مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة عبد الله بن محمد ابن أبي بكر أبو سالم العياشي (ت1090هـ) واهتمامه برواية الحديث

الحمد لله الذي ورَّث العلم لمن اختارهم من عباده،  وجعلهم حجته على خلقه بعد أنبيائه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام العلماء، وقائد النبهاء والنجباء، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد؛

 فقد عرفت الحركة العلمية ازدهارا كبيرا على عهد الدولة العلوية الشريفة، في جميع العلوم، والمعارف، والفنون، وفي مقدمتها علم الحديث النبوي الشريف، الذي برز فيه مجموعة من العلماء المغاربة الجهابذة الكبار، واعتنوا به عناية فائقة من حيث الحفظ، والتأليف، والتدريس..

ومن بين هؤلاء الأعلام المغاربة، الذين اهتموا بالحديث النبوي الشريف:  العلامة، الحافظ، أبو سالم العياشي العلامة الكبير، الذي كانت له مشاركة في الدرس الحديثي على عهد الدولة العلوية،  ويتجلى ذلك في تأليفه في علم الحديث، ولمكانته في هذا العلم الشريف، خصصته بهذا المقال، وتناولت فيه ترجمته، وبيان اعتنائه بعلم الحديث؛  من خلال ما تركه من مؤلفات فيه، وذلك وفق الآتي:

أولا: التعريف بالمؤلف[1].

هو العلامة عبد الله بن محمد ابن أبي بكر أبو سالم العياشي،  ولد سنة (1037ﻫ)، أخذ عن والده، وأخيه عبد الكريم، وميارة، وأبي زيد ابن القاضي، وعبد القادر الفاسي، وأبي مهدي الثعالبي، والخرشي، والنور الأجهوري، وإبراهيم الميموني، والطرابلسي، وعبد السلام اللقاني، وإبراهيم الكوراني وغيرهم. وأخذ عنه كثيرون، منهم ابنه حمزة، وعبد السلام البناني، والحريشي.

كان فقيها، متقنا، عالما، عمدة، فصيحا، أريبا، رحالا، مفضالا، قدوة، وكان مشاركا في أنواع العلوم، قام برحلة مشهورة، دونها في كتابه المعروف: بالرحلة العياشية. له مؤلفات، منها:  الرحلة الكبرى الموسومة بـ: “ماء الموائد”، وُصِفت بأنها أعظم رحلات أهل المغرب العلمية، وقارنها بعضهم برحلة ابن رُشيد السبتي(ت721هـ)، في كثرة الفوائد، و”هالة البدر في نظم أسماء أهل بدر”، و”معونة المكتسب وبغية التاجر المحتسب”، وهو رجز نظم فيه بيوع ابن جماعة التونسي، ثم شرحها في “إرشاد المنتسب إلى فهم معونة المكتسب”، وإجازات وقصائد في المديح، إلى غير ذلك من المؤلفات المنبئة عن علو كعبه، وسمو منزلته، وغزارة علمه[2].

   توفي أبو سالم العياشي يوم الجمعة 17 ذي القعدة من سنة(1090هـ).

ثانيا : اعتناء العلامة أبو سالم العياشي بعلم الحديث النبوي الشريف.

كان للعلامة مشاركة في علم الحديث النبوي الشريف؛ وتتجلى مشاركته في هذا العلم الشريف من خلال ما يلي:

*اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر، أو مسالك الهداية إلى معالم الرواية، أو العجالة الموفية في أسانيد الفقهاء والمحدثين والصوفية، وهي فهرسة ذكر فيها شيوخه بالمغرب والمشرق في الحديث وغيره منها ثلاث نسخ بالخزانة الحسنية: 3917 ـ 12203 ـ 13942  [3] ، ونسختان بالوطنية الأولى تحت رقم: 956ج، والثانية تحت رقم: 2173/ 3د، ونسخة بآل سعود بالدار البيضاء رقم: 334/1.

قال العلامة عبد الحي الكتاني معرفا بفهرسة أبي سالم العياشي: ” مسالك الهداية إلى معالم الرواية: هي فهرسة أبي سالم العياشي، الأولى، قال: وإن شئت أن تسميها العجالة الموفية بأسانيد الفقهاء والمحدثين الصوفية، أو اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر، في نحو خمس كراريس، ألفها باسم القاضي ابن سعيد المكيلدي إجازة له، وفي بعض نسخها تصدير خطبتها باسم أبي سعيد عثمان بن علي اليوسي الشهير، هو المجاز بها، ترجم فيها لمشايخه المغاربة كوالده وأبي السعود الفاسي وأبي العباس أحمد بن موسى الأبار، وهو أعلى شيوخه إسنادا من المغاربة، وأبي عبد الله محمد بن أحمد ميارة وأبي بكر يوسف السجستاني وأبي عبد الله ابن ناصر الدرعي، وقد أجازة إجازة عامة، ونص إجازته له مثبوت في ” الزهر الباسم ” لحفيد أبي سالم، وكمشايخه المشارقة: أبي الحسن علي الأجهوري وإبراهيم الميموني والشهاب الخفاجي وعبد القادر بن جلال الدين المحلي الصديقي المصري وعبد الجواد الطريبي والشهاب أحمد بن موسى القليوبي وعلي الشبراملسي وعيسى الثعالبي ومحمد الطحطاوي والبابلي وتاج الدين المكي والزين الطبري وعلي الطبري وعلي الديبع الزبيدي وعلي باحاج اليمني وإبراهيم الخياري، يروي عن جميع هؤلاء عامة ما لهم، ما عدا والده فإنه أخذ عنه الطريق فقط، كما أخذ عن بدر الدين القادري الطريقة القادرية، وأبي اللطف الوفائي الوفائية، ومحمد باعلوي الحضرمي المكي الباعلوي وعبد الرحمن الزناتي المكناسي المكي والصفي القشاشي وزين العابدين البكري الصديقي الطريقة البكرية، وعبد الكريم الفكون القسمطيني وغيرهم، وقد ساق بعد تراجم مشايخه هؤلاء أسانيد بعض الكتب المشهورة، ثم إسناد بعض الفهارس نحو الخمسة عشر، ثم بعض الانشادات، ثم ختم بسياق كتاب ” النادريات من الأحاديث العشاريات ” للسيوطي، فهي للسيوطي عشاريات وللعياشي بثلاث عشرة واسطة، وهي ثلاثة أحاديث يأتي الكلام عليها في حرف النون. وأتم أبو سالم هذا الثبت سنة 1068 وبالجملة فهو ثبت حلو السياق جيد الأسانيد نفيس الاختيار لا ألطف منه في أثبات المغاربة بعد فهرس ابن غازي. قال عنه أبو عبد الله محمد المكي بن موسى الناصري في الروض الزاهر في التعريف بالشيخ ابن ناصر وأتباعه الأكابر: من أراد أن يعرف قدر مبلغ أبي سالم في العلم فليطلع على كتابه اقتفاء الأثر والرحلة يجده بحرا لا ساحل له” اهـ “[4] .

طبعت بتحقيق: نفيسة الذهبي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط، سنة: 1996.

*إتحاف الأخلاء بإجازات المشايخ الأجلاء  منه نسخة بالحسنية: 173[5] ، ونسخة بمؤسسة علال الفاسي: ع 296 [6] .

قال العلامة عبد الحي الكتاني: ” إتحاف الأخلاء بأسانيد الأجلاء لرواية المغرب أبي سالم عبد الله ابن محمد بن أبي بكر العياشي، وهو الثبت الثاني الذي ألفه أبو سالم ذكر فيه الاستدعاء الذي قدمه لمشايخه المشارقة يطلب فيه الإجازة لنفسه ولولده حمزة ولمن فيه قابلية من إخوانه وأبنائهم ولأخيه الأكبر عبد الكريم بن محمد ولابن أخته محمد بن محمد بن عبد الجبار ولإخوانه ولعثمان بن علي وعبد الرحمن ومحمد ابني شيخه عبد القادر الفاسي وأحمد بن العربي ابن الحاج والعربي بن أحمد بردلة ومحمد بن محمد ابن سودة ولغيرهم من أهل الصحراء، فأجازه على مقتضى طلبه يس بن الخليلي وإبراهيم بن عبد الرحمن الخياري المدني والمنلا إبراهيم الكوراني وزين العابدين الطبري وعيسى الثعالبي وخير الدين الرملي وعمر بن عبد القادر المشرقي ويوسف بن حجازي القاسمي الجنيدي الخليلي وعبد القادر بن الغصين الغزي وعبد الله بن محمد الديري وإبراهيم الميموني والخرشي عامة ما لهم، جمع إجازاتهم له ولمن ذكر في نحو كراسين، وسماه بما ذكر، وجعله آخر رحلته ماء الموائد إلا أن هذا الثبت لم يطبع معها”[7] .

قال عبد السلام ابن سودة: “هي فهرسته الصغرى؛ توجد آخر رحلته في بعض نسخها الخطية لكونها لم تطبع معها. ذكر فيها الاستدعاءات التي قدمها لمشايخه المشارقة؛ يطلب فيها الإجازات لنفسه ولولده حمزة المتقدم؛ ولجماعة من أشياخه وأقرانه”[8] .

وقد طبع بتحقيق: محمد الزاهي، بدار الغرب الإسلامي، بيروت سنة:
1420هـ ـ 1999م.

*استدعاء الإجازة، استدعى به عبد القادر الفاسي، منه نسخة بمكتة عبد الله كنون تحت رقم: 10377/3[9] .  

لقد تبين من خلال هذه الترجمة للعلامة أبي سالم العياشي، أنه كان من العلماء الذين لهم باع كبير في علم الحديث، على عهد الدولة العلوية الشريفة.

*******************

هوامش المقال:

[1]    من مصادر ترجمته: فهرسة أبي سالم العياشي اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر، صفوة من انتشر (ص: 325)، نشر المثاني (2 /254)، التقاط الدرر (ص: 212)  فهرس الفهارس (2 /832)،  شجرة النور (1/ 455) .

[2]    ينظر مقال حول ترجمة أبي سالم العياشي، للدكتور جمال قديم منشور على بوابة الرابطة المحمدية للعلماء.

[3]  الكشاف(ص: 43).

[4]   فهرس الفهارس(2 /586ـ 587 ـ 588)

[5]  الكشاف(ص: 12)

[6]   الفهرس المختصر لمخطوطات مؤسسات علال الفاسي (1/ 171).

[7]   فهرس الفهارس(1/ 169).

[8]   دليل مؤرخ المغرب الأقصى (2/ 285).

[9]    فهرست مكتبة عبد الله گنون (ص: 218).

************

 جريدة المصادر والمراجع:

إتحاف الأخلاء بإجازات المشايخ الأجلاء لأبي سالم العياشي، تحقيق: محمد الزاهي، بدار الغرب الإسلامي، بيروت سنة: 1420هـ ـ 1999م.

اقتفاء الأثر بعد ذهاب أهل الأثر لأبي سالم العياشي، تحقيق نفيسة الذهبي، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية المغرب 1966 م

التقاط الدرر ومستفاد المواعظ والعبر من أخبار وأعيان المائة الحادية والثانية عشر لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق: هاشم العلوي القاسمي، دار الآفاق الجديدة بيروت ط1ـ1403ـ1983م.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية لمحمد بن محمد بن عمر بن علي ابن سالم مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1 1424 هـ – 2003 م.

صفوة من انتشر من أخبار صلحاء القرن الحادي عشر لمحمد الصغير الافراني؛ تحقيق وتقديم عبد المجيد خيالي ـ مركز الثراث الثقافي المغربي الدارالبيضاء المغرب، ط1، 2004م، ـ 1425هـ.

 فهرس الفهارس والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات لعبد الحي بن عبد الكبير بن محمد الكتاني الحسني الإدريسي، تحقيق ذ إحسان عباس،  دار الغرب الإسلامي، ط2، سنة 1402ﻫ.

الفهرس الموجز لمخطوطات مؤسسة علال الفاسي، لعبد الرحمن بن العربي الحريشي. منشورات مؤسسة علال الفاسي، مطبعة الدار البيضاء، مطبعة الرسالة، الرباط، 1996-1997.

كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية، لعمر عمور، تقديم أحمد شوقي بنبين، منشورات الخزانة الحسنية.

نشر المثاني لأهل القرن الحادي عشر والثاني، لمحمد بن الطيب القادري، تحقيق: محمد حجي ـ أحمد التوفيق،  دار المغرب للتأليف والترجمة والنشر، 1397هـ ـ 1977م.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق