مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

المــرأة فـــي الـخطـــاب الأدبـــــي الـــفـــقــهــــــي

ايت علا عبد الرحيم

 

 

 

 

إن التفكير في المرأة في الفكر الديني الإسلامي يحكمه تعدد الخطاب الديني الذي يتداخل فيه الفقهي و البلاغي و التاريخي و الفلسفي و الصوفي. يتداخل فيه المقدس و المدنس, الحلال و الحرام، التجربة الفردية و السلطة الإجتماعية, الأمر الذي يستدعى مساءلة هذا الخطاب من منطلق أن هناك جسدا دينيا بدلالات متعددة بحكم كونه جسدا له محددات من جهة وله تمثلاته ورموزه وتخيلاته المتنوعة من جهة أخرى.

إن المرأة (الجسد الديني) بهذا المعنى ليس كائنا عضويا بل أصبح جسدا ثقافيا رمزيا فاعل[1] وفق المنظور الفينومينولوجي لكن محدداته لا تنفصل عن تمظهرات المقدس باُعتباره هدفا مركزيا، فهو نقطة الإنطلاق في إجلال المطلق[2]

لكن الجسد الديني (المرأة) ستتعدد مفاهيمه وأهدافه تاريخيا فلم يعد جسدا من أجل تقديس العظمة الإلهية، بل أصبحت له تجليات أخرى أبرزها جسد المجون والمرح حيث سنشهد لحظة إبداع واسعة حول اللذات الجسدية وقلة الاهتمام بالمقدس ومحدداته حتى أن ابن عربي قال يوما بأن مسلمي زمنه يفضلون الحدائق على المساجد[3]

أطلق مالك شبال على هذه الفترة، فترة الخطاب الغزلي، بكل أبعاده وتمثلت في الكتابات الشعرية، الصوفية والفقهية أيضا، أي أن موضوع المرأة لم يقتصر على الشاعر فحسب بل تعداه إلى الفقيه فقد كتب عدد من الفقهاء حول المرأة سماهم مالك شبال: « بفقهاء الحب les théologiens de l’amour » من هؤلاء ابن داوود الظاهري (ت 297هـ) وكتابه الزهرة وابن حزم (ت456هـ) وكتابه طوق الحمامة إضافة إلى ابن القيم (ت 751هـ) وكتبه أخبار النساء – روضة المحبين – حادي الأرواح – بما يشير إلى حضور كتابه مسكوت عنها حول الجسد الديني (المرأة) في الخطاب الفقهي، لكن الفقيه يختلف في كتابته عن الشاعر كونه ينطلق من احتياط ديني سببه مسألة (القدوة) و(العدالة) التي يضفيها على شخصه و كتاباته، إنه سيهدف في خطابه إلى أن يكون نموذجا لإضفاء شرعيته لتضاف إلى شرعية النص الديني.

إن الفقيه لا يستطيع إلا أن يكون ذا وظيفة (فرعية – أثرية – نصية – مقننة …) تتمثل في ضمان تشكيل (جسد ديني) خاضع للمقدس باُمتياز.

و يحضر هذا الإحتياط أكثر عندما يكتب الفقيه في موضوعات الحب و المرأة، فهذا ابن حزم مثلا يبرر كتابه لطوق الحمامة بأنها مجرد استجابة لطلب صديق له ولولاه لما تكلف تلك المشقة، وهي مشقة ناتجة عن إحساس بالخروج عن مقتضيات (القدوة) حيث يقول ﴿ولولا الإيجاب لك لما تكلفته و الأولى بنا مع قصر أعمارنا، ألا نصرفها إلا فيما نرجو به رحب المنقلب و حسن المآب غدا﴾[4]

التردد نفسه نجده عند ابن القيم في كتابه (روضة المحبين و نزهة المشتاقين) فلا يلبث أن يربط محبة النساء بمحبة الرحمان ليستدرك بأن الله يفضل أهل محبته على سائر المحبين تفضيلا[5]

أما الإمام ابن قتيبة فيعرض لنا الطريقة التي رتب عليها كتبه، أنه حين جمع مادة الكتاب عزل أربعة موضوعات فضل أن يجعل منها كتبا مستقلة و قد فعل وهي كتاب الشراب – كتاب المعارف – كتاب الشعر – كتاب تأويل الرؤيا وهي مذكورة في قائمة مؤلفاته وما تبقى لديه من المواد التي جمعها جعلها مادة لكتاب (عيون الأخبار)[6] ولن يكون في إمكاننا تقديم عرض عن المضمون، ما يهمنا هنا هو تفسيرنا لمنظومة القيم الحاكمة وهما مفهوم السلطان قمة الهرم والثاني عن المرأة بوصفها المرتبة الدنيا في هذا الهرم و من خلال هذين النموذجين يمكن أن نستنتج بوضوح الكيفية التي يكرس بها ابن قتيبة (ربما عن غير قصد) هذا النظام الكسروي الذي يتربع فيه السلطان على قمته وترمى فيه المرأة في أسفل سافله.

و قد جعل ابن قتيبة آخر كتبه (كتاب النساء) و جعله مقاربا لكتاب الطعام. و العرب تدعو الأكل والنكاح بالأطيبان تريدهما (الأكل و النكاح).

والرؤية التي ترسخها أدبيات ابن قتيبة هي نظرة المرأة بوصفها بضاعة (أو موضوعا) و ليس بوصفها ذات.

إن إبراز سلم القيم الحاكمة في (أخلاق الطاعة) وهو ليس من وضع عبد ربه ولا ابن قتيبة وإنما هو سلم يجد أصله في الموروث الفارسي فالمرأة مكلفة بخدمة الرجل والمحافظة على السلم الإجتماعي كل طبقة في مكانها والمرأة تنتمي بطبيعة الحال إلى هذه الأخيرة. 

إن الناظر إلى الموروث الفقهي الإسلامي، يلاحظ غلبة الانطباعية و التشظي و التجزئة على التركات كما و نوعا. و من نافلة القول أن البحث في الأبنية الثقافية للمجتمع الإسلامي و استحضار قضاياه الفكرية المثارة و خصوصا قضية المرأة لمن شأنه أن يصحح المعلومات التاريخية المشوهة و المتواترة بالخطأ و المغالطة إن الواقع الفقهي الحالي غالبا ما يكتفي بالتغني بأمجاد الماضي، لأن الإكتفاء بالماضي كما قال مالك بن نبي، ينتج ثقافة أثرية تعبر عن مرض اجتماعي لوسط لم يعد لديه الوسيلة أو الهم الذي يدفعه إلى التغلب على نواحي ضعفه فيلجأ إلى الماضي طلبا للحلول.

إن القرآن الكريم و السنة النبوية الشريفة تقرر الأصول، و تقوم علميات التفسير والتأويل بتجسيدها على أرض الواقع، في صياغة فكرية محدودة تتوقف على طبيعة الإطار المرجعي المعرفي للمفسر، كما تتوقف على مجمل السياق التاريخي الإجتماعي الذي تتم فيه عملية الفهم والتفسير إضافة إلى الدمج بين الأعراف و الممارسات الإجتماعية السابقة و ذلك استنادا إلى عدة قواعد منها :

(شرع من كان قبلنا) و(الاستحسان) و(القياس) ونظر الإنسان في الفقه متأرجحا بين الطاعة و الإباحة و الحظر.

إن الخلط بين الإجتماعي و الديني أو بمفهوم أدق عدم إيجاد الخطوط الناظمة للاجتماعي داخل المجال الديني أدى إلى التمييز بين البشر على أساس المركز الإجتماعي و الجنس و … (الإماء – العبيد – الموالي – الأحرار ….) 

وكان نتيجة تلك الأحكام الفقهية المتنوعة ضد المسلمين وغير المسلمين، وظل ذلك الموروث الفقهي يرخي سدوله على الفكر الإسلامي إلى يومنا الحاضر مما يؤكد عيش الفقهاء في جلابيب علماء الأمة السابقة منذ أكثر من ثمان قرون ويتمحور كل جهدهم في اجترار الفتاوي القديمة وإعادة استخراجها من الكتب وتحويل الفقه من الفهم العميق للتعرف على غايات الأقوال والأفعال إلى النقل الحرفي لفقه الأولين دون إدراك أو تمعن أو النظر في مناسبة الوقت والزمان.

 

 

 

 


[1] 

 فريد الزاهي : الجسد و الصورة و المقدس في الإسلام. ص85

[2]  مالك شبال

Chabal malek le corps en islam . paris ص 15

[3]  Ibid / p 24

[4]  ابن حزم، طوق الحمامة.

[5]  ابن القيم روضة المحبين و نزهة المشتاقين ص10 تحقيق سمية مصطفى

[6]  عيون الأخبار ابن قتيبة الدينوري

 الدكتور محمد عابد الجابري :نقد العقل العربي الجزء الرابع العقل الأخلاقي العربي دراسة تحليلية نقدية لنظم القيم في الثقافة العربية ص 206     219.

 

 

 

نشر بتاريخ: 04 / 06 / 2015

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. بارك الله فيك أخي الأستاذ على هذا المجهود المشكور

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق