وحدة الإحياءدراسات عامة

العمل في الإفتاء المغربي

مما يواجه الناظر في فتاوى فقهاء المغرب بصورة جلية واضحة أقوال الأيمة التي يلبس كل قوال منها رداء لفظيا خاصا به، كالمتفق عليه، والمشهور، والراجح، والشاذ، والضعيف، وما جرى به العمل، وهذا الأخير هو الذي أريد أن أنظر فيه الآن، لما له من حركة بارزة على سطح فتاوى المغاربة من جهة، ولما يومئ إليه من نزعة جهوية أصيلة من جهة ثانية، وأيضا لما رأيت هناك من خلط بعض من لم يدققوا النظر بينه وبين عمل أهل المدينة، وجعلهم هذا أصلا لهم مع أن ما بينهما من بون، مثل ما بين الضب والنون، وخلط البعض كذلك  بينه وبين عمل مطلق الناس، والحال أن ليس بينهما شيء من الالتباس، إلا في رأس من لا متات له بالعلم ولا مساس، وأحاول أن ينحصر حديثي عنه في خمسة محاور مع ما يتطلبه المقام من الاختصار.

أولا العمل وشروطه

1. ما هو العمل المقصود؟

وأظهر ما قيل فيه أنه مصطلح فقهي يدخل تحته كل قول اعتمد في جزئية ما، ابتداء أو بعد أن كان مهجورا لصالح قول آخر كان اعتماده فيها قبل ذلك أولى من اعتماد غيره، لأن المصلحة المتوخاة من الشارع به كانت تتحقق، وباختصار هو القول المنشأ على قواعد المذهب، أو المرجح من أقواله، سواء كان ضعيفا أو شاذا، أو مساويا لغيره كأحد المشهورين[1].

2. ظروف نشأته

ومن دواعي الرجوع إليه تطور الحياة وتبدل الأعراف والتقاليد[2] وعجز النصوص الفقهية التي كانت رائجة في غيبته عن استيعاب ذلك وتغطيته فلم يكن متوقعا، والحالة هذه، إلا أن يعاد النظر في الأقوال الاجتهادية، وخصوصا ما كان مدركه منها العرف والعادة على ضوء تلك التغيرات الطارئة باستمرار؛ لأن “كل ما في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة”[3]، وهو قانون، على ما يظهر، تسير عليه كل المذاهب الفقهية، فهذا ابن عبدين بعد أن ذكر جملة من الأحكام الاجتهادية التي أتى بها المتأخرون على خلاف ما لإمامهم يقول: “فهذه كلها قد تغيرت أحكامها لتغير الزمان إما للضرورة والعرف، وإما لقرائن الأحوال، وكل ذلك غير خارج عن المذهب لأن صاحب المذهب لو كان في هذا الزمان لقال بها، ولو حدث التغيير في زمانه لم ينص على خلافها”[4]، وقد نقل القرضاوي تأكيد علماء ينتمون إلى مذاهب مختلفة على أن لتغيرات العرف والزمان والحال أثرها في تغيير الفتوى وتكييف الأحكام”[5]، ومعنى هذا أنه لابد للفقهاء في كل زمان من أن يواجهوا الأسباب الظرفية فيوجدوا مخارج شرعية لكل ما لا يتنافى منها مع أصل الشرع، ويزيفوا ويردوا ما لا يقبله منها وما لا يسعه، وهذا ما فعله فقهاء المغرب، إذ عندما هجمت عليهم الأحداث تترى، وأحسوا بأن ما لديهم من النصوص المصححة على ضوء ظروف معينة لن تعد قادرة على مواجهات التغيرات التي تداهمهم رجعوا أحيانا إلى ما كان مهجورا من الأقوال المذهبية، بعد أن رجحوها على غيرها، ورأوا أنها جديرة بتحقيق أهداف الشريعة في مجتمعهم الخاص، وأحيانا إلى إنشاء أقوال جديدة في المسائل التي لم يتناولها السابقون، ولا غرابة في الرجوع إلى ما كان مهجورا، لأن ما كان صالحا في زمان أو مكان قد لا يكون كذلك في غيرهما، “وربما وجدنا قولا في مذهب يفتي أهله بضعفه، وعدم الأخذ به حتى يقيض الله له من العلماء من يحييه وينصره ويقويه، فإذا هو المعتمد أو الراجح أو المختار”[6] وذلك طبعا على ضوء ما يجد من الأحوال، ويتبدل من العوائد والأعراف، وعلى هذا الأساس ظهر مصطلحنا المتحدث عنه في المغرب خلال القرن الثامن الهجري[7] بعد أن ولد بالأندلس وغيرها قبل ذلك بزمان.

3. شروط اعتباره المصرح بها 

وشروط اعتباره المصرح بها نظمها محمد كنون فقال:

والشرط في عملنا بالعمل             صدوره في قدوة مؤهل

      معرفة الزمان والمكان            وجوب موجب إلى الأوان[8]

فالشرط الأول الذي هو التأكيد من صدوره اشترط لقطع الطريق على كل كذاب أو مغرض أو متلاعب، والثاني وهو أن يكون من أصدره وأفتى به موثوقا بعلمه ودينه، لأنه من المحال شرعا وعقلا أن يترجح القول صدفة، أو أن يرجحه من ليس أهلا للترجيح، واشترطت معرفة الزمان والمكان، لأن ما ثبت جريان العمل به ربما يكون مقصورا عليهما لخصوصية استوجبت ذلك فيهما واشترطت معرفة السبب الذي أوجب ذلك لأنه الأساس الذي يقوم عليه العمل بحيث إذا ما انقرض، انقرض معه لا محالة.

وهذه الشروط كلها ملحوظة في فتاوى فقهائنا، فالتاودي مثلا يفتي بأن العمل قد جرى بتجهيز الأب ابنته بنقدها، ومثله معه من حر ماله، ويسنده إلى ابن غازي عن العبدوسي ويصفه بأنه ضابط ثقة[9]، والعربي بردلة يفتي بأن المرأة التي جدد عليها الحجر في عقد زواجها إذا طالت المدة وتصرفت تصرف الرشداء تخرج من الحجر، ويعتمد في ذلك على قول ابن القاسم واصفا إياه بأن “العمل استفاض به”[10].

واشترط بقاء السبب إلى وقت الحكم به، لأنهم يرون أن ما جرى به العمل قد ينسخ بمقابله، ويحل هذا المقابل مكانه في جريان العمل به، يشير إلى ذلك زيادة على تطبيقات متعددة موقف محمد كنون، وهو أنه بعد أن ذكر قول مالك الذي يفيد عدم جواز إفتاء الحاكم فيما يعود إليه من خصومات، وقول ابن عبد الحكم الذي يتضمن جواز ذلك، قال: “فقول من قال العمل بقول ابن عبد الحكم ـ يعني بناء على الخلاف ـ فيه تسامح لا يخفى، ولو سلم، فقد نسخ بترك العمل به من الأيمة الأعلام الذين لهم شهرة بالفضل بين الأنام، لقطعهم بانقطاع المصلحة التي لأجلها يشرع العمل بالشاذ ويرام”[11] وإذا فلا بد من اشتراط الاستمرار والاتصال كما يوخذ من مواقف المفتين والفقهاء بصفة عامة.

4. شرط آخر مستنبط مما سبق

وهو أن يتقبله، من طرف قاض أو مفت، علماء العصر القاطنون بمحل صدوره، لأن قبولهم إياه هو الذي يؤكد وجود الشروط المذكورة، وإلا بأن وقع إهماله، أو مخالفته بقي محل نظر وتساؤل، ومن ذلك مثلا ترك اللعان وحرمان الزوج منه[12] واعتبار ثلاثة أشهر في عدة المطلقة الحائض دون الأقراء[13] وعدم رد الدواب بالعيب إذا مر عليها بيد مشتريها شهر كامل[14]، فهذه الجزئيات ونحوها مما قيل إن العمل قد جرى فيها بخلاف ما كان قبله، وهو هنا العمل باللعان، واعتبار الأقراء في العدة دون الأشهر، ورد الدواب بالعيب لأكثر من شهر، لم يتفق شهداء العصر من الفقهاء على ذلك، بل ادعته طائفة وعارضته أخرى، ولذلك بقي دون رتبة ما جرى به العمل.

ثانيا: الفرق بينه وبين ما يلابسه

تلك كانت شروط ما جرى به العمل، وهي شروط لابد منها، إذ بها يتميز عما يلابسه ويمتزج به لكونه مشاركا له في اللفظ، والذي يتوهم أنه منه عملان:

1. ما يدخل تحت المشهور أو الراجح

وهو ما اقترن به لفظ العمل على أية حالة كالمعمول به، أو الذي عليه أو به العمل أو هو ما عمل به… فإن هذا مصطلح قديم، ومصدره هو الرجحان أو الشهرة، ومصطلحنا قد يكون قولا مخرجا غير وارد بين أقوال الأيمة السابقين بعينه[15] وقد يكون شاذا، أو ضعيفا نسبيا عند غير من أجرى به العمل، أو مساويا لغيره فترجح بعد ذلك، لسبب اقتضى ترجيحه، فهو إذا أعم من المعمول به بمعنى المشهور أو الراجح من حيث الأصل والتكوين والنشأة، وقد نقل صاحب البهجة ما يشير إلى ذلك فقال: “وقد يعبر بالعمل عما حكمت به الأيمة لرجحانه عندهم لا لعرف ولا لمصلحة، ومنه قول خليل: وهل يدعي حيث المدعي عليه، وبه عمل”[16] كما قال أي صاحب البهجة: “والعمل الذي يعبرون به عن الراجح يجب أن يستمر على حاله، ولا تجوز مخالفته”[17] إنه كما نرى لا يتكلم عما جرى به العمل بمعنى المصطلح الذي تبلورت شخصيته بالمغرب، وإنما يقصد ما كنى به الفقهاء في كل بلد عن المشهور أو الراجح بدليل قوله: “لرجحانه عندهم لا لعرف ولا لمصلحة”، ومصطلحنا أغلب ما يدخل تحته ما انبنى على المصالح والأعراف[18]، وقوله “والعمل الذي يعبرون به عن الراجح” إذ مصطلحنا أيضا ليس معبرا به عن الراجح فحسب، بل عنه وعن غيره، وباختصار مدلول مصطلح ما جرى به العمل الذي استقر أمره بالمغرب غير مصطلح ما جرى به العمل على الصعيد الفقهي العام[19]منذ عصر مبكر.

2.ما يجري بين عامة الناس

وهو العمل الذي لم يقل الفقه فيه كلمته بعد، فإن هذا أيضا لا يدخل تحته “لأن العوائد أو الأعراف تعتبر سببا للأحكام الشرعية، والعمل هو حكم القضاة بالقول وتواطؤهم عليه”[20]، وفرق بين هذا وذاك، لأن الفقه عندما يتناول أعمال الناس ليبني عليها أحكامه لا يأخذها بعجرها وبجرها، وإنما يأخذ منها ما وجد له غطاء ما في طبيعته، ويرفض كل ما يتناقض معه، ومعنى هذا أن أعمال الناس ليست مهيمنة على الفقه، ولا حجة عليه، وإنما الفقه هو المهيمن والحجة، وإلا كان مشروعا كل ما ينبثق عن أهواء الناس، ويستقر بينهم بدعوى أن العمل قد جرى به، وما على الفقه إلا أن يباركه ويستسلم له، وهذا لم يقله أحد من أهل العلم المعتبرين، بل إن “مراد الأيمة بقولهم هذا القول جرى به العمل أنه حكمت به الأيمة واستمر حكمهم عليه”[21]، لا مجرد إجراء العوام العمل به العمل أنه على سبيل العرف والعادة من غير استناد لحكم من قول أو فعل[22] إذ هذا لا يمكن أن يرتقي إلى أن يكون حكما شرعيا يلزم الفقهاء أن يأخذوا به عملا وإفتاء وحكما، وإنما يمكن فقط أن يكون سببا يشجع على بناء حكم شرعي عليه، مع إضافة غيره إليه، وهذه التفرقة الظاهرة بينهما هي ما يؤخذ من كلام مجموعة من الأيمة التي أدلت بدلائها في هذا الموضوع[23]، ولكن على الرغم من ذلك فالذي يظهر أن شيئا من الاختلاط بين العملين قد وقع بالفعل في أذهان البعض فجاز عليه أن أدخل في جملة عمل الفقهاء وأعطاه حكمه ما هو من عمل الناس المعتاد بينهم، يدل على ذلك مثل قول شارح العمل معلقا على ما ادعى من جريان العمل بترك اللعان، و”انظر هل ترك الناس له بمعنى عدم قيام الأزواج به طلبا للستر، أو ترك القضاة الحكم لمن طلبه، والأول أظهر”[24]، فإنه لا يقصد أن كلا من العملين جائز أن يكون مرادا ولكن الإرادة في أولهما أكد منها في الثاني، إذ هو نفسه سبق له أن قال: “الذي يذكر في العمليات إنما هو عمل القضاة لا عمل الناس وعاداتهم”[25].

وإذا فهي تهمة موجهة إلى من أخبر بأن ترك اللعان مما جرى به العمل كأبي زيد الفاسي[26] وهو المقصود هنا، والزقاق الذي ذهب إلى ذلك قبله[27]، وفحوى هذه التهمة أن ذلك البعض قد وهم أو غفل فضم عمل الناس إلى عمل الفقهاء وجعلهما في خانة واحدة، مع ما بينهما من البون الشاسع.

ومثل هذا أيضا ما نقله فيما قيل من جرى العمل ببيع الرقيق على البراءة وترك عهدة ثلاثة أو ستة أيام[28]، وهو أن المدعين ذلك “إن أرادوا أنه لم يجر بهما عرف ولا شرط فليس هذا من عمليات الحكام والمفتين، وإنما هو من عمليات المتبايعين، وليس الكلام في بيان عوائدهم الجارية بترك المباح والواجب”[29]، فيه أيضا تهمة بأن المدعين ذلك جعلوا عمل الناس كعمل الفقهاء وأضفوا عليه صبغة شرعية لا أساس لها تستند عليه.

وإذا فالاختلاط بين العملين كان ملحوظا منذ الوهلة الأولى، وربما تسرب بسببه إلى حيز ما جرى به العمل ما ليس منه، ومن أثر هذا الاختلاط في مجتمع اليوم أن كثيرا حتى من الذين لهم انتماء إلى العلم يرون أن مطلق عمل الناس حجة على الفقه، وهو اتجاه خطير جدا لأنه يحمل معاول هدم الفقه من الفقه نفسه.

والخلاصة أن عمل الناس ليس حجة على الفقه، ولا عبرة به قبل أن يحظى بتأشيرة المرور، وأن العمل الذي اعتبره المحققون هو العمل الذي مر في مصنع الفقه، وحظي بقبول من يعتد برأيه وعمله.

ثالثا: هل له صلة بعمل أهل المدينة؟

ويمكن أن يؤخذ من بعض البحوث أنه؛ (أي ما جرى به العمل بالمغرب) هو امتداد لعمل أهل المدينة حتى قيل إن: “الفقهاء الذين يقولون بعدم لزوم ذكر من أجرى العمل وإنما ذكره على سبيل الجواز، لهم سوابق من طرف الإمام مالك رضي الله عنه في هذا الموضوع بالنسبة لعمل أهل المدينة، فالإمام مالك في الموطأ لا يذكر أسماء من أجروا العمل، وإنما يكتفي بقوله: الأمر المعمول به عندنا، وعليه العمل عندنا، ليس مما مضى عليه أمر الناس، وهو الأمر المجتمع عليه عندنا”[30]، ومعنى هذا باختصار أن ما قيل إن العمل قد جرى به وجب اعتماده ولو لم يعرف قائله، ولا مجريه، ولا سبب جريانه، لأن الإمام يأخذ بعمل أهل المدينة دونما بحث عما هو خلفه، وبما أن العملين متساويان فينبغي أن يكون الطريق إليهما واحدا، أي يؤخذ بما قيل إن العمل قد جرى به دونما تكلف، أي سؤال عما يمكن أن يتعلق بذلك، والحقيقة تتبين ـ إن شاء الله ـ بعرض مقدمات في عمل أهل المدينة والحكم بناء على مقتضاها.

1. عمل أهل المدينة 

وهو حسب الاستقراء ثلاثة أنواع:

أ. سنة متواترة:

ومعنى ذلك أنه لو نظر إليه من أية نافذة لا يتشخص إلا أنه فرع من سنة رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فالإمام مالك مجتهد مستقل، وهذه صفة من شأنها أن تبعد أنه أخذ به لمجرد كونه وجد الناس عليه، لأن ذلك يتنافى مع الاجتهاد المقيد فضلا عن الاجتهاد المستقل، ولو فرض أنه أخذ به اتباعا وتقليدا، فهل كان يسمح لنفسه أن يقلد من لا يعرفه، ولا يعرف حالته مفصلة دينا وفقها؟ إن ذلك لأمر بعيد كل البعد، والأقرب إلى الصواب أنه أخذ به لملحظ آخر هداه إليه اجتهاده وملازمته دار الوحي ومقره، وهو أنه رآه عملا عليه صبغة دينية مظهرا واعتقادا، وما كان كذلك لا يكون إلا منقولا عن صاحب الشرع، والنقل كما يكون بالقول يكون بالفعل، بل في الحالة المفروضة يكون الفعل أقوى وأرجح[31] لأن القناة الرابطة بينه وبين رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قصيرة نسبيا.

وإذا فالعمل الذي قصده مالك هو عمل بطائفة من سنن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، متجسدة في حركات الناس وأحوالهم وسلوكهم العام، وأنها انتقلت إليهم بطريق ولو كان هناك طريق أعلى من التواتر لكان هو ذلك الطريق، وكونه بهذه الصفة هو ما يوخذ من أن “أهل المدينة كانوا أقرب من مواقع الوحي، وأجدر أن يحافظوا على ما سمعوه وتعلموه، وما يجري به عملهم لاشك أن يكون قد رئي وسكت عنه على الأقل من رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ومن الصحابة، وهم حديثو عهد النبوة وبالتشريع وباجتهاد الصحابة الأولين”[32].

إن صاحب النص، كما نرى، يجزم بنفي الشك عن رؤية عملهم من طرف الرسول، صلى الله عليه وسلم، وبسكوته عنهم، وما رآه وسكت عنه هو من السنة بدون شك أيضا، ويقول ابن خلدون في معرض تعليل أخذ مالك به: “إنه رأى أنهم فيما ينفسون عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم ضرورة لدينهم واقتدائهم، وهكذا إلى الجيل المباشرين لعمل النبي، صلى الله عليه وسلم، الآخذين ذلك عنه”[33]، فهذا كذلك حكم من ناقد اجتماعي كبير، بأن مالكا أخذ بعملهم لأنه رأى أنهم كانوا تابعين لمن قبلهم في الفعل والترك، وذلك لما اتصف به اللاحقون والسابقون من شدة التمسك بالدين، وحب الاقتداء بمن هم أهل لذلك، إلى القدرة العليا المتمثلة في الرسول، صلى الله عليه وسلم.

وانطلاقا من هذا الوضع وصل الإمام، رضي الله عنه، إلى أن العمل المذكور يقضي على ما روي مخالفا له من طريق الآحاد، لأنه سنة متواترة أخذت عن صاحبها بالرواية الفعلية العملية، والتواتر مقدم على المنقول آحادا، ولا يمكن أن يكون هناك ما يعارضه من جنسه في موضوعه، وهذا ما يقرره النص التالي: “إذا خالف العمل الحديث المروي عن الآحاد، كان العمل من قبيل النقل، فلا شك انه من قبيل تعارض الأحاديث، فيقدم ما جرى به عمل أهل المدينة”[34]، فقوله (فيقدم ما جرى به عمل أهل المدينة) يتضمن أن سنده أقوى وأصح مما روى قولا عن طريق سلسلة منفردة الحلقات، أي أنه من قبيل المتواتر إذ لا معنى لتقديمه على ما توفرت فيه شروط الصحة من خبر الآحاد إلا ذلك، ويحوم حوله أيضا قول من قال: “فهذا النقل وهذا العمل حجة يجب اتباعها، وسنة متلقاة بالقبول على الرأس والعين، وإذا ظفر العالم بذلك قرت به عينه واطمأنت إليه نفسه”[35].

وباختصار فإن نصوص الأئمة، بعد قضاء العقل، متواطئة على أن من عمل أهل المدينة ما هو في حقيقة أمره حديث، وأنه من النوع المتواتر، وحسبما بلغت إليه، ليس هناك من تردد في كونه كذلك إلا محمد أبو زهرة، إذ قال: “إنه نقل متواتر، أو على الأقل مشهور مستفيض”[36]، وأضيف تأكيدا أن “العمل النقلي الذي تواتر نقله بالمدينة من عهد الصحابة إلى عصر مالك… اعتمده مالك بصفته شرعا مقطوعا به، ثبت عن صاحب الرسالة بالتواتر، فاتفاق أهل المدينة عليه يشكل حجة قاطعة يجب المصير إليها، لا يخاف في هذا أحد من المالكية ولا من أرباب المذاهب جميعا، ولا يختلف مالك ولا المالكية عن غيرهم في أن  حجيته القطعية هي ناشئة عن تواتره، لا عن دعوى العصمة لأهل المدينة، صحابة أو غيرهم، ولا يتصور وجود دليل قاطع يعارضه، لامتناع تعارض القاطعين ولا يلتفت إلى ما يخالفه من أخبار الآحاد وغيرها من الظنيات”[37].

ب. ما أثر عن الصحابة

وهو عمل راجع إلى إجماعات الصحابة الاجتهادية التي نقلها أهل المدينة نقلا متواترا إلى عهد مالك، رضي الله عنه، مثل إجماعهم على إعطاء الجدة السدس في الميراث، وعلى منع بيع الطعام قبل قبضه، وعلى بطلان زواج المسلمة بغير المسلم، وعلى صحة نكاح التفويض بدون تسمية مهر، وعلى حرمة الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، وعلى حرية الزوج في الطلاق دون سؤاله عن السبب، وعلى تحريم شحم الخنزير قياسا على لحمه، وعلى حجب ابن الابن بالابن، وعلى أن الإخوة للأب يقومون مقام الأشقاء عند عدمهم، وغير ذلك من إجماعاتهم الاجتهادية.

وهذا النوع لاحق بما نقل عن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، على الطريقة المشار إليها، لأن إجماعات الصحابة حجة عند جميع المسلمين ما عدا من لم يؤبه بخلافهم كالنظام وشيعته[38] وبعض الخوارج والشيعة، وهي إن نقلت عنهم بالتواتر فلا يسع مسلما ملتزما أن يتركها، وفي ذلك يقول عبد الله الداودي: “إن كلا من عمل أهل المدينة: النقلي المتواتر، وعملها الاجتهادي الذي هو من إجماع الصحابة الذي استقر، واستمر الاتفاق عليه، لا ميزة فيه للمالكية، وأن كلا منهما لا خلاف على حجيته القاطعة، لا تنفرد المالكية في ذلك بشيء عن غيرهم”[39] وإذا فالأخذ به أخذ بقطعي لا يتصور له معارض، وأن قطعيته لم تأت أيضا من عصمة أهل المدينة وإنما أتت من كونه إجماع الصحابة المنقول عنهم بالتواتر.

ج. ما أثر عن غير الصحابة

وهو عمل راجح إلى اجتهاد من بعد الصحابة إلى عصر مالك، رضي الله عنه، وهذا فيه خلاف بين العلماء، فمنهم من رأى أن الإمام لم يأخذ به أبدا، وأن عمله كان قاصرا على ما سواه، ومنهم من رأى أنه أخذ به، ولكن في دائرة محدودة، أي أنه اعتبره راجحا على ما يعارضه من اجتهادات غير أهل المدينة فقط،  ومنهم من وسع الدائرة وذهب إلى أنه أخذ به واعتبره راجحا على جميع ما يخالفه من الظنيات بما فيها خبر الواحد، والقياس، وظواهر النصوص، أي جعله كالنقل المتواتر المشار إليه مع استثناء الخطأ، وجواز الأخذ بغيره من اجتهادات العلماء غير المدنيين، ويرى عبد الله الداودي أن الرأي الذي يعمم أخذ مالك باجتهاد أهل المدينة قديمه وحديثه هو الأقرب إلى الصواب، لأنه لو لم يكن هو مقصوده والمعروف عنه لما كان عليه بخصوص الأمر الأول أي اعتراض، لا من المالكية، ولا من غيرهم، وذلك لاتفاق الجميع على حجية ما نقله أهل المدينة متواترا عن الرسول، صلى الله عليه وسلم، وعلى ما نقلوه كذلك من اجتهادات الصحابة، ومن قوله في هذا: “ما سارت إليه هذه الفئة الكثيرة، وفيها الفقهاء المغاربة من التعميم في أهل المدينة هو الذي يمثل المذهب في حقيقته بشهادة الواقع في مسائل المذهب، وفي المسائل منه التي خالفت عمل المدينة القديم الذي كان فيه الخلاف باعتماد عملها الجديد، وشهادة أقوال صاحب المذهب وفتاويه، وبهذا يكون عمل المدينة نقلا أو اجتهادا حجة عند مالك سواء في عصره، أو فيما قبله، وإن كانت الحجية عنده ليست واحدة في جميع الأقسام”[40].

على أن الذي ينبغي أن ينبه إليه هنا هو أن هذا العمل الاجتهادي الأخير ليس المقصود به عمل جميع أهل المدينة، بل هو عمل أكثريتهم فقط، وإلا فقد كان هناك عمل الأقلية المخالف لما أخذ به مالك وهو ما يشير إليه الداودي المذكور بقوله: “الاحتمال الراجح أنه ما أراد في الموطأ في المسائل الاجتهادية بكلمة المجتمع عليها ونحوها إلا اتفاق الأكثر من علماء المدينة ممن حظوا بتقديره وثقته”[41].

2. ما يوخذ من هذه المقدمات

وبالنظر فيما ذكر يتبين أن لا صلة لما جرى به العمل في المغرب بعمل أهل المدينة كما توهمه البعض حسبما أشير إليه سابقا سواء انتمى إلى السنة المتواترة أو إلى إجماعات الصحابة الاجتهادية التي تواترت عنهم، بل لا علاقة له حتى باجتهادات من بعد الصحابة إن سلم بأن مالكا أخذ بشيء منها فعلا، لأن أخذه بها إن تم فإنه على ما يظهر ـ كان مقيدا بكونه عن مدينة معهودة، وليس ذلك فحسب حتى يمكن أن يقاس عمل غيرها على عملها، بل هو عمل أهل مدينة لهم ولها من الاعتبارات الشرعية ما ليس لغيرهم ولا لغيرها[42]، وحجيته على القول بها إنما أنيطت بتلك الاعتبارات فقط، ومعلوم أن العلة إذا كانت قاصرة على معلولها لا يتأتى بها إلحاق، ولا يجري على أساسها قياس.

على أنه من الممكن أن يقال إن مالكا لم يأخذ به لمجرد أنه عمل موصوف بما وصف به، وإنما اجتهد فيما رآه حوله بالمدينة من عمل بصفة عامة، فأخذ منه ما ترجح لديه على ضوء أصوله، ورفض غيره كما لمح إليه قبل قليل، وبذلك تكون القضية خارجة عن نطاق العمل نهائيا، ويستأنس في هذا بقول القائل “لم يحتج (مالك) بعمل أهل المدينة إلا فيما تناقلته الأجيال منهم تواترا منذ العهد النبوي، ولم يسلك في غير المتواتر إلا مسلك المقارنة والترجيح بين الظنيات، واختيار أقواها وأقربها إلى الحق والصواب من منظور اجتهاده”[43]، ويؤازر هذا ما ذكره ابن حزم من أن هناك فتاوى مدنية صحيحة معنى ونقلا تركها الإمام مالك وأصحابه مفتين بما يخالفها[44]، ووجه دلالة هذه الإشارة على ما نحن بصدده هو أن العمل لو كان معتبرا بحد ذاته، وأصلا بنفسه عند مالك لأخذ بجميع أفراده وجوبا، وذلك ما قد يؤدي إلى الجمع بين المتناقضين لإمكان اختلاف العمل في جزئية واحدة بل لوجوده بالفعل في جزئيات متعددة، وبما أنه أخذ منه وترك، دل ذلك على أن العمل من حيث هو لم يكن معتبرا لديه، وإنما المعتبر كان هو العمل الذي يرجع إلى مخرج ما في حساب اجتهاده.

وعلى هذا وذاك فهل تبقى في الواقع أو في الاعتبار شبهة ما تشجع على ربط ما جرى به العمل في بلد ما بما سمي بعمل أهل المدينة غير مجرد الاجتهاد، أي كما اجتهد الإمام، فلتلاميذه أن يجتهدوا مهما أبعدتهم عنه الأزمان؟ الذي أعتقده هو النفي، وذلك لاختلاف الموضوعين على أية حالة قلبا عليها، أي لا يصح أن يكون الأول أصلا للثاني، بل لما جرى به عمل غير أهل المدينة أصول أخرى يرجع إليها، لأنه إن كان لدرء مفسدة فهو على أصل مالك في سد الذرائع، وإن كان لجلب مصلحة فهو على أصله في المصالح المرسلة وإن كان لمراعاة عرف، فالعرف أصل من أصول الأحكام، وهو راجع إلى المصالح المرسلة كذلك[45] وأيا ما كان الأمر فلا علاقة له بعمل أهل المدينة.

رابعا: مكانه بين مصطلحات أقوال الأيمة

وإذا لم يصح ربطه بعمل أهل المدينة لذلك الفرق الشاسع بينهما فإنه من الممكن أن يربط بالمشهور، وبيان ذلك يتم إن شاء الله بعرض دليلين ودفع ما يمكن أن يعكر على ربطه به، وخاتمة.

1. شبهه بما شهره المتأخرون

وذلك أن من الجزئيات ما لم يرد فيه قول عن المتقدمين؛ لأنه لم يحدث في أزمانهم، وأن المتأخرين الذين حدث في أزمانهم قد اختلفوا فيه، وكان ما أجمعت عليه الكثرة هو المشهور، ومعنى ذلك أن المشهور غير مختص بما نقل عن المتقدمين بل ما أفتى به من له أهلية الترجيح من المتأخرين وتبنت فتواه كثرة من العلماء ولو نسبية يرتقي هو الآخر إلى درجة المشهور، سواء أتى في حلة قول جديد مبني على قواعد المذهب وأصوله، أو في حلة قول مذهبي ترجح لديه بعد أن كان مساويا لغيره، ومثل ما يوضح هذا ويزكيه ما يحكيه الونشريسي في ثمرة الشجرة القائمة في صحن المسجد إذ يقول: “وأما أكل ثمارها فلم يتكلم عليه المتقدمون من شيوخ المذهب، ووقع بنوازل ابن سهل ثلاثة أقوال، أحدها تكون لجماعة المسلمين، الثاني للمؤذنين وشبههم من سدنة المسجد وخدامه، والثالث إن ذلك للفقراء والمساكين والصحيح المشهور من هذه الأقوال أن ذلك لجماعة المسلمين”[46]، فالمسألة لم يؤثر فيها قول عن المتقدمين، لا مشهور ولا غيره[47]، ولذلك اختلف فيها المتأخرون، وكان المشهور من الخلاف ما تبناه أكثر عدد من فقهائهم عددا أو حكما، ومثل هذا في الفقه المطلق والفقه النوازلي كثير جدا[48]، ولهذا كان المشهور يختلف من مكان لأخر، إذ ثبت أن “العراقيين كثيرا ما كانوا يخالفون المغاربة في تعيين المشهور، ويشهرون بعض الروايات”[49] أي المخالفة لما رواه المغاربة، ومعنى ذلك أن بعض ما كان مشهورا بالعراق كان شاذا بالمغرب والعكس صحيح.

وإذا كان المشهور يتعدد وكان منه ما شهره ذوو الكفاءة من المتأخرين فإن ما جرى به العمل في المغرب هو قسم منه، لأنه مثله في التكوين والنشأة والهدف، فلماذا لا يكون مثله في النظر والاعتبار والمكانة، وإن أطلق عليه اسم خاص به لملحظ اقتضاه؟

التصريح بأنه من المشهور

وأقصد أن كثيرا ممن تكلم فيه؛ (أي فيما جرى به العمل في المغرب) يصرح بأنه من المشهور فهذا الدكتور الجيدي معلقا على الوسيلة اليقينية التي يثبت بها العمل يقول: “ووجه اشتراط الشرط الأول أن القائل في مسألة معينة، بهذا جرى العمل، قضية نقلية ينبني عليها حكم شرعي فلابد من إثباتها بنقل صحيح حتى يصبح في قوة المشهور والراجح”[50] ومقتضى النص أن ما جرى به العمل بعد توفر شروطه هو إما مشهور إن كان منفردا، وإما أشهر إن كان في مقابل مشهور، لأن ما يصبح في قوة الشيء القوي هو قوي مثله، ويقول: “إذا جرى العمل بشيء أصبح مساويا للقول المتفق عليه، والراجح، والمشهور والمساوي لمقابله”[51]، والذي يهم هنا هو مساواته للأشهر الذي عبر عنه بالراجح، والمشهور الذي صرح بلفظه، وعليه فلا مانع من أن يقال إنه بالفعل الأشهر إن كان يقابله مشهور، أو المشهور فقط إن لم يكن له مقابل متصف بالشهرة.

والذي يؤكد أن ما جرى به العمل يعتبر من أفراد المشهور أو الأشهر هو إجماع فقهائنا على احتضانه، ووجوب العمل به إذا قام على شروطه المذكورة[52] وظنهم السوء ونقصان الدين بمن يخالفه[53]، وما كانوا ليقفوا منه هذا الموقف لولا أنهم اعتبروه مشهورا أو أشهر وأيضا نجدهم قد ردوا الكثير مما قيل أن العمل جرى به، وما ذلك لأنهم لم يروا أسباب الشهرة قد توفرت له حتى يخرج عن نطاق الضعف والشذوذ.

3. دفع ما قد يعكر على ربطه بالمشهور

وهناك ما يوهم أنه ليس من المشهور، ولكن عند النظر والتأمل يرتفع الوهم وينبلج الحق، والذي يوهم ذلك ثلاث دعاوى:

أ. إن العمل مرهون بسببه، وإذا ارتفع السبب ارتفع معه المسبب، ويعود السلطان إلى المشهور[54] أو إلى الحالة التي كانت قبل ذلك أيا كانت، وهذا مردود بأن المشهور أيضا مرهون بسبه، والدليل على ذلك أنه قد يتجلى عن وظيفته لمشهور آخر، فمثلا “العلم كان قديما بقول ابن القاسم باعتبار الحال في المحجور دون الولاية، ثم جرى العمل بقول مالك باعتبار الولاية، ثم جرى في المائة التاسعة بقول ابن القاسم[55] وهكذا يتناوب الحضور على ساحة العمل مشهوران حسب معطيات الظرف الزماني، كما أنه أي المشهور قد يتخلى عن وظيفته لما جرى به العمل عند قيام سببه، وإذا فإن نيابة مشهور عن مشهور، أو عما جرى به العمل، ونيابة ما جرى به العمل عن مشهور أو أكثر، كل ذلك واقع بين الفقهاء، بل هو أمر مألوف بينهم[56] وعليه فالمشهور وما جرى به العمل واقعان في درجة واحدة.

ب. إن العمل المقصود على البلد الذي وجد فيه سببه[57]، وهو أيضا مردود بأن المشهور نفسه قد يختلف من بلد إلى بلد لسبب خاص يقتضي ذلك، كما رأينا بالنسبة للعراق مع المغرب، ولا غرابة في الأمر، لأن المشهور قائم على الاجتهاد، والاجتهاد قد يتغير بتغير البيئات والظروف والأحوال، وهذا أيضا موجود في غير مذهب مالك، يقول ابن عبدين: “ما خالف فيه الأصحاب إمامهم الأعظم لا يخرج عن مذهبه إذا رجحه المشايخ المعتبرون، وكذا ما بناه المشايخ على العرف الحادث لتغير الزمان أو للضرورة ونحو ذلك، لا يخرج عن مذهبه أيضا، لأن ما رجحوه لترجح دليله عندهم مأذون به من جهة الإمام، وكذا ما بنوه، على تغير الزمان والضرورة باعتبار أنه لو كان حيا لقال ما قالوه، لأن ما قالوه إنما هو مبني على قواعده أيضا فهو مقتضى مذهبه[58] وإذا كان المشهور يتغير باعتبار الزمان فإن ما جرى العمل مثله، أو الصحيح أن ما جرى به العمل يكون مثله تماما.

ج. إن الفقهاء أعطوه اسما خاصا به ولو كان مثل المشهور لأطلقوا عليه لفظه، والذي أراه أن الذين كانوا يقبلون القول ممن رجحه وأفتى أو حكم به كان ورعهم وتواضعهم يمنعانهم من الجهر بتشهيره حتى لا يرفعوا أصواتهم فوق أصوات المشايخ الكبار، ويضعوا أنفسهم في مقام المشهورين، ولهم أسوة في ذلك، فمثلا هذا خليل في مختصره كان “إذا ظهر له ترجيح أحد الأقوال، ولم ير ذلك منصوصا فإنه لا يرجح ما ظهر له تورعا منه ـ رحمه الله ـ لئلا يلتبس بما رجحه غيره”[59]، وكم من مسألة ذكر فيها قولين أو أقوالا[60] وقصده طبعا أن الكل مشهور، ولكن ذلك لا ينفي احتمال أنه كان يرى أحد القولين أو الأقوال أكثر شهرة من الآخر، إلا أنه فضل السكوت على التصريح بذلك لمجرد أنه لم ير أحدا نص على أرجحيته[61]، فهم إذا فيما صنعوا تابعون لا مبتدعون.

4. خاتمة إمكان ربطه بالمشهور

والذي نخرج به من هذه الالتفاتة أن ما جرى به العمل في المغرب داخل فيما شهره المتأخرون بعد اعتماده ممن يعتمد نظره ابتداء أو ترجيحا، ويمكن أن يطلق على الجميع المشهور الفرعي في مقابل المشهور الأصلي الذي نقل عن الإمام والتلاميذ، وأساس ذلك أن هذا يجب على من ليس أهلا للاجتهاد أن يأخذ به دون أن يسأل عن دليله، أما ذلك الذي رجحه أحد الأيمة وتلقاه عنه غيره بالرضا والقبول، فإنه لابد أن يكون غير مخالف لقواعد المذهب، ولا لنص أو إجماع أو قياس جلي، وأيضا المشهور الأصلي يبقى دائما معتبرا، بمعنى أنه غاب السبب الذي رجح ما أصبح مشهورا فرعيا تجب العودة فورا إلى المشهور الأصلي، ولعل هذا التقسيم هو ما لاحظه الفقيه الحجوي عندما قال: “إن الفقه في المغرب كان فقهين الفقه الأصلي المذكور في الموطأ والمدونة وغيرهما، وفقه العمليات، وهو ما حكم به القضاة مقلدين لقول ضعيف، مخالفين للراجح والمشهور لأمر اقتضاه”[62]، فالذي عبر عنه بالفقه الأصلي هو المشهور الأصلي، لأنه نسبه إلى الموطأ والمدونة وغيرهما من كتب الإمام والتلاميذ، وما عبر عنه بالعمليات هو المشهور الفرعي، أما ربطه إياها بالتقليد للقول الضعيف فهو على ما يظهر ناتج عن مجرد تجوز، لأنهم لم يقلدوا الضعيف، وإنما أخذوا به على أنه قد أصبح مشهورا بعد أن رجحه من هو أهل للترجيح، وقبل أنداده منه ذلك حتى اشتهر فيهم واستفاض، ومن ثم قيل: “ما جرى به العمل له مستند إن لم يكن من المتقدمين، فهو تخريج من المتأخرين فلا ينبغي الطعن عليه”[63].

خامسا: حجيته عند فقهائنا

وإذا كان ما جرى به العمل هو ما ذكر فإن حجيته تحتل بعد القول المتفق عليه المكانة الأولى بين أقوال الأيمة عند فقهائنا بما فيها القول المشهور، ولتدعيم هذا الرأي نعرض واجهتين:

1. الواجهة النظرية

وتتجلى في حثهم على الأخذ به وتطبيقه دونما أي التفات لما قد يكون معارضا له فهذا الفقيه التاودي يقول: “ما جرى به العمل مقدم على المشهور فكيف على غيره؟[64] وذلك هو ما ذهب إليه كل من الزرقاني والبناني أيضا إذ قال الأول: “ما جرى به العمل مقدم على المشهور”[65] ونقل الثاني أنه “إذا جرى العمل ممن يقتدى به بمخالف المشهور لمصلحة وسبب فالواقع في كلامهم أنه يعمل بما جرى به العمل وإن كان مخالفا للمشهور”[66]، وهو كذلك ما استخلصه الدكتور الجيدي من كلام الأيمة إذ قال: “وحيث وجد في المسألة القول المشهور أو الراجح، والقول المعمول به قدم في الحكم القول المعمول به”[67]، وباختصار كل فقهائنا على هذا، أي إذا اجتمع المشهور أو الأشهر مع ما جرى به العمل يقدم هذا الأخير ويوخد بحجيته دون حجيتهما.

2. الواجهة التطبيقية

وتتجلى في أنهم يتهافتون عليه في الفتوى والحكم، ولا يعدلون عنه إلا عند عدمه، أو عند عدم سلامته من القوادح، فالبكر ذات الأب لا تخرج عن ولايته ولو طال مكثها تحت عصمة الزوج[68]، وهناك قول منسوب لابن القاسم وهو أنها تخرج عن ولايته إذا مرت عليها سبع سنين وهي في حبل الزوجية وعلى هذا القول اعتمد مفتونا لأن العمل قد جرى به دون غيره[69]، والمنكوحة زمن الاستبراء لا يتأبد تحريمها على المشهور إن كان الاستبراء من سبب النكاح بزناه بها ثم عقد عليها في زمن الاستبراء، وبهذا العمل وبه كان يفتي محمد بن غازي [70] وفيمن حلف بالحرام أن لا تدخل المرأة داره فدخلتها بعد تسع سنين لتعوده في مرض نزل به، قال القصار: “المشهور لزوم الثلاث، وصحح كثير من المحققين لزوم واحدة بائنة، والفتوى به”[71]، واختلف العلماء هل يأخذ أهل البيت من الصدقة أم لا، على أربعة أقوال، كما ذكر ابن غازي، وبعد أن أتى بعدة دلائل من السنة على أنه لا يجوز لهم أن يأخذوا شيئا منها، واجبة كانت أو تطوعية، وحكى جواز أخذهم صدقة التطوع دون الفريضة، وجواز أخذهم الفريضة دون التطوع قال: “الرابع يحل لهم التطوع والفريضة… ثم عقب قائلا: “وبه الفتوى في هذا الزمان الفاسد الوضع خشية عليهم من الضيعة لمنعهم من حق ذوي القربى”[72]، وأفتى العربي بردلة بأن بينة اللفيف إذا احتج بها محتج للحصول على الحق الذي تضمنته لا يعول عليها إلا بعد الأداء أمام قاض، لأن ذلك هو ما وجد العمل عليه في وقته[73]، والرسم الذي حررت عليه تلك الشهادة يجب إعطاء نسخة منه للمشهود عليه عند إرادة استفسار الشهود، لأن الاستفسار قد نص عليه المتأخرون ممن كانوا قبله، وهو لا يتأتى إلا بأخذ نسخة من الرسم، وذلك هو ما أدرك العمل عليه[74] وإذا ظهر عقد التطوع بالإقالة في مبيع ما، وادعى البائع أن عقد البيع فاسد لأنه كان بشرط الثنيا، والتطوع إنما كان صوريا لا غير، فإن القول قول من يدعي أنها كانت شرطا في أصل العقد مع يمينه، وإذا تمت الإجراءات فسخ البيع، لأن ذلك هو ما أدرك عليه شيوخه من قضاة العدل[75]، وقد كان العمل في هذه الجزئية أيام صاحب العمل الفاسي جاريا بسماع قول مدعي الطوع كما هو مذكور في عملياته[76]، ومن مات من الموصى لهم قبل انقطاع الولادة فلا شيء له، ولا لورثته من الثلث الموصى به، وليس للباقين على قيد الحياة إلا الاستغلال، ولا يملك رقبة الثلث الموصى به إلا من كان موجودا من العقب الموصى لهم يوم انقطاع الولادة، بهذا كله أفتى العربي بردلة، لأن عمل الفقهاء والمفتين قد جرى به[77]، ويظهر أن العمل بهذا لم يبق معتبرا في عهد التاودي، إذ عرضت عليه مثل النازلة، فأفتى بأن في غلة الموصى به قولين، قيل تقسم على الموجودين، وهو المختار، وقيل توقف حتى تنقطع الولادة، ورقبة الثلث لا يجوز قسمها للجهل بكل مستحقيه، أما إن مات بعض الأحفاد الموصى لهم قبل انقطاع الولادة، فإن المسلمين منهم في عقد الوصية يعدون أحياء،  وتعطى انصباؤهم لورثتهم، والظاهر أن غير المسلمين أيضا يدخلون، لأن ذلك هو غرض الموصي[78]، بهذا أفتى ولم يشر إلى أن العمل قد جرى بشيء في هذه الجزئية قبله، وموقفه دليل إما على عدم استقراره أي العمل المدعى لأنه لم يحظ بقبول كل العلماء، وإما على النسخ بناء على تغير السبب الذي أوجبه.

واللفيف إذا شهد أفراده في حق وأدوا على القاضي قبل موتهم عمل بشهادتهم، وحكم بمقتضاها، فإذا ما ماتوا قبل الأداء، فلا يقضى بشهادتهم المكتوبة من غير أداء، قال بردلة المفتي: “هذا الذي أدركنا عليه العمل بفاس”[79]، وإذا وقع نزاع بين الموصى له الذي التزم الموصي في عقد الوصية بعدم الرجوع فيما أوصى له به، وبين الورثة الذين استظهروا بشهادة الرجوع في تلك الوصية، كان الفقهاء يلجأون إلى إبرام الصلح بين المتنازعين، بحيث يأخذ كل طرف منهما النصف فيما تضمنته الوصية، بهذا أفتى بردلة أيضا قائلا: “جرى العمل قديما بفاس من أشياخنا وأشياخهم بالصلح بين الموصى له، وبين الورثة على أن النصف يكون للموصى له الملتزم في وصيته عدم الرجوع، والنصف لمن ينازعه برجوع الموصي عن وصيته”[80].

وبهذا أفتى التاودي بعد بردلة مما يدل على أن العمل به ظل قائما مستمرا، وأفتى هذا الأخير بأن شهادة اللفيف إنما تكون حجة إذا كان شهودها اثني عشر رجلا ليسوا بظاهري جرحة، ولا معروفين بالكذب، واعتمد في ذلك على ما جرى به العمل، وإلا فأمر اللفيف ضعيف، والأصل أن لا يوخذ أحد إلا بالعدول كما قال، ولابد على ما جرى به العمل كذلك من استفسارهم، ولو مر على شهادتهم أكثر من ستة أشهر[81] وهذا خلاف ما كان عليه العمل في عهد أبي زيد الفاسي أيضا، إذ كان جاريا كما يقول بقبول شهادة اللفيف ولو كان مركبا من ستة أفراد فقط كما كان جاريا بعدم استفسار شهوده، إذا مرت على شهادتهم ستة أشهر فأكثر[82] وفي نازلة وصي كان شريك محجوره في عقار، ومعهما شريك آخر فباع هذا الشريك العقار المذكور صفقة على شريكيه فشفع الوصي لنفسه دون محجوره، لأنه لم يكن في ملكه مال آنذاك، وكان ذلك بعد الحصول على إذن القاضي.

ولما كبر الولد بعد موت الوصي أراد أن يأخذ حقه في المشفوع أفتى التاودي المذكور بأن لا حق له في ذلك، ولا يسمع قوله لأن ذلك قد جرى به العمل بفاس[83]، ولا يلتفت لما قيل من أن العمل جرى بتمكينه من ذلك[84]، وأفتى بوجوب الشفعة في كراء الدور إذا كان الشفيع يريد أن يسكن بنفسه معتمدا كذلك على ما جرى به العمل[85]، وأفتى بأن غلل الزيتون والثمار التي تغلها الأشجار المحبسة لا زكاة فيها كما به العمل أيضا[86]، وفيمن أقر بأن شخصا معينا هو وارثه ذكر أن في المذهب قولين: التوريث وعدمه، ولكنه أفتى بالتوريث لأن به جرى عمل الفقهاء[87]، والربع المحبس إذا خرب وتدانى من الاندثار تجوز معاوضته بغيره سليما، ولا يجوز بيع الحبس بالثمن، على ذلك جرى عمل المغرب، وهو الرأي القوي في المذهب[88]، وأفتى بصحة الرسم القديم وإعماله بمجرد أن يجد فيه القاضي خطاب قاض آخر ويكتب عليه (أعملته)، وذلك اعتمادا على ما جرى به العمل أيضا[89].

وهكذا كانوا يعتمدون على ما جرى به العمل، ويقدمونه على غيره، سواء كان قولا منشأ أي لم يسبق إليه المتقدمون، أو كان في الأصل شاذا بجانب مشهور أو أكثر، أو كان ضعيفا في رأي منظر، فرجحه منظر أخر وأجرى العمل به واتبع في ذلك، أو كان مشهورا مساويا في كل شيء لمشهور يقابله، وبهذا استحق المرتبة الثانية بعد المتفق عليه كما سبق.

ومن البداية إلى هنا أكون ـ بعون الله ـ قد وفيت عمليا بما أجملته نظريا في قولي (العمل في الإفتاء المغربي) والحمد لله على كل حال، والشكر له على ما أنعم به مما هو قليل أو ذو شأن وبال.

د. محمد الهبطي

العمل في الإفتاء المغربي

 (العدد 15)

الهوامش

  1. انظر العرف والعمل في المذهب المالكي ومفهومهما لدى علماء المغرب، عمر الجيدي، مطبعة فضالة، ص: 342- 348.
  2. انظر المرجع نفسه، ص: 371.
  3. شريعة الإسلام خلودها وصلاحها للتطبيق في كل زمان ومكان، يوسف القرضاوي، بيروت، المكتب الإسلامي، ت 1983، ص: 80.
  4. مجموعة رسائل ابن عبدين، محمد بن عبدين، بيروت، دار إحياء الكتب، ص: 45.
  5. شريعة الإسلام، خلودها المعرف بها سابقا، ص: 112.
  6. المرجع نفسه، ص: 79.
  7. انظر العرف والعمل المعرف به سابقا، ص: 351.
  8. رفع العتاب والملام عمن قال العمل بالضعيف اختيارا حرام، محمد القادري، تحقيق المعتصم بالله البغدادي، بيروت، دار الكتاب العربي، ت 1985، ص: 24.
  9. انظر أجوبته، ط.ح. ضمن مجموع، م: 22/1.
  10. نوازله، ط.ح، ص: 288.
  11. تقييد الفتوى، محمد كنون، طبعة حجرية، ضمن مجموع: 1/8.
  12. انظر شرح العمل الفاسي، للرباطي، مخطوط، ص: 56.
  13. انظر شرح العمل الفاسي المذكور، ص: 56.
  14. انظر شرح العمل الفاسي المذكور، ص: 78. ونوازل بردلة المعرف بها 87.
  15. مثل شهر واحد في رد الدابة بالعيب، العمل الفاسي، مخطوط، ص: 78- 161.
  16. جواهر الإكليل بشرح مختصر خليل في مذهب الإمام مالك إمام دار التنزيل، صالح عبد السميع الأبي الأزهري، دار إحياء الكتب العربية، 2/232.
  17. البهجة في شرح التحفة، أبو الحسن علي التسولي، القاهرة، مطبعة حجازي، 1/22.
  18. انظر المجموع الكبير من المتون فيما يذكر من الفنون، ط: 2، ت 1354، ص: 187.
  19. انظر نظرية الأخذ بما جرى به العمل، عبد السلام العسري علي استانسيل، ص: 38.
  20. مقاصد الشريعة، لعلال الفاسي، الطبعة الثانية، مطبعة الرسالة، ص: 153.
  21. المرجع السابق.
  22. انظر شرح العمل الفاسي، مخطوط 303، عرف به.
  23. انظر رفع العتاب… ص: 44، عرف به.
  24. شرح العمل المذكور… ص: 56، عرف به.
  25. المرجع نفسه… ص: 6، عرف به.
  26. انظر المجموع الكبير من المتون… ص: 190، عرف به.
  27. انظر نفس المرجع، ص: 180.
  28. انظر نفس المرجع، العمل ص: 191، واللامية، ص: 180، عرف به.
  29. شرح العمل، ص: 72، عرف به.
  30. نظرية الأخذ بما جرى به العمل، ص: 11، عرف بها.
  31. انظر مالك بن أنس إمام دار الهجرة، عبد الحليم الجندي، مصر، دار المعارف، ص: 180.
  32. مقاصد الشريعة، لعلال الفاسي، ص: 147- 158، عرف بها.
  33. مقدمة ابن خلدون، عبد الرحمن ابن خلدون، مصر، مطبعة محمد عاطف، ت 1971… ص: 373.
  34. مقاصد الشريعة، علال الفاسي، ص: 150، عرف بها.
  35. أعلام الموقعين عن رب العالمين، ابن القيم الجوزية، تعليق عبد الرؤوف سعد، القاهرة، المطبعة المنيرية، ت 1968- 2/391.
  36. مالك حياته وعصره وآراؤه وفقهه، محمد أبو زهرة، القاهرة، دار الفكر العربي، 282ذ.
  37. مجلة الفقه المالكي والتراث القضائي بالمغرب، وزارة العدل بالمملكة المغربية، العددان 5- 6، ت 1987، ص: 73.
  38. هو أبو إسحاق إبراهيم بن سيار النظام من بدعته إنكار حجية القياس والإجماع، انظر الاعتصام، أبو إسحاق الشاطبي، بيروت دار المعرفة…1/207، وانظر الفرق بين الفرق وبيان الفرقة الناجية منهم، عبد القاهر البغدادي، ط: 1، بيروت، دار الآفاق الجديدة، ت 1975، ص: 113.
  39. مجلة الفقه المالكي، ص: 99، عرف بها.
  40. مجلة الفقه المالكي والتراث القضائي بالمغرب، ص: 89، عرف بها.
  41. نفس المرجع… ص: 97.
  42. انظر مالك: حياته وعصره، آراؤه وفقهه، ص: 280، ومالك ابن أنس: إمام دار الهجرة، ص: 174، عرف بهما.
  43. مجلة الفقه المالكي، ص: 102، عرف بها.
  44. انظر الإحكام في أصول الأحكام، لأبي محمد ابن حزم، القاهرة، مطبعة العاصمة… 4/556.
  45. انظر الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي، محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، المدينة المنورة، المكتبة العلمية، ت 1396، 4/406.
  46. نوازل العلمي، علي بن عيسى العلمي، ط. ح: 2/م: 9/8، مع طبعة وزارة الأوقاف، تحقيق المجلس العلمي بفاس ت 1983.
  47. مذهب مالك عدم غرس الأشجار في صحن المسجد، أنظر نفس المرجع، طبعة الأوقاف، 2/305.
  48. انظر على سبيل المثال جواهر الإكليل، 1/6، عرف بها.
  49. تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام، إبراهيم ابن فرحون، بيروت دار الكتب العلمية… 1/50.
  50. العرف والعمل: 360، عرف به، وانظر حاشية الرهوني على الزرقاني لمختصر خليل، محمد الرهوني، بيروت دار الفكر ت، 1978… 4/198.
  51. العرف والعمل، ص: 380، عرف به.
  52. انظر أجوبة التاودي، م 3/14 عرف بها، وانظر شرح الزرقاني على مختصر خليل، عبد الباقي الزرقاوي، بيروت، دار الفكر… 3/174.
  53. انظر العرف والعمل، ص: 364، عرف به.
  54. انظر البهجة على التحفة 1/22، عرف بها.
  55. انظر المرجع والمكان.
  56. انظر فتوى لأبي الحسن المجاصي بنوازل العلمي، 2/م: 5/19، ط.ح. عرف بها.
  57. انظر العرف والعمل، ص: 361، عرف بها.
  58. مجموعة رسائل ابن عبدين، ص: 25، عرف بها.
  59. مواهب الجليل بشرح مختصر خليل، محمد الحطاب، بيروت: دار الفكر ت 1985… 1/36.
  60. انظر مثلا مختصره بشرح جواهر الإكليل، 2/33، 34، 36، 47، 65، 70.
  61. انظر المرجع نفسه، ¼، عرف به.
  62. الفكر السامي، م: ج2، 4/165، عرف به.
  63. العرف والعمل، ص: 364، عرف به.
  64. أجوبة التاودي م: 3/14، عرف بها.
  65. شرح الزرقاني على المختصر، 3/174، عرف به.
  66. حاشية البناني على شرح المختصر للزرقاني، محمد البناني، بيروت، دار الفكر…7/124.
  67. العرف والعمل، ص: 379، عرف به.
  68. انظر مواهب الجليل… 5/67، عرف به.
  69. انظر نوازل العلمي، 2/م: 6/19، ط.ح، عرف بها.
  70. نفس المرجع… 1/66، ط. محققة.
  71. نوازل العلمي أيضا، 1/223، عرف بها.
  72. نوازل العلمي، ط. ح. 2/297، عرف بها.
  73. انظر نوازله، ص: 5، عرف بها.
  74. انظر المصدر نفسه، ص:32.
  75. انظر المصدر نفسه، ص: 88.
  76. انظر المجموع الكبير من المتون فيما يذكر من الفنون، ص: 193، وشرحه (مخطوط)، ص: 107، عرف به.
  77. انظر نوازل العربي بردلة، ص: 140، عرف بها.
  78. انظر أجوبة التاودي، م: 22/5، عرف بها.
  79. نوازله، ص: 146، عرف به.
  80. نوازل العلمي، ط. ح، 2/م. 6/22، عرفت.
  81. أجوبة التاودي، م: 1/11، عرفت.
  82. انظر شرح العمل الفاسي، مخطوط، 348، عرف به.
  83. انظر أجوبة التاودي، م: 1/8، عرفت.
  84. انظر أجوبة التاودي، م: 1/8، عرفت.
  85. انظر نفس المصدر، م: 5/22، عرفت.
  86. انظر نفس المصدر، م: 4/24، عرفت.
  87. انظر نفس المصدر، م: 4/17.
  88. انظر نفس المصدر، م: 4/12.
  89. انظر أجوبة التاودي، م: 4/20، عرفت.
الوسوم

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق