مركز علم وعمران للدراسات والأبحاث وإحياء التراث الصحراويأعلام

المعاش المغربي من خلال سير آباء السباعيين

الدكتور مصطفى مختار

باحث بمركز علم وعمران

دأب أكثر من مؤلف على تأكيد صورة نمطية لقبيلة أولاد أبي السباع، بالصحراء المغربية، هي صورة القبيلة المغرقة في الظعن والترحال. ترى هل هذه هي الصورة الوحيدة عن قبيلة عجيب تاريخها، وعجيب رأسمالها الرمزي؟.

      لعل الرجوع إلى سيرتي سيدي حريز وابنه سيدي أبي السباع، بوصفهما أبويْن ثقافييْن تتشبث الفرق السباعية بالانتماء إليهما، يسهم في الإجابة عن السؤال المشار إليه أعلاه.  حيث يظهر أنهما يمثلان صورتين من صور المعاش المغربي التراثي. أولاهما: صورة معاش الظعن والترحال. وثانيتهما: صورة معاش الحراثة والاستقرار.

      أما بخصوص الصالح الأول، فيوثر عنه أنه تملك، بموضع تتوك أو تلترك، بمنطقة طاطا[1]. ولكن ماذا تملك؟. هل تملك ماشية محيلة على صورة معاش الظعن والترحال؟. هل تملك أرضا محيلة على صورة معاش الحراثة والاستقرار؟. هل تملكهما معا، بشكل محيل على الصورتين المذكورتين؟.

      وأما بخصوص الصالح الثاني، فيشير أكثر من واحد إلى أنه اشترى ملكا بتمزوت أو بتمنارت، آخر شرق الأطلس الصغير، وأرض الفائجة، بين تمنارت وجبل باني[2]. ترى هل اهتم بحراثة فائجة أبي السباع [3] التي اقتناها؟. وما دورها في استقراره هناك؟. وهل لها علاقة بفج السبع الذي شكل إحدى خلواته[4]؟.

      وما دافع سيدي أبي السباع للانتقال من مجال جبل باني إلى منطقة وزكزيز أو واركَزيز الواقعة حاليا بإقليم آسا الزاك[5]، بل إلى الساقية الحمراء[6]، بحسب ما ذهب إليه أحد الباحثين؟.

      ترى هل تحول، بذلك، من معاش الحراثة والاستقرار إلى معاش الظعن والترحال[7]؟. وما دور رأسماله الرمزي (الصلاح- المناقب)[8] في تأكيد هذا الانتقال الثقافي والطبيعي؟.

      يبدو أن انتقال سيدي أبي السباع من منطقة جبل باني (معاش الحراثة والاستقرار) إلى منطقة وزكزيز أو واركزيز (معاش الظعن والترحال) مرتبط بانتقال تاريخي من مجال تامدولت المتنامي  إلى مجالها الخرب، وانتقال جغرافي ثقافي من مسلك درعة إلى مسلك وادي نون، بشكل دفع سيدي أبا السباع إلى البحث عن آفاق جديدة للعيش الكريم إلى أن استقر أخيرا بسوس[9].

      مثل ما يبدو أن أولاد سيدي أبي السباع حافظوا على هذا الانتقال الثقافي من معاش الحراثة والاستقرار إلى معاش الظعن والترحال، بوصفه رأسمالا رمزيا ظلوا يعيدون به إنتاج انتقال الجد القديم عبر تلمسان إلى الصحراء، خلال ظعنهم وترحالهم[10]، بشكل جعلهم يوسعون مدارات الانتقال القديم إلى رحلات في ما وراء الصحراء عبر تجارة عابرة لها[11].

      غير أن قراءة كثير منهم لمسير جدهم الثقافي انتقالا من معاش الحراثة والاستقرار إلى معاش الظعن والترحال لا يمنع غيرهم من إعادة قراءة المسير الأنثربولوجي المذكور. حيث بإمكانهم العود إلى حالة تملك أرض فائجة أبي السباع لإعادة قراءتها، والانطلاق منها لتوسيع مفهوم الحيازة الترابية.

      وفي سياق إمكان قراءة مسير الجد الثقافي القديم قراءة ثانية، عثرنا على وثيقة دفينة تتعلق بنزاع، عام 1004 هـ، حول أرض “إيمركلي“، بنواحي بوجدور شهد فيها شهود “أن أبناء أبي السباع ملكهم من الساقية الحمراء إلى النخيلة المسماة بجيو من قبل أن يملكه أحد ولا ينزله غيرهم إلا من بقية من كَندوز، لأنهم هم الذين صرفوا منه النصارى من الساقية الحمراء فسكنها ولي الله سيدي اعمار وبنى فيها الديار وغرس بها النخيل“[12].

      وبذلك، تؤكد الوثيقة المذكورة أن من أولاد سيدي أبي السباع، بالصحراء المغربية، من كان يمتلك الأرض. وكان من صلحائهم من أعاد إحياءها وأسهم في عمران الواحة الصحراوية، بشكل يمكن القول معه: إن الصلحاء من بين معمري الواحات والقائمين على إحيائها.

      وتبعا لذلك، يمكن إعادة قراءة مسير أبويْ السباعيين الثقافييْن (سيدي حريز وابنه سيدي أبو السباع) بالانتقال من صورة معاش الظعن والترحال إلى صورة معاش الحراثة والاستقرار، بشكل جامع بين رأسمال السباعيين الرمزي والمادي وجهود الدولة المغربية الحديثة.

والله الموفق للصواب والمعين عليه.

الإحالات:

[1] تبيين الأشراف أهل دائرة الوسائل، وقبلة كل سائل، الأحسن البعقيلي، الدار البيضاء، المطبعة العربية، ط. الأولى، 1358 هـ، ص106.

[2] منوغرافية قبيلة الشرفاء الأدارسة أولاد أبي السباع، إدريس شداد، الرباط، دار أبي رقراق، 2017 م، ص157، وص303.

[3] دينامية القبيلة الصحراوية في المغارب، محمد دحمان، الرباط، مطبعة طوب بريس، 2012 م، ص27، وص29.

[4] منوغرافية قبيلة الشرفاء الأدارسة أولاد أبي السباع، ص158.

[5] نفسه، ص157، وص157- 158، وص303.

[6] نفسه، ص159.

[7] نفسه، ص157- 158، وص303.

[8] نفسه، ص137، وص144، وص154، وص155، وص157، وص158، وص160، وص303، وص324، وص325.

[9] دينامية القبيلة الصحراوية في المغارب، ص32- 34.

[10] منوغرافية قبيلة الشرفاء الأدارسة، ص258، وص309.

[11] دينامية القبيلة الصحراوية في المغارب، ص120- 128، وص261- 268.

[12] منوغرافية قبيلة الشرفاء الأدارسة أولاد أبي السباع، ص269.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق