مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامدراسات وأبحاثدراسات عامة

المرأة في كنف الإسلام

نادية الشرقاوي

لا يخفى على الدارسين ريادة الدين الإسلامي في كفالة الحقوق للأفراد والجماعات[1]، فقد أحدث الإسلام حركة اجتماعية وفكرية ودينية واسعة وعميقة ونقلة نوعية نحو بناء حضارة قائمة على الاعتدال والتوسط بين متطلبات الروح والمادة، فنادى بمجموعة من القيم والمبادئ وصحح الكثير من المفاهيم ليكون دين العالمين ويحقق للإنسانية ما تسمو إليه من عدل ومساواة وحرية وكرامة…

بل إن الإسلام تناول حقوق الإنسان بكثير من الإسهاب، إذ الإنسان في الإسلام هو المحور الأساس في هذا الكون، لذلك كان الإسلام سبَّاقا في إرساء مبادئ حقوق الإنسان، سواء من خلال ما جاء في المصدر الأول للتشريع وهو القرآن، أو ما جاء في المصدر الثاني وهو السنة النبوية الشريفة، من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته، من أجل بناء إنسان متكامل صالح لنفسه وأسرته ومجتمعه والأمة كلها.

والمتدبر للنص القرآني يلاحظ ما جاء فيه من قيم إنسانية تحافظ على الإنسان وتضمن له حرية التدين وحرية التفكير وحرية التعبير وحرية الضمير وحق التملك وحق العمل كما تكفل لغير المسلم حق الحرية وحق الجنسية داخل البلد المسلم…

فالإنسان من حيث هو إنسان كرمه الله تعالى وخلقه في أحسن صورة وجعله أفضل المخلوقات على وجه الأرض، وسخر له ما في السماوات والأرض لخدمته، واستخلفه في الأرض لاستثمارها وإصلاحها وبمعنى آخر أوكل إليه مسؤولية عمارة الأرض بمعناها الحضاري الشامل، وهذا التكريم لا يترجم إلا برعاية الإنسان لهذه الحقوق التي فطره الله سبحانه عليها، يقول الحق سبحانه: ﴿وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً﴾[2]، فالقرآن لا يميز بين الناس إلا بالعمل الصالح، فلا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود ولا تفاخر بالأنساب، وهو بذلك يتوجه إلى الناس كافة بهذا التعليم الإلهي: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[3] وهذه الآية تتجاوز جميع الحدود الفاصلة بين البشر لتجعل معيار التفاضل بين الناس هو التقوى، بهدف تحقيق السعادة الحقيقية للإنسان في الدنيا والآخرة، في إطار من الرحمة والتسامح الإنساني يقول عز وجل:﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾[4]

وتتجلى هذه الرحمة التي تميز بها دين الإسلام ووصف بها النبي صلى الله عليه وسلم في إعطاء كل ذي حق حقه سواء الصغير أو الكبير أو الضعيف أو القوي أو المرأة أو الرجل، منظما العلاقة بين الأفراد والجماعات ليكوِّن مجتمعا مبنيا على التعايش وقبول الاختلاف واحترام الآخر.

فالمرأة حظيت بتكريم خاص بنتا وأما وزوجة، وأول حق حفظه لها القرآن هو حق الحياة، فندد بتلك العادة السيئة لدى العرب المتمثلة في وأد البنات، بل سفه عقول العرب المشركين لفعلهم هذا مع نسبهم البنات لله، إذ ينسبون لله ما يكرهون: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلاَ سَاء مَا يَحْكُمُونَ﴾[5] ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾[6].

كما كانت لها أهمية كبيرة في تربية الأجيال، وتأثير مباشر في تنشئتهم على الإسلام عقيدة وسلوكاً وعبادة وأخلاقاً، فلم يعتبر القرآن المرأة شرا كما فعلت كتب العهد القديم كما أنه لم يأمر المرأة بالصمت كما تفعل كتب العهد الجديد، بل أنزلها منزلة الرجل لأنها أولا وقبل كل شيء “إنسان”، لها مثل ما للرجل من حقوق، فهي والرجل سواسية في العبادة تؤدي صلاتها وصيامها وحجها ولها الحق في طلب العلم تتعلم وتعلم أيضا، والقرآن لا يفرق بين الرجل والمرأة فكل منهما يجازى على قدر عمله، والآيات في ذلك كثيرة منها قوله تعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ﴾[7]، وقوله تعالى: ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾[8]، وقوله تعالى: ﴿ وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾[9]…، كما أشاد القرآن بالمرأة الصالحة وضرب لنا الأمثال بنماذج من النساء يقدمهم كقدوة لكل البشر لا للنساء فقط يقول تعالى: ﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِّلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِندَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِن فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ . وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِن رُّوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ﴾[10]، وفي القرآن سورة كاملة وهي سورة المجادلة تخبرنا عن المرأة التي جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تجادله وتناقشه في مسألة حدثت لها مع زوجها، كما نجد في القرآن سورة كاملة من أطول سور القرآن وهي سورة النساء تحدثنا عن حقوق المرأة المسلمة وما لها وما عليها، بل تحدثنا عن كل أمور حياتها من زواج وطلاق وميراث ومعاملات إلى آخر هذه الأمور..

ولا ننسى ما جاء في خطبة حجة الوداع التي تضمنت حقوق الإنسان من حرمة الدماء والأموال والمساواة بين الناس.. فقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم بالنساء خيرا: ” أيها الناس إن لنسائكم عليكم حقا ولكم عليهن حق أخذتموهن بأمانة الله”[11] وقولـه صلى الله عليه وسلم: ” فاتقوا الله في النساء واستوصوا بهن خيرا”، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول:”النساء شقائق الرجال”[12]، وهو القائل عليه الصلاة والسلام:” لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخـر”[13]، وهو القائل:”خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي”[14]

ولا ننسى أن أول شخص آمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وثبته ودعمه وهدأ روعه كان امرأة وهي أم المؤمنين سيدتنا خديجة رضي الله عنها، كما أن تاريخ الإسلام يحفظ لنا الكثير من الشواهد التي تبرز المكانة السامية التي حظيت بها المرأة المسلمة في شتى الميادين، ولا يمكننا أن نغفل دور أم المؤمنين السيدة عائشة في نقل حديث سيد الخلق عليه الصلاة والسلام فكانت من أكثر الرواة عنه عليه الصلاة والسلام.

——————————————————————————–

[1] على خلاف أوربا التي لم يعلن عن حقوق الإنسان فيها إلا في سنة ثمان وأربعين وتسعمائة وألف.

[2]  سورة الإسراء الآية 70.

[3]  سورة الحجرات الآية: 17.

[4]  سورة الأنبياء الآية: 107

[5] سورة النحل الآية: 58-59

[6] سورة الزخرف، الآية: 17

[7]  سورة آل عمران الآية: 195

[8]  سورة غافر الآية: 40

[9]  سورة البقرة الآية 228

[10] سورة التحريم الآية: 11

[11]  رواه مسلم وأبو داود عن عمرو بن الأحوص

[12]  رواه أبو داود

[13]  أخرجه مسلم 2/1091، وأحمد 2/392، من حديث أبي هريرة,

[14]  أخرجه الترمذي

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. واصلي أخت نادية أحييكي على هذه المواضيع المتألقة وننتظر منك المزيد

  2. موضوع مفيد يكشف الضوء على بعض الأمور التي نحتاج إلى معرفتها عن المرأة في ديننا الحنيف، خصوصا في هذا الزمن الذي اختلطت فيه الأفكار، وكثرت فيه المفاهيم

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق