الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلَّم من الخدم والموالي

مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينغير مصنف

الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلَّم من الخدم والموالي

2014-03-27

95 4 دقائق

كتاب الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلَّم من الخدم والموالي

الإمام الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902هـ)

بقلم: عبداللطيف السملالي

لقد شرف بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وكثير منهم كانوا عبيدا وإماء، كما حظي بخدمته غيرهم من الأحرار. ولا تخلو كتب السير والتواريخ من حديث يطول أو يقصر عن أسماء وأخبار خدم وموالي النبي عليه الصلاة والسلام، ممن ارتفع شأنهم وسما قدرهم بصحبة وخدمة خير البرية.

مَوَالِي خَيْرِ خَلْقِ اللهِ كَانُوا = نُجُومَ المَجْدِ فِي أُفُقِ المَعَالِي

أَيَا مَنْ قَصْدُهُ الإِعْرَابُ عَنْهُمُ = هُمُ السَّادَاتُ فِي زَيِّ المَوَالِي[1]

وهذه الزُّمرة من الصَّحب الكرام نالت من الشرف والرّفعة ما لم يدركه غيرهم، فقد اصطفاهم الله وسخرهم ليكونوا خدما لسيد الخلق عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم، وهم كانوا على معرفة بالشرف الذي اكتسبوه، لذلك كانوا يفتخرون بأنهم كانوا يخدمون النبي صلى الله عليه وسلم، ويسعون في قضاء بعض حاجاته، فخدمته عليه الصلاة والسلام شرف عظيم ومنقبة كبرى.

خُدَّامُ خَيْرِ الوَرَى أَكْرِمْ بِهِمْ نَفَرًا=كَمْ زَهْرَةٍ قَطَفُوا مِنْ رَوْضِ نِعْمَتِهِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ حَظُّ لَهُ مَدَدٌ =مِنَ السَّعَادَةِ مَا فَازُوا بِخِدْمَتِهِ[2]

ولئن عرف واشتهر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه كان يعتمد على نفسه في أموره الخاصة غير مُتَّكِلٍ على غيره، ولا متواكل أو متكاسل في حياته، فإنه مع ذلك كان له خدم (أحرار وعبيد، رجال ونساء) عاشوا في كنفه وخدموه ردحا من الزمان. وقد نقلت كتب السير والتراجم أخبارهم في خدمته، ونقلت لنا حاله عليه الصلاة والسلام معهم، كان يقضي حاجتهم، ويخفف عنهم، ويرحمهم ويبرُّ بهم. كما بسطت لنا مدونات السنة المطهرة مروياتهم التي أحاطوا فيها بجوانب من أخلاقه عليه الصلاة والسلام، وأطلعونا على هديه وسننه في مناحي معاشه وتعبده.

ومن أجل من أفرد تأليفا في هذه الفئة من الصحابة، واعتنى بتدوين أسماء موالييه وإمائه وخَدَمِه صلى الله عليه وسلم، المحدث الحافظ محمد بن عبد الرحمن السخاوي (ت 902هـ) في رسالة لطيفة سماها: “الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلَّم من الخدم والموالي”.

وقد بين المصنف في طالعة رسالته مضمون ما رام تحقيقه، والترتيب الذي سلكه في أسماء الصحب الكرام قائلا: ” هَذَا جُزْء جردت فِيهِ خُدَّامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومواليه، ميزت فِيهِ الخدام من غير الموَالِي برقم (خَ) على أعاليه، مُرَتبا لَهُم كلهم على حُرُوف المعجم، ضابطا لما لَعَلَّه أشكل النُّطْق بِهِ واستعجم، راجيا بذلك شُمُول بركتهم دَاعيا بالوصول لِأَن أكون مندرجا فِي خدمتهم وَإِن لم ألحق بهم فِي مرتبتهم”[3]. وأدرج تحت ذاك الترتيب ثلاثة أقسام من الخدم والموالي:

1.الخدم والموالي من الرجال.

2.الكنى والألقاب والمجاهيل من الرجال من خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومواليه.

3.الخدم والإماء من النساء.

وكان الحافظ السخاوي في رسالته هاته جامعا ومحققا، واستقصى جميع أسماء الموالي والخدم، وذلك من خلال سعة اطلاعه على المصادر المتنوعة التي أفادته بمجموع أسمائهم، وتارة كان يتعقّب من سبقه من العلماء، فيصوّب خطأهم ويبيّن منشأ الوهم الذي وقعوا فيه، كأن يذكروا الصحابي أنه مولى، وهو في الحقيقة خادم.

ومن مزيد عنايته بأسماء الخدم والموالي أنه كان يذكر جميع الأقوال التي وقف عليها في اسم الرجل الواحد، ويضع كلا في موضعه حسب الترتيب المعجمي الذي اتّبعه، وكان يشير إلى الأسماء المختلفة التي أطلقت على الرجل الواحد. فذكر لسفينة 21 اسما ، ولأبي رافع القبطي 12 اسما، ولذكوان 8 أسماء.

ومجموع ما أحصاه المصنف من أسماء الموالي والخدم من الرجال والنساء، مع تعدد أسمائهم واختلاف أقوال أهل السير ومؤلفي تراجم الصحابة في أسماء بعضهم، هو 215 اسما استخرجها من بطون المصادر المتنوعة، و هي التي كانت أساسا له في صياغة رسالته اللطيفة، وهذه المصادر حسب ما ورد التصريح بها تتوزع ما بين كتب التفسير، والحديث، وتراجم الصحابة، والتاريخ والسير، والأنساب، و من أهمها:

*موطأ مالك (ت 179هـ).

*الطبقات الكبرى لابن سعد (ت 230هـ).

*مسند عبد بن حميد (ت 249 هـ).

*الجامع الصحيح للبخاري (ت 256هـ).

*أنساب الأشراف للبلاذري(ت 279هـ).

*الاستيعاب لابن عبد البر (ت 463هـ).

*تفسير ابن مردويه (ت498 هـ).

*تلقيح فهوم أهل الأثر في عيون التاريخ والسير لابن الجوزي(ت 597 هـ).

*الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر(ت 852 هـ).

إن رسالة ” الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلَّم من الخدم والموالي” على صغر حجمها، مفيدة جدا في معرفة هذه النخبة الطيبة من الصحب الكرام رضوان الله عليهم، ممن خدموا النبي عليه الصلاة والسلام أو كانوا موالي له على فترات من عمره المديد، وضمت أيضا معلومات لطيفة مبثوثة في مصنفات السير والتراجم، وجميعها تدل على حسن تعامل النبي عليه الصلاة والسلام مع مواليه، وتشير إلى جميل رفقه وشفقته بخدمه، كما أظهرت عظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم، وسمو مكانته في قلوب أولئك الصحابة رضي الله عنهم.

ومما يحسن التذكير به في هذا المقام أن سلف الأمة كانوا شديدي الاعتناء بموالي النبي صلى الله عليه وسلم، ويرغبون في الاطلاع على أخبارهم، فهذا الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز رحمه الله (99-101هـ) كان يحب أن يعرفهم وأن يحسن إليهم، وكتب مرة في فترة خلافته إلى أبي بكر ابن حزم- عالم أهل المدينة في زمانه- المتوفى سنة 120هـ، أن يَفْحَصَ له عن موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الرجال والنساء، وخدَّامه، فبعث إليه بأخبار بعضهم [4].

لقد سعى إلى إخراج هذه الرسالة اللطيفة من زوايا إحدى الخزائن العامة، واعتنى بتحقيق نصها والتعريف بمضمونها الشيخ الباحث مشهور حسن محمود سلمان الذي بذل جهدا مشكورا في ضبط نص الرسالة، وبيَّن في كل ترجمة أقوال أهل العلم من نصّوا على كون صاحبها مولى أو خادما للنبي صلى الله عليه وسلم، كما اجتهد في ذكر مظان الحديث المشار إليه في النص، وكان يُعقِب ذلك ببيان درجته، وحاول المحقق أن يبيِّنَ من لم يثبت له ذكر من الموالي والخدم إلا بحديث ضعيف أو موضوع.

والمحقق اعتمد في إخراج عمله هذا على نسخة مصورة من الأصل المخطوط في مكتبة الأوقاف العامة (بغداد). رقم: 9696-9699 مجاميع. تقع في 11 ورقة.

وقد صدر كتاب “الفخر المتوالي فيمن انتسب للنبي صلى الله عليه وسلَّم من الخدم والموالي” للسخاوي في نشرتين اثنتين كلتيهما بتحقيق الشيخ المنوه به أعلاه:

الأولى عن مكتبة المنار للنشر والتوزيع. الزرقاء ـ الأردن. ط 1 ـ 1407هـ / 1987م. 87 صفحة.

والأخرى عن مؤسسة غراس للنشر والتوزيع. الكويت. 1423هـ/2002م. 91 صفحة.