مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة 9

محمد كرماط

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

 

مناقشة مذهب المعتزلة

مناقشة المعتزلة تكتنف جانبين:

 الجانب الأول: ما يتعلق بالمشيئة الإلهية ،فقد بنى المعتزلة مذهبهم على أصلين اثنين، هما:

 الأول: جعلوا المشيئة والإرادة بمعنى المحبة والرضا، فقد قالوا: كل ما شاء الله وقضاه فقد أحبه ورضيه[1].

  الثاني: أن الإرادة توافق الأمر وتلازمه في الإطلاق، وقالوا: ما أمر الله به فقد أراده وما نهى عنه فقد كرهه    [2].

وقد وجهوا أدلتهم بشقيها النقلي والعقلي انطلاقا من هذين الأصلين. لأن الإرادة والمشيئة –على أصولهم- ترادفان الأمر وتستلزمان الرضا والمحبة. والقضاء يستوجب الرضا بكل مقضي[3].

وإذا ما قطعنا أن في هذا الكون كثيرا من الأفعال التي لا يحبها الله تعالى ولا يرضاها ولم يأمر بها[4]، فهذا يعني –على رأيهم- أن في ملكه ما ليس بمشيئته ولا يكون واقعا بإرادته، كما يعني أن المعاصي والمنكرات تكون واقعة في ملكه بغير إرادته ومشيئته لأنها ليست مما يحبه الله ولا مرضية عنده. فيلزم من قولهم أن أكثر مما يقع من أفعال العباد ، مادامت أفعال الشر أكثر من  أفعال الخير، على خلاف مراده[5]. فتكون قد نفذت مشيئة العباد وتعطلت مشيئة رب العباد فيهم، وهذا أمارة كونه عاجزا ومقهورا، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ومع أنهم قالوا بوجوب الرضا بالقضاء والقدر، لكنهم أنكروا أن يكون قضاء الله تعالى شاملا لأفعال العباد خيرها وشرها، لئلا يلزمهم الرضا بالكفر والفسوق والعصيان. وقالوا:ما كان من خير فهو بقضاء الله تعالى وقدره ويجب الرضا به. ومن هنا قالوا بخلق الإنسان لأفعاله[6]، لئلا ينسبوا الشر إلى الله تعالى، أو يطعنوا في عدله وحكمته[7].

وهم فيما ذهبوا إليه إنما حرصوا للتأكيد على نزاهة الذات الإلهية عن فعل الظلم والقبيح. وقالوا بحرية الإنسان واستقلاله في إيجاد أفعاله حتى يتحمل مسؤوليته فيها، ولا ينسبوا شيئا منها إلى الله تعالى. ما دام أن فيها الحسن وفيها القبيح. ومنها الخير ومنها الشر[8] والله منزه عن كل قبيح[9]. وهذا صحيح كمقصد إلا أن الوسيلة المفضية إليه غير مرضية، إذ أنهم وقعوا في مستشنع من حيث أن قولهم يقتضي منه أن يقع في ملك الله ما لا يريده[10]، ويريد ما لا يقع. ويلزم منه أن تكون الذنوب والمعاصي من العباد واقعة في ملكه بغير إرادته تعالى ومشيئته فتقع رغما عنه. لأنه يريد الإيمان من الكافر فيقع الكفر، ويريد الطاعة من العاصي فتقع المعصية. كما يلزم منه كذلك أن تكون إرادة العبد نافذة في الوقت الذي تتخلف فيه إرادة الله تعالى. وهذا مما لا يجوز في حقه تعالى، ولا يليق بجلاله، لأنه يستلزم نسبة العجز والضعف إليه جل وعلا[11].

 

 


[1] – انظر ابن ابي شريف”المسامرة”ص:121 والإيجي “المواقف”ص:157 و القاضي عبد الجبار”شرح الأصول”ص:464 و 468

[2] – انظر الرازي “الأربعين في أصول الدين”(1/343)  والجويني “الإرشاد”ص:215

[3] – ابن حجر “الفتح”(13/451)

[4] – حكي عن عمرو بن عبيد أنه قال: ما ألزمني أحد مثل ما ألزمني مجوسي كان معي في السفينة. فقلت :لم لا تسلم؟ فقال: لأن الله تعالى لم يرد إسلامي، فإذا أراد إسلامي أسلمت. فقلت للمجوسي: إن الله تعالى يريد إسلامك، ولكن الشياطين لا يتركونك، فقال المجوسي: فأنا مع الشريك الأغلب. “شرح العقائد”ص:96

[5] – السفاريني “لوامع الأنوار”(1/338)،وقد استدل السادة الأشاعرة على عموم تعلق الإرادة الإلهية بقولهم:إن كل حادث واقع بقدرة الله تعالى مادامت أنها تتعلق بسائر الممكنات،وهي تابعة لصفة الإرادة في التعقل إذ هي التي تخصص الممكن ببعض ما يجوز عليه من المتقابلات الستة، فتكون بذلك سائر الممكنات تتعلق بالإرادة الإلهية، وبيانها منطقيا :الصغرى: كل حادث مقدور، الكبرى: كل مقدور مراد ،النتيجة: كل حادث مراد.

[6] – بقدرة خلقها الله فيه اختيارا فخالف هنا المعتزلة الفلاسفة القائلين بأن الله أحدث القدرة في الإنسان بطريق الإيجاب بالذات.”المسامرة”ص:111

[7] – السفاريني “لوامع الأنوار”(1/361)

[8] – وقد رد عليهم أهل السنة بأن الله خلق إبليس وهو الشر كله،وقال سبحانه:”قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق” فأثبت أنه خلق الشر، وأطبق القراء حتى أهل الشذوذ على إضافة شر إلى “ما” إلا عمرو بن عبيد رأس الاعتزال فقرأها بتنوين” شر” ليصحح مذهبه، وهو محجوج بإجماع من قبله على قراءتها بالإضافة.

[9] – القاضي”شرح الأصول”ص:461 و ابن حجر “الفتح”(13/451)

[10] – “ولكون عقولهم مقيدة بهذا المقياس –قياس أفعال الله تعالى بمقياس أفعال البشر- يقولون: إن الاعتراف بسلطان إرادة الله على إرادات العباد إنما يكون بطريق الإكراه، وحيث لا إكراه فلا سلطان، لأن الإنسان يفعل ما يفعله باختياره ورضاه وكلامنا في أفعاله الاختيارية، فأين الجبر إذن؟ لكني أقول هذا الجبر الذي يؤلفه الله باختيار الإنسان وإرادته فيجعله يفعل بإرادته ورغبته ما أراد الله منه أن يفعله، جبر محبوب عند المجبور لا يعرفه ولا يقدر عليه جبار وإنما يقدر عليه من “الجبار” من أسمائه الحسنى” تضمين من “موقف العقل”(3/39)

[11] – ونعم ما قال بعضهم: « مساكين القدرية أرادوا أن يصفوا اللّه بعدله، فأخرجوه من سلطانه »

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق