مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

القول في الأيمان بالله عز وجل

  قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله في هذه المسألة:

  الأيمان بالله عند مالك رحمه الله ثلاثة: اثنان لا كفارة فيهما، وهما: اللغو والغموس.

  فأما اللغو: فهو أن يحلف الرجل على الماضي أو الحاضر في الشيء يرى أنه صادق فيه، ثم ينكشف له بخلاف ذلك.

  فإن كان ذلك فلا كفارة عليه، ولا يُؤاخذ به إن شاء الله تعالى، ومثال ذلك: أن يحلف على رجل يراه بعيدا أنه فلان ثم تبيّن أنه غيره، أو يحلف على طائر أنه غراب ثم تبيّن له خلاف ما علم منه.

  وقد ذَكر مالك في الموطأ عن عائشة ما يدل على أن اللّغو: كل ما لا يعتقده الإنسان ولا يقصد به عقد اليمين؛ نحو قول الرجل في درج كلامه: لا والله، وبلى والله غير معتقد لليمين.

  وقد قال بكلا الوجهين من أهل العلم جماعة من أهل المدينة وغيرها من السلف وأئمة الفتيا بأمصار المسلمين، وقد ذكرناهم في كتاب الاستذكار لمذاهب علماء الأمصار.

  ولا لغو في عتق ولا طلاق وإنما اللغو في اليمين بالله عز وجل خاصة.

  وأما الغموس فهو: أن يعتمد الحالف الحلف على الماضي بما يعلم أنه فيه كاذب.

  فيقول: «والله لقد كان كذا» أو «لقد فعلت كذا» وهو يعلم أنه لم يكن ولم يفعله، فعلى هذا الاستغفار والتوبة ولا تلزمه كفارة.

  واليمين الثالثة التي فيها الكفارة: هي اليمين المعقودة فيما يستقبل كقول الرجل:

  «والله لا فعلت» أو «والله لأفعلنّ»، وفيها الاستثناء والكفارة.

  ومن حلف بالله أو باسم من أسماء الله مثل أن يقول:

  «لا والرحمن الرحيم».

  أو «لا والغفور الشكور».

  أو «لا والسميع البصير» ونحو هذا من أسمائه تبارك وتعالى.

  أو يحلف بصفة من صفاته، نحو قول الحالف: «وعزة الله» أو «قدرة الله» أو «وعظمة الله» أو «جلاله».

  وما أشبه ذلك من صفاته، نحو: عِلم الله وكلامه، أو بالقرآن -على اختلاف مَن قوله في الحلف بالقرآن- فحنث في شيء من ذلك فعليه كفارة يمين.

  وكذلك إن قال: «بحق الله أو «بعهده» أو «بميثاقه» أو «كفالته» إذا أراد بذلك اليمين فهي عند مالك تجري مجرى الصفات.

  ومن قال: «والله والله»، أو «والله الرحمن الرحيم»، أو كيف كرر اليمين فهي يمين واحدة إلا أن يكون أراد استئناف يمين بكل كلمة منها.

  ومن حلف على شيء واحد يمينا واحدة مرارا ثم حنث لم يكن عليه إلا كفارة واحدة.

  وإن حلف على شيء واحد بأيمان مختلفة مثل أن يحلف بالعتق والطلاق وبالله العظيم ثم يحنث لزمه كل ما حلف به.

  ومن حلف على أشياء مختلفة يمينا واحدة ثم فعل شيئا منها حنث في يمينه ولزمته الكفارة، ثم لا شيء عليه فيما فعله بعد ذلك منها، وقد قيل إنه لا يحنث حتى يفعل جميع ما حلف عليه.

  ومن قال: على عهود الله أو مواثيق الله أو كفارات الله فعليه ثلاثة أيمان عند مالك.

  واليمين بغير الله مكروهة منهي عنها ولا كفارة فيها.

  وتصريح اليمين أن يقول الحالف: بالله أو تالله أو والله.

  وإن قال: «أقسم بالله أو «أشهد بالله» أو «أعزم بالله» أو «أحلف بالله» أو «أقسمت بالله» أو «شهدت» أو «عزمت» أو «حلفت» في ذلك كله بالله فلا خلاف أنها يمين.

  وكذلك عند مالك وأصحابه إن قال: «أقسم» أو «أشهد» أو «أعزم» أو «أحلف» ولم يقل بالله إذا أراد بالله.

  وإن لم يرد بالله فليس بيمين.

  وقد ضعف مالك «أعزم بالله» وكأنه لم يره يمينا إلا أن يكون أراد اليمين لأنه قد لا يكون على وجه الاستعانة، وهذا أصح لأنه قول الرجل «أستعين بالله» و«أحول بالله» ونحو هذا وهذا ما لا يعده أحد يمينا.

  ومن قال: «أقسمت عليك لتفعلنّ كذا» فإن كان أراد مسألته فلا شيء عليه، وإن أراد عقد اليمين على نفسه حنث إن لم يفعل الذي أقسم عليه.

  ومن حلف بملة من الملل ثم حنث فلا شيء عليه.

  ومن قال: «كفرت بالله» أو «هو يهودي» أو «نصراني» إن كلمت فلانا، أو فعلت كذا فلا يمين عليه في شيء من ذلك وليستغفر الله.

  ومن حلف بالله أو بصفة من صفات الله أو باسم من أسماء الله وقال: «إن شاء الله» فقد استثنى ولا شيء عليه.

  ومن استثنى بعقب يمينه أسقط الاستثناء حكم يمينه وصار كمن لم يحلف.

  ومن قطع يمينه ثم استثنى بعد قطعه لم ينفعه استثناؤه إذا كان مختارا لقطعها، وإن انقطع عليه ذلك بسعال أو عطاس أو تثاؤب أو شبه ذلك ثم وصل يمينه واستثنى عقبها صح استثناؤه.

  ولا يكون الاستثناء إلا لفظا، ولا يصح الاستثناء بمشيئة الله عز وجل إلا في اليمين بالله وحدها دون عتق أو طلاق أو مشي إلى مكة دون سائر الأيمان كلها غير اليمين بالله وحده عند مالك وأصحابه.

  ومن حلف لطالبه في حق له عليه واستثنى في نفسه، أو حرك به لسانه وشفتيه، أو تكلم به لم ينفعه استثناؤه ذلك لأن النية عند مالك نية المحلوف له؛ لأن اليمين حق له وإنما تقع على حسب ما يستوفيه له الحاكم لا على اختيار الحالف لأنها مستوفاة منه.

  هذا تحصيل مذهب مالك وقوله، واختلف أصحابه المتأخرون فقال بعضهم:

  يصح استثناؤه بتخصيص ما حلف عليه ولكنه ظالم للمحلوف له وإنما صح استثناؤه لأن الأيمان تعتبر بالنيات.

  وقال بعضهم لا يصح ذلك حتى يحرك به لسانه وشفتيه فيكون متكلما لأن الاستثناء من الكلام لا يقع بالكلام دون غيره.

المصدر:

كتاب الأيمان والنذور، من كتاب الكافي في فقه أهل المدينة للإمام ابن عبد البر: ص(193-195)، طبعة دار الكتب العلمية، الطبعة الثانية (1413هـ-1992م).

انتقاء: ذة. غزلان بن التوزر

Science

ذة. غزلان بن التوزر

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء -ملحقة الدار البيضاء – منذ دجنبر 2011م إلى الآن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق