مركز الدراسات والبحوث في الفقه المالكيقراءة في كتاب

المختصر الفقهي لأبي عبد الله محمد بن محمد بن عرفة الورغمي التونسي، الشهير بابن عرفة (ت803ﻫ)

ترجمة المؤلف:

اسمه ونسبه:

هو محمد بن محمد بن محمد بن عرفة أبو عبد الله الورغمي التونسي، الشهير بابن عرفة.

والورغمي: نسبة إلى وَرْغَمَّة، جنوب تونس، وهي: «بفتح الواو، وسكون الراء، وفتح المعجمة، وتشديد الميم». الضوء اللامع (9/240).

شيوخه:

أخذ عن محمد بن جابر الوادي آشي، ومحمد بن سلامة، ومحمد بن الحباب، وتفقه على ابن عبد السلام الهواري، ومحمد بن هارون، ومحمد بن حسن الزبيدي، ومحمد الآبلي، والسطي، وأبي علي ابن قداح، والشريف التلمساني، ونظرائهم.

تلاميذه:

أخذ عنه أبو عبد الله الأُبِّي، والبرزلي، والمشدالي، والوانوغي، وابن ناجي، والقلشاني، والغبريني، وابن مرزوق الحفيد، وابن الشماع، والشريف السلاوي، وغيرهم.

منزلته وثناء العلماء عليه:

كان ابن عرفة إماما، حافظا، فقيها، أصوليا، ماهرا في العلوم كلها، إليه المرجع في الفتوى، «ولم يكن ببلاد المغرب من يجري مجراه في التحقيق، ولا من اجتمع له من العلوم ما اجتمع له، ولقد كانت الفتوى تأتيه من مسافة شهر… انتهت الرياسة إليه بقطر المغرب أجمع في التحقيق، والفتوى، والمشاورة». [الضوء اللامع (9/241ـ 242)].

تقدم في العلم حتى عد من مجتهدي المذهب ومجدديه، قال التنبكتي: «الإمام العالم النظار، شيخ الإسلام، العالم المبعوث على رأس المائة الثامنة، حسبما ذكره السيوطي. [نيل الابتهاج (2/127)]. وقال ابن السالك: «وكان صاحباه: الأبي والبرزلي يشهدان له بالإمامة، ويبلغان به مبلغ الاجتهاد أو ما يقاربه». [عون المحتسب (ص: 108)]. وقال أيضا: «وقد رأيت للشيخ الأجهوري في أجوبته: أن الإمام ابن عرفة لا ينعقد الإجماع دونه في زمنه». [عون المحتسب (ص: 102)].

مؤلفاته:

له مؤلفات، منها: المختصر الفقهي، ومختصر في أصول الفقه، ومختصر في المنطق، وتحقيق القول بالجهة والسمت، ومختصر الحوفي في الفرائض، وأجوبة فقهية، وتفسير.

وفاته:

توفي ابن عرفة سنة (803ﻫ)، وقد جاوز الثمين سنة.

مصادر ترجمته:

مصادر الترجمة: الديباج (ص: 419)، إنباء الغمر (2/192)، الضوء اللامع (9/241)، توشيح الديباج (ص: 239)، نيل الابتهاج (2/127)، كفاية المحتاج (2/99)، درة الحجال (2/280)، شجرة النور (ص: 227) [817]، العمر (ص: 762)، هدية العارفين (2/177).

كتاب المختصر الفقهي لابن عرفة:

اسم الكتاب:

عرف الكتاب: بالمختصر الفقهي([1])، ويسمى أيضا: المبسوط في الفقه([2])، وفي بعض كتب التراجم: التقييد الكبير في المذهب([3]).

التعريف بالكتاب:

المختصر الفقهي لابن عرفة الورغمي متن من المتون الفقهية المالكية المعتبرة عند أهل المذهب، وهو كتاب كبير جامع، «يبلغ عشرة أسفار»، «جامع لغالب أمهات المذهب والنوازل والفروع الغربية»، [الضوء اللامع (9/242)]، حتى إنه «جُمع فيه ما لم يجتمع في غيره»، [الديباج (ص: 419)]، مع حسن التهذيب والترتيب، و«لم يسبق به في تهذيبه وجمعه، وأبحاثه الرشيقة، وحدوده الأنيقة». [شرح الحدود للرصاع (1/5)].

وقد أكثر فيه مؤلفه من المناقشة و«البحث مع ابن شاس في الجواهر، وابن بشير في التنبيه، وابن الحاجب في اختصاره لهذين الكتابين، وشيخه ابن عبد السلام في شرحه على ابن الحاجب»([4])، موشحا ذلك بنقول عن أئمة المذهب ومصادره المعتبرة.

وقد صدر ابن عرفه أبواب مختصره بالتعاريف و«الحدود البديعة التي يقف فحول العلماء عند دقائقها»، [توشيح الديباج (ص: 240)]، وقد صارت هذه الحدود معول العلماء بعده، واعتنى علماء بها بالشرح والتوضيح

غير أن التفقه بمختصر ابن عرفة صعب؛ لأنه «شديد الغموض»، [إنباء الغمر (2/192)]؛ لكثرة اختصاره واستغلاق عبارته، مع كثرة الأقوال المذهبية فيه، ولشدة اختصاره كانت تَشْكُل بعض المواضع على مؤلفه نفسه في آخر عمره، قال الحجوي: «اختصره كثيرا، وسلك فيه اصطلاحا خاصا به، لاسيما في نصفه الأول، صَعُب على الناس فهمه، حتى إنه في آخر عمره صار يصعب عليه هو نفسه بعض المواضع منه، كما وقع له في تعريف الإجارة([5])، ولذلك بسط عبارته في نصفه الأخير نوعا ما». [الفكر السامي (ص: 582)].

ويقال: إن السبب في بسط عبارته في النصف الأخير منه ما ورد في ترجمة القباب الفاسي من نيل الابتهاج: «أنه لما حج اجتمع في تونس بابن عرفة، فأوقفه ابن عرفة على ما كتب في مختصره الفقهي ـ وقد شرع في تأليفه ـ فقال له صاحب الترجمة: ما صنعت شيئا، فقال له ابن عرفة: ولم؟ قال: لأنه لا يفهمه المبتدئ ولا يحتاج إليه المنتهي، فتغير وجه الشيخ ابن عرفة، ثم ألقى على صاحب الترجمة مسائل فأجابه عنها، ويقال: إن هذا هو الحامل لابن عرفة على أن بسط العبارة في أواخر المختصر ولين الاختصار». [نيل الابتهاج (1/101)].

وقد ابتدأ  ابن عرفة تصنيف مختصره الفقهي عام اثنين وسبعين، وكمله عام ستة وثمانين([6]).

اعتماد المختصر الفقهي في المذهب:

كتاب المختصر الفقهي لابن عرفة من أجل المتون الفقهية التي ألفها مالكية الغرب الإسلامي، وقد كثر ثناء العلماء عليه حتى قيل: إنه لم يؤلف «في الإسلام مثله، لضبطه في المذهب مسائل وأقوالا، مع زوائد مكملة، والتنبيه على مواضع مشكلة، وتعريف الحقائق الشرعية». [نيل الابتهاج (2/130)، نقلا عن الأبي].

ولشدة إتقان مختصر ابن عرفة وضبطه لمسائل المذهب «أقبل الناس على تحصيله شرقا وغربا»، [الديباج (ص: 419)]، وعُد من المؤلفات المعتمدة عند أهل الفتوى من المالكية، قال الهلالي: «من الكتب المعتمدة في المذهب… ديوان ابن عرفة»، [نور البصر (ص: 132)]، وقال ابن السالك: «ومختصره هذا هو حقيقة: مختصر مذهب مالك، فلعل من اتسع نظره وتحصيله إذا طالعه كله لا يبقى عليه من المذهب إلا ما لا حاجة فيه؛ لأنه اختصر المذهب كله». [عون المحتسب (ص: 103)].

غير أن شدة استغلاق عبارة ابن عرفه وكثرة الأقوال المذهبية في مختصره كان سببا في هجر الناس له وإقبالهم على مختصر خليل، قال الحجوي: «وكان استغلاق عبارته مع كثرة الأقوال المذهبية داعيا لتركه وإقبال الناس على مختصر خليل من بعده»([7])، [الفكر السامي (ص: 582)]، ولعل هذا ما جعل الجيدي يقول: «وقد كان معتمدا في الإفتاء». [مباحث في المذهب المالكي بالمغرب (ص: 82)]. 

مخطوطاته:

للكتاب نسخ مخطوطة، منها نسخ كثيرة بالمغرب، وأخرى بتونس ومصر.

طبعاته:

طبع جزء من المختصر الفقهي لابن عرفة بدراسة وتحقيق: ذ سعيد سالم فاندي، وذ حسن مسعود الطوير، ط1، سنة 2003، ط دار المدار الإسلامي ليبيا، في مجلد (328 صفحة، يضم كتابي الطهارة والصلاة)، ثم طبع كاملا في عشرة مجلدات، باعتناء ذ حافظ عبد الرحمن محمد خير، ط دار الفاروق، ط1، سنة 1436ﻫ/ 2014، وهي طبعة رديئة كثيرة الأخطاء.

  في طبعة ابن عرفة: فلم يرد عليه ابن رشد شيئا (9/53).: والصواب فلم يزد عليه ابن رشد، كما عند ابن رحال، اللقطة لوحة: 7/5165.

 


[1] المعيار المعرب (1/33)، مواهب الجليل (1/16)، توشيح الديباج (ص: 239)، نيل الابتهاج (2/128)، كفاية المحتاج (2/100)، شجرة النور (ص: 227)، العمر (ص: 762)، هدية العارفين (2/177).

[2]  إنباء الغمر (2/192)، الضوء اللامع (9/241)، العمر (ص: 762)، هدية العارفين (2/177).

[3]   الديباج (ص: 419) (585)، درة الحجال (2/280)، العمر (ص: 762).

[4]   الضوء اللامع (9/242).

[5]   قال الحجوي: «ولما كان يدرس هو منه تعريف الإجارة، وهو قوله: بيع منفعة ما أمكن نقله غير سفينة ولا حيوان لا يعقل بعوض غير ناشئ عنها بعضه يتبعض بتبعيضها. وأورد عليه بعض تلاميذه أن زيادة لفظ: «بعض» تنافي الاختصار، فما وجهه؟ فتوقف يومين، وهو يتضرع إلى الله في فهمها، وأجاب في اليوم الثاني: بأنه لو أسقطها، لخرج النكاح المجعول صداقه منفعة ما يمكن نقله، وناقشه تلميذه الوانوغي وغيره بما يطول جلبه». الفكر السامي (ص: 705).

([6])   نيل الابتهاج (2/133)، نقلا عن ابن الأزرق.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق