مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

المجاهدة

في اللغة:

     المجاهدة في اللغة من الجذر الثلاثي “جهد”، ومنه الجهد وهو بذل الطاقة ونفاذها، وعن أبي هريرة رضي اللَّه عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل»[1]. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه: «أن رجلا شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، هلاك المال وجهد العيال، فدعا اللَّه يستسقي»[2].

  في القرآن والحديث:

وردت المجاهدة في القرآن والحديث بمعنى استفراغ الوسع ومدافعة العدو وذلك على أربعة أنواع:

  أ- بذل الجهد البدني خاصة، ومنه قول الله تعالى: ﴿الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلا جُهْدَهُمْ﴾[3]. فقد روي عن أبي مسعود الأنصاري رضي الله عنه قال: «لما نزلت آية الصدقة كنا نحامل، فجاء رجل فتصدق  بشيء  كثير فقالوا: مرائ، وجاء رجل فتصدق بصاع، فقالوا: إن اللَّه لغني عن صاع هذا، فنزلت»[4].

ب ـ مجاهدة العدو الظاهر: ومنه  قول اللَّه تعالى: ﴿انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ﴾[5]، ومما ورد في السنة ما روي عن البراء بن عازب قال: «لما نزلت: ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ﴾[6]، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ادعوا فلانا»، فجاءه ومعه الدواة واللوح أو الكتف، فقال: «اكتب ﴿لا يستوي القاعدون من المؤمنين والمجاهدون في سبيل اللَّه)»، وخلف النبي صلى الله عليه وسلم ابن أم مكتوم، فقال: يا رسول اللَّه أنا ضرير، فنزلت مكانها، ﴿لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾»[7].

   وعن أبي سعيد الخدري، أن أعرابيا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «يا رسول اللَّه، أي الناس خير؟ قال: «رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشعاب، يعبد ربه ويدع الناس من شره»[8]، وعن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «قال سليمان بن داود: لأطوفن الليلة على سبعين امرأة، تحمل كل امرأة فارسا يجاهد في سبيل اللَّه، فقال له صاحبه: إن شاء اللَّه فلم يقل ولم تحمل شيئا إلا واحدا، ساقطا أحد شقيه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لو قالها لجاهدوا في سبيل اللَّه»[9].

   ج- مجاهدة النفس بتغيير المنكر على قدر الوسع والاستطاعة، ومن ذلك ما روي عن عبد اللَّه بن مسعود، أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: «ما من نبي بعثه اللَّه في أمة قبلي، إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل»[10].

    د- مجاهدة الشيطان، وتكون بالاستعاذة من وسوسته ، لقول الله تعالى: ﴿إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ  عَدُوٌّ  فَاتَّخِذُوهُ  عَدُوًّا  إِنَّمَا  يَدْعُو  حِزْبَهُ  لِيَكُونُوا مِنْ  أَصْحَابِ  السَّعِيرِ﴾[11]، وجميع الأنواع السابقة، تدخل في قول  الله  تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ﴾[12].

في الاصطلاح الصوفي:

    أما في الاصطلاح الصوفي، فالمجاهدة تطلق على  بذل الوسع في فعل ما يرضي الله تعالى وترك ما يسخطه باستدامة الجد، وترك الراحة وصدق الافتقار إلى الله تعالى والانقطاع عن كل ما سواه، وفطام النفس عن الشهوات، ونزع القلب عن الأماني والشبهات[13]. قال الشيخ أبو يزيد البسطامى (ت:234هـ): «عملت في المجاهدة ثلاثين سنة، فما وجدت شيئا أشد علي من العلم ومتابعته ولولا اختلاف العلماء لتعبت، واختلاف العلماء رحمة، إلا في تجريد التوحيد»[14]، ويرى سهل بن عبد الله (ت:293هـ) أن المجاهدة هي أقرب سبب موصل إلى الله تعالى، وأن المشاهدات مواريث المجاهدات، لقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[15]، كما يعلل ذلك بأن كل الكتب السماوية والشرائع الإلهية والأوامر الدينية، توجب على الإنسان المجاهدة، فإذا كانت المجاهدة لا توجب المشاهدة، كانت كل هذه الكتب باطلة، كما أن كل شيء في هذه الدنيا والدار الآخرة، متصل بأصول وأسباب، فإذا قلنا الأصول ليست لها أسباب، انتهينا إلى جحد الشرع الشريف والأوامر الإلهية إذ لو كان ذلك كذلك، لم تكن هناك حاجة إلى الواجبات الدينية، ولم يكن الطعام سببا للشبع، ولا الثياب سببا للدفء، لذلك كان إثبات الأسباب من التوحيد ونفيها من التعطيل، ومن أثبت ذلك فقد وافق على حقيقة المشاهدة ومن أنكرها فقد أنكر وجود المشاهدة»[16]. وعن أبى علي الدقاق (ت:410هـ) قال: «من زين ظاهره بالمجاهدة حسن الله سرائره بالمشاهدة، قال الله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا﴾[17]»[18]. وقال الهجويري (ت:465هـ): «مدار الشرع والرسم على المجاهدة والرسول صلى الله عليه وسلم مع قربه من الحق وبلوغه المراد وأمنه العاقبة، وتحققه من العصمة قد جاهد كثيرا من القيام الطويل، والصيام المتصل، حتى نزل عليه قول الله تعالى: ﴿طه مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى﴾ [طه/2ـ1]»[19]. وقال أبو القاسم القشيرى (ت:465هـ): ( معنى قوله تعالى: ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِه﴾ [الحج/78]، حق الجهاد ما وافق الأمر في القدر والوقت والنوع، فإذا حصلت في شيء منه مخالفة، فليست حق جهاده، وحق الجهاد الأخذ بالأشق، وتقديم الأشق على الأسهل، وإن كان في الأخف أيضا حق، وحق الجهاد ألا يفتر العبد عن مجاهدة النفس لحظة»[20]، وقد جعل المجاهدة على أقسام:

 أ-   مجاهدة بالنفس: وهي ألا يدخر العبد ميسورا إلا بذله في الطاعة، بتحمل المشاق ولا يطلب الرخص والإرفاق.

ب – مجاهدة بالقلب: وتكون بصونه عن الخواطر الرديئة، مثل الغفلة والعزم على المخالفات، وتذكر ما سلف  من أيام الفترة والبطالات.

ج-   مجاهدة بالمال: وتكون بالبذل والسخاء ثم بالجود والإيثار[21].

الهوامش:


[1]  ـ انظر لسان العرب 3/133، وكتاب العين 3/386، والمغرب للمطرزى 1/170 والحديث أخرجه البخارى فى كتاب الغسل برقم (291)1/70.

[2]  ـ أخرجه البخارى فى كتاب الجمعة برقم (1018) 2/591 .

[3]  ـ سورة: التوبة، آية: 79.

[4]  ـ أخرجه البخارى فى كتاب الزكاة برقم (1415) 3/332 .

[5]  ـ سورة: التوبة، آية: 41.

[6]  ـ سورة: النساء، آية: 95.

[7]  ـ سورة: النساء، آية: 95. والحديث أخرجه البخاري فى كتاب تفسير القرآن برقم (4594) 8/108.

[8]  ـ أخرجه البخارى فى كتاب الرقاق برقم (6494) 11/338.

[9]  ـ أخرجه البخارى فى كتاب أحاديث الأنبياء برقم (3424) 6/528.

[10]  ـ أخرجه مسلم في كتاب الإيمان برقم (50) 1/69.

[11]  ـ سورة: فاطر، آية: 6.

[12]  ـ سورة: الحج، آية: 78.

[13]  ـ كشاف اصطلاحات الفنون، 1/280 بتصرف .

[14]  ـ طبقات الصوفية، ص: 70.

[15]  ـ سورة: العنكبوت، آية: 69.

[16]  ـ كشف المحجوب، ص: 242.

[17]  ـ سورة: العنكبوت، آية: 69.

[18]  ـ الرسالة القشيرية 2/289.

[19]  ـ كشف المحجوب ص242ـ243.

[20]  ـ لطائف الإشارات 2/564.

[21] ـ السابق 2/564، ينظر المزيد عن المجاهدة في الرياضة وأدب النفس، ص: 104 وما بعدها، جامع الأصول، الكمشخناوي، ص133ـ134، نشأة  التصوف  الإسلامي للدكتور إبراهيم بسيوني، ص20 وما  بعدها،  الغنية  لطالبي  طريق  الحق  للشيخ  عبد القادر الجيلاني، 2/182، وحقائق عن التصوف، عبد القادر عيسى ص112 وما بعدها، و المسائل فى أعمال القلوب والجوارح للمحاسبي، ص137، وانظر في المجاهدة عند ابن عربي الفتوحات المكية، 2/فقرة 139، 3/ فقرة 115، 4/فقرة 162، 5/ فقرة 522.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق