مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

المجموعة الفقهية في الفتاوي السوسية

   يندرج موضوع هذه المجموعة في إطار النوازل الفقهية لطائفة من علماء سوس بالجنوب المغربي خلال أربعة قرون الأخيرة بدءا من القرن الهجري الحادي عشر إلى ما بعد منتصف القرن الهجري الرابع عشر، جمعها ورتبها العلاّمة الفقيه المختار السوسي( 1318 – 1383هـ )، وهو رضا الله محمد المختار بن علي بن أحمد الإلغي السوسي، ولد في قرية ” إلغ”، وتربى في بيئة علمية صوفية جمعت بين زاوية والده الشيخ علي بن أحمد الدرقاوي وبين المدرسة الإلغية، ثم تلقى العلم في مدارس سوس العتيقة، ثم سافر إلى مراكش، وفاس، والرباط، وانخرط في صف الحركة الوطنية، وتعرض للنفي والسجن من المستعمر، وعين بعد الاستقلال وزيرا للأوقاف ثم وزيرا للتاج.

   وقد ذكره في الإلغيات، حيث قال ” مجموعة فقهية” في فتاوي السوسيين المتأخرين، مجلد لا يزال مخطوطا.

   ثم تحدث عنه بتوسع أكثر في مؤلفه المخطوط ” المؤلفون السوسيون” قائلا: ” كنت منذ نزلت إلغ أحتوش…وهذا الذي أطلقت عليه ” مجموعات فقهيات”… ففيها آثار فقهاء كثيرين إلغيين وغيرهم، أنسخ هناك كل فقهية وقعت عليه للمتأخرين غالبا، أو ما أعلمه غير مؤلف من المتقدمين، ولو كان هناك حرية لجمعت كل الفتاوي الفقهية السوسية من أول يوم إلى الآن فرتبتها ترتيب المعيار، فيكون معيارا ثالثا سوسيا، وأحسب أنه يقع في اثني عشر مجلدا، وذلك سهل لو أدركنا الحرية، ولعل غيرنا يتأتى له ما لم يتأت لنا…”

   هذه المجموعة التي بين أيدينا لم تستهل بمقدمة، ولم ترتب ترتيبا موضوعيا، ولا رتبت مثلما ترتب به كتب النوازل المشهورة التي سارت على منهج كتب الفقه، بدءا بمباحث الطهارة، وانتهاء بمباحث الإرث، بل نجد أن أولى الفتاوي في هذه المجموعة تدور حول رسم صدقة، وآخرها نازلة تتعلق بحظ البنات في الغلل، ثم ذيلت هذه المجموعة بنظم مختصر الشيخ خليل للعلامة الأديب الطاهر بن محمد الإفراني، ولم يكمله.

   وتغلب على هذه المجموعة الفقهية فتاوي الحبس والحيازة والبيع (بيع الثنيا مثلا)، وتقل فيها فتاوي العبادات، مما يجعلنا ندرك مدى تمتع علماء سوس بملكة فقهية أصولية قادرة على التأصيل العلمي للمسائل، والاستنباط الفقهي للحكم في النوازل، وفق أصول الشريعة ومقاصدها، مثل اعتمادهم قاعدة سد الذرائع، وتقديم ما جرى به العمل على المشهور الذي لم يجر به عمل، وتحريمهم لبعض الأعراف الفاسدة الجاهلية التي سادت عند العامة مثل العرف في مؤاخذة المدين أو غيره بقضاء جرائم إخوانه وأهل قبيلته، وهو باطل شرعا، والأصل براءة الذمم.

   وتحفظ لنا هذه الفتاوي أيضا، تأييدات وردود المفتين حول بعض المسائل، مما يكشف لنا على سعة دائرة الاجتهاد عند هؤلاء ونبذهم للتقليد.

   وأغلب هذه الفتاوي كانت مطولة تناولت الكثير من القواعد الفقهية، والفوائد التاريخية،وخاصة ما يتعلق بالصاع النبوي، وتاريخ السكك النقدية بالمغرب الأقصى، في حين جاءت بعض هذه الفتاوي مختصرة لأنها من ضرورات الدين لا يحتاج فيها إلى كثرة النصوص.

    وتنوعت أساليب عرض هذه المجموعة نثرا ونظما، وإن كان النظم في إحدى الفتاوي لم يظهر معه المعنى المراد ولم يحسنه ناظمه.

    تتعدد المصادر التي ضمتها هذه المجموعة الفقهية، وهي في الغالب للمتأخرين من المالكية، وحينا ترد أسماء غيرهم (الميزان للشعراني مثلا)، وهذا لا يعني أن السوسيين لم يصلوا فتاويهم بأمهات المذهب، بل على العكس من ذلك، فقد جاء مثلا في ص: 186 من هذه المجموعة:  ” أن ما وجد في كتب المتأخرين ولو تأهلوا لاجتهاد المذهب، أو لاجتهاد الفتوى لا يعول عليه إلا إذا وصل الأمهات وعرف بما يبنوه” ، وفي ص: 198: الفقيه اليوم هو من إذا سئل عن شيء عرف بالبحث عنه بعد في كتابه، وأما الجواب بالبديهة بحقيقة حكمه فهيهات إلا ما قل حكمه (198).

    وتضم أيضا فتاوي مفتين من خارج سوس، من مراكش، وفاس، والجزائر، والإسكندرية، ومكة المكرمة، مما يجعل لهذه المجموعة أهمية في دراسة الإفتاء المقارن، خاصة وأن جامعها العلامة محمد المختار السوسي نوازلي القرن الرابع عشر بسوس  كاد يبلغ في إحدى  فتاويه درجة مجتهد المذهب.

الكتاب أعده عبد الله الدرقاوي، وقدم له العلامة محمد المنوني، وهو من منشورات كلية الشريعة بأكادير، ضمن سلسلة كتب تراثية (1) ، مطبعة النجاح الجديدة – الدار البيضاء الطبعة الأولى: 1416هـ – 1995م، 291 ص (دون الفهرس).

إعداد: د.بوشعيب شبون.

Science

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. السلام عليكم
    من فضلكم اين يمكن الحصول على هذا الكتاب القيم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق