مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيغير مصنف

المعيار المعرب، والجامع المغرب، عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب

المعيار المعرب لأحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد

أبي العباس التلمساني الونشريسي (ت914ﻫ)

تقديم:

نال علمُ الفتاوى أو النوازل أو الوقائع حظّاً وافرا لدى علماء الغرب الإسلامي، فكان لهم فيه قصبُ السبق، واليدُ الطولى، ولم يجارِهم فيه أحد، تأليفا، وتصنيفا، وإفتاء، وتدريسا.

فكانوا مطَّلِعين على مستجدات واقعهم، منشغلين بهموم ومشاكلِ مجتمعهم، لا يتركون حادثة تطرأ، أو واقعة تنزل، أو فتوى يُسْتفتى فيها، دون أن يبحثوا لها عن جواب، ويَذْكُرون ما قاله فيها أولوا الألباب.

ولم تذهب تلك الفتاوى والأجوبة مع ذهاب أصحابها، بل جُمِعت ودُونت، ورُتبت وحُررت من قِبل تلاميذهم، أو من جاء بعدَهم، فأصبحت مؤلفات مستقلة بذاتها، تُضَاهي كتبَ الفقه والأصول…

وهذه المؤلفاتُ، بعضها جمع نوازل وفتاوى إمامٍ مُعيَّن في قطر معين، وأخرى جمعت فتاوى أئمة متعددين في أقطار مختلفة.

وأجمعُ كتاب ينتمي إلى اللون الأخير من التأليف، كتاب «المعيار» لأحمد بن يحيى أبي العباس الونشريسي التلمساني، الذي سَنُعرف به تِبَاعا بحول الله.

وقبل ذلك سأعطي ترجمة موجزة لمؤلف المعيار:

ترجمة المؤلف:

اسمه ونسبه:

هو أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي أبو العباس التلمساني الونشريسي الأصل والمنشأ، الفاسي الدار والاستطان والمدفن.

شيوخه:

أخذ عن شيوخ تلمسان كقاسم العقباني، وولده أبي سالم، وحفيده محمد بن أحمد، وابن العباس، والجلاب، وابن مرزوق الكفيف، والغرابلي، وغيرهم.

تلاميذه:

وتخرج به جماعة من الفقهاء كولده عبد الواحد، وأبي عباد بن مليح اللمطي، وأبي زكرياء السوسي، وعبد السميع المصمودي، ومحمد بن الغرديس، وغيرهم.

مكانته في المذهب وثناء العلماء عليه:

تبوَّأ أبو العباس أحمد الونشريسي مكانةً علمية في المذهب؛ لما له من أثر بارز فيه، فهو عالم فقيه مفتي نوازلي مؤلف «من كبار العلماء الراسخين، والأئمة المحققين». كما قال فيه صاحب دوحة الناشر (2/824)]، و«حامل لواء المذهب على رأس المائة التاسعة»، كما حلاه بذلك التنبكتي في نيل الابتهاج (1/144)].

كان «متبحرا في مذهب مالك، عارفا بأصوله وفروعه، كثير الاطلاع والحفظ والإتقان». [سلوة الأنفاس (2/171)]،  ووصفه المنجور في فهرسه بـ:«الفقيه الكبير الحافظ المحصل النوازلي». (ص: 50)، «حافظ المذهب المالكي بالمغرب، حجة المغاربة على الأقاليم». [فهرس الفهارس (2/1122)]، حتى «انتهت إليه الرياسة في فهمه وتحصيله، ولم يكن له نظير في عصره» [مباحث في المذهب المالكي بالمغرب (ص: 82)]، وكان «المفتي بالمغرب». [درة الحجال (1/92)]، ولم يتقدم عليه أحد.

«كان مشاركا في فنون من العلم… إلا أنه أكب على تدريس الفقه فقط، فيقول من لا يعرفه: إنه لا يعرف غيره». [فهرس المنجور (ص: 50)].

وحلاه التسولي في البهجة بالمحقق، صحبةَ  ابنِ هلال وابنِ عرضون، حيث قال: «وأفتى به غير واحد من المحققين كابن هلال والونشريسي وابن عرضون حسبما في الزياتي وغيره» (1/ 398).

وبلغ تمكنه من مذهب مالك حتى قال عنه ابن غازي: «لو أن رجلاً حلف بطلاق زوجته أن أبا العباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك أصوله وفروعه، لكان بارا في يمينه، ولا تطلق عليه زوجته؛ لتبحر أبي العباس، وكثرة اطلاعه وحفظه وإتقانه» [دوحة الناشر ضمن موسوعة أعلام المعرب (2/824)]، فهرس الفهارس (2/ 1122).

وقد رثاه أبو عبد الله محمد بن الحداد الوادي آشي بقصائد ذكرها صاحب أزهار الرياض (3/306) منها:

لقد أَظلَمت فاس بل الغربُ كله

 

بموت الفقيه الونشريشي أحمد

رئيس ذوي الفتوى بغير منازع

 

ـ وعارف أحكام النوازل الأوحد

له دربة فيها ورأى مسدد

 

بإرشاده الأعلام في ذاك تهتدي

وتالله ما في غربنا اليوم مثله

 

ولا من يُدانيه بطول تردد

وفاته:

توفي أبو العباس الونشريسي بفاس سنة (914ﻫ) عن نحو ثمانين سنة.

مؤلفاته:

له تآليف كثيرة، منها: المعيار المغرب عن فتاوى علماء إفريقيا والأندلس والمغرب، وتعليق على مختصر ابن الحاجب الفرعي، وغنية المعاصر والتالي على وثائق الفشتالي، والفائق في أحكام الوثائق، وكتاب القواعد في الفقه، «صغير محرر»، يسمى: إيضاح السالك، وتأليف في الفروق في مسائل الفقه.

مصادر الترجمة:

فهرس المنجور (ص: 50)، توشيح الديباج (ص: 43)، جذوة الاقتباس (ص: 156)، درة الحجال (1/91)،  نيل الابتهاج (1/144)، كفاية المحتاج (1/130)، سلوة الأنفاس (2/171)، الفكر السامي (ص: 597)، شجرة النور (ص: 274) (1022)، البستان في ذكر الأولياء والعلماء بتلمسان (ص: 54)، الأعلام للزركلي (1/269). 

 التعريف بالكتاب:

اسم الكتاب: سماه مؤلفه: «المعيار المعرب، والجامع المغرب، عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب». صرح بذلك في مقدمة كتابه فقال: «فهذا كتاب سميته: بالمعيار المعرب، والجامع المغرب، عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب». [(1/1)].

ويقال أيضا: المعيار المغرب، والجامع المعرب، عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس والمغرب. [توشيح الديباج (ص: 43)، سلوة الأنفاس (2/172)].

 وعند التنبكتي: المعيار المغرب عن فتاوى علماء إفريقيا والأندلس والمغرب. [نيل الابتهاج (1/144).].

وعند ابن القاضي: «المعيار المعرب عن فتاوى إفريقية والمغرب». [جذوة الاقتباس (ص: 156)،  وبنفس التسمية ذكره في درة الحجال (1/92)].

ويقال له اختصارا: المعيار المعرب، أو المعيار. انظر كتب  المذهب في النقل عنه.

منهج مؤلفه فيه:

كتاب المعيار للونشريسي موسوعة علمية في الفتاوى والنوازل والمسائل الفقهية، وهو أجمع كتاب وصلنا في النوازل وأوعبه، قال مخلوف: «جمع فأوعى، وأتى على كثير من فتاوى المتقدمين والمتأخرين». [شجرة النور (ص: 275)].

وقريبٌ منه وزيادة قولُ الجيدي: «جمع فيه فأوعى، وأحاط بالفقه المالكي أصولا وفروعا». [مباحث في المذهب المالكي بالمغرب (ص: 82)]. حتى إن فتاواه «كادت تحيط بمذهب مالك». فهرس الفهارس (2/1123).

 وقد جمع فيه صاحبُه فتاوى المتأخرين والمتقدمين من أهل إفريقية والمغرب والأندلس، كما نص على ذلك مؤلفه في مقدمته بقوله: «جمعت فيه من أجوبة متأخريهم العصريين ومتقدميهم مما يعسر الوقوف على أكثره في أماكنه، واستخراجه من مكامنه؛ لتبدده وتفريقه، وانبهام محله وطريقه».  (1/1).

وهذه المجموعة من الفتاوى والنوازل الفقهية، المتنوعنة المشارب، والمختلفة المصادر، والتي بلغت حوالي ألفين و مآتين وخمس وثلاثين (2235) فتوى، جمعت فتاوى واجتهادات فقهاء في أقطار معية من القيروان، وبجاية، وتلمسان، وقرطبة، وغرناطة، وسبتة، وفاس، ومراكش، وغيرها طوال ثمانية قرون [من القرن الثاني إلى القرن التاسع].

وقد جاء كتاب المعيار مرتبا على الأبواب الفقهية؛ ليتسنى لمطالعه سهولةَ الوصول إلى للآلئ درره، وغرر مسائله، وهذا ما أشار إليه مؤلفه في مقدمته بقوله: «ورتبته على أبواب الفقه؛ ليسهل الأمر فيه على الناظر». (1/1).

وطريقة المؤلف في كتابه ـ غالبا ـ أنه يورد نص السؤال مصدرا له بقوله: «سئل…»، ويذكر الإمام المسْتَفْتى، ثم يُردفه بجوابه، مصدرا له بقوله: «فأجاب…»، ناقلا السؤال والجواب بنصَّيْهما.

ولم يَكْتف في بعض الأحيان بإيراد السؤال وجوابه، بل يتدخل بالتعقيب أو التصحيح، أو الترجيح، أو التوضيح والإضافة، أو الاستدراك، أو غير ذلك.

وتميز هذا الكتاب بالحرص على نسبة كل فتوى لصاحبها غالبا، كما أشار إلى ذلك في مقدمة كتابه بقوله: «وصرحت بأسماء المفتين إلا في اليسير النادر». (1/1).

وتحكي كتب التراجم والطبقات أن الونشريسي استعان في تأليف معياره بالكتب التي وجدها في خزانة تلميذه محمد بن الغرديس القاضي بفاس ـ خاصة فتاوى فاس والأندلس، [سلوة الأنفاس (2/172)]، وباقي الفتاى والنوازل الأخرى اعتمد فيها على نوزال البرزلي والمازوني، قال التنبكتي: «وبخزانة هذا الرجل انتفع الونشريسي، وقد احتوت على تصانيف فنون العلم، وبها استعان في تصنيف كتابه المعيار، سيما فتاوى فاس والأندلس، فإنما تيسرت له من هذه الخزانة… قلت: أما فتاوى إفريقية وتلمسان، فاعتمد في ذلك على نوازل البرزلي والمازوني، فيما يظهر لمن طالعها». [نيل الابتهاج (1/144)].

ولأحمد بابا التنبكتي ترتيب للمعيار، كما اختصره المجلدي في مجلد، وهذا الأخير يحقق الآن في أطروحة جامعية بكلية الآداب بالقنيطرة.

اعتماده في المذهب:

المعيار المعرب من أجمع كتب النوازل التي وصلتنا، وهو كتاب معتمد في الفتوى والقضاء على الرغم من ضعف بعض مسائله، قال الهلالي: «ومن كتب النوازل المعتمدة… المعيار، وهو أجمع ما رأينا من كتب النوازل؛ لكن فيه بعض الفتاوى ضعيفة». [نور البصر (ص: 133)]، والنص بنفس اللفظ عند الرجراجي في منار السالك [انظر منار السالك (ص: 53)].

وقال عمر الجيدي: «وهو من الكتب المعتمدة رغم ما قيل في بعض مسائله» [مباحث في المذهب المالكي بالمغرب (ص: 82)]، وقال الكتاني: «فاق به الأوائل والأواخر» [سلوة الأنفاس (2/172)]، وقال الحجوي: «وهو من التآليف ذات الشأن عند فقهاء الوقت، على ما فيه من ضعف بعض الفتاوى، طبع بفاس واشتهر في العالم» [الفكر السامي (ص: 597)]، وقال النابغة الغلاوي عون المحتسب (ص: 154)

واعتمدوا المعيار لكن فيه

 

أجوبة ضعّفها بفيه

وقال محمد بن محمذ فال التندغي، ناظما للكتب المعتمدة في المذهب

واعتمدوا المعيار لكن ربما

 

أتى بفتوى قال: لن تسلما

وهو أجمع الذي قد يوجد

 

من كتب النوازل المعتمد

وما قيل فيه: إنه ضم بعض الفتاوى الضعيفة فقد قال عبد الرحمن بن السالك: «أما قول القائل: (فيه أجوبة ضعّفها بفيه)، لعله يريد أنه ينقل الأجوبة التي لم يُتفق على صحتها، وقد طالُعناه من أوله إلى آخره، ورأيت فيه أجوبة فاسدة». [عون المحتسب (ص: 155)]، ثم ذكر ثلاثة أجوبة، اثنان منها فاسدة، والثالث قال فيه: إنه لم يفهمه، ثم قال: «وبالجملة فهو كتاب لا مثل له، لكنه كما قال أبو إسحاق الشاطبي في موافقاته، قال فيها: إنها لا تنبغي مطالعتها إلا لمن تضلع في العلم. وكما قال بعض الأئمة في مختصر الشيخ خليل: إنه لم يؤلفه للمبتدئين، وكذلك المعيار، لا ينبغي أن يطالعه إلا المطالع المطلع على كتب المذهب جميعها» [عون المحتسب (ص: 156)]. 

تنبيه:

اختلط كتاب المعيار على بعض علماء التراجم فظن أن «المعيار» كتاب، و«نوازل المعيار» كتاب آخر. [انظر: أعلام الجزائر ص: 49]، وأعلام الزركلي (1/269).

وقد اعتقد البغدادي أن أقضية المعيار في التاريخ، وظنه كتابا آخر. [إيضاح المكنون (1/113)، وهدية العارفين (1/138)].

أما سركيس: فجعل من المعيار ثلاثة كتب هي: «جامعة المعيار»، و«المعيار»، و«نوازل المعيار»، وما هي إلا كتاب واحد. (معجم المطبوعات ص: 1923 ـ 1924).

مخطوطاته، وطبعاته:

للكتاب نسخ مخطوطة كثيرة، وقد طُبع على الحجر بفاس سنة 1314ﻫ 1879م في اثني عشر جزءا.

   ثم أعادت طبعه وزارة الأوقاف المغربية، ودار الغرب الإسلامي، سنة 1401ﻫ، 1981م، باعتناء جماعة من الفقهاء يإشراف الأستاذ محمد حجي في 13 مجلدا، خصص الأخير منها للفهارس.

   ثم صدر عن دار الكتب العلمية، باعتناء محمد عثمان، سنة 2011.

   كما طُبعت نوازل الجامع من المعيار في كتاب مستقل بعنوان: النوازل الجامعة أو نوازل الجامع، باعتناء ذ شريف المرسي، ط دار الآفاق العربية، ط1، سنة 1432ﻫ 2011م. وهو كتاب الجامع من المعيار.

   والكتاب يشتغل على تحقيقه الآن فريقٌ من الباحثين في أطاريح جامعية، بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بالقنيطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق