مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثقراءة في كتاب

الكليات الفقهية للإمام المقري

يُعد كتاب الكليات الفقهية لقاضي الجماعة أبي عبد الله محمد بن أحمد المـَقَّري(ت759هـ) من أجلّ الكتب المصنَّفة في باب الكليات الفقهية حتى ليُعد صاحبه ممن له الريادة في التصنيف فيها بصفة خاصة وترتيبها على أبواب الفقه، وقد أهلّه لتبوء هذه المكانة ولوعه بالتقعيد الفقهي وسعة إدراكه لمسائل المذهب المالكي واستيعابه لمقاصد الشريعة واستعانته بأدوات المنطق الذي كان حاذقا فيه سيرا على نهج العلماء في الاستعانة به في توضيح بعض المشكلات وَصَوْغ بعض الفروع الفقهية.

وكان الداعي لتأليف المقري في هذا الباب -كما بيّن في مقدمة كتابه- أنه وجد  في مَن تقدمه مِن العلماء تسامحا في إثبات الكليات، ووجد من نفسه بذل الوسع وشدة التمكن والاحتفال وثبوت القدم في تحريرها والتحري فيها مع تبرئه من الإحاطة بها.

صاغ المقري كلياته التي بلغت 525 كلية بأسلوب بديع يدل عل علو كعبه في هذا الباب، افتتحها بمقدمة موجزة بيّن فيها داعيه للتأليف، ثم شرع في استعراضها، وضمَّها أهم المسائل الفقهية مرتبة على غالب أبواب الفقه -مع تفاوت في عدد الكليات المدرجة تحتها- من طهارة وعبادات وأحكام الأطعمة ومعاملات وأقضية وشهادات وغيرها من الأبواب ليختم بالوصايا والفرائض، واعتمد فيها على ما درسه وكان متداولا من الأمهات الفقهية؛ فنجد مدونة سحنون والتفريع في فروع المالكية لابن الجلاب والبيان والتحصيل لابن رشد والجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس.

أما منهجه في صوغ هذه الكليات فقد اعتمد على عدة أساليب؛ فغالبا ما يكتفي بذكر القول المشهور في المسألة دون التصريح به، وأحيانا يصرح به، وأحيانا أخرى ينص على القول المختار أو الصحيح فيها، وتارة يشير إلى الخلاف في المسألة دون عزو الأقوال إلى مصادرها إلا نادرا، كل هذا بعبارات مختصرة لا تخل بمعاني  ومضمون هذه الكليات، فجاءت ملخصة لأهم أحكام المذهب المالكي.

شغل كتاب الكليات الفقهية القسم الثاني من كتابه -عمل من طب لمن حب- الذي ألفه لابن خاله لما رأى شغفه بكتاب-شهاب الأخبار في الحكم والأمثال والآداب للقضاعي (ت454هـ)-، فصنف له كتاب عمل من طب وجعله على أربعة أقسام متنوعة المواضيع رجاء أن ينتفع به.

وتأتي أهمية الكتاب من أهمية كتاب عمل من طب لمن حب باعتباره قسما منه؛ حيث اطلع عليه العلماء ونقلوا عنه في مصنفاتهم، وتلقاه الطلبة عن شيوخهم، وانتشرت نسخه في الأمصار، وممن نقل من العلماء عن كليات المقري: أبو العباس أحمد المنجور (ت995هـ) في كتابه شرح المنهج المنتخب إلى قواعد المذهب، ومحمد بن أحمد ميارة الفاسي (ت1074هـ) في شرحه لتحفة الحكام. ولبديع صنع المقري فيه سار على نهجه شيخ الجماعة محمد ابن غازي العثماني المكناسي (ت919هـ) فألف كتابا على منواله ضمه 334 كلية.

وممن أثنى على هذا الكتاب المقري نفسه حيث ذكر في مقدمة كتابه عمل من طب لمن حب بأنه ضم فيه من الكليات أصلحها، ووصفها المقري الحفيد في نفح الطيب بأنها في غاية الإفادة.

حقق الدكتور محمد بن الهادي أبو الأجفان سنة 1404هـ كليات المقري استقلالا في إطار رسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود- كلية الشريعة-، وطبعت دون قسم ترجمة المؤلف بالدار العربية للكتاب سنة 1997م.

وهي مطبوعة أيضا ضمن كتاب عمل من طب لمن حب في القسم الثاني منه عن دار الكتب العلمية في طبعته الأولى سنة 2003م بتحقيق بدر العمراني.

الكتاب: الكليات الفقهية.

المؤلف: الإمام محمد بن محمد بن أحمد المقري التلمساني.

من مصادر ترجمته: الإحاطة(2/191-226)، أزهارالرياض: (2/12- 78)، نفح الطيب: (5/203- 340).

الثناء على المؤلف: قال المقري الحفيد: «كتاب«عمل من طب لمن حب» وهو بديع في بابه، مشتمل على أنواع: الأول فيه أحاديث حكمية كأحاديث «الشهاب» و«سراج المريدين»لابن العربي، والنوع الثاني منه الكليات الفقهية على جملة أبواب الفقه في غاية الإفادة، والثالث في قواعد وأصول، والرابع في اصطلاحات وألفاظ…

وقد رأيت هذا الكتاب بحضرة فاس عند بعض أولاد ملوك تلمسان وهو فوق ما يوصف» نفح الطيب: (5/285).

دار النشر: الدار العربية للكتاب، سنة 1997م.

إعداد: ذة. غزلان بن التوزر

Science

ذة. غزلان بن التوزر

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء -ملحقة الدار البيضاء – منذ دجنبر 2011م إلى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق