مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

المرجئة ببلاد المغرب والأندلس

 

قبل البدء لابد أن نبيّن أن الكتب التي اعتنت بالتأليف في هذه الفرقة -إفرادا أو ضمن مباحث كتب الفِرَق- قليلة جدا، كما أن المعلومات عنها تكاد تتكرر وتتشابه، مقارنة مع غيرها من الفِرق التي غيرت بشكل كبير ملامح الخريطة العقدية لقرون عدة للعالم الإسلامي مِن شرقه إلى غربه، ولهذا سنحاول في هذه الأسطر أن نتناول التعريف بفرقة المرجئة -حسب ما تيسر لنا من مصادر ومراجع ـ، ودخولها إلى المغرب والأندلس، ومقاومة العلماء لها، مع شيء من التركيز دون إخلال ولا إملال، وبالله نستعين؛
1-تعريف الإرجاء وأنواعه( ):
1-1 تعريف الإرجاء:
لغة: هو بمعنيين: بمعنى التأخير لقوله تعالى ﴿قالوا أرجه وأخاه﴾( ) أي أمهله وأخِّره، وبمعنى إعطاء الرجاء، فعلى هذا يكون إطلاق الإرجاء على الفرقة بالمعنى الأوّل صحيحا؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل على الإيمان، وبالمعنى الثاني يكون صحيحا أيضا لاشتهار مقالتهم: لا تضر مع الإيمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة. 
1-2 أنواع الإرجاء:
إرجاء الفقهاء (مرجئة الفقهاء): قالوا بأن الإيمان اعتقاد وقول، وأنه لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل أهله فيه، وأرجئوا العمل عن الإيمان؛ ومثال ذلك: أن الصلاة والزكاة ليستا من الإيمان؛ إذ يكفي الإقرار بهما، فاشتد إنكار العلماء عليهم دون تكفيرهم، كما بيّنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى قائلا: «ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم وتغليظ القول فيهم، ولم أعلم أحدا منهم نطق بتكفيرهم، بل هم متّفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك»( ).
إرجاء المتكلمة (مرجئة المتكلمة): قالو بأن الإيمان هو المعرفة بلا قول ولا عمل، فأهدروا العمل كلية، وهؤلاء هم الذين اختصوا باسم الإرجاء عند الأكثرين.
ومعلوم أن المرجئة خالفت غيرها من المذاهب الكلامية في مسائل عقدية عديدة، غير أن البارز منها هي مسألة الإيمان؛ فقد روى أبو نعيم في الحلية عن سفيان الثوري قائلا:
«خالفنا المرجئة في ثلاث: نحن نقول: الإيمان قول وعمل، وهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل، ونحن نقول: يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: نحن مؤمنون بالإقرار، وهم يقولون: نحن مؤمنون عند الله»( ).
2- دخول الإرجاء إلى المغرب والأندلس:
لم يكن الغرب الإسلامي بمنأى عما كان يُثار من مسائل عقدية وخلافات كلامية في المشرق، مثل مسألة الإيمان والذات والصفات والقدر وغيرها، وإن كانت تحدث بفارق زمني؛ ففي زمن كان العراق يتكلم في القدر والوعد والوعيد، كانت القيروان لا تزال تتكلم في الأسماء والصفات( )، وبالقيروان انقسم الناس في مسألة الإيمان إلى فريقين؛ فريق قال: نحن مؤمنون ولا ندري ما نحن عند الله، والثاني(ومنه محمد بن سحنون) قال: نحن مؤمنون عند الله مذنبون، وهذا ما رآه ابن عبد الحكم صوابا( ).
ولَإن كان هذا حال إفريقية مع مسألة الإيمان، فالمغرب والأندلس لم يكونا بمعزل عن هذه الأحداث؛ فتذكر المصادر بأن معمر بن منصور هو الذي أدخل الإرجاء إلى المغرب؛ قال الخشني في طبقاته( ): «لعنة الله عليه وعلى شيعته ومُتَّبعيه»، وذكر ابن حزم في الفصل والملل والأهواء والنحل( ) بأن محمد بن عيسى الصوفي الألبيري هو الذي أطلق مقالةً بالمرية مفادها بأنّ المنافقين من أهل الجنّة، وكان ابن حزم قد سمعه مرّة يقول: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يلزمه زكاةُ مالٍ لأنه اختار أن يكون نبيًّا عبدا، والعبد لا زكاة عليه ولذلك لم يُورث ولا وَرّث، فأمسكتُ عن معارضته لأن العامة كانت تحضره، فخشيتُ لغطهم وتشنيعهم بالباطل، ولم يكن معي أحدٌ إلا يحيى بن عبد الكثير بن وافد، كنتُ أتيتُ أنا وهو معي متنكرين لنسمع كلامه وبلغتني عنه شنع».
3-مقاومة الفكر الإرجائي وأساليب هذه المقاومة:
بما أنّ فرقة المرجئة لم تكن ذات نشاط سياسي، ولا كانت ذات تأثير كبير في منطقة الغرب الإسلامي مقارنة بالفرق الأخرى؛ إذ كان دخولها عن طريق الأفراد لا عن طريق دعاة مُنَظمين، وكانت توصف بالخمول في الدعوة لنفسها، فقد كان استمرارها بهذه المنطقة بتشجيع من دولة بني أمية، وستزول بزوالها( )، وسيساهم في زوالها علماء المغرب والأندلس إذ كانوا دائما يتصدّون لكل انحراف عقدي متى ما ظهر؛ سواء باعتماد أسلوب الرد عن طريق المناظرات أو أسلوب التأليف؛ ومن المؤلفات( ): رسالة ابن غافق في الإيمان، وكتاب ابن سحنون، وكتاب يحيى بن عمر في الرد على المرجئة.
وممن تصدّى للرد على مقالات المرجئة وبيان فسادها المازَري في كتابه «المعلم بفوائد مسلم»؛ إذ قال عقب حديث عثمان رضي الله عنه: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَعْلَمُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّة»( ): «اختلف الناس فيمن عصى من أهل الشهادتين، فقالت المرجئة: لا تضره المعصية مع الإِيمان، … وأما المرجئة فإن احتّجت بظاهره على صحة ما قالت به، قلنا: مَحْمَلُه على أنه غُفر له وأُخرج من النار بالشفاعة ثم أُدخل الجنة، فيكون المعنى في قوله «دخل الجنة» أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لا بد من تأويله لما جاءت به ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة، فلا بد من تأويل هذا الحديث على ما قلناه لئلا تتناقض ظواهر الشرع، وفي قوله: «وهو يعلم» إشارةٌ إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة: إنّ مُظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه، وقد قُيد في حديث آخر بقوله: «غير شَاكٍّ فيهما»( ) وهذا أيضاً يؤكد ما قلناه»( ).
وختاما نقول؛ على الرغم مما أثارته المرجئة من نقاش وجدال في مسألة الإيمان، فلم يظهر للفرقة -كغيرها من الفِرق-أعلام أو آثار مؤسِّسة لها، بل عُدُّوا بدعة ما فتئت أن اندثرت، وحتى إن ظهرت فيما أتى -أو يأتي- من الزمان فقد كان يتصدّى لها العلماء لبيان فسادها، ومخالفتها للعقيدة الصحيحة.
الهوامش:

قبل البدء لابد أن نبيّن أن الكتب التي اعتنت بالتأليف في هذه الفرقة -إفرادا أو ضمن مباحث كتب الفِرَق- قليلة جدا، كما أن المعلومات عنها تكاد تتكرر وتتشابه، مقارنة مع غيرها من الفِرق التي غيرت بشكل كبير ملامح الخريطة العقدية لقرون عدة للعالم الإسلامي مِن شرقه إلى غربه، ولهذا سنحاول في هذه الأسطر أن نتناول التعريف بفرقة المرجئة -حسب ما تيسر لنا من مصادر ومراجع-، ودخولها إلى المغرب والأندلس، ومقاومة العلماء لها، مع شيء من التركيز دون إخلال ولا إملال، وبالله نستعين؛

1-تعريف الإرجاء وأنواعه(1):

1-1 تعريف الإرجاء:

لغة: هو بمعنيين: بمعنى التأخير لقوله تعالى ﴿قالوا أرجه وأخاه﴾(2) أي أمهله وأخِّره، وبمعنى إعطاء الرجاء، فعلى هذا يكون إطلاق الإرجاء على الفرقة بالمعنى الأوّل صحيحا؛ لأنهم كانوا يؤخرون العمل على الإيمان، وبالمعنى الثاني يكون صحيحا أيضا لاشتهار مقالتهم: لا تضر مع الإيمان معصية ولا تنفع مع الكفر طاعة. 

1-2 أنواع الإرجاء:

إرجاء الفقهاء (مرجئة الفقهاء): قالوا بأن الإيمان اعتقاد وقول، وأنه لا يزيد ولا ينقص ولا يتفاضل أهله فيه، وأرجأوا العمل عن الإيمان؛ ومثال ذلك: أن الصلاة والزكاة ليستا من الإيمان؛ إذ يكفي الإقرار بهما، فاشتد إنكار العلماء عليهم دون تكفيرهم، كما بيّنه ابن تيمية في مجموع الفتاوى قائلا: «ثم إن السلف والأئمة اشتد إنكارهم على هؤلاء وتبديعهم وتغليظ القول فيهم، ولم أعلم أحدا منهم نطق بتكفيرهم، بل هم متّفقون على أنهم لا يكفرون في ذلك»(3).

إرجاء المتكلمة (مرجئة المتكلمة): قالو بأن الإيمان هو المعرفة بلا قول ولا عمل، فأهدروا العمل كلية، وهؤلاء هم الذين اختصوا باسم الإرجاء عند الأكثرين.

ومعلوم أن المرجئة خالفت غيرها من المذاهب الكلامية في مسائل عقدية عديدة، غير أن البارز منها هي مسألة الإيمان؛ فقد روى أبو نعيم في الحلية عن سفيان الثوري قائلا:

«خالفنا المرجئة في ثلاث: نحن نقول: الإيمان قول وعمل، وهم يقولون: الإيمان قول بلا عمل، ونحن نقول: يزيد وينقص، وهم يقولون: لا يزيد ولا ينقص، ونحن نقول: نحن مؤمنون بالإقرار، وهم يقولون: نحن مؤمنون عند الله»(4).

2- دخول الإرجاء إلى المغرب والأندلس:

لم يكن الغرب الإسلامي بمنأى عما كان يُثار من مسائل عقدية وخلافات كلامية في المشرق، مثل مسألة الإيمان والذات والصفات والقدر وغيرها، وإن كانت تحدث بفارق زمني؛ ففي زمن كان العراق يتكلم في القدر والوعد والوعيد، كانت القيروان لا تزال تتكلم في الأسماء والصفات(5)، وبالقيروان انقسم الناس في مسألة الإيمان إلى فريقين؛ فريق قال: نحن مؤمنون ولا ندري ما نحن عند الله، والثاني(ومنه محمد بن سحنون) قال: نحن مؤمنون عند الله مذنبون، وهذا ما رآه ابن عبد الحكم صوابا(6).

ولَئن كان هذا حال إفريقية مع مسألة الإيمان، فالمغرب والأندلس لم يكونا بمعزل عن هذه الأحداث؛ فتذكر المصادر بأن معمر بن منصور هو الذي أدخل الإرجاء إلى المغرب؛ قال الخشني في طبقاته(7): «لعنة الله عليه وعلى شيعته ومُتَّبعيه»، وذكر ابن حزم في الفصل والملل والأهواء والنحل(8) بأن محمد بن عيسى الصوفي الألبيري هو الذي أطلق مقالةً بالمرية مفادها بأنّ المنافقين من أهل الجنّة، وكان ابن حزم قد سمعه مرّة يقول: «إن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يلزمه زكاةُ مالٍ لأنه اختار أن يكون نبيًّا عبدا، والعبد لا زكاة عليه ولذلك لم يُورث ولا وَرّث، فأمسكتُ عن معارضته لأن العامة كانت تحضره، فخشيتُ لغطهم وتشنيعهم بالباطل، ولم يكن معي أحدٌ إلا يحيى بن عبد الكثير بن وافد، كنتُ أتيتُ أنا وهو معي متنكرين لنسمع كلامه وبلغتني عنه شنع».

3-مقاومة الفكر الإرجائي وأساليب هذه المقاومة:

بما أنّ فرقة المرجئة لم تكن ذات نشاط سياسي، ولا كانت ذات تأثير كبير في منطقة الغرب الإسلامي مقارنة بالفرق الأخرى؛ إذ كان دخولها عن طريق الأفراد لا عن طريق دعاة مُنَظمين، وكانت توصف بالخمول في الدعوة لنفسها، فقد كان استمرارها بهذه المنطقة بتشجيع من دولة بني أمية، وستزول بزوالها(9)، وسيساهم في زوالها علماء المغرب والأندلس إذ كانوا دائما يتصدّون لكل انحراف عقدي متى ما ظهر؛ سواء باعتماد أسلوب الرد عن طريق المناظرات أو أسلوب التأليف؛ ومن المؤلفات(10): رسالة ابن غافق في الإيمان، وكتاب ابن سحنون، وكتاب يحيى بن عمر في الرد على المرجئة.

وممن تصدّى للرد على مقالات المرجئة وبيان فسادها المازَري في كتابه «المعلم بفوائد مسلم»؛ إذ قال عقب حديث عثمان رضي الله عنه: «مَنْ مَاتَ وَهْوَ يَعْلَمُ أنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ الله دَخَلَ الجَنَّة»(11): «اختلف الناس فيمن عصى من أهل الشهادتين، فقالت المرجئة: لا تضره المعصية مع الإِيمان، … وأما المرجئة فإن احتّجت بظاهره على صحة ما قالت به، قلنا: مَحْمَلُه على أنه غُفر له وأُخرج من النار بالشفاعة ثم أُدخل الجنة، فيكون المعنى في قوله «دخل الجنة» أي دخلها بعد مجازاته بالعذاب، وهذا لا بد من تأويله لما جاءت به ظواهر كثيرة من عذاب بعض العصاة، فلا بد من تأويل هذا الحديث على ما قلناه لئلا تتناقض ظواهر الشرع، وفي قوله: «وهو يعلم» إشارةٌ إلى الرد على من قال من غلاة المرجئة: إنّ مُظهر الشهادتين يدخل الجنة وإن لم يعتقد ذلك بقلبه، وقد قُيد في حديث آخر بقوله: «غير شَاكٍّ فيهما»(12) وهذا أيضاً يؤكد ما قلناه»(13).

وختاما نقول؛ على الرغم مما أثارته المرجئة من نقاش وجدال في مسألة الإيمان، فلم يظهر للفرقة -كغيرها من الفِرق-أعلام أو آثار مؤسِّسة لها، بل عُدُّوا بدعة ما فتئت أن اندثرت، وحتى إن ظهرت فيما أتى -أو يأتي- من الزمان فقد كان يتصدّى لها العلماء لبيان فسادها، ومخالفتها للعقيدة الصحيحة.

 

                                                 إعداد الباحثة: غزلان بن التوزر

 

الهوامش:

 

(1) لسان العرب لابن منظور، مادة: رجا، مقالات الإسلاميين لأبي الحسن الأشعري (1/213)، الفرق بين الفرق للبغدادي، (ص: 25)، الملل والنحل للشهرستاني، (ص: 162).

(2) الأعراف: 111.

(3) مجموع الفتاوى لابن تيمية، (7/507).

(4) حلية الأولياء (7/29).

(5) طبقات علماء إفريقية للخشني، في ذكر قصة عبد الله بن محمد الأشج (وهو أحد متكلمي المعتزلة) عند عودته من رحلته التي كانت بالمشرق، (ص: 75).

(6) ترتيب المدارك للقاضي عياض، (4/399). والأصل أن هذه المسألة كما ذكر القاضي عياض في ترتيب المدارك (4/218-219، و227-228) قد أُثيرت بين محمد بن سحنون ومحمد بن إبراهيم بن عبدوس (ت 260هـ)، وبقيت بين أصحابهما حتى سُمي أصحاب ابن سحنون السحنونية أو المحمدية، وسُمي أصحاب ابن عبدوس العبدوسية أو الشكوكية؛ وسُمُّوا بالشكوكية لأن ابن عبدوس سُئل عن الإيمان فقال: «لا أدري، وأرجو أن أكون مؤمنا إن شاء الله»، وفي هذا دليل على أنه يشك في إيمانه. إلا أن ابن عبدوس نفى عن نفسه هذه التهمة، وأكد أنه ما شك في إيمانه قطّ حيث قال: «ما شككتُ قط أني مؤمن عند الله…».

(7) طبقات الخشني، ط. دار الكتاب اللبناني، (ص: 112).

(8)الفصل والملل والأهواء والنحل لابن حزم، (5/74).

(9) كما رجح كل من يوسف احنانة وعبد العزيز المجدوب. تطور الفكر الأشعري (ص: 36)، الصراع المذهبي في إفريقية، (ص: 170). 

(10) ترتيب المدارك (4/207، و359، و399-400)، مقدمة تحقيق مرآة العصابة في الذب عن الصحابة للغسال، (ص:23).

(11) أخرجه مسلم في الصحيح، كتاب الإيمان، باب من لقي الله بالإيمان وهو غير شاك فيه دخل الجنة وحرم على النار، ح26.

(12) المصدر نفسه، ح 27، وهو طرف من حديث أبي هريرة، وفيه: «أشهد أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما، إلا دخل الجنة».

(13) المعلم بفوائد مسلم، (1/289).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق