مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

“المرأة في الحضارة الإسلامية بين نصوص الشرع وتراث الفقه والواقع المعيش” للشيخ علي جمعة محمد

نادية الشرقاوي

 

 

 

كتاب: “المرأة في الحضارة الإسلامية بين نصوص الشرع وتراث الفقه والواقع المعيش” لفضيلة الشيخ علي جمعة محمد يقع في 149 صفحة، من المقاس 20×14، صدر عن دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الثانية 1428هـ/2007.

ويبرز هذا الكتاب الاهتمام الكبير للشيخ علي جمعة محمد بالمرأة المسلمة وشؤونها، ويدل على هذا الإهتمام كتاباته المتنوعة عن المرأة والأسرة المسلمة التي تأخذ حيزا ضمن كتاباته، ومن تلك الكتابات:

ü     “المرأة بين إنصاف الإسلام وشبهات الآخر”

ü     “فتاوى النساء”

ü     “فتاوى البيت المسلم”

ü     “قضايا المرأة في الفقه الإسلامي”

ينطلق الشيخ علي جمعة في كتابه: “المرأة في الحضارة الإسلامية بين نصوص الشرع وتراث الفقه والواقع المعيش” في تحديد “وضع المرأة في الإسلام” من ضرورة الرجوع إلى الإسلام، وإلى مصادره، وإلى نتاج المسلمين الفكري، وإلى واقعهم التاريخي، وإلى واقعهم المعيشي. فقسم بحثه عن المرأة المسلمة لعدة فصول، خصص الباب الأول للحديث عن “المرأة المسلمة في نصوص الشرع الشريف” –القرآن الكريم والسنة النبوية- وبعد ذلك حاول أن يعالج في الباب الثاني “المرأة المسلمة في التراث الفقهي” مواضع النقاش والجدل التي تثار حول المرأة المسلمة كميراث المرأة وشهادة المرأة وتعدد الزوجات وحق المرأة في اختيار زوجها وإمامة المرأة في الصلاة وختان الإناث وحقوق المرأة السياسية وضرب النساء، وفي الباب الثالث “المرأة المسلمة في الواقع التاريخي” عرض نماذج نسائية رائدة من التاريخ الإسلامي في مجالات مختلفة في القضاء والحسبة والفتيا والعلم والجهاد.

عرض الشيخ علي جمعة محمد مجموعة من نصوص القرآن والسنة التي حثت على حماية المرأة ومساواتها بالرجل وصيانة حقها وأوصت بالإحسان لها، ومن أمثلة ذلك النصوص التي ساوت بين الرجل والمرأة في أصل الخلقة وفي أصل العبودية وفي أصل التكاليف وفي أصل الحقوق والواجبات قوله تعالى:

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ (سورة النساء:1.)

﴿وَهُوَ الَّذِيَ أَنشَأَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ﴾ (سورة الأنعام: 98.)

﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (سورة الحجرات: 13)

﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ﴾ (سورة آل عمران: 195)

﴿وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة: 228)

ومن السنة النبوية الشريفة قوله صلى الله عليه وسلم:

“استوصوا بالنساء خيرا”[1]

“مهما أنفقت فهو لك صدقة حتى اللقمة ترفعها في فيّ امرأتك”[2]

“لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر”[3]

وفي الباب الثاني عند تناوله لموضوع :”المرأة المسلمة في التراث الفقهي” تعرض لمسائل الفقه الإسلامي التي اعتنت بالمرأة، فخصص الفصل الأول لـ “ميراث المرأة بين الحقائق والافتراءات” فعرَّف مصطلح “الإرث” لغة واصطلاحا، وبيَّن المعايير الثلاث التي تختلف طبقها الأنصبة في المواريث:

  1. درجة القرابة بين الوارث والموروث
  2. موقع الجيل الوارث
  3. العبئ المالي

ثم بيَّن حالات الإرث الأربعة وفصَّل فيها، يقول:”وباستقراء حالات ومسائل الميراث انكشف لبعض العلماء والباحثين حقائق قد تذهل الكثيرين، حيث ظهر التالي:

أولا: أن هناك أربع حالات فقط ترث المرأة نصف الرجل

ثانيا: أن أضعاف هذه الحالات ترث المرأة مثل الرجل

ثالثا: هناك حالات كثيرة جدا ترث المرأة أكثر من الرجل

رابعا: هناك حالات ترث المرأة ولا يرث نظيرها من الرجال”[4]

وفي “شهادة المرأة المسلمة ورد الشبه حولها” عرَّف مصطلح “الشهادة” لغة واصطلاحا، ثم عرض الحالات التي تقبل فيها شهادة المرأة وحدها، أو تستوي فيها شهادة المرأة بشهادة الرجل، أو تقدم فيها شهادة المرأة على شهادة الرجل، ردا على الشبهة التي يرددها البعض متهمين التشريع الإسلامي بانتقاص المرأة وبظلمه لها، لأنهم وقعوا في الخلط بين أمرين وهما: الشهادة والإشهاد، انطلاقا من قوله تعالى: ﴿وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاء أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى﴾ (البقرة 282).

أما فيما يخص “تعدد الزوجات وحقيقته“، فينطلق الشيخ علي جمعة من مسألة تصحيح المفاهيم، فالإسلام جاء بالحد من تعدد الزوجات، ولم يأت بتعدد الزوجات كما يظن الآخرون، يقول:” فلم يرد تعدد الزوجات في القرآن الكريم بمعزل عن أسبابه، فالله عز وجل قال:﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ﴾ (النساء: 3) فالذين فسروا الآية الكريمة، أو درسوها كنظام إنساني اجتماعي يفسرونها بمعزل عن السبب الرئيس الذي أنزلت لأجله، وهو وجود اليتامى والأرامل، إذ إن التعدد ورد مقرونا باليتامى، حيث قاموا بانتزاع قوله تعالى:﴿ فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ﴾ دون القول السابق، والذي صيغ بأسلوب الشرط ﴿ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى﴾، وكذلك دون القول اللاحق، والذي يقيد تلك الإباحة بالعدل حيث قال: ﴿ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً﴾”[5]

وفيما يتعلق بـ “حق المرأة في اختيار زوجها” فيقول:” ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في حق اختيار كل منهما للآخر، ولم يجعل للوالدين سلطة الإجبار عليهما، فدور الوالدين في تزويج أولادهما يتمثل في النصح والتوجيه والإرشاد، ولكن ليس لهما أن يجبرا أولادهما ذكورا وإناثا على زواج لا يرضونه، بل الاختيار الأخير في هذا للأبناء”[6].

وفي مناقشته لـ “إمامة الصلاة في الصلاة” بين أن منع المرأة من إمامة الرجال هو من باب التكريم لا من باب الإهانة، ولم يثبت تولي المرأة للآذان، ولا توليها لإمامة جماعات الصلاة، ولا توليها لإمامة الجمعة، لا في الواقع العملي ولا في الواقع النظري من خلال نصوص الشرع والتراث الفقهي للمسلمين.

وبالنسبة لموضوع “ختان الإناث” فقد بيَّن الشيخ علي جمعة أن هذا الأمر ليس قضية تعبدية في أصلها، وإنما هو من قبيل موروث العادات، وبيَّن أن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو أسوتنا، لم يرد عنه أنه ختن بناته، كما إنه لم يرد نص شرعي صحيح يأمر المسلمين بأن يختنوا بناتهم.

كما تعرض في الفصل السابع من هذا الباب إلى “حقوق المرأة السياسية“، وفيه بيَّن أن التاريخ الإسلامي لم يعرف قضية اسمها “قضية المرأة” لا من ناحية عملها، ولا من ناحية مشاركتها السياسية، وإنما ترجع هذه القضية إلى ما نقله الغرب من المفاهيم الحديثة التي كانت رد فعل لعصور الظلام التي عاشتها أروبا.

والمرأة المسلمة تستوي مع الرجل في خطاب التكليف، فلم يفرق الإسلام بين الرجل والمرأة في الحقوق السياسية المجملة في:

  1. اختيار الحاكم والرضا به وهو ما كان يعبر عنه في التراث الفقهي بالبيعة.
  2. المشاركة العامة في القضايا التي تخص عامة الأمة، وهو مبدأ الشورى الذي حث عليه الإسلام.
  3. تولي المناصب السياسية في الحكومة أو مؤسسات الدولة.
  4. نصح الحاكم وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر.

وفي مسألة “ضرب المرأة في الإسلام” وضَّح الشيخ علي جمعة أن ضرب النساء ورد في موضع واحد في القرآن، في قوله:﴿وَالَّلاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ﴾ (النساء: 34)، كما وضح معنى النشوز فقال:” هو مخالفة اجتماعية وأخلاقية،… وفي تلك المخالفة أرشد الله الرجال لتقويم نسائهن بالوعظ… ثم أباح للزوج أن يهجرها في الفراش في محاولة منه للضغط عليها للقيام بواجباتها، وأباح له إظهار عدم رضاه وغضبه بأن يضربها ضربة خفيفة لا تترك أثرا…

كما أن الرجل يضرب ويؤدب كذلك إذا أخطأ في حق المرأة… وعندما ضرب كثير من الرجال نساءهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ذهبن للشكوى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعنف أصحابه، وغضب منهم، وقال لهم:”لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكون أزواجهن ليس أولئك بخياركم”[7] فسنة النبي صلى الله عليه وسلم التي نحث المسلمين عليها هي عدم الضرب، فلم يضرب النبي صلى الله عليه وسلم نساءه قط “[8].

وختم هذه الفصول بالباب الثالث الذي خصصه لـ “المرأة المسلمة في الواقع التاريخي” فاستعرض أحوال المرأة في التاريخ، فهناك نساء كثيرات أثرن في مسيرة الأمة الإسلامية، وساهمن في رفعة مجدها في جميع المجالات، “فلم تقتصر مكانة المرأة في الإسلام على كونها أول مؤمنة في الإسلام، وأول شهيدة، وأول مهاجرة، وأحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم، بل تعدت مكانتها ذلك عبر العصور والدهور فحكمت المرأة، وتولت القضاء، وجاهدت، وعلمت وأفتت، وباشرت الحسبة… وغير ذلك الكثير مما يشهد به التاريخ”[9].

فذكر بعد ذلك أسماء كثيرات منهن مثل: ست الملك ملكة الفاطميين، والملكة أروى ملكة صنعاء، وثمل القهرمانة القاضية، وأم سليم بنت ملحان الأنصارية، والربيع بنت المعوذ، والسيدة نفيسة، وكريمة راوية البخاري…

هذا الكتاب على الرغم من صغر حجمه، فقد استطاع صاحبه الشيخ علي جمعة محمد أن يوضح الكثير من الأمور التي تخص المرأة المسلمة، وأن يرد الشبهات التي تثار حولها، كما قدم في خاتمة الكتاب إحصائيات مهمة عن ضرب المرأة في الغرب، بل منهن من تتعرض للقتل أيضا، يقول في الصفحة 134: “79 في المائة من الرجال في أمريكا يضربون زوجاتهم ضربا يؤدي إلى عاهة، و17 في المائة منهن تستدعي حالاتهن الدخول للعناية المركزة، والذي كتب ذلك هو الدكتور جون بيريه أستاذ مساعد في مادة علم النفس في جامعة كارولينا”.

 

 


[1] رواه البخاري (3/1212)

[2] البخاري (5/2047)

[3] مسند أحمد (2/329)

[4] “المرأة في الحضارة الإسلامية” علي جمعة، الصفحة 30.

[5] المرجع نفسه، الصفحة: 52.

[6] المرجع نفسه، الصفحة 61.

[7] رواه أبو داود في سننه، الجزء 2، الصفحة: 245.

[8] الصفحة: 87-88.

[9] الصفحة: 97

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق