مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

المـذهـب

     الدكتور مولاي إدريس غازي   

        باحث بمركز دراس بن إسماعيل    

المذهب في الاستعمال اللغوي مأخوذ من ذهب يذهب ذهبا ومذهبا، ويتراوح بين إفادة المعاني اللغوية التالية:

– مكان السير والمرور.

– الطريقة والسيرة.

– المعتقد الذي يلتزمه صاحبه.

– القصد والتوجه.

– الزوال والانقضاء.

– الأصل.

وهذه الاستعمالات اللغوية منها ما هو حقيقي، ومنها ما هو مجازي.

قال الزبيدي في تاج العروس: [1] ( ومن المجاز، المذهب: المتوضأ، لأنه يذهب إليه. وفي الحديث: « أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد الغائط أبعد في المذهب».وهو مَفْعَل من الذهاب. وعن الكسائي: يقال لموضع الغائط: الخلاء، والمذهب، والمرفق، والمرحاض. وهو لغة الحجازيين.

ومن المجاز، المذهب: المعتقد الذي يذهب إليه. وذهب فلان لذهبِه، أي لمذهَبِه الذي يذهب فيه.

والمذهب: الطريقة. يقال: ذهب فلان مذهبا حسنا أي طريقة حسنة.

والمذهب: الأصل. حكى اللحياني عن الكسائي، ما يدرى له أين مذهب، ولا يدرى له مذهبه، أي لا يدرى أين أصله).

وأما في التداول الشرعي، فقد لوحظت في مصطلح المذهب معظم معانيه اللغوية.

ويقصد بالمذهب في الاصطلاح ما نهجه إمام من الأئمة فيما فيه اجتهاد. وفي ذلك يقول الحطاب: «والمذهب لغة: الطريق ومكان الذهاب، ثم صار عند الفقهاء حقيقة عرفية فيما ذهب إليه إمام من الأئمة من الأحكام الاجتهادية.»[2] 

وإذا كان المذهب يطلق على منهج الإمام المؤَسِس، وطريقته المسلوكة في استنباط الأحكام الاجتهادية، فإن الإطلاق المذكور شامل لمسالك أتباعه، والمنتمين إليه، ممن نهج طريقته الاستدلالية، واتبع منهجه الاجتهادي،فالمذهب المالكي مثلا، يشمل «كل جواب بني على أصول مذهب مالك وطريقته، فإنه من مذهبه، والمفتي به إنما أفتى على مذهبه، فيصح أن تضاف هذه الأقوال إلى المذهب وتعد منه.»[3]

وعليه فالمراد بمذهب مالك : ما قاله هو و أصحابه على طريقته، و نسب إليه مذهبا لكونه يجري على قواعده و أصله الذي بني عليه مذهبه، و ليس المراد ما ذهب إليه وحده دون غيره من أهل مذهبه. فالمذهب اسم للمسائل التي يقولها المجتهد ،و التي يستخرجها أتباعه من قواعده.

وتقييد المذهب بالأحكام الاجتهادية ،كما هو مشار إليه في تعريف الحطاب ،للاحتراز عن الأحكام المستفادة من طريق لا مجال فيه للاجتهاد كالقطعيات ، فلا يختص بها مذهب دون غيره،أما المجتهدات أو الظنيات ،فيصح تعلق المذهب بها و اختصاصه بها،لصحة تعلق الاجتهاد بها.قال العلامة محمد بن علي السنوسي:

(وإيضاح ذلك أن المجتهد مطلقا كان أو منتسبا، إنما له التصرف في الأحكام الظنية فقط، مما لا صريح نص في عينها بأحد وجهين:

أحدهما استنباط ما لم يطلع عليه صريحا في الكتاب و السنة، بوجه من وجوه الاستنباطات الأصولية من قياس أو غيره.

والثاني ترجيح أحد النصين أو النصوص المتعارضة أو المستخرجة منها بالمرجحات المعروفة على طريق الأصوليين، و الخلافيين، و أهل الجدل ، و كلما قويت عارضة أحد في العلوم الثلاثة كان أتم استنباطا و أدق نظرا، وأبعد عن الخطإ في استخراجاته…

وأما الأحكام القطعية فالأئمة فيها سواء، الأئمة و غيرهم، فلا تعلق للاجتهاد بها، إذ ليست من المجتهد فيه، كانت ضرورية كما عند اللقاني و جماعة، أو غير ضرورية كما عند جماهير المحققين…

فالمراد إذن بقطعيتها كونها نصوصا صحيحة صريحة في عين مسائلها،حيث توفرت شروط العمل بها ، و انتفى معارضها(…)، فلا اختصاص لأحد بها عن الآخر، ولا يوصف العامل بها بتقليد و لا اجتهاد.)[4]

وللمتأخرين من أئمة المذهب إطلاق خاص لاصطلاح المذهب، حيث يعني في استعمالهم «ما به الفتوى من باب إطلاق الشيء على جزئه الأهم، نحو قوله صلى الله عليه وسلم: «الحج عرفة» لأن ذلك هو الأهم عند الفقيه المقلد»[5]  

وعلى العموم يمكن القول إن المذهب عبارة عن نسق استدلالي يلتزم به فقيه أو طائفة تداولية مخصوصة في إنشاء المفاهيم، وبناء الأحكام بصدد النوازل، مع الاستناد في هذا الإنشاء والبناء ،إلى جملة من القواعد والآليات المختصة بتأويل الخطاب وتوليد الأحكام.

 

الهوامش

1-بغية المقاصد ( أو المسائل العشر) ص40 و ما يليها طبع وزارة الإعلام و الثقافة  1388-  1968

2- “تاج العروس” للزبيدي مادة (ذهب) ، وانظر كذلك “لسان العرب” مادة (ذهب) و أساس البلاغة للزمخشري كتاب الذال مادة ذهب.

3- “مواهب الجليل” 1/34 ضبطه الشيخ زكرياء ميراث ط2/2007 دار الكتب العلمية بيروت.

4- “عنوان الدراية” لأبي العباس أحمد بن أحمد الغبريني ص 101نقلا عن اصطلاح المذهب عند المالكية للدكتور محمد ابراهيم علي ص25ط1 2000 دار البحوث للدراسات الاسلامية و إحياء التراث دبي الإمارات العربية المتحدة

5- “مواهب الجليل” للحطاب، 1/34

 


 

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق