مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

المختصر في الفرائض

يعدّ كتاب ((المختصر في الفرائض)) لأبي القاسم أحمد بن محمد بن خلف الحوفي(ت.588هـ)، من أشهر  الكتب التي اعتنت ببيان أحكام المواريث عند متأخري المالكية بالأندلس، وتأتي أهمية هذا المختصر في كون صاحبه من أمْهرِ الفرضيين الذين اشتغلوا بهذا العلم، ووضعوا فيه أكثر من تأليف، فإن له في الفراض فضلا عن المختصر تصنيف كبير ومتوسط، وكلها كما قال برهان الدين ابن فرحون في ديباجه: ((مما بلغ في إجادته الغاية، تحصيلا لعلمها، وتقريبا لأغراضها، وضبطا لأصولها، وتيسيرا على ملتمسها)).

وإن كان أبو القاسم الحوفي لم يفصح عن السبب الذي حمله على وضع مختصره في الفرائض، فيمكن القول: إنه أراد تقريب هذا العلم وتبسيطه لمبتغيه الذين لم يكن بوسعهم الاطلاع على الكتب المطولة، وذلك جريا على عادة أهل العصر، وقد يكون السبب غير هذا.

استهل المؤلف كتابه بالكلام على بعض القواعد والأحكام العامة المرتبطة بعلم الفرائض، كالحقوق المتعلقة بالتركة، وأسباب الإرث وجهاته والوارثون بهذه الأسباب، والنصوص الشرعية التي تتحدث عن الإرث، وأصناف الورثة، والحجب، والفروض المنصوص عليها في القرآن الكريم، وأصول الفرائض، وانكسار السهام إلى غير ذلك، ثم قسم المؤلف كتابه إلى سبعة أبواب؛ الباب الأول في المناسخات، بيّن فيه أنواعها ومسائلها، وطريقة العمل فيها، وكيفية تأصيل مسائلها وتصحيحها، وبسط في هذا عددا من المسائل المبينة، والباب الثاني في المدبر وما يتعلق به من أحكام، والباب الثالث في الصلح ووجه العمل في المسائل الداخلة فيه، والباب الرابع في الإقرار والإنكار وشروطه وأنواعه وما يقبل منه وما لا يقبل، والباب الخامس في الوصايا والأحكام العامة المتعلقة بها، والباب السادس في الخنثى وطريقة العمل في مسائله، وختم بباب الولاء والعتق وأحكامهما.

وسلك المؤلف في الكلام على أبواب كتابه منهجا دقيقا ومضبوطا، وأهم معالم هذا المنهج أن كلامه على مسائله جاء مختصرا ومحررا ومرتبا، وأنه بعد بسط المسائل المتعلقة بكل باب يأتي لها بالأمثلة التطبيقية التي تسهل استيعابها وتُيسر فهمها، مستحضرا في ذلك كلام الأئمة الفقهاء عند الاقتضاء أو عند الكلام على المسائل المختلف فيها، مع الحرص الشديد على نسبة كل قول إلى قائله.

وبخصوص المصادر التي استقى منها الإمام الحوفي ورجع إليها، فيجده القارئ اعتمد على أقوال الإمام مالك وأصحابه؛ ابن القاسم، وأشهب، وابن وهب، وعبد الملك بن الماجشون، وأقوال من بعدهم مثل أصبغ وعيسى بن دينار، ومحمد بن المواز، وسحنون … وغيرهم، غير أنه لا يمكن القطع ما إذا كان المؤلف باشر النقل عن هؤلاء  من كتبهم أو اعتمد على غيره في هذا، خاصة وأن هناك بعض الإشارات ـ كما أفاد محقق هذا المختصر ـ عند بعض شارحي هذا المختصر كالإمام أبي عثمان سعيد بن محمد بن محمد العُقْباني التُّجِيبي التلمساني، والإمام أبي عبد الله محمد بن يوسف بن عمر بن شعيب السنوسي، تُثبت أن الإمام الحوفي اتبع في تأليفه ((كتاب الإيضاح)) في الفرائض لابن ثابت واختصره منه. والله أعلم.

وكانت للعلماء عناية بمختصر الحوفي في الفرائض، قراءة وتدريسا ونقلا، فقد أخبر أبو جعفر الوادي آشي أنه قرأ على أبيه من كتاب القاضي أبي القاسم الحوفي من باب الإقرار والإنكار إلى آخر الكتاب، وقال ابن عرفة عن نفسه: إنه تكرر قراءته له، وهو من مختصريه أيضا بقصد تقريب مسائله للطلاب، وعدّه من أحسن التآليف وأجل التصانيف، وممن شرح الكتاب إضافة إلى من تقدم ذكرهم: الشيخ أبو محمد عبد الله بن أبي بكر بن يحيى الصودي(ت699هـ)، ومحمد بن علي بن سليمان السَّطِّي(ت.749)، وعلي بن محمد بن محمد بن علي القَلَصَادي(ت.891هـ)، وسمّى شرحه ((المستوفي لمسائل الحوفي))، ومحمد بن أحمد بن غازي العثماني المكناسي(ت.919هـ) في ((الجامع المستوفي لجداول الحوفي)) وغيرهم، وممن نقل عنه وصرح به: الإمام الحطاب، والشيخ عليش، والإمام الخرشي، والشيخ الزرقاني في شروحهم على مختصر خليل، ومحمد بن أحمد بنيس في ((بهجة البصر في شرح فرائض المختصر)).

صدر الكتاب عن مركز الثعالبي للدراسات ونشر التراث بالجزائر، ودار ابن حزم ببيروت، حققه عبدالسلام العاقل على خمس نسخ خطية في رسالة دبلوم الدراسات العليا، بفاس – المملكة المغربية.

الكتاب المختصر في الفرائض.
المؤلف الإمام القاضي الفرضي: أبو القاسم أحمد بن محمد بن خلف الحوفي(ت.588هـ).
مصادر ترجمته الديباج المذهب(1/194)، وشجرة النور الزكية(ص159)، والفكر السامي(2/266).
دار النشر مركز الدراسات الإمام الثعالبي للدراسات ونشر التراث (الجزائر) ـ دار ابن حزم (بيروت) ط1 سنة 1428هـ/2008م.

إنجاز: د,مصطفى عكلي.

Science

الدكتور مصطفى عكلي

باحث مؤهل متعاون مع مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط

عميد كلية الدراسات الإسلامية بالإنابة بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أستاذ مساعد بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية أبو ظبي

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق