الرابطة المحمدية للعلماء

المسلمون وتشكيل التاريخ المعرفي والحضاري الكوني

المسلمون وتشكيل التاريخ المعرفي والحضاري الكوني

أحمد عبادي: التجديد في علوم التيسير أمرٌ فريضة على أهل الأمانة من العلماء

قال أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، إن هناك دربين متكاملين من التفكير بخصوص سؤال: أية مناهج للاستمداد من الوحي في السياق الإسلامي؟

فأما الأول فينطلق من يقينيات الوحي ذاتها، إذ يقول الله عز وجل: (إن هذا القرءان يهدي للتي هي أقوم) [الاِسراء/ الآية: 9]، وحالُ المسلمين اليوم ليست بالتي هي أقوم؛ ممّا يفيد -يقول عبادي- حتما وجود اختلال منهجي ومنهاجي في التعاطي مع الوحي والاستمداد منه علمياً وعملياً. وفي هذا الصدد طرح عبادي جملة من الأسئلة المحورية من قبيل: ما هي “التي هي أقوم”؟ وما مقاييس تحديد “التي هي أقوم”؟ ومن يُحدّد “التي هي أقوم”؟

وذكر عبادي في افتتاحية العدد الجديد من مجلة الإحياء (العدد 27) مجموعة من الهاديات التي تُعين على الإجابة عن تلك الأسئلة، منها ما يَبرز حينَ تدبر قصص الأنبياء مع أقوامهم المختلفين من تغيّر الأولويات والمقاربات الدعوية والعملية، بسبب تغير الشروط والسياقات والمقتضيات، ومنها أيضا “بروزُ مرحلة الختم بشمولها وعمومها ومرونتها وانفتاحها ومسؤولية إنسانها الكبيرة”. كما أن منها -يضيف عبادي- “قيام تيسير الوحي على كونه بناءا آياتيا بصائريا موائما لعقل الإنسان ووجدانه، ويسهل على الإنسان استنطاقه والتحاور معه صُعُدًا نحو آفاق معرفية ومنهاجية واسعة جدَّا (إنه لقراءن كريم) [الواقعة/ الآية: 80]، ومن سمات كرمه هذا العطاء غير المجذوذ”.

كل ذا يفيد، في رأي عبادي، أن مناهج المقاربة فيها اختلالات لا يمكن -دون تجاوزها- استخلاص “التي هي أقوم” مما يستدعي “فتحَ مسارات مراجعات واستدراكات عالمة رصينة لاستئناف مسيرة بناء علوم التيسير وتجديدها”.

وأما الدرب الثاني، يقول عبادي في افتتاحيته التي حملت عنوان “ولقد يسرنا القراءن للذكر”، فهو “أننا حين ننظر في القرآن المجيد نجد ضربين من العلوم: علوم التسخير وعلوم التيسير”. وفي هذا السياق أشار عبادي إلى أن علومَ التسخير تُدرَك من خلال النظر والتفكير، أما علوم التيسير يمكن استخلاصها انطلاقا من التدبر، كما لاحظ أن علوم التسخير تطوّرت، وعلوم التيسير لم تتطور بالشكل ذاته!

من جانب آخر أشار عبادي إلى جهود علماء الصدر الأول من الصحابة والتابعين وأتباع التابعين في فتح ملف علوم التيسير، كما هو الحال مع الإمام الشافعي في كتابه “الرسالة”، والإمام مالك، والإمام أبي حنيفة، والفقهاء السبعة قبل ذلك، حيث “برزت بوادر علوم الفقه وأصوله؛ وعلوم القرآن والحديث واللغة والكلام وعلوم أخرى شكلت مداخل للاستمداد من الوحي، ومن القرآن المجيد”.

لكن -يستدرك عبادي- بعد فترة قليلة من ذلك وقع انحسار غير قليل في هذه الجهود؛ إذ حصل عجز اللاحق أمام عمل السابق […] وبدأت تبرز عبارات مثل “ليس في الإمكان أبدع مما كان” وأضحت كثير من الجهود إثر ذلك، “شروحا لأعمال المتقدمين أو تصنيفا لها أو حواشي عليها أو تذييلا على الحواشي”.
ومن هنا فإن التجديد في علوم التيسير في كل هذه المناحي -والكلام لأحمد عبادي- أمرٌ فريضة على أهل الأمانة من العلماء.

وبخصوص قضية التعامل مع التراث فقد تأسف عبادي لشيوع “منهج الاستظهار والترداد والتبرك والسرد فقط” في التعامل مع التراث، ودعا إلى تحقيق النقلة من هذه الحالة إلى حالة الاعتبار والوظيفية، وإلى إعادة نَظْم هذا التراث حتى يكون سهل المتناول متعقَّل المعنى والمبنى.

وختم عبادي افتتاحيته بالتأكيد على أن التجديد في هذه المناهج هو الذي من خلاله “يمكن أن يتم إسهامُ المسلمين وشراكتهُم في تشكيل التاريخ المعرفي والحضاري الكوني، انطلاقا من قوة اقتراح قابلة للفهم وللفحص، متأبّية على الردّ والتفنيد وإلا فإن هذا التاريخ المعرفي والحضاري العام سوف يستمر في التشكل ونحن غيابٌ هذا الغياب الجزئي”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق