مركز ابن أبي الربيع السبتي للدراسات اللغوية والأدبيةدراسات محكمة

الفَرْقُ بينَ الهَوْنِ والهُونِ

الهُون بضمّ الهاءِ : الذّلُّ والهَوانُ والخِزيُ، وهو ضدّ العِزّ ، وقَد جَمَعَ؛ الشّاعرُ الضّدّيْن في قولِه :

لَك العِزُّ إن مَوْلاكَ عَزَّ و إنْ يَهُنْ /// فأنتَ لَدى بُحبوحةِ الهُونِ كائنُ

والفعلُ منه : هانَ يَهونُ هُنْ ، على وزن فَعَلَ يفعُلُ افْعُلْ.

أمّا الهَوْن بفتح الهاء : فمَعْناه الهُوَيْنا والرّفقُ ، قالَ تعالى: « وعِبادُ الرَّحْمنِ الذينَ يَمْشونَ عَلى الأرْضِ هَوْنًا وإذا خاطَبَهُمُ الجاهِلونَ قالوا سَلامًا » [الفُرقان:63] ، وقال الشّاعرُ :

هَوْنَكُما، لايَرُدُّ الدَّهْرُ ما فاتا /// لا تَهْلِكا أَسَفاً في إثْرِ من ماتا

والفعلُ منه هان يَهِينُ هِنْ، إِذا صار هَيِّناً لَيِّناً ، والفرقُ بين الفعلَيْن أنّ الأوّل واويّ العَيْن والثّاني يائيّ العَيْن . أمّا المَثَلُ المَشهورُ: إذا عَزَّ أخوكَ فهُنْ، فإذا الْتَمسْنا مَورِدَه عندَ الميداني في مَجْمَع الأمثالِ ، فهمْنا لماذا يَسوغُ أن تُضمّ هاءُ فعل الأمرِ: هُنْ ؛ إذ إنّ مَعْنى السياقِ يسوِّغُ تحمّلَ ما يُشبه الهَوانَ في كَنَفِ الإخوانِ :

« إذا عز أخوك فهُنْ: قال أبو عبيد: معناه مُياسَرَتُكَ صَديقَكَ ليست بضيم يَركبُكَ منه فتَدْخُلَكَ الحَميّةُ به، إنّما هو حُسْنُ خُلُقٍ و تَفضُّلٌ؛ فإذا عاسَرَكَ فياسِرْه. وكان المُفضَّلُ يقولُ إنّ المَثلَ لهُذيلِ بنِ هُبَيرةَ التّغلبيِّ وكانَ أغارَ على بَني ضَبّةَ فغَنمَ. فَاقْبلْ بالغَنائِم. فقالَ له أصحابُه: اقسمْها بَينَنا. فقالَ: إنّي أخافُ إنْ تَشاغَلتُم بالاقتسامِ أنْ يُدرِكَكُم الطّلبُ. فأبوا. فعندَها قال: إذا عَزّ أخوك فَهُنْ»

وهذا المَعْنى الذي ذهَبَ إليه الميدانيُّ هو الذي فَهمَه المبرِّدُ في الكامل، قال عن المَثَل «وإنّما هذا فيمَن لا يُخافُ اسْتذْلالُه، بأن يُخرِجَ صاحِبَه عندَ مُساهَلَتِه إلى بابِ الذّلّ، فأمّا مَن كانَ كذلكَ فمُعاسَرَتُه أحْمَدُ. ومُدافَعتُه أمْدحُ» . ما أجمَلَ كَلام المبرّدِ وشرحَه للمَثَل وتَعليلَه للذّلّ في هذا الموضعِ دونَ سواه وقَد وَرَدَ من الأمثالِ ما هو قَريبٌ ، نحو قولِهِم: بالمداراة تُساس الأمور. ومَن حَسُنَتْ مُداراتُه كانَ في ذمّة الحَمْد والسَّلامة وحَكى ياقوتُ الحَمويُّ غيرَ ذلِكَ في مُعجَم الأدباءِ حَكى عن الأصمعيّ أنّه أضبَطُ للألفاظِ: « الأصمعي أضبط لما يُحكى، وأوثقُ فيما يروى، وقلت: إذا عَزّ أخوكَ فَهِنْ، والكلام فهِنْ، [بكسر الهاء، من الهَوْن] وهو من هان يهين إذا لان، ومنه قيلَ هَيّنٌ لَيّن، لأنَّ هُنْ [بالضم] من هان يَهونُ من الهوان، والعَربُ لا تأمرُ بذلك، ولا معنى لهذا الكلام؛ يصحُّ لو قالته العرب، ومَعنى عَزَّ ليس من العزّةِ التي هي المَنَعَةُ والقُدرة، وإنما هو من قولك عَزّ الشيء إذا اشتَدَّ، ومعنى الكلام: إذا صَعُبَ أخوك واشتدَّ فذُلَّ من الذّلّ له، ولا مَعنى للذلِّ ههنا، كما تقول إذا صعب أخوك فلِنْ له وهذا تعليلٌ له قيمتُه؛ لأنّه يَرْجعُ أصلَ المسألَةِ [أي مسألة كسر الهاء: هِنْ] إلى السّماعِ: لم يُسمعْ عن العربِ أنّها

تأمرُ بذلّ وهذانِ وجهانِ مَقْبولانِ ، شريطةَ أن يُستصْحَبَ لكلّ وجهٍ من وجهَي اللّفظِ : العلَّةُ المُناسبةُ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق