مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثشذور

القنداق وألفاظ أخرى

للأستاذ عبد الله كنون

 

  قرأت من مدة طويلة في كتاب المدارك للقاضي عياض أثناء ترجمته للإمام مالك، والكتاب من أمهات كتب التراجم لعلماء المالكية وهو ما يزال مخطوطا غير مطبوع كما لا أحتاج أن أقول، قرأت ما يلي:

  «قال أبو مصعب قال لنا المغيرة تعالوا نجتمع ونستذكر كل ما بقي علينا ما نريد أن نسأل عنه مالكا فمكثنا نجمع ذلك وكتبناه في قنداق ووجه به المغيرة إليه وسأله الجواب، فأجاب في بعضه وكتب في الكثير منه لا أدري. فقال المغيرة: يا قوم لا والله ما رفع الله هذا الرجل إلا بالتقوى من كان منكم يسأل عن هذا؟ يرضى أن يقول لا أدري».

  وقرأت فيه هذه النبذة أيضا:

  «قال القطان: لما مات مالك رحمه الله خرجت كتبه فأصيب فيها قنداق عن ابن عمر ليس في الموطأ منه شيء إلا حديثان».

  وهذه النبذة الثالثة:

  «قال عتيق: قال مالك أخذت عن ابن شهاب تسعة قناديق في بطونها وظهورها؛ إن منها أشياء ما حدثت بها منذ أخذتها بالمدينة».

  وأخيرا قرأت هذا الخبر:

  «لما دفن مالك أخرجت كتبه فإذا فيها قناديق من حديث ابن شهاب ظهورها وبطونها ملآى وعنده قناديق وصناديق من كتب أهل المدينة. فجعل الناس يقرؤون ويقولون رحمك الله أبا عبد الله، لقد جالسناك دهرا طويلا فما رأيناك ذاكرتنا بشيء من هذا».

  وقد استوقف نظري في هذه الجمل لفظ قنداق وجمعه قناديق ولم أكن سمعت به من قبل فرجعت إلى لسان العرب فوجدته يقول: القنداق صحيفة الحساب ولم يذكره في القاموس، لكن صاحب التاج استدركه عليه بهذه الصورة:

  «ومما يستدرك عليه القنداق صحيفة الحساب كما في اللسان وأورده المصنف تبعا للصاغاني في فندق وهنا موضعه قد رجعت إلى القاموس في فصل الفاء من باب القاف فإذا نصه: «والفُنداق بالضم صحيفة الحساب» وزاد عليه في الشرح قوله: «وقال الأصمعي أحسبه معربا قلت والمشهور بالقاف كما يأتي[أي في فصل القاف من بابه وهو النص السابق ما استدركه على المتن] » ثم رجعت إلى اللسان في فصل الفاء في حرف القاف فإذا هو يقول: الليث: الفنداق هو صحيفة الحساب قال الأصمعي أحسبه معربا».

  علمت من هذه الأقوال أن القنداق هو صحيفة الحساب ولكن لا على سبيل القطع فإن بعضها يجعله بالفاء بدل القاف فبقي على تحقيق ذلك، ثم النظر في وجه تسمية هذه الصحف التي تخلفت عن مالك والتي رفعت عليه وفيها مسائل الفقه والعلم بالقنداق وهو صحيفة الحساب، وبعد ذلك معرفة أصله إذا كان معربا فإن هذه الأقوال لم تنص على اللغة التي عرب منها.

  وقد استنجدت بكتاب المعرب للجواليقي فوجدته قد ذكره في باب الفاء ولم يزد شيئا على قوله«والفنداق صحيفة الحساب أعجمية معرية»، وأملت أن يكون عند صاحب شفاء الغليل مزيد من علم يشفي غلتي فإذا هو لم يذكر اللفظ إطلاقا لا في حرف الفاء ولا في حرف القاف.

  إزاء هذه المعلومات المضطربة والمراجع الشحيحة لم يبق أمامي إلا اللجوء إلى أرباب المعرفة باللغات الشرقية التي يظن أن العربية أخذت ذلك اللفظ منها. ولما لم أحصل على جواب كاف قررت البحث في معاجم اللغات المشار إليها، ولم يكن عندي منها إلا معجم صغير يسمى«الدراري اللامعات في منتخبات اللغات» وهو كما قال صاحبه محمد على الانسي قاموس للغة العثمانية يحتوي على الكلمات التركية والألفاظ الفارسية والإفرنجية المتداولة في تلك اللغة. مطبوع في بيروت سنة 1318هـ وقد جاء فيه أثناء حرف القاف مايلي:

  «قونداق: مشدود، قماط، لفافة، مؤخر البارودة. شعلة» ثم زاد قائلا:

  «قوانداقجي: مصلح البواريد، محرق».

  ونستفيد من هذا النص أن التعريب الذي حصل في لفظ الكلمة هو حذف الواو من بعد القاف، وأن صحيفة الحساب ليس من جملة معاني اللفظ. وقد نقلت كلام هذا المعجم في القواند قجي لأنه كان عندنا في طنجة أسرة من قدماء مهاجري الجزائر اسمها العائلي هو القنداجي، وكان بعض الناس يحرفه إلى الخندقجي فكلمت رئيسها يوما في ذلك وكنت أعتقد أن الخندقجي صواب وأنه نسبة إلى الخندق، فقال لي بل هو بالقاف وأنه يرجع إلى إحدى الصنائع المتعلقة بالبندقية أو المكحلة كما نقول نحن في المغرب للبندقية. وقد صحح هذا المعنى النقل المذكور من قاموس اللغة العثمانية، وبين لنا أن تلك الصنعة تتعلق بخشبة البندقية التي عبر عنها في هذا القاموس بمؤخر البارودة وعن صانعها بمصلح البواريد.

  وبعد هذا أوقفني الأخ الأستاذ محمد الخالصي من أفاضل علماء بغداد على النص الآتي من المعجم الفارسي«فرهنك نفيسي ج4ص2713: «قنداق، من التركية: الخشبة توضع فيها أنبوبة البندقية. الخرقة تلف بها يدا الطفل ورجله وتشد بشريط».

  ثم على نص آخر من معجم فارسي لسيد محمد علي، اسمه (فرهنك نظام) ج4ص142 وهو: «قنداق: محرف غنداغ». ونقل التفسير الآتي عن هذا المعجم في لفظ غنداغ من ج 3 ص 747 ونصه:

  «غنداغ: الخرقة يلف بها الطفل الرضيع، أصل الكلمة في السنكريتية بمعنى اللف».

  ولاحظ الأستاذ الخالصي أن كلمة غنداغ لا تزال مستعملة في اللغة الفارسية الدارجة بمعنى القماط الذي يلف فيه الوليد وقد تلفظ قنداغة أو غنداغة. كما أن العراقيين ما زالو يطلقون على أخمص البندقية كلمة القنداق.

  هذا فيما يتعلق بالقنداق بالقاف وأما الفنداق بالفاء فقد نقل لي الأخ المذكور من المعجم الفارسي (فرهنك نفيسي) قوله عنه في ص 2589 من الجزء الرابع أنه (نامه حساب) وترجمتها ورقة الحساب.

  فيؤخذ من هذه النصوص أن القنداق هو غير الفنداق، وأن الأول أصله الغين وقد حرف إلى القاف وعرب كذلك بالقاف بخلاف الثاني فإنه بالفاء أصلا.

  أما من حيث المعنى فإن الذي يطلق على صحيفة الحساب هو الفنداق بالفاء كما اقتصر عليه معجم فرهنك نفيسي ولم يذكر هذا المعنى لذى القاف هو ولا صاحب الدراري اللامعات. وعليه فإن المجد الفيروزبادي على صواب في ذكره في فصل الفاء من باب القاف بهذا المعنى مقتصرا عليه تبعا للصاغاني صاحب التاج. واعتراض هذا عليه بأن موضعه القاف وأنه هو المشهور غير صحيح.

  ويتأيد هذا بذكر الجواليقي له في الفاء غير متردد كما تردد ابن منظور حين ذكره في الحرفين معا.

  وعلى كل حال فنحن نطلب تفسير لفظ القنداق الذي ورد في تلك العبارات المتعددة من كتاب المدارك بالقاف إفرادا وجمعا. ومعنى ورقة الحساب بعيدة عن المراد به فضلا عن أنها إنما تفسر ذا الفاء وليس هو مطلوبنا.

  ونرى أن ما ورد في تفسير القنداق من أنه القماط واللفافة وقول صاحب معجم (فرهنك نظام) أن أصل الكلمة في السنكرتية بمعنى اللف، يوحى لنا بأنهم كاموا يطلقون اللفظ على الصحيفة التي تلف وتلوى كالأنبوية والجعبة، وأن هذه القناديق التي وجدت في تركة الإمام مالك أو التي وجهت إليه كانت صحفا مكتوبة تارة من وجهين وتارة من وجه واحد وهي ملفوفة كما يلف القماط على الوليد وذلك على مثال ما لا يزال الكثير منا يفعله في الوثائق والخرط ونحوها. وهو من مجاز التشبيه كما لا يخفى.

  إن هذا هو ما وصلت له بعد البحث الدقيق في معنى هذا اللفظ وإذا كان عند أهل الذكر شيء غير هذا فليخرجوه لنا مشكورين.

التقييم

  كثر استعمال هذا اللفظ في الأيام الأخيرة، وخاصة من النقاد المحدثين كثرة ملحوظة تنبئ عن الإصرار على مخالفة القياس به، وعدم الأخذ بتوجيهات علماء النحو والصرف الذين لم يفتؤوا ينبهون على خطأ ذلك الاستعمال، ويبينون أن صوابه هو التقويم بالواو لا بالياء.

  ويظهر أن الأدباء والنقاد من الجيل الجديد وجدوا له جرسا يتلاءم مع ما يدعون إليه من مذاهب جديدة، ودلالة أدق على التجارب التي يستهدفون تقديمها للناس.

  إن التقويم في نظرهم أصبح عملية تختص بتقدير المثمنات وقياس المثليات على ما يفهم من كلامهم، أما الأعمال الأدبية والمذاهب الفكرية فإن وزنها وتحليلها يجب أن يعبر عنه بلفظ آخر يكون أكثر استجابة للبواعث المعنوية والمعايير الفنية، وليس هو إلا التقييم.

  لست بصدد مناقشة هذا الرأي، ولكني أحب أن ألفت النظر إلى نص قديم ورد فيه هذا الاستعمال، ولم يثر كثير اهتمام من الذين تناولوه بالشرح مع أنهم جميعا من أهل العلم الذين لا يخفى عليهم أمره. وهذا النص هو أثر روي في صحيح البخاري عن الزهري في كتاب الإكراه وبالضبط في باب: إذا استكرهت المرأة على الزنا. وهو: «قال الزهري في الأمة البكر، يفترعها الحر، يقيم ذلك الحكم من الأمة العذراء بقدر قيمتها ويجلد».

  وأنا وإن كنت لا أجهل ما قيل في الاستشهاد بالحديث على مسائل النحو واللغة، وأعرف أن لفظ الشاهد يحتمل قراءتين ولعلمها روايتان: يقِيم ويقيِّم فإني أسوق هنا ما كتبه شراح البخاري على هذا اللفظ واستخلص منه النتيجة الطبيعية التي يؤدي إليها.

  فالقسطلاني لم يزد على أن فسر يقيم بيقوم، وابن حجر قال: «ومعنى يقيم يقوم». أما العيني فنص ما كتب: «قوله يقيم، قال الكرماتي ويقيم إما بمعنى يقوم وإما من قامت الأمة مئة دينار إذا أبلغت قيمتها: «وبقية الشراح الذين راجعناهم لم يتكلموا على اللفظ أصلا، فكأنهم مسلمون له، كما أن الآخرين وجهوه ولم يعترضوه.

  – وأزيد على هذا قول الفيومي في المصباح: «قام بالأمر يقوم به قياما فهو قوام وقائم، واستقام الأمر، وهذا قوامه بالفتح والكسر. وتقلب الواو ياء جوازا مع الكسرة أي عماده الذي يقوم به وينتظم. ومنهم من يقتصر على الكسر ومنه قوله تعالى (التي جعل الله لكم قياما)..

  فقد قلبوا الواو ياء مناسبة للكسرة مع أن التصحيح لا ينافيها وهو وارد معها ومع الفتحة.

  – وقال الفيومي أيضا: «وقام المتاع بكذا أي تعدلت قيمته به. والقيمة الثمن الذي يقاوم به المتاع أي يقوم مقامه، والجمع القيم مثل سدرة وسدر، وشيء قيمي نسبة إلى القيمة على لفظها لأنه لا وصف له ينضبط به كالحبوب والحبيوان المعتدل فإنه ينسب إلى صورته وشكله، فيقال مثلي أي له مثل شكلا وصورة من أصل الحلقة»:

  والشاهد منه في قوله نسبة إلى القيمة على لفظها يعني لأنه لو كان نسبة لها على القاعدة النحوية المعروفة لقيل قومي بفتح ثانيه بعد رده إلى أصله الواوي. وليس قوله لأنه لا وصف له تعليلا لهذه النسبة وإنما هو بيان لمعناها بدلبل مقابلته بالمثلى … وهذا اصطلاح فقهي كما لا يخفى، فإذا صح للفقهاء أن يخالفوا قاعدة النسب في قيمي مع مثلي فلا مانع أن يصطلح الأدباء على جعل تقييم بالياء وإن خالف القاعدة لغرض بياني واضح.

  – ثم أضيف إلى ذلك ما جاء في البحر المحيط لأبي حيان على الآية الآنفة الذكر (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما) قال:

  «وقرأ نافع وابن عامر قيما وجمهور السبعة قياما وعبد الله بن عمر قواما بكسر القاف والحسن وعيسى بن عمر قواما بفتحها ورويت عن أبي عمرو وقرئ شاذا قوما فأما قيما فمصدر كالقيام [في الأصل فمقدر كالقيام والقيام ونظن أن ذلك من خطأ الطبع] قاله الكسائي والفراء والأخفش وليس مقصورا من قيام. وقيل هو مقصور منه. قالوا وحذفت الالف كما حذفت في خيم وأصله خيام. أو جمع قيمة كديم جمع ديمة قاله البصريون غير الأخفش ورده أبو علي بأنه وصف به في قوله قيما[أي في قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي] والقيم لا يوصف به، وإنما هو مصدر بمعنى القيام الذي يراد به الثبات والدوام. ورد هذا بأنه لو كان مصدرا لما أعل كما لم يعلوا حولا وعوضا لأنه على غير مثال الفعل لاسيما الثلاثي المجرد وأجيب بأنه تبع فعله في الإعلال لأنه مصدر بمعنى القيام فكما أعل القيام أعل هو. وحكى الأخفش قيما وقوما قال والقياس تصحيح الواو وإنما اعتلت على وجه الشذوذ كقولهم ثيرة وقول بني ضبة طيال في جميع طويل وقول الجميع جياد في جمع جواد، وإذا أعلوا ديما لاعتلال ديمة فإن إعلال المصدر لاعتلال فعله أولى. ألا ترى إلى صحة الجمع مع اعتلال مفرده في معيشه ومعائش ومقامة ومقاوم، ولم يصححوا مصدرا أعلوا فعله».

  ففي هذا الكلام أكثر من سند لا علال تقييم. ولا سيما قوله الأخير ولم يصححوا مصدرا أعلوا فعله. وإن كان ليس على إطلاقه، ولكن يكفي في الاعتماد مجئ قيما بالياء من قام الواوي مصدرا قرئ به في السبع.

  – وأخيرا قال في لسان العرب بعد أن ذكر من أسمائه تعالى القيوم والقيام: وقال الفراء صورة القيوم من الفعل الفيعول وصورة القيام الفيعال وهما جميعا مدح، قال وأهل الفراء في القيم هو من الفعل فعيل أصله قويم وكذلك سيد سويد وجيد جويد بوزن ظريف وكريم. وكان يلزمهم أن يجعلوا الواو ألفا لانفتاح ما قبلها ثم يسقطونها لسكونها وسكون التي بعدها فلما فعلوا ذلك صارت سيد عل فعل، فزادوا ياء على الياء ليكمل بناء الحرف. وقال سبويه: قيم وزنه فيعل وأصله قيوم، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن أبدلوا من الواو ياء وأدغموا فيها الياء التي قبلها فصارتا ياء مشددة. وكذلك قال في سيد وجيد وميت وهين ولين. قال الفراء ليس في أبنية العرب فيعل والحي كان في الأصل حيوا، فلما اجتمعت الياء والواو والسابق ساكن جعلتا ياء مشددة».

  ثم قال في جمع قوم: «والجمع أقوام وأقاوم وأقايم، كلاهما على الحذف. قال أبو صخر الهذلي، أنشده يعقوب:

فإن يعذر القلب العشية في الصبا      فؤادك لا يعذرك فيه الأقاوم

  ويروى الأقايم. وعني بالقلب العقل».

  فهذا الكلام كله يدل على تقارض الواو والياء في هذه المادة تقارضا يكاد يكون اعتباطيا لا يرجع إلى قاعدة، مما يضطر العلماء معه إلى التماس الوجوه والمخارج له، فهلا يسع الذين يقولون تقييم ما وسع أجدادهم هؤلاء؟.

شجب

  جاء في المعجم الوسيط ما يلي: شجب الشيء يشجب شجوبا: هلك، وفلان حزن والغراب شجيبا نعق بالبين وفلانا شجبا أهلكه، ويقال شجب الصيد رماه بسهم فأصابه وأعجزه عن الحراك، وفلانا أحزنه، والشيء فلانا شغله والشيء جذبه، يقال شجب اللجام. وشجبه عن حاجته. وشجب القارورة بالشجاب شدها.. الخ.

  وهذه المعاني التي ذكرها المعجم الوسيط لشجب وما تصرف منه هي بعينها الواردة في القاموس وغيره من معاجم اللغة. ولعلنا نلاحظ أن المعنى الوحيد الذي يستعمل فيه هذا الفعل بكثرة اليوم، لم يرد في المعاجم وهو شجب بمعنى انتقد وندد. يقال شجب الخطة أو السياسة الفلانية يشجبها شجبا أي انتقدها وندد بها وهاجمها وحمل عليها. وهذا كثيرا ما رد في الصحف اليومية معبرا به عن المواقف المضادة التي يقفها مندوبو بعض الدول في المنظمات السياسية من سلوك بعض الساسة والحكومات في دول أخرى. وظاهر أن معنى هلك وأهلك وحزن وأحزن غير موافق للمعنى المراد هنا، اللهم إلا أن يستعار له معنى رمي الصيد الوارد لذلك الفعل، وحينئذ فينبغي النص عليه في المعاجم اللغوية الجديدة، وإلا وجب (شجبه) أي هلاكه فعندناما يغني عنه مما ذكرناه كندد به وهاجمه وما إلى ذلك.

وديان

  لا يكاد الكتاب اليوم يستعملون في جمع واد إلا هذه الصيغة أعني صيغة وديان وهي صيغة لا قياسية ولا واردة عن العرب في جمع هذا المفرد.. فجموعه التي ذكرتها المعاجم ثلاثة هي أوداء وأودية وأوداية، ويمكن أن يزاد عليها أو داه بقلب الهمزة هاء أو داء وهي لغة طيء وصحف بعضهم الجمع الأخير وهو أوداية إلة أوادية وأنشد عليه. وأقطع الأبحر والأوادية، لكن ابن سيده نبه على هذه التصحيف وقال إن صوابه والأوداية بدليل ما قبله وهو قوله: إما تريني رجلا دعكاية… فنحن أولاء نرى أن ليس بين هذه الجموع المنصوصة وديان.

  وأما القياس فقد أشار ابن مالك في الكافية إلى ما يجمع على فعلان بقوله:

  فعلان لاسم كفُعال[نحو غلام وغلمان] وفُعَل[كصرد وصردان]

  وفُعْل[مفتوح الفاء ومضموها كتاج وتيجان وهود وعيدان] الواوي عيناً وفَعَل[كخرب وخربان]

  وفي فَعَال[كغزال وغزلان] وفِعال[كصوار وصيران] قد يرد

  كذا فَعيل[كظليم وظلمان] وفَعول قد وجد[كخروف وخرفان]

  في فاعل[كحائط وحيطان] وفعلة[كنسوة ونسوان] وفِعْل[كقنو وقنوان]

  وفُعْلة[كبركة وبركان] فَعَلة وفَعْل[كقضفة وقضفان][كضيف وضيفان]

  في فَعَلان[نحو كروان وكروان] وفِعِلّ[كضفن وضفنان] قد نقل

  والثاني نادر ولكن احتمل

  وهي ستة عشر وزنا ليس فيها واد كما نرى، فماذا إذن؟

  لاشك أن هذا الجمع غلط، ولعله كان قياسا من قائله الأول على مفردات الوزن الثالث مثل نار ونيران وغار وغيران وتاج وتيجان وجار وجيران ولكن هذه الثلاثية صحيحة اللام بخلاف واد.

  أما سر انتشاره فيرجع فيما أظن إلى الترجمة، لأن المعجم الوحيد الذي أثبته هو معجم الب بيلو الفرنسي العربي، وقد أثبته في هذا المعجم بين قوسين إشارة إلى التحفظ بشأنه، ولكنه في الفرائد الدرية الذي هو النسخة العربية الفرنسية من هذا المعجم حذف القوسين فبقي وديان على قدم المساواة مع الجموع الصحيحة، فاعتمده التراجمة وسار هذه السيرورة التي غطت عل غيره.

تحاشد الناس

  هذا تعبير ورد في المدارك للقاضي عياض عما نقول فيه اليوم تظاهر الناس، وأنا لم أورده هنا إلا لتسجيل الدلالة التاريخية التي مر بها للانتفاع بذلك في المعجم التاريخي للغتنا الضادية الذي ينوي المجمع الللغوي وضعه في المستقبل القريب أعانه الله على ذلك.

  فقد تعرض القاضي رحمه الله لمحنة أحد الفقهاء فقال: إن الوالي ضربه وحبسه، فتحاشد الناس، وكان بعضهم يقع عليه ليقيه بنفسه.. وأخرج إليهم الأجناد ففضوهم فتحاشد هنا قد استعمل في تمام المعنى الذي نستعمل نحن فيه اليوم تظاهر.. وأما فضوهم فيغلب أن نقول بدله فرقوهم. ولكنه مستعمل أيضا.

التكميد

  وهذا لفظ آخر من واد ما قبله.. وقفت عليه في كتاب أجوبة فقهية للقاضي عبد الوهاب ضمن مجموع في المكتبة الوطنية بمدريد يحمل رقم 495 وقد تعرض فيه لضمان الصناع والكماد بالخصوص وأطلق التكميد على ما نسميه اليوم بكى الثياب وهو تعبير إخواننا في المشرق أو تحديدها وهو تعبيرنا في المغرب، وأطلق الكماد على المكونجي، وكنت أحسب أن الكماد فيما أتى من أسماء بعض أهل العلم يرجع إلى الكمد والحزن فإذا به يرجع إلى هذه الصناعة ولذلك سجلت هذه الفائدة، وهي أيضا من الدلالة التاريخية للألفاظ.

انتقاء: ذة. نادية الصغير.

Science

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق