مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةقراءة في كتاب

المبرد وكتابه: الكامل في اللغة والأدب 210/ت285 هــــــ

الباحثة: هاجر الفتوح
   تطرقنا في الحلقة الأولى إلى كتابٍ من أصول الأدب الأربعة، وهو «أدب الكاتب»، ونؤمّل في هذه الحلقة الثانية حسر الخمار عن كتاب «الكامل في اللغة والأدب» لأبي العباس المبرد، وهو من جملة الكتب التي تعنى بأدب الكُتّاب، والآخذة من كل فن بطرف؛ حيث تتعدد موادها وتتنوع ضمن مواضيع مختلفة. وفي ما يلي نبذة مختصرة عن المبرد وعن كتابه «الكامل».
اسمه ونسبه ومولده:
   هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر [1]. البصري المعروف بالمبرد النحوي [2]،  والمُبَرّد بضم الميم وفتح الباء الموحدة والراء المشددة  وبعدها دال مهملة، وهو لقب عرف به، واختلف العلماء في سبب تلقيبه بذلك، فالذي ذكره الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الألقاب أنه قال: سئل المبرد: لم لقبت بهذا اللقب؟ فقال: كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فكرهت الذهاب إليه، فدخلت إلى أبي حاتم السجستاني فجاء رسول الوالي يطلبني، فقال لي أبو حاتم: ادخل في هذا، يعني غلاف مزملة فارغا، فدخلت فيه وغطى رأسه، ثم خرج إلى الرسول وقال: ليس هو عندي، فقال: أخبرت أنه دخل إليك، فقال: ادخل للدار وفتشها، فدخل فطاف كل موضع في الدار ولم يفطن لغلاف المزملة، ثم خرج فجعل أبو حاتم يصفق وينادي على المزملة: المبرد المبرد، وتسامع الناس بذلك فلهجوا به، وقيل إن الذي لقبه بهذا اللقب شيخه أبو عثمان المازني، وقيل غير ذلك.[3]. وذكر في موضع آخر أنه لما صنف المازني كتاب الألف واللام، سأل المبرد عن دقيقه وعويصه، فأجابه بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرِّد – بكسر الراء- أي المثبت للحق، فغيره الكوفيون، وفتحوا الراء [4].
   وكان ميلاده بالبصرة يوم الاثنين غداة عيد الأضحى سنة عشر ومائتين [5].
شيوخه وتلامذته:
    أخذ عن المازني ( ت: 248هـ )، وأبي حاتم السجستاني (ت: 255هـ) [6]، وروى عنه إسماعيلُ الصفّار (ت: 341 هـ)، ونفطويه ( ت: 323 هـ  )، والصولي(ت: 335 هـ)  [7]، وأبو سهل بن زياد القطان( ت: 350 هـ)   [8]، وأبو علي الطوماري(ت: 360 هــ ) [9].وجماعة لا يتسع ذكرهم.
مصنفاته

 تطرقنا في الحلقة الأولى إلى كتابٍ من أصول الأدب الأربعة، وهو «أدب الكاتب»، ونؤمّل في هذه الحلقة الثانية حسر الخمار عن كتاب «الكامل في اللغة والأدب» لأبي العباس المبرد، وهو من جملة الكتب التي تعنى بأدب الكُتّاب، والآخذة من كل فن بطرف؛ حيث تتعدد موادها وتتنوع ضمن مواضيع مختلفة. وفي ما يلي نبذة مختصرة عن المبرد وعن كتابه «الكامل».

اسمه ونسبه ومولده:

   هو أبو العباس محمد بن يزيد بن عبد الأكبر [1]. البصري المعروف بالمبرد النحوي [2]،  والمُبَرّد بضم الميم وفتح الباء الموحدة والراء المشددة  وبعدها دال مهملة، وهو لقب عرف به، واختلف العلماء في سبب تلقيبه بذلك، فالذي ذكره الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في كتاب الألقاب أنه قال: سئل المبرد: لم لقبت بهذا اللقب؟ فقال: كان سبب ذلك أن صاحب الشرطة طلبني للمنادمة والمذاكرة، فكرهت الذهاب إليه، فدخلت إلى أبي حاتم السجستاني فجاء رسول الوالي يطلبني، فقال لي أبو حاتم: ادخل في هذا، يعني غلاف مزملة فارغا، فدخلت فيه وغطى رأسه، ثم خرج إلى الرسول وقال: ليس هو عندي، فقال: أخبرت أنه دخل إليك، فقال: ادخل للدار وفتشها، فدخل فطاف كل موضع في الدار ولم يفطن لغلاف المزملة، ثم خرج فجعل أبو حاتم يصفق وينادي على المزملة: المبرد المبرد، وتسامع الناس بذلك فلهجوا به، وقيل إن الذي لقبه بهذا اللقب شيخه أبو عثمان المازني، وقيل غير ذلك.[3]. وذكر في موضع آخر أنه لما صنف المازني كتاب الألف واللام، سأل المبرد عن دقيقه وعويصه، فأجابه بأحسن جواب، فقال له: قم فأنت المبرِّد – بكسر الراء- أي المثبت للحق، فغيره الكوفيون، وفتحوا الراء [4].   وكان ميلاده بالبصرة يوم الاثنين غداة عيد الأضحى سنة عشر ومائتين [5].

شيوخه وتلامذته: 

  أخذ عن المازني ( ت: 248هـ )، وأبي حاتم السجستاني (ت: 255هـ) [6]، وروى عنه إسماعيلُ الصفّار (ت: 341 هـ)، ونفطويه ( ت: 323 هـ  )، والصولي(ت: 335 هـ)  [7]، وأبو سهل بن زياد القطان( ت: 350 هـ)   [8]، وأبو علي الطوماري(ت: 360 هــ ) [9].وجماعة لا يتسع ذكرهم.

مصنفاته:

   له تواليف نافعة في الأدب، منها ما وصل إلينا ومنها ما لم يصل ونذكر منها: كتاب الكامل، وكتاب الروضة، والمقتضب، وكتاب الاشتقاق [10]، وكتاب الأنواء والأزمنة، وكتاب القوافي، وكتاب الخط والهجاء، وكتاب المدخل إلى كتاب سيبويه، وكتاب المقصور والممدود، وكتاب المذكر والمؤنث، وكتاب قواعد الشعر، وكتاب إعراب القرآن [11]. وغيرها من المظان الحسان الوافرة العطاء والغزيرة الإفادة.

ثناء العلماء عليه:

   مما لا شك فيه أن المبرد كان من العلماء الأفذاذ، ونوه كبار العلماء بعلمه الكبير وثقافته الواسعة يقول ياقوت الحموي في هذا الصدد: “كان إمام العربية ببغداد، وإليه انتهى علمها بعد طبقة الجرمي والمازني، وكان حسن المحاضرة فصيحا بليغا مليح الأخبار ثقة فيما يرويه كثير النوادر فيه ظرافة ولباقة، وكان الإمام إسماعيل القاضي يقول: ما رأى محمد بن يزيد مثل نفسه ” [12]،  وذكره البغدادي حيث قال: “وكان عالما فاضلا، موثوقا به في الرواية، حسن المحاضرة، مليح الأخبار، كثير النوادر” [13]، وأثنى عليه ثناء حسنا العالم الكبير ابن جني بكلام يوفي بحق المبرد يقول: “يعد جبلا في العلم وإليه أفضت مقالات أصحابنا، وهو الذي نقلها وقررها وأجرى الفروع والعلل والمقاييس عليها” [14].

وفاته:

   توفي يوم الاثنين لليلتين بقيتا من ذي الحجة، وقيل ذي القعدة، سنة ست وثمانين، وقيل خمس وثمانين ومائتين ببغداد، ودفن في مقابر باب الكوفة في دار اشْتُرِيتْ له، وصلى عليه أبو محمد يوسف بن يعقوب القاضي رحمه الله  [15].

شعره:

   كان المبرد شاعرا أديبا، وكان له شعر جيد كثير لا يدعيه ولا يفخر به، ومن شعره: [16] .

حبذا ماء العناقيـ  ///   د بريق الغانيات 

بهما ينبت لحمي  /// ودمي أي نبات

أيها الطالب شيئا  ///  من لذيذ الشهوات

كل بماء المزن تفـ  ///  اح خدود ناعمات

   وله في العلاء بن صاعد:[17].

للعلاء بن صاعد في وصف    /// وثناء مجاوز المقدار

باذل مدحه بما يمـ     ///   لك من درهم ومن دينار 

زرته مكرها وما كنت من قبـ   /// ل لمثل العلاء بالزوار 

فحصلنا على ثناء ومدح    ///     وركوب بالليل في الطيار

كتابه: الكامل:

أهمية الكتاب:

    لكتاب «الكامل» أهميته القصوى، فهو من أهم كتب المبرد، وأكثرها شيوعا بين الناس، وأحد أركان الأدب الأربعة التي ذكرها ابن خلدون في مقدمته بقوله: «وسمعنا من شيوخنا في مجالس التعليم أن أصول هذا الفن وأركانه أربعة دواوين: وهي أدب الكتاب لابن قتيبة، وكتاب الكامل للمبرد، وكتاب البيان والتبيين للجاحظ، وكتاب النوادر لأبي علي القالي البغدادي. وما سوى هذه الأربعة فتبع لها وفروع عنها». [18].

وقد تحدث عن أهمية الكتاب أيضا أبو الفرج معافى في كتابه «الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي» وإن كان كلامه لا يخلو من انتقاد، ولكنه أشاد به وبالرجل، يقول: وعمل أبو العباس محمد بن يزيد النحوي كتابه الذي سماه «الكامل» وضمنه أخبارا وقصصا لا إسناد لكثير منها، وأودعه من اشتقاق اللغة وشرحها وبيان أسرارها وفقهها ما يأتي مثله به لسعة علمه وقوة فهمه ولطيف فكرته، وصفاء قريحته، ومن جلي النحو والإعراب وغامضها ما يقل وجود من يسد فيه مسده [19].

شروح الكتاب:

   ونظرا لأهمية الكتاب وذيوعه، فقد أقبل عليه العلماء وعنوا بإقرائه، كما قاموا بشرحه والتنبيه على أغلاطه، فضلا عن احتذائه والنسج على منواله، ومنهم: [20].

– أبو الوليد الوقشي هشام بن أحمد وسمى شرحه نكت الكامل.

– ابن السيد البطليوسي في كتاب القرط على الكامل.

– الشيخ سيد بن علي المرصفي، وسمى شرحه رغبة الأمل من كتاب الكامل.

– ونبه على أغلاطه الإمام علي بن حمزة اللغوي البصري في كتابه التنبيهات على أغاليط الرواة.

– وممن علق عليه الإمامان مغلطاي بن قليج وقُطْلُوبُغا.

– ومن احتذاه في التأليف محمد بن جعفر أبو الفتح المراغي في كتابه النهجة.

– ومن عرف بإقرائه أبو الحسن الدباج علي بن جابر الإشبيلي.

فحوى الكتاب:

   استهل الكاتب مؤلفه بمقدمة مختصرة يجلي فيها منهجه ومقصده في الكتاب يقول في ذلك: «هذا كتاب ألفناه يجمع ضروبا من الآداب، ما بين كلام منثور، وشعر مرصوف ومثل سائر، وموعظة بالغة، واختيار من خطبة شريفة، ورسالة بليغة، والنية فيه أن نفسر كل ما وقع في هذا الكتاب من كلام غريب أو معنى مستغلق، وأن نشرح ما يعرض فيه من الإعراب شرحا شافيا، حتى يكون هذا الكتاب بنفسه مكتفيا، وعن أن يرجع إلى أحد في تفسيره مستغنيا…» [21].

وقد رتب المبرد كتابه على أبواب مختلفة ومتفرقة، بلغت تسعة وخمسين بابا؛ صدره بالكلام عن قوله – صلى الله عليه وسلم – للأنصار:«إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع»، وختمه بباب عنوانه: منتخب طريف الشعر وذكر آيات من القرآن ربما غلط في مجازها النحويون.

   والكتاب مزيج من المادة المتشعبة والمتنوعة والمختلفة، يجمع بين فنون جمة من الأدب وألوان من الثقافة العربية والأدبية والتاريخية والنحوية والأخبارية والقرآنية. وهو على اختلاف أبوابه فإنه يحتوي على مادة قرآنية غزيرة فسرها المؤلف تفسيرا استمده من شواهد لغوية ونحوية، بالإضافة إلى المادة المتمثلة في الأحاديث النبوية الصحيحة الإسناد، كما يضم الكتاب بين دَفتيهِ مجموعة من أمثال العرب تجلى ذلك في ذكر أصل المثل والمناسبة التي قيل فيها، ونجد المؤلف يذكر ويكثر من أخبار الحكماء وفي مقدمتهم الحسن البصري وأسماء بن خارجة والأحنف بن قيس وغيرهم، وقد تكرر ذلك في معظم صفحات الكتاب تحت عنوان نبذ من أخبار الحكماء، كما خصص المؤلف بابا لذكر أمثال العرب، واعتنى بالشعر والشعراء عناية كبيرة؛ حيث أورد الكثير من أخبارهم ونماذج من أشعارهم. ومن أهم أغراض الشعر التي تطرق إليها: المدح والهجاء والعتاب والرثاء والفخر، وذكر بعض الشعراء أمثال أبي نواس وأبي العتاهية وبشار بن برد. كما ضم الكتاب عددا من خطب العرب من عصور مختلفة كخطبة عمر بن عبد العزيز وعتبة بن أبي سفيان وخطبة لمعاوية بن أبي سفيان وغيرهم. ومن جهة أخرى عرض لنا المؤلف مواضيع مهمة في البلاغة ممثلة في التشبيه، وأفرد لذلك دراسة مفصلة مذيلة بشواهد شعرية لشعراء مبرَّزين منهم: امرؤ القيس والنابغة وذو الرمة والشماخ وعلقمة بن عبدة وغيرهم كثير.

ثم انتقل من البلاغة إلى النحو، ولا غرو في ذلك فالمبرد من جلة النحاة ومن كبار أئمة المدرسة البصرية؛ فقد تطرق إلى موضوعات نحوية من قبيل ما يجوز فيه يَفْعَل فيما ماضيه فَعَلَ مفتوح العين، وباب اللام التي للاستغاثة والتي للإضافة، وباب فُعَل وباب النسب إلى المضاف، والنسب إلى علم المضاف، وإلى مضاف غير علم.

وفي ما يخص الأخبار الأدبية والتاريخية فقد أفرد المؤلف لذلك بابا مفصلا ذكر فيه أخبار الخوارج، حيث طغى ذلك بشكل كبير في الكتاب، كما أولى اهتماما بشخصية الحجاج وبعض الأحداث التي زامنت عصر الحجاج، وضمن مواد الكتاب يسوق المبرد بعض الطرائف والنكت. والجدير بالذكر أن المؤلف تعمَّد تنويع مادة الكتاب، فجاء مختلفاً أُكلُه، وذلك لغاية التنشيط والتشويق، ودفعِ الملل والسآمة عن القارئ حتى لا يحس بالفتور، وهذه هي ميزة هذا النوع من التأليف.

   وخلاصة القول أن المؤلف جعل من كتابه «الكامل في اللغة والأدب» مرجعا هاما يوشي بثقافته الواسعة وخلفيته المعرفية وذخيرته الفكرية، والتي بلا شك جعلت منه عالما فذا وبوأته مكانة عظيمة في حقل الأدب، وكتابه هذا دليل على ذلك نظرا لما احتواه من ذخائر جمة تنوعت في جل صفحات الكتاب ميزته عن باقي المظان الأخرى.

طبعات الكتاب:

   للكتاب طبعات محققة ومنها:

– طبعة مكتبة مصطفى البابي الحلبي، حقق منها الدكتور زكي مبارك، وأتمها العلامة الشيخ المحدث أحمد محمد شاكر رحمه الله ثم صنع فهارسها الأستاذ سيد كيلاني.

– طبعة مؤسسة الرسالة-بيروت. بتحقيق د. محمد الدالي.

– طبعة دار نهضة مصر للطبع والنشر بالقاهرة حققها الأستاذ محمد أبو الفضل إبراهيم.

– طبعة بتحقيق عبد الحميد هنداوي.

ــــــــــــــــــ

الهوامش:

[1] إنباه الرواة 3/241

[2] وفيات الأعيان 4/314

[3] كشف النقاب عن الأسماء والألقاب، للإمام الحافظ جمال الدين أبو الفرج، تحقيق عبد العزيز راجي الصاعدي، 1/391/392 / وفيات الأعيان 4/321.

 [4] بغية الوعاة 1/255 – معجم الأدباء 6/ 2679

[5] معجم الأدباء 6/2678.

[6] بغية الوعاة 1/255

[7] نفسه 1/255

[8] الأنساب للسمعاني 3/146.

[9] معجم الأدباء 6/2679

[10] وفيات الأعيان 4/314

[11] إنباه الرواة 3/251

[12] معجم الادباء 6/ 2679

[13] تاريخ بغداد 4/603.

[14] سر صناعة الإعراب 1/140.

[15] وفيات الأعيان 4/319

[16] بغية الوعاة 1/257

[17] معجم الشعراء 1/485

[18] مقدمة ابن خلدون  2/376-377

[19] الجليس الصالح الكافي والأنيس الناصح الشافي، أبو الفرج معافى مقدمة الكتاب ص:6.

[20] الكامل في اللغة والأدب، تحقيق محمد الدالي، 1/18/19

[21] مقدمة كتاب الكامل في اللغة والأدب1/2.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق