد عثمان. المكتبة السلفية، المدينة المنورة. ط1/ 1386هـ- 1966مـ.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

د. محمد بن علي اليــولو الجزولي

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق