مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة (28)

 

محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

وقالت الأشاعرة في بيان مذهبهم : قد وردت النصوص بأن كل أمر أثر لقدرة الله تعالى ، وأنه لا أثر لقدرة العبد في شيء منها، مثل قوله تعالى: ﴿الله خالق كل شيء﴾ و﴿والله خلقكم وما تعملون﴾ و﴿هل من خالق غير الله ﴾ و﴿قل إن الأمر كله لله﴾ و﴿لله الأمر من قبل ومن بعد﴾ .ومثل قوله : «لا حول ولا قوة إلا بالله» وتعلق الإرادة والقدرة من الحول المنفي عن العبد المحصور في الله تعالى. إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة التي يصعب إحصائها.

وكذلك قامت الدلائل القطعية على أن العبد مختار في أفعاله، من هذه الدلائل ما ذكرناه آنفا. قالوا: فنقول: بمقتضى كل من النصوص ومن الدلائل المذكورة إن العبد مختار لقيام الدلائل عليه ، ولا علينا أن لا نستطيع الإفصاح عن اختياره فان العلم بالشيء لا يستلزم العلم بكيفية ذلك الشيء، ونقول: إن الجمع بين هذين الأمرين سر القدر، ووراء طور العقل .

وقالوا: إن غموض المذهب  دليل على كونه الأقرب إلى الصواب، والدليل على ذلك قوله تعالى: «إذا ذكر القدر فأمسكوا»[1] وكذلك نهي السلف عن الخوض في القدر، وقولهم: إن القدر سر الله فلا تتكلفوه.

ومذهب الأشاعرة المشهور أوفق بالنصوص خلافا للمذاهب المخالفة له (الماتريدية،أبي بكر الباقلاني،أبي إسحاق الإسفراييني ،صدرالشريعة،الجويني). فمن أراد إبقاء النصوص على ظواهرها بدون تخصيص لها اضطر إلى القول بمذهب الأشعري. وتخصيصُ هذه النصوص الكثيرة التي لم يرد واحد منها خاصا ليس بالأمر الهين.

وهو أيضا الموافق لمذهب السلف ففي عقيدة الإمام أحمد المطبوعة بآخر المجلد الثاني من طبقات الحنابلة لابن أبي يعلى ما يلي:”وكان يذهب إلى أن أفعال العباد مخلوقة لله عز وجل، ولا يجوز أن يخرج شيء من أفعاله عن خلقه، لقوله عز وجل: ﴿خالق كل شيء﴾، ثم لو كان مخصوصا لجاز مثل ذلك التخصيص في قوله: (لا إله إلا الله)، وأن يكون مخصوصا أنه إله لبعض الأشياء. وقرأ:﴿وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة﴾ وقرأ:﴿عسى أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة﴾ وقرأ:﴿وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين﴾.

 وروي عن على بن أبى طالب -رضي الله تعالى عنه- أنه سئل عن أعمال الخلق التي يستوجبون بها من الله تعالى السخط والرضا ؟ فقال: هي من العباد فعلا، ومن الله تعالى خلقا، لا تسأل عن هذا أحدا بعدى[2].

وقال الإمام أبو حنيفة في “الفقه الأكبر”: وجميع أفعال العباد من الحركة والسكون كسبهم على الحقيقة والله تعالى خالقها، وهي كلها بمشيئته وعلمه وقضائه وقدره”.

وقال الطحاوي  في “عقيدته المشهورة”: “وأفعال العباد خلق الله وكسب من العباد“.

وهذا ما قال به أئمة السلف كلهم، هو عين مذهب الأشعري. وكل ما في الأمر أن الأشعري قد شقق المسألة وشرحها وبسطها، ولم يخالف في شرحها ما ذهبوا إليه، ولم يخرج عنه.

سائلا الله تعالى التوفيق والسداد، والهداية والرشاد، وصل اللهم وسلم على سيدنا محمد بقدر عظمة ذاتك في كل وقت وحين.

                                                                               

 


[1] – رواه الطبراني في الكبير ( 10 / 198 ) وأبو نعيم في الحلية ( 4 / 108 )

[2]–  طبقات الحنابلة 2/299.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق