وحدة الإحياءدراسات عامة

الفكر المقاصدي المعاصر من أشكال التمجيد إلى إشكال التجديد

يشهد الموروث الثقافي لخزائن الفكر المقاصدي على تجدّره في تاريخ الإسلام، خلافاً لما يظنه البعض، تجدّر الإسلام في أتباعه، وإنما اختلفت مراتب الظهور والضمور باختلاف العصور سَيْرًا على سُنَّةِ سائر العلوم، فلم يظهر (الفكر المقاصدي) علما مستقلا بذاته، مميّزا بمناهجه، مشهورا برجالاته ودواوينه، إلا بعد مروره بمراحل عدة، بدءًا بالإرهاصات الرشيدة للوحي الإلهي، مرورا بمرحلتي التأسيس النظري والتفعيل العملي، إلى أن بلغ بعدَ ذلك مبلغًا من النضج والكمال- النِّّسبي، مع زمرة من الأئمة الكبار في هذا الشأن، يتقدّمهم إمامهم  أبو إسحاق الشاطبي (توفي 790ﻫ)، ذلك الرجل الذي نأى بكتاباته في علم المقاصد عن سبيل المحاكاة والمتابعة، وسلك بمباحثها مسالك دقيقة من النقد والمراجعة، وارتقى بها مراقي صعبة من الإبداع والتجديد، إن على مستوى الخطاب، أو التمثيل، أو التنزيل.

ثم تغيّرت الأحوال، وَوََلَّت الأمور القهقرى، وأصابَ الفكرَ المقاصدي ما أصاب سائر علوم الشريعة من يبس وفتور واجترار، فلم يكتب مَنْ جاء بعد عصر الشاطبي مثلَ ما كتبَ الشاطبي قطّ!!

ثم شاء الله، عزّ وجلّ، أن يدخل (علم المقاصد) منعطفا جديدا غاية في الأهمية، إنه منعطف (الإحياء والاستئناف) إحياء الأفكار، واستئناف الجهود، وهي المسؤولية التي انبرى لحمل أمانتها ثلّةٌ من العلماء المهرة في هذا الفن، منهم الطاهر ابن عاشور، وعلال الفاسي، وعبد الله دراز، ورشيد رضا… وغيرهم من الذين باعدت بينهم الأقطار، وجمعتهم وحدة وجهة الأنظار، فقد كان طموح هؤلاء الروّاد، في هذه المرحلة، الرجوع ببعض الوفاء لعلم المقاصد ورجالاته، فسعوا جاهدين في كتاباتهم ودروسهم إلى استرداد قيمة (علم المقاصد) المسلوبة، وإقناع العالمين بضرورة إنزاله مكانته المنشودة.

وما دام الأمر كذلك، فإن حقّ (علم المقاصد) علينا في هذا العصر أن نعمّق البحث في قضاياه بما يخدمه ويفعّله، ويجعله متربِّعًا على سُدَّة الفقه، لا أن نجعل منه مادّة للتّرف الفكري ومائدة للتفكّه العقلي كما هو حاصل في عدد، غير قليل، من البحوث والرسائل المكتوبة في مجال (الدراسات المقاصدية).

وبناء على ذلك فإن هذه المشاركة، في ندوتكم المباركة، تروم تسليط الضوء على مرحلة ما بعد الإمام الشاطبي، وبالضبط مرحلة (الإحياء والاستئناف) تلك الحلقة الهامة من حلقات الإبداع المقاصدي التي لا تقل أهمية عن المراحل السالفة؛ لأنها امتداد لها، وبناء على أساطينها، واستمرار طبيعي لما رسم الأولون في إبَّانها من معالم النهج المقاصدي الرشيد.

إن الأوائل من رجالات علم المقاصد وإن كان لهم فضل السبق وصعوبة البدء، فإن للمتأخرين فضائل التتميم والتكميل والتجميل، مع ما تختزله تلكم الكلمات من مسؤوليات المسايرة والتفعيل، وما تقتضيه من نباهة  لتلافي مثبطات ومزالق التنزيل.

 وأهم من ذلك كلّه أن نُفَعِّل الحوار حول ُسُبل جعل المرحلة الراهنة محطّة تفكّر في مكنونات التراث المقاصدي الزاخر، وكيف نعيد قراءته قراءة واعية ناقدة، تَتَقَصَّدُ بالأساس الارتقاء بالفكر المقاصدي من خطابات التبجيل والتمجيد، وآفات التجريد والتعقيد، وأساليب التكرار والاجترار، إلى حيّز التجديد والتقريب، وسبل التفعيل والتنزيل.

إن الحديث عن (تجديد الخطاب المقاصدي) هي دعوة مفتوحة إلى إعادة النظر في هيكلة الفكر المقاصدي، التراثي منه والحديث، من جميع الجهات، بدءًا بالتصوّرات النظرية، ومرورا بالضوابط المنهجية، وانتهاءً بالتنزيلات العملية.

أهمية التجديد المقاصدي ومجالاته

ننبه أولا إلى أن الدعوة إلى تجديد الفكر المقاصدي اليوم لا تعني أبدا إبداع دراسات جديدة مستقلة عن إنتاجات المراحل الماضية؛ لتعذر ذلك أولا، ولأن مبدأ نشأة العلوم وتطورها يأبى ذلك ثانيا، ثم لأن (الموروث المقاصدي) يمثل لأهل الزمن المعاصر مادة بحث من جهة، ومصدر إلهام وسبب إعجاب من جهة ثانية، بل وفي كثير من الأحيان يجدون فيه الأصل العتيد والموجّه السّديد لتقويم وتوجيه حركة الاجتهاد المقاصدي، وليس ذلك غريبا بالنظر إلى ما تميّزت به إنجازات الرعيل الأول في البحث المقاصدي من عمق في الفِكَرِ، وبُعد في النظر، وجودة في العبر…

ومن أراد درْك هذه الحقيقة فليقرأ كتبهم، وليفتش في رسائلهم، وليتأمل بنات أفكارهم، فإنه يجد فيها من الدقة ما يحيّر، ومن الإبداع ما يبهر، سواء على مستوى التعريفات الاصطلاحية، أو التقسيمات الفنية، أو الأبعاد الدلالية، أو الخطى المنهجية، أو التنزيلات الفقهية…

ومع ما مضى ذكره، فإن قانون اختلاف أحوال العصور يقضي بضرورة التجديد، وواقع الحال ينذر بعواقب التقليد؛ لأن هذه الحقائق العيان التي ذكرنا تتبعها تساؤلات كثيرة، تحتاج إلى التذاكر والمدارسة، أهمها:

ـ هل يلزم الباحثين والمفكرين المعاصرين التقيّد بالتراث المقاصدي الموروث برسومه ومناهجه وتمثّلاته، وحتى تعريفاته وتقسيماته؟

ـ أليس في ذلك مجالا خصبا للإبداع والتجديد؟ فلم التكرار والاجترار في الخطاب المقاصدي المعاصر!

ـ ألم يخالف المحقّقون، من أهل المقاصد، بعضُهم بعضًا في كثير من قضايا ومتعلقات علم المقاصد؟

ـ كيف يمكن الانتقال بالدراسات المصطلحية من المسالك الموغلة في صياغة الحدود، وإحصاء الألفاظ والاشتقاقات، وتأصيل التسميّات والإطلاقات… إلى صياغة سُبُلٍ التفعيل، ومدارسة مناهج التنزيل؟

ـ كيف نرقى بقواعد (الفكر المقاصدي) من دوائر الظنية إلى مواقع القطعية والحاكمية؟

ـ ألم يحن وقتُ إقحام قواعد ونتائج العلوم الحديثة الموثوقة ضمن مسالك دَرْك مقاصد الخطاب الشرعي؟

ـ أليس علماء المقاصد أولى الناس بصياغة مشاريع النهوض الحضاري والرقي الأخلاقي والاجتماعي؟ فأين الفكر المقاصدي الرّشيد، اليوم، من مشكلات الشغل، وملمّات الاقتصاد، وفساد السياسة… وغير ذلك من المجالات الحيوية التطبيقية.

ـ أليست هذه الجوانب العملية هي الشَّاهِدُ المُصَدَّقُ على أهليّة (علماء المقاصد) في الشهود الحضاري على العالمين؟

من معالم التجديد في الفكر المقاصدي المعاصر: الارتقاء بالفكر المقاصدي من النظر الجزئي الضيق إلى التبصّر المصلحي الواسع

إن من أقوى معضدّات النظر المقاصدي تلك المبادئ العامة والأصول الكلية التي تزخر بها شريعة الإسلام، فالمتأمل في حقيقة الأحكام التفصيلية بأعيانها وأسمائها يجدها لا تفي بعشر معشار الشريعة كما يقال؛ لأن النصوص متناهية والحوادث لا متناهية، ومحال أن يضبط المتناهي اللامتناهي، إلا إذا كان الأول متناهي الألفاظ والعبارات دون المعاني والدلالات، وذلك هو شأن نصوص شريعة الإسلام.

ولئن كان الخليفة عمر بن عبد العزيز (توفي 101ﻫ) قد تحدَّث عن أهل زمانه فقال: “تَحْدُثُ للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من فجور”، فإن هذه المقولة تصير أكثر اتساعا في هذا الزمان بحيث يصحّ أن يقال: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من خُيُوٍر وفُجُوٍر؛ وبيان ذلك أن التغيّرات الكبيرة التي طرأت في شتى مجالات الحياة أحوجت الإنسان إلى إحداث كثير من أنواع المعاملات الحديثة، كلها تدور بين النفع والضرر، كأشكال المعاملات المالية الحديثة (أبناك ومصاريف وبورصات ووكالات تحويل الأموال…) وأنواع البيوع المستحدثة (كالبيع بالإيجار) وأساليب الإشهار لتسريق السلع والخدمات، وعقود الإذعان بصورها الخدّاعة، وسائل الإثبات المعاصرة، والأسفار الجوية وما يترتب عليها من أحكام، وكثير من طرق الاستشفاء المعاصرة، وطرائق التأمين المبتكرة… وغير ذلك من أساليب العيش المستحدثة.

والذي يسعف الشريعة الإسلامية على تغطية هذه النوازل الجديدة في مختلف مجالاتها، هو طبيعة نصوصها الشرعية من حيث الدلالة، فإنها تتسم بفيض معانيها، وسعة دلالاتها، يقول أستاذنا محمد الروكي: “وإنما كانت هذه الشريعة المرعية صالحة لكل زمان ومكان، مستوعبة لكل التطورات والتغيرات… لما تضمنه أصلها الأول “القرآن” من قواعد وكليات وأصول، تخضع لها الفروع والجزئيات، وتنضبط بها الوقائع والحوادث… ولما تضمنه أصلها الثاني “السنة” من جوامع الكلم الذي أوتيه صلى الله عليه وسلم[1].”

وإذا كانت النصوص الجزئية تنطق بمراعاة مصالح بعينها، وتنفّر من مفاسد بذاتها، فإن النصوص الكلية تنطق بمصالح الخلق كلّها، وتنأى عن مفاسدها كلها؛ لأن الحكمة الإلهية اقتضت تجرّدها وانفكاكها عن قيود الزمان والمكان والأشخاص والأحوال، فينتج عن هذه الحقيقة المعاينة في القرآن والسنة قانون كلي يقضي بضرورة “أن تكون هذه الكليات مقدمة في الترتيب والاعتبار[2].”

ومما يدل على وجوب مراعاة هذا الترتيب كونُ قواعد الشريعة الإيمانية ومبادئها العقدية وأصولها التشريعية كانت أول ما أنزل من القرآن بمكة، ثم جاءت حقبة التفصيل والتجزيء والبيان بالمدينة، ولم يخرج عن هذه القاعدة إلا النزر القليل، على أنك لو تأملت هذا القليل لوجدته أصلا في ذاته لكثير من الفروع والجزئيات كما نبّه على ذلك علماء الأصول، والمستفاد من ذلك: عدم إمكان خلو واقعة عن حكم الله تعالى، إن أبقيّت الشريعة على نظامها، وهذه بعض شهادات أهل العلم على ذلك:

يقول الشافعي (توفي 204ﻫ) بلسان جزم: “فليست تنزل بأحد من دين الله نازلة إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها[3].” وقال أبو المعالي الجويني (توفي 478ﻫ): “ونحن نعلم قطعا أن الوقائع التي يتوقع وقوعها لا نهاية لها، والرأي المبتوت المقطوع به عندنا أنه لا تخلو واقعة عن حكم الله تعالى متلقى من قاعدة الشرع[4].” وقال أيضا: “لو انحصرت مآخذ الأحكام في المنصوصات والمعاني المستثارة منها لما اتسع باب الاجتهاد، فإن المنصوصات ومعانيها المعزوة إليها لا تقع من متسع الشريعة غرفة من بحر، ولو لم يتمسك الماضون بمعان في وقائع لم يعهدوا أمثالها، لكان وقوفهم عن الحكم يزيد عن جريانهم…[5].”

ويقول أبو حامد الغزالي (توفي 505ﻫ):” وقد جوّزه القاضي حتى كان يوجبه، وقال: المآخذ محصورة، والوقائع لا نهاية لها، فلا تستوي فيها مسالك محصورة… والمختار عندنا إحالة ذلك وقوعا في الشرع لا جوازا في العقل، لعلمنا بأن الصحابة على طول الأعصار ما انحجزوا عن واقعة، وما اعتقدوا خلوها عن حكم الله، بل كانوا يهجمون عليها هجوم من لا يرى لها حصرا[6].”

وتتجلى أهمية استصحاب الفقيه للنصوص الشرعية العامة ومبادئها الكبرى عندما تتوارد عليه القضايا والنوازل الفقهية التي لم ترد فيها نصوص شرعية خاصة، فتجد العديد من الفقهاء يتكلّف في تأويل بعض النصوص الشرعية لإيجاد العلاقات بينها وبين ما يُعْرَضُ عليه من تلك النوازل، ويتعسّف أحيانا في استحضار الأشباه والنظائر القديمة للقياس عليها، وهم بذلك يرهقون أنفسهم دون أن يقنعوا كثيرا من سائليهم.

 وقد نبّه إلى هذا الأستاذ أحمد الريسوني قائلا: “ونجد كثيرا من السادة الفقهاء حين بحثهم لحكم من الأحكام الفقهية يجمعون له كل ما لديهم من نصوص جزئية ذات الصلة، ومن أقوال السلف وآراء الخلف، والأقيسة، والتخريجات، والتشبيهات، وقد يكون منها ما هو غير صالح، أو غير ملائم، أو ضعيف الصلة بالحالة أو النازلة موضوع البحث، ولكنهم قليلا ما يحتكمون إلى عمومات الشريعة وكلياتها وقواعدها ومقاصدها، وقلما يجعلونها حاكمة[7].”

وإذا كان هذا يصدر عن بعض الذين يُرْجَى منهم إنارةُ دَرْبِ الاجتهاد وتذليل سبله، فما بالك بالعوام، فإنك إن ولّيت وجهك شطرهم رأيت وسمعت العجب العجاب؛ “فترى فريقاً ممن يستحق وصف الأميّة في الشريعة يأخذ ببعض جزئياتها يهدم به كلياتها حتى يصير منها إلى ما ظهر له ببادئ الرأي من غير إحاطة بمقاصد الشارع[8].”

والصواب، والله أعلم، أن الفقهاء الحذاق لا تعوزهم النصوص العامة والأصول الكبرى لهذه الشريعة الكاملة الخاتمة عن الحكم في مسألة من المسائل المستحدثة قيد أنملة، بل إن الأدلة الكلية الإجمالية العامة قد تكون دلالتها على الأحكام أكثر قطعا، وأرجح اعتبارا من تلك الجزئية والتفصيلية والخاصة[9]، وفضل الشاطبي (توفي 790ﻫ) في التنبيه على هذه المعاني مشهود، فهو الذي “نظر للفروع من خلال الأصول، وعمل على استقراء الكليات الشرعية والعقلية متخذا منها أصولا لمعرفة المقاصد[10].” ومن خلال ذلك يؤكد الشاطبي على أن قاعدة مراعاة التفاوت بين الكليات والجزئيات “هي في الشريعة بالغة مبلغ القطع لمن استقرأ الشريعة في مواردها ومصادرها[11].”

وتبعا لذلك يقرر الشاطبي أن “الكلي إذا عارضه الجزئي فلا أثر للجزئي[12].” وأن “المكمل إذا عاد على الأصل بالنقص سقط اعتباره[13].”

وكم هو جميل ذلك المنظور الذي أطلّ به الدكتور طه جابر العلواني على بنية الفكر المقاصدي الحديث، فَلِحُسْنِ بلورة الفكر المقاصدي من حيث المنطلقات والغايات ينبغي الانطلاق عنده، من مبادئ “العهد، والاستخلاف، والأمانة، والابتلاء، ثم التسخير”؛ لأنها جميعا تدفع باتجاه صياغة الكليات الناظمة للجزئيات، وبالتالي فهي تمثل المقاصد العليا التي ما استخلف الإنسان إلا لتحقيقها، وهي ” التوحيد والتزكية والعمران[14].”

وهذه الأصول الشرعية الكلية منها ما هو آية، ومنها ما هو حديث، ومنها ما هو جزء منهما، ومنها ما هو متألف من مجموع نصوص شرعية، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: قوله سبحانه وتعالى: ﴿خُذِ الْعَفْوَ، وَامُرْ بِالْعُرْفِ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ﴾ (الأعراف: 199).

فقد تضمّنت هذه الآية قواعد التشريع في المأمورات والمنهيات، وفيها كل أصول الأخلاق، يقول علال الفاسي (توفي 1394ﻫ): “هذه الآية تجمع أصولا كلية لتلك القواعد الشرعية، والأحكام العملية، والفضائل النفسية… وقال جعفر الصادق: ليس في القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق من هذه الآية[15].”

ـ قوله سبحانه وتعالى: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ (الزلزلة: 8-9).

يقول أحمد الريسوني: “ولو لم يكن في القرآن الكريم غير قوله ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه. وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه﴾ لكفت؛ لأن فيها جماع الترغيب في كل خير وبر، وجماع الترهيب من شر وضر.” [16]

ـ  قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ، إِلاَّ أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ، وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمُ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً﴾ (النساء: 29).

 ـ قوله تعالى: ﴿إنَّ اللَّهَ يَامُرُ بِالْعَدْلِ وَالاِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ (النحل: 90) وغير هذا من النصوص الشرعية كثير.

تنبيهات

عند الحديث عن علاقة الكلي بالجزئي في نوازل الفقه الإسلامي يجب توجيه ذلك بأمور هامة، منها:

الأمر الأول: أن الجزئيات  ليست نوعا واحدا، بل على نوعين:

ـ النوع الأول؛ نوع استقل الشرع ببيانه وتفصيله، وهذا ليس لنا إلا أن نكون فيه تبع، ويشمل هذا القسم كل الأحكام المبينة في القرآن والسنة، ككثير من أحكام الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج، والعمرة، والجهاد، والحدود، والبيوع، والأنكحة، والمواريث… وغيرها، قال الشاطبي (توفي 790ﻫ): “فقد يعتبر الشارع من ذلك ما لا تدركه العقول إلا بالنص عليه، وهو أكثر ما دلت عليه الشريعة في الجزئيات؛ لأن العقلاء في الفترات قد كانوا يحافظون على تلك الأشياء بمقتضى أنظار عقولهم، لكن على وجه لم يهتدوا به إلى العدل في الخلق والمناصفة بينهم، بل كان مع ذلك الهَرْج واقعا…[17]” ولأجل دفع ذلك أو تقويمه تولى الله سبحانه بيان هذه الأحكام، وغيرها، ليلا تكون عقول الناس عرضة للاختلاف في فهمها، والتباين في تقدير أحوالها، ثم التنازع أحكامها وهيآت إقامتها.

ـ النوع الثاني؛ ما سكت الشرع عنه، وأوكل لأهل العلم البحث في أحواله لاستنباط أحكامه، وذلك بأن يردّوه إلى وجوه المصالح المعتبرة في الشرع، سواء كانت أعيانا تشبهها، أو أصولا تشملها، أو مبادئ عامة كلية مطلقة تحكمها، والمعهود من تصرفات الشارع أنه “لا يطبق المبادئ العامة تطبيقا آليا، وإنما يطبقها ليحقق بها نفعا أو يدفع بها ضررا[18].”

الأمر الثاني: أن الأصول والكليات مراتب وأنواع

 فأما من حيث مراتبها ففيها الأعم والأشمل، وفيها الأولى والأعلى، وفيها ما دون ذلك من الرتب[19]. وأما من حيث أنواعها فقد قسّمها أحمد الريسوني تقسيما فريدا نافعا، فجعلها، على سبيل التقريب والتغليب، أربعة أصناف هي:

الكليات العقدية؛ وهي الأصول الاعتقادية الإيمانية الكبرى التي تمثل المرتكزات الأولية للدين.

الكليات المقاصدية؛ وهي المعاني الأولية والغايات الأساسية الجامعة التي لأجلها خلقت الخلائق ووضعت الشرائع والتكاليف، وعلى أساسها كانت الحياة والموت والبعث والنشور.

الكليات الخلقية؛ إذ الأخلاق بطبيعتها قضايا كلية.

الكليات التشريعية؛ وهي المبادئ والقواعد المتصلة اتصالا مباشرا بتفريع الأحكام العملية[20].

الأمر الثالث: أن علاقة الكلي بالجزئي في نظم الأحكام الشرعية ليست مطّردة

 فلا يفهم من قول الشاطبي مثلا: “إذا تعارض أمر كلي وأمر جزئي فالكلي مقدم؛ لأن الجزئي يقتضي مصلحة جزئية، والكلي يقتضي مصلحة كلية، ولا ينخرم نظام في العالم بانخرام المصلحة الجزئية، بخلاف ما إذا قدّم اعتبار المصلحة الجزئية، فإن المصلحة الكلية ينخرم نظام كليتها[21]“، أنّ الجزئيات لا يؤبه بها، ولا يلتفت إليها، بل لها حقّها ونصيبها من الاعتبار والإعمال، وقد نبّه الشاطبي نفسه على ذلك في موضع آخر فقال:”بل الجزئي إذا كان مستثنى من كلي فهو معتبر في نفسه لأنه من باب التخصيص للعموم، أو من باب التقييد للإطلاق[22].”

لتكون القاعدة الناظمة لهذه العلاقة هي ما قرّره الشاطبي بعد ذلك قائلا: “وكما أن من أخذ بالجزئي معرضا عن كليه فهو مخطئ، كذلك من أخذ بالكلي معرضا عن جزئيه.”

الأمر الرابع: من المجازفة القول بقلة آيات الأحكام “الجزئية والكلية[23]

إن القول بقلّة عدد آيات الأحكام، أو حصرها في عدد معلوم قد جرّب أقوام فعله، وأفسد آخرون تأويله، وكادوا، بسببه، يَسِمُون الشريعة الكاملة بالنقصان وهي عن ذلك متعالية؛ فقد عدّها الغزالي (توفي 505ﻫ) في المستصفى فقال: “وهو مقدار خمسمائة آية[24]” ووافقه على ذلك ابن العربي (توفي 463ﻫ) والفخر الرازي (توفي 606ﻫ) وابن قدامة المقدسي (توفي 620ﻫ) وشهاب الدين القرافي (توفي 684ﻫ) وغيرهم[25].

والحقّ أن الأمر ليس كذلك، فإن الفقيه الكَيّس الفطن الحذق يستخلص من آيات الوعظ والأخبار والقصص والأمثال، وغيرها مما لم يُسَقْ للأحكام بالأصالة، الكثير من الأحكام، يقول نجم الدين الطوفي (توفي 716ﻫ): “قلّ أن يوجد في القرآن آية لا يستنبط منها شيء من الأحكام[26].” وما قيل عن القرآن العظيم، هاهنا، يصحّ قوله عن السنة المشرفة كذلك.

وقال الشوكاني (توفي 1250ﻫ): “من له فهم صحيح وتقدير كامل يستخرج الأحكام من الآيات الواردة لمجرد القصص والأمثال… ولعلهم قصدوا بذلك الآيات الدالة على الأحكام دلالة أولية بالذات لا بطريق التضمن والالتزام[27].”

نهج الأسلوب التشاوري بدل أحادية الاجتهاد

لا شك أن العمل المؤسساتي، والنهج التشاوري، صار من شروط نهضة الاجتهاد المقاصدي المعاصر، لذلك نعدّه المطلب الأول لتنشيط حركة الاجتهاد وتطويرها، وسبيل التجاوب مع طموح الشعوب وآمالها، والإجابة عن همومها ومشكلاتها. والحق أن من المسلمات الفكرية في قضايا (الاجتهاد المقاصدي المعاصر) أن الغفلة أقرب إلى الفرد منه إلى الجماعة؛ ويد الله تعالى مع الجماعة، وبَرَكَتُهُ مُحِيطَةٌ بهم، ومقاصدُ تكاليفه مُمَهَّدة لهم، لأن الله تعالى عَصَمهم مِن يجتمعوا على ضلال.

وقِبلة هذا النوع من الاجتهاد يجب أن تكون تحقيق التنمية المستدامة في جميع مجالات الحياة: كرامة الإنسان، ونهضة العمران، ونظافة السياسة، وقوة الاقتصاد، وجودة البيئة… وغيرها، وأَفْيَدُ ما فيه أنه يقوم على مبدَأَي توزيع المهام، واحترام التخصصّات، وقديما قيل: “لغة الشعر لا تصلح لدار القضاء.” ولذلك فإننا نؤكد على أن من مستلزمات العمل الجماعي التشاوري التزام أدب الاختلاف، فإن غابت هذه الآداب حَضَرَتْ أُمُورٌ شرٌّ كُلُّها، منها: وضع حركة الاجتهاد في تعطيل، وفتح المجال لذوي الأهواء والأباطيل، وجعل العوام في فوضى وتضليل.

وينبني على هذا الأصل وجوب التزام الجهات الرسمية بتمكين أهل الاجتهاد المقاصدي (المُخْلِصِينَ المُتَخَصِّصِينَ) من التعاون والتشاور في درْك مقاصد الشارع، تحت شعار ﴿وتعاونوا على البرّ والتقوى، ولا تعاونوا على الاِثم والعدوان﴾ (المائدة: 3) وهو الذي لا مناص له من غير المجامع العلمية والفقهية السديدة، على أن ” يضمّ هذا المجمع من كل قطر إسلامي أشهر فقهائه الراسخين ممن جمعوا بين العلم الشرعي، والاستنارة الزمنية، وصلاح السيرة والتقوى، وينضمّ إلى هؤلاء علماء مسلمون موثوقون في دينهم من مختلف الاختصاصات الزمنية اللازمة في شؤون الاقتصاد والاجتماع والقانون والطب ونحو ذلك، ليكونوا بمثابة خبراء يعتمد الفقهاء رأيهم في الاختصاصات العلمية غير الفقهية؛ وذلك لكي تكون الأحكام الفقهية التي تصدر عن المجمع مبنية على فهم وإدراك لواقع الحال في كل موضوع ومسألة[28].”

وما أَدَقَّ ما قاله مصطفى أحمد الزرقاء: “لقد كان الاجتهاد الفردي ضرورة في الماضي، وهو اليوم ضرر كبير[29].” ويشهد لهذه الضرورة واقعُ العصر ومنطقُ العقل على السواء؛ ذلك أن أُحَادُيَّةُ التفكير لم يَعُدْ بإمكانها اليوم، قطعاً، الإحاطة بما يجدّ في دنيا الناس من وقائع ومعارف في شتى مجالات الحياة، فما بالك الإحاطة بخواصّ تلك الوقائع ودقائق تلك العلوم والمعارف!!، هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن برهان العقل القاطع يقضي باستحالة استقلال الفرد الواحد بمعرف العصر مهما كان مبلغ علمه، ومستوى ذكائه، وجودة مناهجه… وبهذا التصور يصير الاجتهادي المقاصدي المنظم، اليوم، أمرًا لازمًا، فتشمله قاعدة: “المقدور عليه الذي لا يتم الواجب المطلق إلا به واجب[30].”

فقد يبذل المجتهدُ قُصَارَى جُهْدِهِ في الإحاطة بمتعلقات قضيةٍ اجتماعيةٍ، مثلا، فيدركُ بعض جوانبها ويغفل عن البعض الآخر، وقد يتوفّق في دَرْك جميع جوانبها الاجتماعية لكنه يغفل عن بعض جذورها التاريخية، أو آثارها النفسية، أو انعكاساتها الاقتصادية فتتكون فتواه مخالفة لقصد الشارع فيها، بل قد لا يطّلع المجتهد على بعض النصوص الشرعية ذات الصلة بالموضوع فيحكم بخلافها، وقد يطلع على ذلك النص الشرعي ثم ينساه، وقد يذكره ساعة التنزيل ولا يحسن تأويله، وقد يَحْضُرُهُ النصُّ ويُحسنُ فهمه لكن يفوته العلم بكونه منسوخا، أو مُخَصَّّصًا، أو مقيَّدا، أو مستثنى من قاعدة عامّة… أو نحو ذلك مما هو معلوم في أصول الفقه. إنها العوارض البشرية التي تحول دون كمال العمل الإنساني[31]، “سنة الله تعالى في الذين خلوا من قبل؛ ﴿وخلق الاِنسان ضعيفا﴾ (النساء: 28)

ومن شعر بشار بن برد:

ومن ذا الذي تُرْضَى سَجَايَاهُ كُلُّها   ***  كفى بالمرء نُبْلاً أَنْ تُعَدَّ مَعَايِبُهُ

نماذج من الاجتهاد الفردي غير الموفّق

حمل قواعد العلوم المختلفة بعضها على بعض من غير مناسبة

ومن ذلك ما حكاه الشاطبي (توفي 790ﻫ) قائلا: “يحكى عن الفرّاء النحوي أنه قال: من برع في علم واحد سهل عليه كل علم. فقال له محمد بن الحسن القاضي ، وكان حاضرا في مجلسه ذلك، وكان ابن خالة الفراء، فأنت قد برعت في علمك، فخذ مسألة أسألك عنها من غير علمك! ما تقول فيمن سها في صلاته، ثم سجد لسهوه فسها في سجوده أيضا؟ قال الفراء: لا شيء عليه. قال: وكيف؟ قال: لأن التصغير عندنا لا يصغر، فكذلك السهو في سجود السهو لا يسجد له؛ لأنه بمنزلة تصغير التصغير، فالسجود للسهو هو جبر للصلاة، والجبر لا يجبر كما أن التصغير لا يصغر. فقال القاضي: ما حسبت أن النساء يلدن مثلك[32].”

والشاهد أن الفراء، وهو ممن برع في فن النحو، كان الأليق به التحري، والاستعانة بأهل التخصص من الفقهاء، لا أن يجترئ الإجابة عن شيء من دقائق علم الفقه، لذلك لا يعتبر جوابه، وإن أصاب عَرَضًا، أبدا صوابا، ولأجل هذا المعنى ردّ عليه الشاطبي بقوله:  فأنت ترى ما في الجمع بين التصغير والسهو في الصلاة من الضّعف؛ إذ لا يجمعهما في المعنى أصل حقيقي فيعتبر أحدهما بالآخر[33].”

تنمية ملكة النقد المقاصدي القائم على الموضوعية والإنصاف

إن العلماء العظام والأساتذة الكبار هم الذين يربّون في نفوس طلاّبهم روح الملاحظة العلمية والمراجعة النقدية، والقصد من ذلك بلوغ الحق وإدراك الصواب أيًّا كان قائله، لا كمن يروّج للأخبار الزائفة والأحاديث الموضوعة الداعية إلى التحجّر الفكري، والتقاعس الذهني، كمثل ما ينسبونه إلى النبي الأكرم، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “اتبعوا ولا تبتدعوا.” فيفهمون الناس أن الإسلام يدعوا إلى الجمود العقلي[34]. ومنهم من ينسب إلى رسول الله ، صلى الله عليه وسلم، أنه قال: “عليكم بدين العجائز، فإنه من أسنى الجوائز[35].” وهو حديث موضوع لا يصح سندا ولا متنا.

وليكن المجتهد من أهل المقاصد مُقْتَدِيًّا بصاحبِ مالك بن أنس (توفي 179ﻫ) لا بصاحب ابن عرفة[36] (توفي803ﻫ)، صاحب مالك بن أنس الذي قال: “وإن قالها مالك فلسنا له بممالك[37]“، أما صاحب ابن عرفة فهو من قال: “لم أخالفه في حياته، فكيف أخالفه بعد مماته[38].”

والتقليد الذي هو آفة الحركة الاجتهادية عموما، ومعيق النهضة المقاصدية خصوصا، قيل فيه تعريفات منها: قبول الأقوال بلا حجة، وقيل: قبول قول من لا يدري من أين يقول، وقيل غير ذلك[39]. وهو أشكال وأنواع، ولعل من أخطر أنواعه ما كان ممزوجا بالوجدان الأبوي والحنين إلى الماضي.

وبيان ما مضى أن كثيرا من المشتغلين بعلوم الشريعة إذا تحدّث عن نشأة تلك العلوم ودواوينها ورجالاتها… يثني عن الزمن الماضي، ويقبّح أحوال الزمن الحاضر، ويتوجس من الزمن المقبل؛ فكأنما قرأ هؤلاء على حاضر الدنيا السلام، وصار الماضي عندهم وحده الزمن الجميل، كما يعبّرون عنه، لذلك تجدهم أكثر الناس ثقة بموروثه، وركونا إلى مقولات أهله… لأنه تركة الآباء والأجداد، وخلاصة تجربة الأسلاف، المخطوط والملفوظ منه في وجوب الاقتداء عندهم سواء!

وهؤلاء، بتصوراتهم وتصرفاتهم هذه، يورّثون أنفسهم مذلّة التقليد، ويعوّدون ألسنتهم عادة اجترار معارف ومقولات السابقين دون رويّة ولا تبيّن ولا نقد ولا مراجعة، لتتّسع بذلك دائرة تأثير معارف الماضي على عقولهم، وتشتدّ وطأته على تمثلاتهم، حتى يصير الواقعُ المعيش لديهم واقِعَيْنِ، واقعٌ حاضرٌ عيانًا وواقعٌ مستحضرٌ ذهنا، والأخطر في الأمر أن يغلب الثاني الأولَ فيبطله، كأن يعتقد المرء أن الأولين لم يتركوا للمتأخرين ما يستزيدون به من الرأي السّديد والعلم المفيد، ولله ذرّ الناظم إذ قال:

قل لمن لا يرى للأواخر شيئـا   ***   ويـرى للأوائــل التقديمـا

إن ذاك القديـم كـان حديثــا     ***  وسيغدو هذا الحديـث قديما

وأخطر من ذلك وأهول أن يجد التقليد لأهل الإفتاء والقضاء طريقه، وأن يتمكن من عقولهم فيفعل بها فعلته، إنه الأسر والتكبيل عن كلّ أشكال الإبداع والتجديد، ومن روائع كلام أبي المعالي الجويني (توفي 478ﻫ) في هذا الصدد تأكيده على أن ” السابق وإن كان له حق الوضع والتأسيس والتأصيل، فللمتأخر حق التتميم والتكميل… ثم يتدرج المتأخر إلى التهذيب والتكميل، فيكون المتأخر أحق أن يُتّبعَ لجمعه المذاهب… وهذا واضح في الحرف والصناعات فضلا عن العلوم ومسالك الظنون، وهذه طريقة كل منصف، وليس فيها تعرض لنقض مرتبة إمام[40].”

ويوضح ذلك محمد بن علي الشوكاني (توفي 1250ﻫ) حينما يؤكد أن زمن أبي حنيفة (توفي 150ﻫ) ومالك (توفي 179ﻫ) والشافعي (توفي 204ﻫ) وأحمد (توفي 241ﻫ) لم يكن فيه مذهب رجل معيّن يتدارسونه، وأن حدوث التمذهب بمذاهب الأئمة الأربعة إنما كان بعد انقراض هؤلاء الأئمة، وأن هذه المذاهب إنما أحدثها عوام المقلدة لأنفسهم من دون أن يأذن بها إمام من الأئمة المجتهدين[41].

ويلحق بما ذُكر كل أشكال ومظاهر التعصّب المذهبي؛ العقدي والحزبي والفقهي… فلا ينبغي لرواد الفكر المقاصدي التقيّد المطلق بأقوال الماضين واعتقاده الصواب الذي لا مرية فيه، لاحتمال أن يكون الخطأ الذي لا شك فيه، ولأن الحق أحقّ أن يعلى، والصواب أجدر أن يتبع، فليكن العمل المقاصدي مؤسسا على وفق هذه القاعدة “إذا انتظم الدليل على إثبات مقصد شرعي وجب على المتجادلين فيه أن يستقبلوا قبلة الإنصاف، وينبذوا الاحتمالات الضعاف[42].” وأن المجتهد لا يجوز له أن يقلد غيره في حق نفسه ولا في حق غيره[43].

وفي هذا يقول العز بن عبد السلام (توفي 660ﻫ): “ومن العجب العجاب أن الفقهاء المقلّدين يقف أحدهم على ضعف مأخذ إمامه بحيث لا يجد لضعفه مدفعا وهو مع ذلك يقلده….بل يتحيل لدفع ظاهر الكتاب والسنة ويتأولهما بالتأويلات البعيدة الباطلة نضالا عن مقلده[44].”

وما أَلَّفَ جلال الدين السيوطي رسالته المسماة “الردّ على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض” إلا للتأكيد على هذا المعنى، وللشوكاني كتاب مفيد في الموضوع عنوانه “القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد”، وكذلك فعل آخرون في كتب خاصة أو أجزاء منها.

من التجريد والتعقيد إلى الواقعية والفاعلية

الأصل في علوم الإسلام، بل وعلوم الإنسان عموما، أن تقوم على صحّة العلم وجودة المنهج، وأن تطمح إلى تلبية الطلبات وإجابة التساؤلات، وذلك ما يعني أنها تسير على وفق نسق عِلْمِيٍّ عَمَلِيٍّ، أما أن تخوض فيما لا ينبني عليه عمل من أعمال اللسان أو القلب أو الجوارح فليس ذلك من العلم المطلوب بل ولا المرغوب، ويتأكد هذا المعنى في هذا المقام بالذات؛ لأننا نتحدّث عن (علم) من علوم الشريعة أولا، وموصوف بـ(القصديّة) في عنوانه ثانيا، فوجب أن يَفِيَّ بها في جميع مباحثه، بدءًا من عتبات مقدماته، ومرورا بقواعده وأمثلته، وانتهاءً بنتائجه وسائر تنزيلاته.

مثال التجريد في علم المقاصد (المصالح والمفاسد المحضة بين الوجود والعدم)

لعلي لا أجد مثالا أبين لإبراز مدى معاناة الأبحاث المقاصدية، قديما وحديثا، من آفة التجريد والتعقيد مثل قضية (المصالح والمفاسد المحضة)، مع أنها من المواضيع التي يقع فيها الدور والتسلسل، وفيما يلي بيان موجز لذلك:

في سيّاق حديث أهل المقاصد عن أفعال المكلفين وما يَعْرِضُ لها من صلاح وفساد، نجدهم يتّفقون ابتداءً على أنها محلّ لامتزاج المصالح بالمفاسد، وأن الواجب على أهل العلم حيّال ذلك  نهجُ أسلوب التقريب والتغليب لدرْك أي القبيلين هو الغالب لَِيُعْتبر، وأيهما المغمور لِيُهْدر، ولكنهم يختلفون، بعد ذلك، في حكم وجودِ أو انعدامِ المصالح والمفاسد المحضة، وفي هذا الشأن تسترسل خطاباتهم  في الموضوع إلى أن تنبت فروعا وتنتج خيوطا لا تقبل الترتيب والتهذيب، ولا تخضع لقانون تدبير الاختلاف، بل إن مَن ينظر في عمق هذا الاختلاف ويتأمل مداه يجده بالغا حدّ الصّورية والتجريد؛ وبيان ذلك أنهم انقسموا في مواقفهم تجاه هذا النوع من المصالح والمفاسد بين منكٍر لوجوده ومثبتٍ له، والمثبتون أنواع؛ فمنهم مقرُّ بكثرة الوجود، وقائلُ بندرته، وساكتُ عن وصفه بوفرة أو قلة، وفيما يلي عرضٌ مركزٌ لأهم مذاهب أهل العلم في المسألة:

يقول ابن قدامة المقدسي (توفي 620ﻫ) في كتابه المغني: “الشرع لا يَرِدُ بتحريم المصالح التي لا مضرّة فيها، بل بمشروعيتها[45]“؛ فَيُفهم من هذا الكلام، ومثله، إقرار الرجل بوجود المصالح المحضة، ولكنه لم يفصّل القول في نسبة هذا الوجود أكثير أم قليل؟

أما العز بن عبد السلام (توفي 660ﻫ) فعند تتبع كلامه في شأن طرائق الترجيح بين المصالح المفاسد المتعارضة نجده يصرّح بوجود ما هو مُتَمَحِّضٌ منها، فهو يُعَبِّرُ عنها بالمصالح والمفاسد (الخليّة)، وفي ذلك يقول: “والضابط أنه مهما ظهرت المصلحة الخليّة عن المفاسد يسعى في تحصيلها، ومهما ظهرت المفاسد الخليّة عن المصالح يسعى في درئها، وإن التبس الحال احتطنا للمصالح بتقدير وجودها وفعلناها، وللمفاسد بتقدير وجودها وتركناها[46].”

غير أنه حينما يتحدث، بالأصالة، عن طبيعة هذا الوجود يؤكد على أن “المصالح الخالصة عزيزة الوجود[47].” وهذا يعني تسليمه بوجود شيء من المصالح والمفاسد المحضة، إلا أنه وجودٌ نادر جدا؛ لأن أكثر أفعال العباد في الغالب تمتزج فيها المصالح والمفاسد في آن واحد، فكان الخالص منها في حكم النادر وجوده.

وأما شهاب الدين القرافي (توفي 684ﻫ) فيجزم تمام الجزم بانعدام المصالح الخالصة والمفاسد المتمحّضة في الدنيا، ويستدل على ذلك بدليل من أقطع الأدلة الشرعية، ألا وهو دليل الاستقراء، حيث يقول: “استقراء الشريعة يقضي أن ما من مصلحة إلا وفيها مفسدة ولو قلّت على البعد، ولا مفسدة إلا وفيها مصلحة وإن قلّت على البعد…[48]” ومعنى هذا المذهب أنك مهما بحثت في أفعال المكلفين، الواقعة أو المفترضة، فإنك لن تحصّل مصلحة خالصة ولا مفسدة محضة أبدًا.

وأما ابن تيمية (توفي 728ﻫ) فيقرّ بوجود المصالح المحضة، ولكن من غير أن يقيّد هذا الوجود بقلّة ولا كثرة، يُفهم ذلك من قوله” والشارع لا يحظر على الإنسان إلا ما فيه فساد راجح أو محض، فإذا لم يكن فيه فساد، أو كان فساده مغمورا بالمصلحة، لم يحظره أبدا[49].”

وإذا تصفّحنا كتاب الموفقات لأبي إسحاق الشاطبي (توفي 790ﻫ) وجدناه يدرس هذا الموضوع بتفصيل غير مسبوق، فيما نعلم ، فهو ينظر إليه بنظرين اثنين، فيقرّر أن “المصالح المبثوثة في هذه الدار يُنظر إليها من جهتين: من جهة مواقع الوجود ومن جهة تعلق الخطاب الشرعي بها.

فأما المنظور الأول: فإن المصالح الدنيوية، من حيث هي موجودة هنا، لا يتلخص كونها مصالح محضة… لأن تلك المصالح مشوبة بتكاليف ومشاقّ، قلّت أو كثرت، تقترن بها أو تسبقها أو تلحقها؛ كالأكل، والشرب، واللبس، والسكنى، والركوب، والنكاح، وغير ذلك، فإن هذه الأمور لا تنال إلا بكدّ وتعب.

كما أن المفاسد الدنيوية ليست بمفاسد محضة من حيث مواقع الوجود؛ إذ ما من مفسدة تفرض في الحياة الجارية إلا ويقترن بها أو يسبقها أو يتبعها من الرفق واللطف ونيل اللذات كثير… ويدلك على ذلك أن هذه الحياة وضعت على الامتزاج بين الطرفين، والاختلاط بين القبيلين، فمن رام استخلاص جهة فيها لم يقدر على ذلك، وبرهان التجربة التامة من جميع الخلائق، وأصل ذلك الإخبار بوضعها على الابتلاء والاختبار والتمحيص…

وأما النظر الثاني فيها: من حيث تعلق الخطاب بها شرعا، فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد فهي المقصودة شرعا، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد، وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة بالنظر إلى المصلحة في حكم الاعتياد فرفعها هو المقصود شرعا، ولأجلها وقع النهي[50].” فتكون خلاصة مذهب الشاطبي (توفي 790ﻫ) النفي التام لوجود المصالح والمفاسد الدنيوية المحضة، ليكون قوله وقول القرافي (توفي 684ﻫ) في المسألة سيّان. مع تميّز الشاطبي بالنظر الثاني للموضوع واستقلاله به.

أما الطاهر بن عاشور (توفي 1394ﻫ) فينبه إلى أن “النفع الخالص والضرّ الخالص وإن كانا موجودين إلا أنهما بالنسبة للنفع والضر المشوبين يعتبران عزيزين[51].” وهو بذلك يوافق مذهبَ العز بن عبد السلام بالتمام، غير أن هذا الأصل عند ابن عاشور تعرض له اعتبارات عدّة، نعتبرها من قبيل تأملاته الأصولية التي لا يناسب المقام تفصيلها[52].

من آثار الاختلاف في الموضوع

لقد دأب كثير من أهل الأصول والمقاصد بسط هذه المقدمة النظرية في مصنّفاتهم، والخوض في تفاصيلها[53]، والرّد على المخالفين فيها…دون جدّة في التناول[54]، ولا تغيير في النتائج، وكأنهم يفعلون ذلك من باب الوفاء لنهج أسلافهم الأصوليين في تناول المباحث الأصولية، مع أنها، عند التحقيق، مسألة نظرية ليس وراءها فائدة عَمَلِيّة، ويصدق عليها ذلك الأصل الجامع الذي قرّره الشاطبي (توفي 790ﻫ) حين قال: “كل مسألة لا ينبني عليها عملٌ فالخوض فيها خوضٌ فيما لم يدلّ على استحسانه دليل شرعي[55].” وعند مراجعة الأقوال الواردة في الموضوع، والتحقيق في الأسباب المنشئة لاختلاف أصحابها، والتطلّع إلى آثارها الفقهية، واستبصار نتائجها العملية…يمكن تحصيل النتائج الآتية:

النتيجة الأولى؛ أن الجميع متفق على أن أفعال المكلفين قابلة لأن تكتسي لباس المصالح والمفاسد في آن واحد، فتصير بذلك وعاءً يمتزج فيه القبيلان، ويتداخل فيه الوجهان، لتكون القاعدة المعوّل عليها في هذا الباب “أن اختلاط المصالح والمفاسد أمر واقع ما له من دافع.” وعندئذ ما ينبغي أن تكون هذه نهاية البحث، بل الواجب عندئذ تعيين الجهة الراجحة من الجهة المرجوحة، ولا يكون ذلك إلا وفق  قواعد الترجيح المبثوثة أصولها في رحاب هذه الشريعة الغراء، وليس بحسب حكم الاعتياد الكسبي كما يُفهم من ظاهر كلام الشاطبي.

النتيجة الثانية؛ أنه اختلاف يغلب عليه قدر كبير من طابع الصورية والتجريد، فلا يتحصّل من ورائه أساس فقهي يُعمل به، ولا بُعد مصلحي يُركن عند النوائب إليه، بل نعدّه وجها من وجوه تأثر الفكر الأصولي بخلفية التحسين والتقبيح العقلي، ونجزم بأن هذه القضية الجزئية النظرية، على شاكلة مثيلاتها، غالبا ما يقع فيها الدّور والتسلسل، بحيث تكون نهاية البحث فيها العَوْدُُ إلى أوّلها، وبيان ذلك من ثلاثة أوجه، هي:

الأول؛ لَوْ قَدَّرْنَا الجواب بالإيجاب، ولو على وجه الندرة، كما هو مذهب العز بن عبد السلام والطاهر بن عاشور، وأَقْرَرْنَا بوجود هذا النوع المتمحّض من المصالح والمفاسد، وسُقنا له الشواهد، وضربنا له الأمثلة، وأخرصنا المخالف، وأرضينا المؤالف… ففيم ينفع ذلك علم العالمين، وعمل العاملين؟ لأننا لم نتجاوز حدّ وصف ما هو كائن واقع (هذا صلاح محض وهذا فساد محض).

الثاني؛ وهو نتيجة لسابقه، وحاصله أن الحكم على الأفعال بالصّلاح المحض أو الفساد الخالص لا ينتج عنه، ولا يتصوّر أن ينتج؛ أي اختلاف فقهي على مستوى الأحكام الشرعية، لأن هذا النوع من الأوصاف “صلاحٌ محضٌ/فسادٌ محضٌ” يحمل في ثناياه أحكاما شرعية متفقا عليها، قد يكون الوجوب أو الندب أو الإباحة أو الحرمة، كلّ بحسب ظروف المكلّف وأحواله، وطبيعة التكليف ومآلاته… ولنبرهن على ذلك انطلاقا من مثالين ذكرهما ابن عاشور في هذا الصدد:

المثال الأول: “التعاون الواقع بين شخصين هو مصلحة لهما وليس فيه أدنى ضرّ[56].”

المثال الثاني: “وإن إحراق مال أحد إضرار خالص[57].”

فكون الأول (صلاحا محضا) والثاني (فسادا خالصا) يلزم بإفادة مشروعية الإقدام على الأول، ووجوب الإحجام عن الثاني، فهما إذن قضيتان لا تقبلان الخلاف بين كُلِّ مَنْ له مُسْكَةٌ مِن عقل، فكيف بعلماء الفقه وأرباب الاجتهاد!

الثالث: أننا لو قدّرنا الجواب بالسّلب، ونفينا وجود المصالح والمفاسد المحضة، وجزمنا بأن كل أفعال المكلفين لابد أن تمتزج فيها المصالح بالمفاسد… فأيّة فائدة نكون قد حصّلنا، ولأي مقصد قد مهّدنا إلا أن نعود إلى القسمة الأولى التي هي محل اتفاق ووفاق، وهي القاضية بأن امتزاج الصلاح بالفساد في أفعال المكلفين أمر واقع ما له من دافع.

وعليه: يكون الأولى بالبحث والأجدر بالتتبع في هذا الباب هو تعيين المسالك الموصلة إلى معرفة ما هو صلاح وما هو فساد، وأثر العقل السليم المسلم في هذه المعرفة، وحدوده…وغيرها من المباحث الأصولية المتفرقة في بطون مصنفات الأصول والمقاصد.

النتيجة الثالثة: تأويل بعض هذه المذاهب بما يفسد معناها ويبشّع جمالها

والمقصود عندي بالذات مذهب الشاطبي، وبيت القصيد فيه مصطلح “مواقع الوجود” فإن مراد الشاطبي منه، كما يتبين من سياق كلامه السالف ذكره، طبيعةُ المصالح والمفاسد من حيث هي مبثوثة في هذا الوجود، وكيفية تلقي عقول الناس لها، وانسياق طبائعهم معها.

وهنا مكمن الغرابة الظاهرة، غير المقصودة، للقانون الذي جاء به الشاطبي في هذا الباب، وهو قانون الترجيح بين المصالح والمفاسد، حيث يفرض عند اختلاط المصالح بالمفاسد في الفعل الواحد أن يُنْظَرَ إلى الجهة الغالبة منهما بحكم الاعتياد أولاً لدرْك الراجح منهما، وما تخرّج من ذلك النظر هو الذي يُعْرَفُ به قولُ الشارع في المسألة من حيث كونها مصلحة أو مفسدة شرعا.

ومعلوم أن أنظار الناس تختلف في تقدير ما هو (صالح) وما هو (فاسد)، فيكون اختلافها في معرفة الراجح منهما، عند التمازج، أبين وأظهر! وكيف تعدّ التصورات العرفية ميزانا للتصرفات الشرعية، مع أن الشرائع ما جاءت إلا لتطويع النفوس، وقهر الشهوات، وإصلاح فاسد العادات!؟

الهوامش


[1]. محمد الروكي، نظرية التقعيد الفقهي وأثرها في اختلاف الفقهاء، الرباط: منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية، سلسلة رسائل وأطروحات، رقم 25، ط1، (1414ﻫ/1994م)، ص13.

[2]. أحمد الريسوني، الكليات الأساسية للشريعة الإسلامية، حركة التوحيد والإصلاح، إصدار اللجنة العلمية،الرباط: مطبعة طوب بريس، 2007م، ص22.

[3]. الرسالة، ص20.

[4]. أبو المعالي الجويني، البرهان في أصول الفقه، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1418ﻫ/1997م)، 2/3. وانظر: القواعد الأصولية عند الإمام الشاطبي، من خلال كتابه الموافقات للدكتور الجيلاني المريني، وهو رسالة جامعية قدمت لنيل دبلوم الدراسات العليا بدار الحديث الحسنية-الرباط، تحت إشراف د. محمد يسف، 1990م/ر. 80، ص112.

[5]. البرهان، م، س، 2/262- 163. وانظر: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني (توفي 489ﻫ)، قواطع الأدلة في الأصول، تحقيق محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، (1418ﻫ/1997م)، 2/260.

[6]. أبو حامد الغزالي، المنخول من تعليقات الأصول، تحقيق محمد حسن هيتو، دمشق: دار الفكر، ط2، (1400ﻫ/1980م)، ص485.

[7]. الكليات الأساسية، م، س، ص117.

[8]. قاله عبد الله دراز في تمهيده للموافقات، 1/14.

[9]. انظر: نور الدين الخادمي، المصلحة الملغاة في الشرع الإسلامي وتطبيقاتها المعاصرة، الرياض: مكتبة الرشد، ط1، (1426ﻫ/2005م)، ص12.

[10]. الأثر الشاطبي في الفكر السلفي بالمغرب، ص8.

[11]. أبو إسحاق الشاطبي، الموافقات في اصول الشريعة، القاهرة: مطبعة محمد علي صبيح وأولاده، د. ت، 1/120.

[12]. المصدر نفسه، 1/162.

[13]. المصدر نفسه، 1/160.

[14]. انظر: عبد الجبار الرفاعي، مقاصد الشريعة، (عبارة عن حوار مع نخبة من رجال المقاصد)، دمشق: دار الفكر/سورية، سلسلة آفاق التجديد، ط1، (شوال 1411ﻫ، يناير 2002م)، ص78-82.

[15]. علال الفاسي، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها، الدار البيضاء: مطبعة النجاح الجديدة، ط4، (1411ﻫ/1991م)، ص198-200.

[16]. الكليات الأساسية، م، س، ص32.

[17]. الموافقات، م، س، 3/11.

[18]. عبد القادر عودة، التشريع الجنائي الإسلامي مقارنا بالقانون الوضعي، بيروت: دار الكاتب العربي/لبنان، د. ت، 1/27.

[19]. الكليات الأساسيةّ، م، س، ص25.

[20]. انظر تفصيل القول في هذه الأصناف الأربعة في الكليات الأساسية، م، س، من ص53 إلى ص82.

[21]. الموافقات، م، س، 1/288.

[22]. المصدر نفسه، 1/302.

[23]. وقد أرجع الأستاذ أحمد الريسوني ذلك إلى أمرين اثنين، فقال: “وهذا التضييق، أو الشحّ، في تقدير آيات الأحكام ينبني أولا على التضييق الذي حصل في مفهوم الشريعة والتشريع والأحكام الشرعية… وينبني ثانيا على حصر مفهوم (الأحكام ) في الأحكام الجزئية التطبيقية المباشرة.” الكليات الأساسية، م، س، ص117.

[24]. أبو حامد الغزالي، المستصفى من علم الأصول، دار إحياء التراث العربي، ط1، (1418ﻫ/1997م)، 2/350. نقلا عن: يوسف القرضاوي، الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، دار القلم، ط2، (1410ﻫ/1989م)، ص17.

[25]. انظر: محمد الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق ابو مصعب محمد سعيد البدري، بيروت: دار الفكر/لبنان، ط1، (1412ﻫ/1992م)، ص250. محمد شهاب الدين القرافي، شرح تنقيح الفصول في اختصار المحصول في علم الأصول، تحقيق طه عبد الرؤوف سعد، القاهرة: دار الفكر/مصر/ ط1، (1393ﻫ/1973م)، ص194. نقلا عن: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، م، س، ص17.

[26]. ابن قدامة المقدسي (توفي 620ﻫ)، روضة الناظر وجنة المناظر، مع شرحه لابن بدران، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1401ﻫ/1981م)، 2/401. نقلا عن الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، م، س، ص18.

[27]. إرشاد الفحول، م، س، ص: 250- 251 نقلا عن: الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، م، س، ص18.

[28]. مجلة الجامعة الإسلامية، العدد 22: (1409ﻫ/1989م)، ص156.

[29]. المصدر نفسه، من البحث الذي شارك به مصطفى أحمد الزرقاء بعنوان: الاجتهاد ودور الفقه في حل المشكلات.

[30]. تاج الدين عبد الوهاب بن ابي الحسن السبكي (توفي 771ﻫ)، جمع الجوامع، بيروت: دار ابن حزم/لبنان، ط1، (1426ﻫ/2005م)، ص9. وانظر اللمع في أصول الفقه، ص26.

[31]. ومن حكم الإمام الشافعي (توفي 204ﻫ) في هذا الشأن قوله: “لا نعلم رجلا جمع السنن فلم يذهب منها عليه شيء.” الرسالة، تحقيق وشرح أحمد محمد شاكر، دار الفكر، 1309ﻫ، ص42 وقوله: “قد يجهل الرجل السنة فيكون له قول يخالفها لا أنه عمد خلافها، وقد يغفل المرء ويخطئ في التأويل.” الرسالة، م، س، ص219.

[32]. الموافقات، م، س، 1/75.

[33]. الموافقات، م، س، 1/75.

[34]. محمد عابد الجابري، بنية العقل العربي، وهو الجزء الثاني من كتاب نقد العقل العربي، الناشر: المركز الثقافي العربي/الدار البيضاء-المغرب، ط1، يناير 1986م، ص332.

[35]. ذكره السخاوي في المقاصد الحسنة: 1/464 وقال: “لا أصل له”.

[36]. المقصود هنا: محمد بن محمد بن عرفة الورغمي، إمام تونس وعالمها وخطيبها ومفتيها، قدّم للخطابة سنة 772ﻫ وللفتوى سنة 773ﻫ، كان من كبار فقهاء المالكية، وتصدى للدرس بجامع تونس، وانتفع به خلق كثير. من تصانيفه: المبسوط في الفقه، والحدود في التعريفات الفقهية. (توفي 803ﻫ). (انظر: الديباج المذهب، ص337، ونيل الابتهاج، ص278، والأعلام 7/272).

[37]. وقائل هذا هو أشهب (توفي 204ﻫ) من مشاهير تلامذة مالك. انظر: مباحث في المذهب المالكي بالمغرب لعمر الجيدي، ص150.

[38]. وقائل هذا هو: عيسى الغبري أحد تلامذة الشيخ ابن عرفة. انظر: مقاصد الشريعة الإسلامية، ص: 17.

[39]. انظر المنخول، م، س، ص472-473، ونهاية السول في شرح منهاج الأصول: 4/617، والإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، لولي الله الدهلوي (توفي 1176ﻫ)، تعليق عبد الفتاح أبو غدة، دار النفائس، ط1، (1397ﻫ/1977م)، ص97 وما بعدها.

[40]. البرهان، م، س، 2/744، وانظر الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، م، س، ص68 وما بعدها.

[41]. نقلا عن مجلة العربي، ص32، العدد: 224، رجب 1397ﻫ/ يوليوز 1977م، عنوان المقال “من يسبح ضد التيار” لفهمي هويدي.

[42].  مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص 17.

[43]. علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري (توفي 730ﻫ)، كشف الأسرار عن أصول فخر الدين البزودي، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1418ﻫ/1997م) د. ت، 4/20. وانظر جمع الجوامع، ص68.

[44]. انظر الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف، م، س، ص99.

[45]. ابن قدامة المقدسي، المغني، تحقيق د. عبد الله بن المحسن التركي ود. عبد الفتاح محمد الحلو، مطبعة هجر، ط2، (1412ﻫ/1992م)، 6/436.

[46]. العز بن عبد السلام (توفي 660ﻫ)، قواعد الأحكام في مصالح الأنام، منشورات محمد علي بيضون، بيروت: دار الكتب العلمية/لبنان، ط1، (1420ﻫ/1990م)، 1/43.

[47]. المرجع نفسه، 1/14.

[48]. شرح تنقيح الفصول، م، س، ص78.

[49]. تقي الدين ابن تيمية الحراني (توفي 728ﻫ)، الفتاوى، المنصورة: دار الوفاء، ط3، (1426ﻫ/2005م)، 3/338-349، وانظر: تعليل الأحكام، م، س، ص377.

[50]. الموافقات، م، س، 2/ 339-341.

[51]. مقاصد الشريعة، م، س، ص64 و68.

[52]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص: 64 وما بعدها.

[53]. على اختلاف في مستويات ذلك عندهم، فهم بين موجز ومقتصد ومسهب.

[54]. يستثنى من هذا الأصل نَظَرُ الإمام الشاطبي وابن عاشور للموضوع، فقد جاءا على قدر كبير من المخالفة لِمَا اعتاد الأصوليون بسطه في هذا الباب.

[55]. الموافقات، م، س، 1/42.

[56]. مقاصد الشريعة الإسلامية، م، س، ص64 وما بعدها.

[57]. المرجع نفسه.

Science

د. هشام تهتاه

جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية/الرباط

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق