مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلامقراءة في كتاب

المرأة بين الأصول والتقاليد د. حسن الترابي

 

 

 

 

نادية الشرقاوي

 

صدر عن “عالم العلانية” ومركز “دراسات المرأة” بالخرطوم عام: 1421هـ/2000م كتاب:”المرأة بين الأصول والتقاليد” للمفكر السوداني الدكتور حسن الترابي، ويُعد المؤلف من أشهر المجتهدين على صعيد الفكر والفقه الإسلامي المعاصرين، وله كتابات متميزة في تفسير القرآن وفي أصول الفقه، وكتب كثيرة أخرى في مجالات الاصلاح الإسلامي والسياسة، كما له العديد من الرؤى الفقهية المتميزة والمثيرة للجدل، من آخر هذه الفتاوى إمامة المرأة للرجل في الصلاة، وإصدار فتوى تبيح زواج المرأة المسلمة من أهل الكتاب وهو أمر خالف فيه المذاهب الإسلامية المتبعة.

ويحمل الكتاب عنوانا آخر هو: “المرأة بين تعاليم الدين وتقاليد المجتمع“،  والكتاب عبارة عن رسالة قصيرة، تتكون من 38 صفحة، تحمل في طياتها للمرأة المسلمة فقها جديدا وفق منهج أصولي يستند على نصوص القرآن وسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم)، ارتكزت على أصول الدين الثابتة ولمست قضايا المرأة كافة، ابتداء من حريتها في الاعتقاد، وظهورها في المجتمع وحقها في الشورى والتعبير العام، ومشاركتها في الحياة العامة.

استهل المؤلف كتابه بقوله تعالى:﴿وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ (النحل، الآية 78)، تذكيرا بفضل الله تعالى ونعمه على الإنسان، ومن هذه النعم السمع والبصر والعقل، ليُميز بين الأشياء فيعرف الخير من الشر، ويدرك حقائق الأمور ليتجنب الوقوع في الخطأ، ومقصد د.الترابي هو دعوة الإنسان إلى استعمال الملكات التي وهبها الحق تعالى له للوصول إلى الحق إذا هو أحسن استعمال هذه الملكات.

عرَّف د. حسن الترابي في بداية رسالته كلمة “المرأة” في تعاليم أصول الدين، فقال:”المرأة في أصول الدين كائن إنساني قائم بذاته، فهي موضع للتكليف موجه اليها الخطاب بالدين مباشرة لا يتوسط اليها بولي من الرجال، وتحق عليها المسئولية متى استوت عندها أهلية الرشد وبلغتها كلمة التذكير. ولا تصدق من المرأة استجابة لدعوة الله وعقدا لعقيدة الإيمان الا إذا كانت أصلية مستقلة، فالدخول في دين الله عمل عيني لا تصح فيه الوكالة ولا يؤخذ بالإضافة إلى أب أو زوج أو قريب” (الصفحة:2)، وقدَّم مجوعة من الأمثلة مؤكدا حرية المرأة في العقيدة منها بيعة المرأة في الإسلام التي كانت كبيعة الرجل، وإسلام عدد من الصحابيات دون أهلهم وذويهم.

ومثل استقلال المرأة في اختيار عقيدتها فهي أيضا مستقلة في عملها في الإسلام، فتقع منها العبادة بناء على نيتها الذاتية، كما يحسب لها كسبها الشخصي وفق آيات قرآنية صريحة (الأحزاب 35)، “فعلى المرأة مثل الذي على الرجل من تكليف عيني في الشعائر الشخصية المسنونة-الذكر والصلاة والصيام والحج، وفي الأخلاق والمعاملات –الصدق والعدل والبر والاحسان والتقوى والأدب، وفي الحياة العامة- الهجرة والصبر إزاء الكافرين والمولاة والطاعة إزاء جماعة المؤمنين” (الصفحة:5)، وقد شهدت النساء مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفطر، وصلاة الجماعة والمغازي، وهي واجبات كفائية “مباحة للنساء غير واجبة حتى إذا عجز الرجال وأوشك الإثم بتعطيل الواجب أن يعم، وجب ذلك على النساء” (الصفحة: 8).

ويؤكد د. حسن الترابي أن الشريعة بأصولها السوية قد قررت للمرأة “أهلية وحرية مثل ما للرجل، فلها أن تخطب الرجال مشافهة وكتابة وأن تختار الزوج، وأن ترفض من تكره عليه، وأن تفارق الزوج وهو راغم، ولكن يباشر العقد ولي ويباشر تطليقها القاضي”(الصفحة: 8)، كما للمرأة حرية التعبير العام عن رأيها، ولها أهلية الامتلاك والتصرف، ولها حق المشاركة في تنصيب القائمين بأمر المجتمع انتخابا ونصحا، ولها أن تشهد مجتمعات المسلمين العامة ومهرجاناتها.

ويبين د. الترابي أن الحياة العامة ليست مسرحا للرجال وحدهم ولا عزل بين الرجال والنساء في مجال جامع، فالصلاة مشتركة، ومجالس العلم مشتركة…

ومن خلال هذه الأرضية الخصبة التي مهَّد بها د. الترابي لبحثه، صاغ مجموعة من الآراء، التي خالف فيها غيره واتهموه بعدها بضلال، منها: أن الحجاب المشهور هو من الأوضاع التي اختصت بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم لأن حكمهن ليس كأحد من النساء وجزاؤهن يضاعف اجراً وعقاباً، واستدل على ذلك بمجموعة من الآيات من سورة الأحزاب: 30-31/53، ثم بيّن أن الحياة الاسلامية تحكمها مجموعة من الضوابط ولا مكان في شريعة الدين لشهوة جانحة توضع خارج نطاق الزوجية.

وعند حديثه عن “المرأة في مجتمع المسلمين“، بيَّن د. الترابي أن المسلمين في واقع حياتهم الحاضرة قد ضيعوا كثيرا من تعاليم الإسلام، فليس عجيبا أن يضيعوا كثيرا من هدي الدين في شأن المرأة، يقول في الصفحة 23: “.. ويبدو جور التقاليد الوضيعة وجورها في كثير من المجتمعات التي تستبد فيها أهواء الذكور كالمجتمع العربي والفارسي والهندي. ولما كان الاسلام قد انتشر في تلك المجتمعات في أول عهده ولم تكن حركة التوعية بتعاليم الاسلام والتربية بحدوده وتقواه مواكبة لحركات التوسع التبشيري، وقد بقيت بعض تلك الاوهام والأوضاع الجاهلية عبر سيادة المظاهر الاسلامية العامة، وترتب على ذلك أمر خطير هو أن المجتمع الجديد لمَّا قبِل الاسلام من حيث المبدأ معيارا لتوجيه حياته أخذ ينسب كثيرا من تلك الأوهام والتقاليد القديمة إلى الدين، ليضفي عليها حجية شرعية وليستبقي نفوذها على نفوس الناس، وقد أخذت كثير من الحيل الفقهية لتكيف الشريعة بما يناسب الأعراف القديمة”.

وفي حديثه عن “نهضة المرأة” بيَّن د.الترابي أن ما تعرض له المجتمع التقليدي المسلم من تأثيرات خارجية نتيجة الغزو الفكري الحضاري الغربي، سيثير لا محالة ثورة على الأوضاع التقليدية، فعلى الإسلاميين إصلاح القديم وطي البعد القائم بين مقتضى الدين الأمثل في شأن المرأة وواقع المسلمين الحاضر في الإصلاح الإسلامي قبل أن ينفلت الأمر وتتفاقم الاتجاهات الجاهلية الحديثة.

وتحت عنوان:”الأنثى والذكر ومثال الحياة” وهو العنوان الأخير من مؤلفه، أكد د. حسن الترابي أن أصل الخلق من نفس واحدة مستدلا بالآية القرآنية (الأعراف:189)، ثم قال: “النفوس البشرية كلها مادتها من مادة الطين تراباً وماء ولم تقدر سنة الله أن يستغني سبباً لخلق الخليفة ذكر أن أنثى، بل هما سواء تقوم الحياة علي الزوجية توحداً وتكاملاً ومهما تفاضلا في الوظيفة فتمايزا بحكم الطبيعة عضوياً للولادة وعاطفياً لتربية المولود، ومها ترتب عن لك بحكم الشريعة بعض تكاليف متمايزة مهما كان ذلك فإنهما حول الذرية وفي سائر الحياة معاً يتكاملان” الصفحة: 28.

وفي نفس السياق أكد د. حسن الترابي أن الذكر والأنثى سواء في عدد من الأمور، فهما سواء في الإيمان والتدبر والفقه لآيات الله في الطبيعة والشريعة، وسواء في الزوجية، وسواء في الوالدية، وسواء في الأهلية في شأن المال كسبا وملكا بالوراثة أو الإنتاج، وسواء في كسب العلم تعلماً وتفقهاً واجتهاداً وتشاوراً…

وفي الأخير ختم د. الترابي كلامه بضرورة انخراط المرأة في المجتمع كما كان حال النساء في مجتمع المدينة للعهد النبوي، وضرورة استيقاظ المسلمين في شأن المرأة ليدركوا سوء العرف وبؤس الفقه، وينهضوا بحركة إصلاح لتحرير المرأة فتمارس حقوقها المكتسبة.

هذا الكتاب رغم صغر حجمه فقد حمل بين سطوره كلمات أثارت جدلا واسعا في الأوساط الإسلامية، تُبين أن قلم المؤلف نجح فعلا في محاولة زعزعة مجموعة من المفاهيم التي ترسخت مع صورة المرأة المسلمة.

نشر بتاريخ: 25/12/2012

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. كتاب متميز
    لك الأخت نادية جزيل الشكر على تقديم هذه القراءة المفيدة
    بالتوفيق

  2. السلام عليكم ورحمة الله. الشكر الجزيل للاخت الكريمة في تقديم هذا الكتاب الرائع لفضيلة العلامة الدكتور حسن الترابي الذي استوعب ثقافات الدنيا وحضارات العالم من الخرطوم الى القاهرة الى لندن الى باريس بجامعة السوربون الى نيويورك الخ.
    ولولا هذا الترحال في مختلف انحاء العالم لما اتى بشيء فجزاك وجزاه الله خيرا.
    الا ان هناك كتابات بالغة الفرنسية تتعلق بحقوق المراة في الاسلام وعمق التعتيم عليها لم يتطرق اليها المحققون والمترجمون والدارسون من بين الاخوة المسلمين والعرب. ولقد كتبت بنفي كتابا باللغة الفرنسية منذ 5 سنوات وطبعته دار الكلمة للنشر والتوزيع وقد نفد من السوق او كاد رغم العدد المهم الذي طبعته منه.
    وهذا الكتاب تحت عنوان الحقائق المعتم عليها حول المرأة في الفقه الاسلامي.
    les vérités étouffées sur la femme dan sle droit musulman/
    وانا الان في طور اعادة طبعه من الزيادة والتنقيح

  3. في الحقيقة الرجل والمراة عندما يبلغان سن الرشد مكلفان لكن يتساوي المراةوالرجل سويا هذا مامن الدين الرجال قوامون علي النساء الرجل خلق ولة تركيبة جسمانيةمعينةولماذاياتي الخطاب في القران لفئةالرجال وبعدها فئةالنساءياختي الفاضلة لاتتساوي المراة مع الرجال واذا تساوة هل يجوزلها ان تقدم المهروالاشياء التي تخص الزواج وهل يجوزان تقول انا ولي نفسي في عقدالزواج

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق