مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة (27)

 

محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

 

نخلص مما سبق أن مذهب السادة الأشاعرة هو المذهب الجامع بين المنقول والمعقول في مسألة  أفعال العباد، فمذهبهم حق بين باطلين: بين الاعتزال والجبر الخالص. كما أن من نبزهم بالجبر فإن قصد به  المحض -وهو المراد عند الإطلاق- فقد جانب الصواب. وإن قصد به الجبر الخفي فلا شك أن ذلك في مذهبهم، بل لا يخلو منه مذهب كما مر.

و قد تحصل أيضا في حقيقة  الكسب عند الأشاعرة  على المشهور[1]، أن تعلق الإرادة كتعلق القدرة وهو الفعل بالمعنى المصدري وكالفعل بمعنى الحاصل بالمصدر أثر لقدرة الله تعالى، لا تأثير لقدرة العبد في شيء منها ومن أجل ذلك قيل: إن مذهب الأشاعرة جبر خفي، وقالوا : إن العبد عندهم مضطر في صورة مختار، وصار الكسب عند الأشعري مضرب المثل في الخفاء، فقالوا: الشيء الفلاني أخفى من كسب الأشعري[2]، حتى أنشد بعضهم:

يقول وقد رأى جسمي كخصر

 

له شبه لما بي بالــــسوية

فقلت هما من الموجود لكــن

 

كوجدان اكتساب الأشعريـة

لكن الأشاعرة مع ذلك قالوا أن للعبد اختيارا به صار محلا للتكليف، وذلك لقيام الدلائل القطعية على هذا الاختيار:

       – منها دفع الجبر المصحح للتكليف ولورود الأمر والنهي.

       – ومنها التفرقة الضرورية بين حركتي البطش والارتعاش

       – ومنها الشعور النفسي الذي لا يخالطه شك بالاختيار

       – ومنها ظواهر النصوص من الكتاب والسنة حيث نسبت أفعال العباد إليهم ، مثل قوله تعالى: ﴿ وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى  ﴾ حيث أثبت الله تعالى للنبي  ما هو باختياره وداخل تحت قدرته

 وهو أصل الرمي ، ونفى عنه ما هو خارج عن قدرته واختياره ، وهو إيصال الرمح المرمي إلى أعين الأعداء.

 

 


[1] – وغيرها ضعيف لا يلتفت إليه.

[2] و الفرق بين الأشاعرة والماتريدية في مسألة الكسب من ثلاثة أوجه:

                               الأول:أن الكسب عند الأشاعرة عبارة عن تعلق قدرة العبد بالمقدور، وعند الماتريدية عبارة عن الإرادة الجزئية للعبد.

                               الثاني :أن الكسب عند الأشاعرة أثر قدرة الله تعالى لا تأثير لقدرة العبد فيه، وعند الماتريدية أثر قدرة العبد.

                               الثالث:أن الإرادة الجزئية من الموجودات الخارجية عند الأشاعرة، ومن الأمور الاعتبارية عند الماتريدية، ومن أجل ذلك جوزوا أن تكون أثر قدرة  العبد.  ويتفرع عن هذه الفروق فروق أخرى أوردها وأورد الوجوه التى بها الاشتراك  الشيخ خالد  البغدادي في رسالته “العقد الجوهري”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق