مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

من تضرعات القوم (1)

     ما إن تحل الأشهر الحرم ويقترب شهر رمضان المعظم، إلا وتلوح في أفقه بوادر النفحات الإيمانية التي تفيض على قلوب المؤمنين، تجذبهم إلى مناجاة مولاهم جل وعز، والتذلل والتضرع بين يده طمعا في تحصيل القرب واستعاذة من نغص البعاد، ولقد أُثر على القوم تضرعات شتى، معطرة بنسائم الوصال، بَتُّوها في كَتبهم وأخذها عنهم من انتسب إليهم، ولعل من بين تلكم التضرعات ما جاء به الشيخ ابن المعمار[1] البغدادي الصوفي في كتابه المستقل ببيان أصناف التضرعات[2].

     والتضرع من الفعل الثلاثي (ضرع) فالضاد والراء والعين أصل صحيح يدل على لين في الشيء، من ذلك ضرع الرجل ضراعة، إذا ذل وخضع وانكسر، و تضرع إلى الله أي: ابتهل

ومن تضرعات القوم التي تجلي معاني الذلة والانكسار قوله رحمه الله تعالى:

     اللهم إنك تعلم أني ما افتتحت شيئا إلا باسمك، ولا اخترعت أمرا إلا بخالقيتك، ولا أقدمت على مجهول إلا ثقة بإعانتك، ولا أثبت حقيقة إلا من تعليمك، ولا تحملت عظيما إلا بقوتك، ولا تمثلت مثالا إلا من إيقاظك، ولا قدرت قدرا إلا بصنعك، ولا هجمت على هول إلا ببطشك، ولا خفت إلا من عدلك، ولا رجوت إلا إحسانك، ولا أذنبت ذنبا إلا ثقة بحلمك وعفوك، ولا سألت إلا من كرمك وجودك، ولا توسعت في عطاء إلا من مواهبك، ولا أنست إلا بلطفك، ولا تنوعت إلا باستمدادي من غرائب حكمتك، ولا استروحت إلا إلى نصرك، ولا طلبت إلا من عطائك، ولا رأيت إلا ما أريتني إياه ولا شهدت إلا ما أشهدتني إياه.

     فأسألك بك يا إلهي على جلالك، وبجلالك على جمالك، وبجمالك على كمالك، وبكمالك على أحب خلقك إليك وأقربهم منزلة لديك، أن تصلي على محمد وآل محمد، وتُعرفنا منزلة محمد وأل محمد، وتدخلنا في زمرة محمد وآل محمد، وتخرجنا من كل ما كرهته لمحمد وآل محمد، وثبتنا على متابعة محمد وآل محمد، صلواتك عليه وعليهم والسلام عليه وعليهم ورحمة الله وبركاته.

الهاومش:

[1] ابن المِعْمار (ت472هـ) عبد الله بن إسماعيل الأسدي البغدادي، أبو محمد، جلال الدين ابن المعمار، كاتب أديب، نعت بالفيلسوف. له شعر. من أهل بغداد، توفي بالحلة. أنظر: “الأعلام” للزركلي 4/ 72. وفي: “معجم أعلام العلويين” لمحمد أحمد علي، رجال القرن الثامن، 5/ 167.

[2] كتاب التضرُّعات تأليف الشّيخ جَلال الدِّين [ تاج الدِّين ] أبي محمد عبد الله بن إسماعيل بن محاسن الأسدي الصُّوفي المعروف بابن المعمار البغدادي (ت742هـ)، كتابة: محمد بن علي بن ناصر الكازروني البغدادي الحريري سنة (825هـ) عن خط المؤلِّف رحمه الله  نُسخة خطّيّة نادرة مِن محفوظات مكتبة جار الله في تركيا برقم: 994.

Science

ذ. محمد المنصوري

باحث بمركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة بالرابطة المحمدية للعلماء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق