مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة المحدث الشيخ سيدي عبد الله التليدي رحمه الله، وجهوده في خدمة السنة النبوية تدريسا وتأليفا

 

 

 

 القسم السادس

7 ـ إتحاف أهل الوفا بتهذيب كتاب الشفا

 

     كتاب مهم جدا، خدم به الشيخ مؤلفا من أهم المؤلفات المتعلقة بحبيبنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وأحبه المغاربة – بصفة خاصة – كثيرا، والذي لولاه ولولا مؤلفه ما عرف المغرب، كما قيل قديما…وهو “الشفا بتعريف حقوق المصطفى” للقاضي عياض اليحصبي السبتي رحمه الله تعالى.

     قدم الشيخ رحمه الله للكتاب بمقدمة شملت: شخصية الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم، وكلمة عن تاريخ ما أُلِّفَ حوله عبر العصور، وترجمة للقاضي عياض، والشفا وما قيل فيه، ومنهج مؤلفه فيه وخلاصة ما أودعه فيه.

     وذكر بعض ما لوحظ على الكتاب وانتقد عليه؛ ومن ذلك جملة ليست باليسيرة من الأحاديث والأثار الباطلة والمنكرة، أورد الشيخ نماذج منها على سبيل المثال، مرتبة حسب ورودها في الكتاب.[1]

     وتحدث أيضا – كما هي عادته – عن منهجه وعمله في هذا التهذيب، والذي يمكن أن نصفه بإيجاز كما يلي:

     حذف الشيخ الأسانيد، وطرح من الكتاب كل ما فيه من الأحاديث والآثار الباطلة والضعيفة، سوى جملة يسيرة مما ينجبر، وهي قليلة جدا، وقد نبه عليها.

     وزاد الشيخ في تهذيبه بعض الأحاديث في صلب الكتاب وفي الهامش اقتضاها المقام، واضعا أمامها رمز [ز].

     وخرَّج رحمه الله كل هذه الأحاديث والآثار تخريجا علميا استدرك فيه على القاضي عياض رحمه الله بعض تقصيراته في العزو والتخريج، وحكم عليها بما يناسبها من صحة أو حسن مع التنصيص على الشواهد والمتابعات…

      وهو في تهذيبه هذا؛ اتبع عموما القاضي عياض رحمه الله في تخطيط مُؤلَّفِه، إلا ما كان من “استبداله لفصوله بعناوين خاصة مناسبة، وفي بعض الأحيان يغير بعض عبارات الكتب وكلماته وجمله”.[2]

     كما حَشَّى الكتاب بتعليقات وشروح وفوائد، حقق فيها القول في كثير من القضايا التي أَشْكَلَت واختلفت فيها أنظار أهل العلم؛ فجاء هذا التهذيب كافيا شافيا في بابه، مُتحِفا لقرائه ودارسيه بغُرَر الفوائد ودُرَرِها.

 8 ـ تهذيب الخصائص النبوية الكبرى للسيوطي

      الخصائص الكبرى للإمام السيوطي رحمه الله تعالى، موسوعة ضخمة في موضوعها، وهي نتاج جهود كثير من المؤلفين السابقين لزمن السيوطي؛ إلا أنه من المؤسف أَنَّ نِصْفَ ما أُورِدَ في الكتاب ضعيفٌ، وفيه الكثير مما حُكِم عليه بأنه منكر أو موضوع[3]… لهذه الأسباب قام الشيخ رحمه الله بخدمة هذا الكتاب وتهذيبه.

     وكان منهج الشيخ رحمه الله فيه، شبيها بما هو في تهذيبه للشفا؛ إذ قام بحذف كل ما وُجِد فيه من أحاديثَ وآثارٍ باطلة ومنكرة وضعيفة، مع طَرْحِه للمُكرَّرَات، وزيادتِه لأحاديثَ رأى أن المقام يُلِحُّ عليها وتُكَمِّلُ الباب.

     وخرج الأحاديث والأثار التي بلغت ستمئة وأربعة وتسعين أثرا؛ تخريجا مدقَّقا كعادته في جميع مصنفاته، متتبِّعا لِلطُّرُق والشواهد، وحاكما على الأسانيد والمتون. وقد استدرك في تخريجاته على الحافظ السيوطي رحمه الله أوهاما وقصورا في التخريج في كثير من المواطن…

     هذا كله مع خدمة المتن في الحاشية ببيان غريبه، وتوضيح مضمونه، وذلك من أول الكتاب إلى آخره.

 9 ـ إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة

      موضوع فقه السنة كَتَبَ فيه بإفراد قليل من العلماء، كالبغوي في كتابه “شرح السنة”، وابن القيم في كتابه “زاد المعاد في هدي خير العباد”، والسيد سابق في كتابه “فقه السنة”…

     وقد ساهم الشيخ التليدي بدوره في هذا الموضوع وأدلى بدلوه فيه؛ فوضع كتابا في فقه السنة خاصة سماه: “منهاج الجنة في فقه السنة” تتبع فيه ما صح أو حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم في العبادات على الخصوص. ثم شرحه بعد ذلك بهذا الكتاب: “إتمام المنة”، وذلك بذكر أدلة متن “منهاج الجنة” وتخريجها والكلام عليها، مع الإشارة إلى مذاهب الأئمة والإجماعات التي يذكرونها، وبعض التعليقات…[4]

     وقد ذكر الشيخ في مقدمة الكتاب ملاحظة هامة جدا، فقال: “وإفرادنا لهذا الفقه النبوي على الخصوص لا يعني أننا نهمل باقي الفقه الإسلامي الواسع، ونعرض عنه ونعاديه، كلا بل لا مندوحة لنا عنه، ومن الاستفادة منه والعمل بما نراه موافقا للصواب أو قريبا منه، فإن اجتهادات الأئمة واستنباطاتهم إذا لم تكن مصادمة لنصوص الشرع لا حرج في الأخذ بها، ولاسيما بالنسبة للعامة والقاصرين من أهل العلم الذين ليست لهم أهلية ولا مقدرة على الاجتهاد، وإنما الحرج والإثم واللوم على الآخذين بالآراء وأقوال أهل العلم المخالفة لنصوص السنة المحمدية الصحيحة والجمود على ذلك، كأنها قرآن منزل من عند الله تعالى.[5] 

 10 ـ كشف الكربة بتخريج أحاديث شرح البردة

       وهو تخريج للأحاديث والآثار التي ورد ذكرها أو أشير إليها في شرح العلامة المفسر الصوفي سيدي أحمد بن عجيبة الحسني رحمه الله، لقصيدة “البردة” المشهورة للإمام شرف الدين البوصيري رحمه الله.

     وتظهر أهمية هذا العمل في كونه يزيح الستار عن كثير من الأحاديث والآثار المشتهرة على الألسنة في مجتمعنا المغربي خاصة، بسبب غرام أهله وهيامهم بهذه القصيدة المباركة وما ألف حولها…

     ومنهج الشيخ التليدي فيه، أنه: “يعزو الحديث إلى أصوله من غير استيعاب، ويبين رتبة الحديث من صحة وضعف غالبا، لأن هذا هو المقصود الأهم”.[6]

     وقد بلغ عدد الأحاديث والآثار التي خرجها الشيخ وعزاها إلى أصولها ومصادرها، مع بيان رتبتها من الصحة أو الضعف، حوالي: أربعمئة وستة وثمانين حديثا أو أثرا بالتقريب. فحسب الإحصاء الأولي الذي قمت به، وجدت أن الأحاديث والآثار المخرجة تشمل:

     حوالي تسعة أحاديث حكم الشيخ بأنها متواترة، وحوالي مئة وثلاثة عشر حديثا عزاها الشيخ في تخريجها للبخاري ومسلم معا، وحوالي خمسة وأربعين حديثا عزاها للبخاري وغيره، وحوالي سبعة وسبعين حديثا عزاها لمسلم وغيره، وحوالي مئة وثمانية حديثا، حكم الشيخ عليها أو على أسانيدها بالصحة، وحوالي ستة وعشرين حديثا حكم الشيخ عليها بأن أسانيدها حسنة؛ أو أنها حسنة بمجموع متابعاتها وشواهدها، وحوالي سبعين حديثا حكم الشيخ عليها بأنها ضعيفة؛ ومنها ما حَكَم عليه بالنَّكَارَة، والضَّعْف الشديد، وحوالي واحدا وثلاثين حديثا حكم عليها بأنه لا أصل لها؛ إما إطلاقا، وإما من حيثُ نسبتُها إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قوله، وحوالي سبعة أحاديث حكم الشيخ عليها بأنها موضوعة.

 11 ـ اليواقيت والجواهر بمعرفة رواة الصحابة المشاهير

      هذا المؤَلف فريد في بابه حقا، ومبتكَر في موضوعه، يقول الشيخ: “أفردت في هذا الكتاب ما هو مشهور من الصحابة متداول ذكره بكثرة في كتب السنة وأمهاتها المشهورة؛ إما بروايته عن النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، أو بشهرته بذكره في قصة أو حديث…فإن معرفة أمثال هؤلاء أهم شيء، إذ هم رواة السنة بكثرة تَتَكَرَّر أسماؤهم كثيرا، ومعرفة الأحكام فرعُ معرفةِ رُوَاتها ولاسِيَّما الصحابة لأنهم في الدرجة الأولى من رواة السنة المحمدية، فلولاهم لما عرفنا شيئا منها”[7].

     والكتاب اشتمل على تسع وثلاث مئة ترجمة، مرتبة على حروف المعجم، بعد أن قدم الشيخ تراجم خاصة لها الأسبقية، وهي: ترجمة رسول الله صلى الله عليه وسلم باختصار، ثم تراجم أهل الكساء من آل بيته الأطهار، ثم أمهات المؤمنين، ثم أقاربه المشاهير، ثم باقي الخلفاء الراشدين وباقي العشرة.[8]

     ويذكر الشيخ في جل التراجم عدد الأحاديث التي رواها الصحابي صاحب الترجمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن أخرجها من أصحاب الأمهات.

     وقد قدم للكتاب بمقدمة مفيدة، تحدث فيها عن: تعريف الصحابي، وعدد الصحابة، وطبقات الصحابة، وأفضل الصحابة، وعدالة الصحابة وفضائلهم، وعدد الصحابة الذين رووا لنا السنن، والمكثرون والمقلون منهم، وفوائد الاطلاع على تراجمهم، ومنهجه في الكتاب.

     هذه أهم مؤلفات شيخنا العلامة الفقيه والمحدث الحافظ سيدي عبد الله التليدي الحسني، رحمه الله تعالى ورضي عنه، التي خدم بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم، جمعا، وتهذيبا، وتخريجا، وجرحا وتعديلا، وتصحيحا وتضعيفا، وشرحا وتبيانا.

     وله مؤلفات غيرها في موضوعات خاصة، ضمت مجموعة كبيرة من الأحاديث النبوية الصحيحة مع التخريج والشرح، يضيق المجال عن التفصيل فيها، نذكر منها: “اعرف نبيك من صحيح السيرة العطرة” و”فضائل الصحابة” و”الأنوار الباهرة بفضائل أهل البيت والذرية الطاهرة” و”طريق الجنة” و”المبشرون بالجنة” و”مع السابقين إلى الجنة بلا عتاب ولا عقاب” و”دار الأفراح في القرآن والسنة الصحيحة” و”الأربعون حديثا في الخوف والرجاء” و”الفوائد الجلائل بتخريج أحاديث السيرة والشمائل” و”زاد المتقين من صحيح أذكار وأدعية سيد المرسلين” و”نزل الأبرار بتكفير ما تقدم من الذنوب وما تأخر” و”استمطار الرحمات بإحياء السنن المهجورات” و” الشفاعة وأنواعها في السنة المطهرة” و”العبر من عجائب الأقدمين” و”أحب الأعمال إلى الله” و”مناقب الأمة المحمدية وخصائصها” و”نصب الموائد بذكر الفتاوى والنوادر والفوائد” في خمسة أجزاء… وغيرها من المؤلفات التي نيفت على السبعين.

نسأل الله أن يرحم شيخنا ويسكنه الفردوس الأعلى، وأن ينفع بعلمه ومؤلفاته، وأن يبلغه آماله، وأن يعلي مقامه عنده… اللهم آمين.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وزوجه وحزبه

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

*****************

 المصادر والمراجع:

1-  إتحاف أهل الوفا بتهذيب كتاب الشفا، الشيخ عبد الله التليدي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثانية: 1433هـ/2012م.

2- إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة، عبد الله التليدي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الأولى: 1420هـ/1999م.
3- تهذيب الخصائص النبوية الكبرى، الشيخ عبد الله التليدي، دار البشائر الإسلامية، الطبعة الثالثة: 1433هـ/2012م.
4- كشف الكربة بتخريج أحاديث شرح البردة، للإمام العارف بالله سيدي أحمد بن عجيبة الحسني رحمه الله، عبد الله التليدي، مطبعة جريدة طنجة، الطبعة الأولى: 2009م.
5- اليواقيت والجواهر بمعرفة رواة الصحابة المشاهير، عبد الله التليدي، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1434هـ/2013م.

***********

 هوامش المقال:

[1]  تنظر هذه النماذج في: إتحاف أهل الوفا، ص: 23 – 29.

[2]  المرجع نفسه، ص:30، بتصرف يسير.

[3]  كما أشار شيخنا إلى ذلك في مقدمة تهذيب الخصاص، ص: 15.

[4]  إتمام المنة بشرح منهاج الجنة في فقه السنة، ص:6ـ9، بتصرف.

[5]  المرجع نفسه، ص: 7ـ8.

[6]  كشف الكربة بتخريج أحاديث شرح البردة، ص:3.

[7]  اليواقيت والجواهر بمعرفة رواة الصحابة المشاهير، ص: 5.

[8]  المرجع نفسه، ص: 15، بتصرف.

بقلم الباحث: أسامة بن محمد الهدار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق