مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكدراسات عامة

الكسب عند السادة الاشاعرة 23

 محمد كرماط 

باحث متخصص في العقيدة الأشعرية

 وقد راق هذا بعض الأشاعرة[1] منهم المحقق أحمد بن محمد المقدسي الدجاني-شيخ الكوراني- .وقد ألف كتابا يناصر فيه الجويني سماه”الانتصار لإمام الحرمين فيما شنع به عليه بعض النظار” قال فيه عن المذهب المشهور عن الإمام الأشعري:”وأما ما قاله الفاهمون من كلام الأشعري فلا يتحصل به كسب وإن سموه كسبا[2] هـ

وقال تلميذه الكوراني[3] في “قصد السبيل”:”وإن إمام الحرمين فيما ذكره في “النظامية” موافق للأشعري في التحقيق المعتمد عنده في “الإبانة[4] ، وإنما خالف المشهور عنه حسب فهم الناقلين الذين لم يتيسر لهم الجمع بين أقواله”[5]اهـ

ويقول العياشي :” فإذا علم أن فحول أهل السنة قد عجزوا عن تحقيق معناه مع تظاهرهم وتظافر معتقداتهم على نفي الجبر والاستقلال، فلا ينبغي المبادرة إلى التشنيع والإنكار على من أحدث قولا في المسألة بفهم أتاه الله إياه، وانتصر لقول من الأقوال المنقولة فيها لأهل السنة بدلائل بينها الحق له. وبصيرة أنارتها الهداية الإلهية مادام لم يقض بصحة أحد القولين المتفق على إبطالهما عند أهل الحق، وهما الجبر والاستقلال[6]. لأن ذلك هو المعيار الصادق. فمادام العبد يعتقد في المسألة معتقدا ليس بجبر ولا استقلال، فهو على الجادة وإن عجز عن تحقيقه، إذ لا نكلف بإدراك الكنه في كثير من المسائل الاعتقادية، وإنما المكلف به اعتقاد الثبوت والوجود فقط[7]اهـ

وقد تكلم الآلوسي المفسر في “الأجوبة العراقية”[8] عن مذهب الجويني ومما قاله:” وقد ارتضاه غير واحد من المحققين، ولله در من قال:

تنكب عن طريق الجبر،واحذر

 

وقوعك في مهاوي الاعتـزال

وسر وسطا طريقا مستقيمـا

 

كما سار الإمام أبو المعــالي “

وممن ارتضاه أيضا من المعاصرين جماعة على رأسهم الشيخ العلامة زاهد الكوثري[9] والشيخ محمد عبده، قال الكوثري:” والناس في كلام الأشعري في قدرة العبد مضطربون، والحق أن القدرة المستجمعة لشرائط التأثير التي أثبتها الأشعري وقال إنها مع الفعل لا تتحقق إلا عند تعلق قدرته تعالى بالفعل وهو لا ينكر أن للعبد قدرة موجودة فيه قبل الفعل، إذ قدرة العبد عبارة عن القوة المثبتة في أعضائه المعبر عنها بسلامة الأسباب والآلات وهي متحققة بلا شبهة. وإنكارها يكون مكابرة كما حققه المحقق عبد الحكيم في “حاشيته” على “المقدمات الأربع”..فإنكارها يكون جهلا لا يطاق[10]. وقال متهكما:” وليس كل ذهن يتسع لتصور قدرة لا أثر لها[11].

إلا أن الأستاذ مصطفى صبري قام بنقض هذا المذهب بشدة[12] حتى قال:” لا يقال أن مذهب الإمام ليس بأضل من مذهب المعتزلة، وقد أخذ موقعه في صف المذاهب الأولى لأنا نقول عيب مذهب الإمام-زيادة على المعابة التي في مذهب المعتزلة- أنه وافقهم بدعوى أنه خالفهم[13]اهـ.

 

 

 

 


[1] – بل حتى خصوم الأشاعرة كابن القيم في “شفاء العليل” إلا أنه لم يستقر عليه، لذلك قال زاهد الكوثري في “تبديد الظلام ” ص:433:”فإذا طالعت ما ذكره  في “شفاء العليل”  عن كسب العبد  تجده ينقل عن “نظامية” إمام الحرمين قوله في أفعال العباد، فيسايره إلى أبعد حد، ثم يتراجع ويقع في أحط  دركات الجبر ثم يقع في المعتزلة وقيعة لا مزيد عليها، ثم تجده يسبقهم في التجرؤ. والحاصل أنه جماع لآراء الناس من غير أن يعقلها على وجوهها فيتخبط تخبط من به مس”اهـ،

[2] – بواسطة “النظامية”ص:47

[3] – وقد رد العلامة محمد المهدي الوزاني  على الكوراني  في مؤلف خاص بالمسألة وسمه بـ“اللمعة الخطيرة والنبذة اليسيرة في مسألة خلق أفعال العباد الشهيرة” قرظه العلامة الحسن  اليوسي ، انظر “رسائل اليوسي”(2/613-617)

[4] – كتاب “الإبانة” المطبوع اليوم لا وثوق به  بل تلاعبت به الأيادي الأثيمة، انظر مقدمة “تبيين كذب المفتري”  للكوثري و “نظرة علمية في نسبة كتاب “الإبانة” جميعه إلى الإمام أبي الحسن” لوهبي غاوجي الألباني.  

[5] – بواسطة “اللمعة”ص:58

[6] – إلا أن ذلك إن كان لازمه باطلا عاد على الملزوم حتما بالبطلان، حتى إن نسبة قول خلق العبد لأفعاله للمعتزلة هو لازم في الحقيقة.

[7] –  العياشي”الرحلة العياشية”(1/526)

[8] – ص:109-117

[9] – مما جعله يشيد بمذهبه هذا في تعليقه على “النظامية” و “اللمعة”.

[10] – الكوثري” تعليقه على اللمعة”ص:47

[11] – تعليقه على “النظامية”ص:49

[12] – وانظر أيضا ما ذكره الطيب الوزاني في “النشر الطيب”(1/464) وما بعدها

[13] – صبري”تحت سلطان القدر”ص:186

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق