مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةقراءة في كتاب

المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى للإمام أبي حامد الغزالي: ت.505هـ

يعد الغزالي من بين العلماء الذين اهتموا بشرح معاني أسماء الله الحسنى، حتى أفرد لها كتابا صغير الحجم عظيم الفوائد، والتي تعود على الإنسان المؤمن بالمنافع الوافرة، وتوثق الصلة بينه وبين ربه، لأنه من عرف الله سبحانه وتعالى بأسمائه وصفاته، وتخلق بذلك في حياته وكان كما يحب الله ويرضاه، فقد نال عند الله منزلة عظيمة، وفاز بقربه من ربه فوزا عظيما.
محتويات الكتاب و موضوعه:
قسم الإمام الغزالي كتابه إلى ثلاثة فنون:
وفصول الفن الأول تلتفت إلى المقاصد التفات التمهيد والتوطئة، وفصول الفن الثاني تشتمل على بيان معاني أسماء الله الحسنى، وفصول الفن الثالث تنعطف عليها انعطافه التتمة والتكملة، ولباب المطلب ما تنطوي عليه الواسطة.
الفن الأول: في السوابق والمقدمات: فيشتمل على بيان حقيقة القول في الاسم والمسمى والتسمية، وكشف ما وقع فيه من الغلط لأكثر الفرق، وبيان أن ما يتقارب معناه من أسماء الله تعالى كالعظيم والجليل والكبير هل يجوز ان يحمل على معنى واحد فتكون هذه الأسماء مترادفة، أم لابد وأن تختلف معانيها؟ وبيان أن الاسم الواحد الذي له معنيان هل هو مشترك بالإضافة إلى المعنيين يحمل عليهما حمل العموم على مسمياته، أم يتعين حمله على أحدهما؟ وبيان أن للعبد حظا من معنى كل اسم من أسماء الله تعالى.
الفن الثاني: في المقاصد والغايات: يشتمل على بيان معاني أسماء الله تعالى التسعة والتسعين، وبيان أن جملتها كيف ترجع، على مذهب المعتزلة والفلاسفة، إلى ذات واحدة لا كثرة فيها.
الفن الثالث: في اللواحق والتكميلات: ويشتمل على بيان أن أسماء الله تعالى تزيد على تسعة وتسعين نصا وتوقيفا، وبيان فائدة الإحصاء والتخصيص مائة إلا واحدا، وبيان الرخصة في جواز وصف الله سبحانه وتعالى بكل ما متصف به، وإن لم يرد فيه إذن و لا توقيف، إذ لم يرد منع، فأما ما أشعر معناه بنقص فلا يقال في حق الله تعالى ألبتة إلا ان يرد فيه إذن، فيقال من حيث الإذن ويؤول على ما يجب في حق الله تعالى، وانه قد يمنع في حق الله تعالى إطلاق لفظ، فإذ قرن به قرينة جاز إطلاقه، وانه يدعى سبحانه بأسمائه الحسنى كما أمر، حتى إذا جاوزنا السماء اإلى أن ندعوه بصفاته دعي بأوصاف المدح والجلال فقط، ولا يدعى بكل ما يجوز أن يوصف ويخبر به عنه من الأوصاف والأفعال إلا أن يكون فيه مدح وإجلال على ما ذكرنا ونذكره بعد في موضعه مفسـرا إن شاء الله تعالى.
سبب تأليفه للكتاب:
يذكر الإمام الغزالي سبب تأليفه للكتاب بقوله :”فقد سألني أخ في الله عز وجل يتعين في الدين إجابته، شرح معاني أسماء الله الحسنى. وتواردت علي أسئلته تترى، فلم أزل أقدم فيه رجلا وأؤخر أخرى، ترددا بين الانقياد لاقتضائه، قضاء لحق إخائه، وبين الاستعفاء عن التماسه، أخذا بسبيل الحذر، وعدولا عن ركوب متن الخطر، واستقصارا لقوة البشر، عن درك هذا الوطر.
وكيف لا ! وللبصير عن خوض مثل هذه الغمرة صارفان:
(أحدهما ): أن هذا الأمر في نفسه عزيز المرام، صعب المنال، غامض المدرك، فإنه في العلو في الذروة العليا والمقصد الأقصـى، الذي تتحير الألباب فيه، وتنخفض أبصار العقول دون مباديه فضلا عن أقاصيه. ومن أين للقوى البشرية أن تسلك في صفات الربوبية سبيل البحث والفحص والتفتيش ! وأنى تطيق نور الشمس أبصار الخفافيش !
(والثاني): أن الإفصاح عن كنه الحق فيه يكاد يخالف ما سبق إليه الجماهير، وفطام الخلق عن العادات ومألوفات المذاهب عسير، وجناب الحق يجل عن أن يكون مشـرعا لكل وارد، أو يتطلع إليه واحد بعد واحد. ومهما عظم المطلوب قل المساعد”[2].
شرح معاني بعض الأسماء:  
يقول الله سبحانه وتعالى:(قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً)[3].
نأتي على شرح بعض الأسماء التي وردت في كتاب “المقصد الأسنى” وهي كالتالي:
الله: اعلم أن هذا الاسم أعظم أسماء الله عز وجل، التسعة والتسعين، لأنه دال على الذات الجامعة لصفات الإلهية كلها حتى لا يشذ منها شيء، وسائر الأسماء لايدل أحادها إلا على آحاد المعاني، من علم أو قدرة أو فعل أو غيره.
وأشار الغزالي إلى دقائق ولطائف تستفاد من هذا الاسم ومعناه: هو أن معاني سائر الأسماء يتصور أن يتصف العبد بشيء منها حتى ينطلق عليه الاسم، كالرحيم والعليم والحليم والشكور وغيره، وإن كان إطلاق الاسم عليه على وجه آخر يباين إطلاقه على الله عز وجل، وأما معنى هذا الاسم فخاص خصوصا لا يتصور فيه مشاركة، لا بالمجاز ولا بالحقيقة،  ولأجل هذا الخصوص يوصف سائر الأسماء بأنها اسم الله عز وجل، ويغرف بالإضافة إليه، فيقال: الصبور والشكور والملك والجبار من أسماء الله عز وجل.
الرحمن: اسم مشتق من الرحمة، والرحمة تستدعي مرحوما، ولا مرحوم إلا و هو محتاج، والذي ينقضي بسببه حاجة المحتاج من غير قصد وإرادة وعناية بالمحتاج لا يسمى رحيما، والذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها، فإن كان قادرا على قضائها لم يسم رحيما، إذ لو تمت الإرادة لوفى بها، وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرقة، ولكنه ناقص.
الخالق: فلا مدخل للعبد أيضا في هذين الاسمين إلا بنوع من المجاز بعيد، ووجهه: أن الخلق والإيجاد يرجع إلى استعمال القدرة بموجب العلم. وقد خلق الله تعالى للعبد علما وقدرة، وله سبيل إلى تحصيل مقدوراته على وفق تقديره وعلمه.
الرازق: هو الذي خلق الأرزاق والمرتزقة، وأوصلها إليهم، وخلق لهم أسباب التمتع بها.
(والرزق رزقان): ظاهر، وهي الأقوات والأطعمة، وذلك للظواهر وهي الأبدان، وباطن، وهي المعارف والمكاشفات، وذلك للقلوب والأسرار، وهذا أشرف الرزقين، فإن ثمرته حياة الأبد، وثمرة الرزق الظاهر قوة الجسد إلى مدة قريبة الأمد، والله عز وجل هو المتولي لخلق الرزقين والمتفضل بالإيصال إلى كلا الفريقين، ولكنه يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر.
منهجه في الكتاب:
يتحدد منهج الغزالي في كتابه “المقصد الأسنى” في : “أن العقل هو المميز، وهو مناط الأمانة التي كلف الله تعالى الإنسان بها، وأنه قاض لا يعزل ولايبدل. وأما الشرع فهو الشاهد والمزكي والمعدل. ومع أهمية العقل وخطورته، فإنه ليس مستقلا بالإحاطة بجميع المطالب، ولا كاشفا للغطاء عن جميع المعضلات، والعقل ـ لضعفه وقصوره ـ يعجز أحيانا عن أن يبدي الرأي في مسألة ما ، فيسعفه الوحي أو الإلهام يتبيانها، فتارة يدرك العقل وجه الحكمة فيها، وهنا يستطيع أن يسد من أزر الوحي والإلهام بما يمكنه من فنون الأدلة الفكرية وضروب المحاولات العقلية. وتارة لا يدرك وجه الحكمة، فيقف صامتا لا يملك المساعدة، وليس معنى هذا القول باستحالة المسألة عنده، ففرق كبير بين ما يعجز العقل عن إدراكه، وبين ما يدرك وجه إستحالته”.
طبعات الكتاب:
ـ طبعة مكتبة القدس، تأليف: عبد العزيز الدريني، تحقيق: مصطفى محمد، تاريخ النشر: 1419هـ /1998م.
ـ طبعة  مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، تأليف: محمد عثمان الخشت، 1421هـ/2001م.
ـ طبعة دار الكتب العلمية سنة 1424هـ/2001م، بتحقيق: أحمد قباني.
ـ طبعة دار المشاريع، تأليف: قسم الأبحاث والدراسات الإسلامية، 1422هـ/2002م.
ـ طبع في  دار ابن حزم سنة 1423هـ /2003م، بتحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي.
ـ طبع في دار الحافظ للكتاب ـ سوريا، سنة 1424هـ/ 2004م، تدقيق:  أحمد راتب عرموش.
ـ طبعة دار الكتب العلمية، تأليف: الديرني، أبو محمد عز الدين بن عبد العزيز، تحقيق: سعيد عبد السميع قطيفة، سنة 1429هـ/2008م.
ـ طبعة المقطم للنشر والتوزيع 1428هـ/2008م، بتحقيق: نجاح عوض صيام.
ـ طبعة دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1428هـ/2008م.
ـ طبعة دار الفاروق للاستثمارات الثقافية، سنة 1430هـ /2009م.
ـ طبع في دار الكتب العلمية سنة 1431هـ /2010م، بتحقيق: أحمد قباني.
ـ طبع في العروبة للدراسات والبحوث بدون تاريخ.        
ـ طبع في المكتبة التوفيقية بدون تاريخ.

 

                                                                                إعداد الباحث: عبد الله بلحاج

 

 

الهوامش:

 [1] ـ مصادر  التي ورد فيها الكتاب ونسب إلى الغزالي:
ابن خلكان: وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان 3/354.
السكبي: طبقات الشافعية الكبرى4/116: ” كتاب الأسماء الحسنى”.
ابن العماد: شذرات الذهب في أخبار من ذهب 4/13.
ابن طفيل: حي بن يقظان، ص64.
المرتضى: إتحاف السادة المتقين بشرح أسرار إحياء علوم الدين (برقم 4).
بروكلمان: تاريخ الأدب العربي (برقم 5).
الزركلي: العلام 7/22.
عبد الرحمن بدوي: مؤلفات الغزالي، ص 135.
[2] ـ مقدمة كتاب المقصد الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، 1428هـ/2008م، ص 5
[3] ـ الاسراء: 110
[4] ـ المقصد الأسنى ص 74.
[5] ـ  نفس المصدر ص 75
[6] ـ نفس المصدر ص 76
[7] ـ  نفس المصدر ص 102.
[8] ـ نفس المصدر ص 111.
[9] ـ المقصد الأسنى للغزالي، تأليف: محمد عثمان الخشت، مكتبة القرآن للطبع والنشر والتوزيع، 1421هـ/2001م، ص 10.

روابط تحميل الكتاب:

ـ  المقصد الأســنى فى شرح أسماء الله الحسنى لأبي حامد الغزالى.
http://www.4shared.com/office/LjZ4p_fX/__________.html

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله جزاكم الله عنا كل خير وقد كنت أبحث عن موقع يهم العقيدة الأشعرية خاصة
    لكني وجدت بغيتي في الموقع ولدي بعض الملاحضات ربما أظن أنكم قد سهوتم أوغفلتم أو تناسيتم بعض الكتب في العقيدة الأشعرية وهي معروفة ألا وهي مقدمة ابن عاشر وجوهرة التوحيد اللتان تدرسان في المعاهد العتيقة وشكرا.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق