مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة 24

 محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

 وقعت بين الشيخين أعني شيخ الإسلام في الدولة العثمانية سابقا الإمام مصطفى صبري ووكيله العلامة المتبحر زاهد الكوثري مساجلات علمية متعلقة بأفعال العباد خصوصا لما انتقد صبري مذهب الماتريدية ومذهب الجويني في كتابه:”سلطان القدر” فقام الكوثري بالرد عليه في تعليقاته على “اللمعة”. إذ عرض فيها بمذهب صبري في كلمات قصيرة لاذعة من غير تصريح باسمه ولا اسم كتابه، ثم ألف الأستاذ صبري كتابه الخالد “موقف العقل” تعرض في مجلده الثالث[1] لأصل المسألة من جديد وما كان يكتنفها من ملابسات، ثم ختمها الكوثري برسالة سماها:”الاستبصار في التحدث عن الجبر والاختيار”[2].

ولاشك أن كلا الإمامين كان من علماء الأمة الأفذاذ اللذين شح الزمان بمثلهم في أيامنا. وكل منهما يعرف قدر صاحبه فيما اختص به من العلوم. فلما كان الكوثري مبرزا في الفقه والحديث قال فيه الشيخ صبري:” إني أعترف وأعد هذا الاعتراف من أوجب ما وجب علي في تقدير الفضائل والكمالات لأهلها، بأن صديقي الشيخ زاهد أبقاه الله للإسلام وعلمائه غواص منقطع النظير في البحرين المحيطين اللذين هما علم الحديث والفقه[3]. في حين لما برز الإمام صبري في العلوم العقلية وكان موسوعة زمانه فيها قال فيه العلامة الكوثري-وحسبك به في نقد الرجال-:”لا يخفى أن العلامة المبدع والجدلي البارع، القابض بمقدرة فائقة على وجوه التصرف في الكلام، مولانا مفتي الأنام، مد الله فيعمره السعيد وأمده بالتوفيق..” [4]اهـ.

وللرد على المذهب يقال: قول الإمام ومن شايعه في حقيقته إثبات الخلق للعبد وإن استنكف أصحابه عن ذلك لفظا، وحسبك في ذلك قوله:”إن الفعل المقدور واقع بالقدرة الحادثة قطعا ولا سبيل إلى المصير إلى وقوع الفعل بالقدرة الحادثة والقدرة القديمة فإن الفعل الواحد يستحيل حدوثه بقادرين” . وقال ابن القيم:” فالعبد محدث لفعله بإرادته واختياره وقدرته حقيقة[5]. وابن القيم أثبت للعبد إحداث فعله وإيجاده وإبرازه من العدم إلى الوجود في عدة مواضع من كتابه “شفاء العليل”، وهو الذي حكم باتحاد معنى الفاعل والخالق.

ولا شك أنه كان يستحيل إطلاق القول بأن العبد خالق أعماله لما فيه من الخروج عما درج عليه سلف الأمة، فإنما يستحيل لكونه قولا بأن العبد موجد أعماله ومبرزها من العدم إلى الوجود عن مكان العبد. فإكبار الخلق في حق العبد ناشئ من إكبار الإيجاد والإبراز من العدم في حقه، لا من إكبار لفظ الخلق، وقد عرفت أن العبرة بالمعاني لا بالمباني. نعم أكبر السلف الذين ما وسع إمام الحرمين الخروج عما درجوا عليه، معنى الخلق ولفظه لكبر معناه في حق العبد، وإن كانت قدرته عليه بإقدار الله تعالى.

 

 

 


[1] – ص:390 وما بعدها

[2] – وقوام هذه الرسالة النقل دون مناقشة الأدلة  التي استدل بها صبري لإثبات مذهبه.

[3] – صبري”موقف العقل”(3/339-394)

[4] – الكوثري”الاستبصار”ص:03

[5] – ابن القيم “شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر” رقم176

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق