مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

العلامة المحدث أبو شعيب الدُّكَّالي تـ1356هـ

 

  هو شيخ الإسلام وحافظ المغرب العلامة المحدث الفقيه المقرئ، أبو شعيب بن عبد الرحمن الدُّكَّالي الصَّدِّيقي، أصله من الصديقات، أحد دواوير (مَداشر) أولاد عمرو الغربية من قبائل دُكَّالَة، وبيته بيت علم وفضل وصلاح، اشتهر بالعلماء والصلحاء، فجده الشيخ عبد العزيز، وعماه: أبو شعيب ومحمد ابنا عبد العزيز، كلهم كانوا من العلماء النبهاء.

  وفي هذا البيت المتأصل في العلم والشرف ولد الشيخ أبو شعيب، وكان ذلك يوم الخميس خامس وعشرين ذي القعدة عام(1295هـ)، فتعهده أبوه بالرعاية، ولما وصل إلى سن التعلم اختار له فقيها خاصا به، وهو الشيخ محمد بن الـمْعَاشي، فحفظ على يديه القرآن بالقراآت السبع، ولما توفي أبوه سنة(1300هـ)، كفله عمه الشيخ محمد بن عبد العزيز الصَّدِّيقي، الذي كان له الفضل في تعليمه وتلقينه، كما أخذ عن ولد عمه محمد بن عَزُّوز، وولد عمه الشيخ الطاهر قاضي مراكش، وكلهم كانوا من أهل العلم والخير والمروءة، وتوجه بعد ذلك إلى الرِّيف مُشَارِطاً أي إماما للناس ومعلما للصبيان، ثم تاقت نفسه إلى الرحلة خارج المغرب فسافر سنة(1314هـ) إلى القاهرة ومكث بها مدة طويلة، درس فيها على شيوخ الأزهر، مثل شيخ الإسلام سليم البِشْري(ت1335هـ)، ومفتي الديار المصرية الشيخ محمد بَخيت المطيعي(ت1354هـ)، والشيخ اللغوي محمد محمود التُّركزي الشنقيطي(ت1322هـ)، وغيرهم، ثم جاور بمكة بطلب من أميرها عون الرفيق باشا، الذي كانت له عنده حظوة ومكانة، فأكرمه وبالغ في تعظيمه، وولاّه الخطابة في الحرم، والإفتاء في المذاهب الأربعة، وهناك أيضا أخذ عن جل علماء تلك البقاع، واستجاز كثيرا من شيوخ العلم من البلاد الأخرى من يمنيين وعراقيين وشاميين وهنود.

  ومكَّنته هذه الرحلة من التبحر في العلوم، إلى جانب ما كان يتمتع به من ذكاء متقد، وحفظ تام، حتى غدا آية في حفظ الأحاديث والآثار واستحضار معانيها، والاطلاع على أقوال العلماء فيها، فقد حاز الإمامة في علوم الحديث والسنة، وفقه معاني الآثار، والخلاف العالي والنازل، ومعرفة أنظار أئمة المذاهب، ووجوه أقوالها، مع حفظ المتون والجمع بين الروايات، ومعرفة المخرجين والمتابعين وأنساب الرواة وتراجمهم، وهو كذلك متبحر في علوم القرآن وقراءاته وإعرابه، وناسخه ومنسوخه، وأحكامه ومعانيه، ووجوه بلاغته وأنواع تفسيره، ومتقن لعلم القراءات، عارف بوجوهها، ومتمكن في العلوم العربية بأنواعها، حاذق بفنونها.

  وفي سنة(1327هـ) انقلب الشيخ راجعا إلى المغرب، وقد انتشر صيته واشتهر أمره، فحظي بالإجلال والاحترام لدى من عاصر من السلاطين، فولاه السلطان المولى عبد الحفيظ رياسة الدروس الحديثية العليا التي كانت تُلقى بحضرة بفاس، كما تصدى لنشر العلم وتدريسه بكلية القرويين، وفي سنة(1329هـ) أُسندت له خطة القضاء بمدينة مراكش، ولما بُويع السلطان المولى يوسف ولاه وزارة العدل سنة(1330هـ)، كما أسند له رياسة مجلس الاستئناف الشرعي لما أحدثه سنة(1332هـ)، وأبلى في ذلك البلاء الحسن، إلى أن استعفى سنة(1342هـ) لأسباب صحية، فمنح لقب وزير شرفي، ليتفرغ بعد ذلك لتدريس العلم، وعقد مجالسه، كما أخذ على عاتقه مهمة الإصلاح، فتصدى لتصحيح العقائد والعبادات، ومقاومة الخرافات والأباطيل، مع ما تحلى به من سلامة الصدر، والسعي في إيصال الخير لكافة الناس، والتواضع وحسن الأخلاق، ويكفي في الدلالة على مكانته ذكر من تخرج على يده ولازم دروسه من علماء المغرب، فمنهم:الأستاذ المؤرخ محمد بن عبد السلام السَّائح(ت1367هـ)، والعلامة المحدث الفقيه الأديب محمد الـمَدَني بن الـحُسْنِي(ت1378هـ)، والعلامة المشارك عبد الحفيظ الفاسي(ت1383هـ)، ، والعلامة عبد الله الـجَرَّارِي(ت1402هـ)، وغيرهم، كما شهد بفضله القاصي والداني، فقد قال فيه الفقيه محمد بن الحسن الـحَجْوي في مختصر العُرْوة الوُثقى:«حافظ طبقت شهرته المغربين، حفظا وضبطا وعلما»، وقال الشيخ عبد الحفيظ الفاسي في معجم شيوخه:«أوحد علماء عصره، وأشهر علماء الغرب في وقته، من أهل التفنن في العلوم والاستبحار فيها والجمع لها»، وقال المؤرخ عبد السلام بن سودة في سلّ النِّصال:«الشيخ الإمام، علم الأعلام، المحدث المفسر الراوية على طريق أئمة الاجتهاد، آخر الحفاظ بالديار المغربية ومحدثها ومفسرها من غير منازع ولا معارض، وهو آخر من رأينا بل وأول من رأينا على طريق الحفاظ المتقدمين، الذين بلغنا وصفهم بالحفظ والإتقان والاستحضار، ولولا رؤيته وحضور دروسه لدخلنا الشك في وصف من تقدم قبله».

  ولم يكن له رحمه الله مؤلفات، وإنما كانت له خطب ومحاضرات، وملخصات وتقاريض كتب، وأقضية في مسائل حكم فيها،وإجازات أجاز بها تلاميذه ومن طلبها من الشيوخ، وبعض الرسائل المتبادلة بينه وبين علماء عصره.

  وفي ليلة السبت ثامن جمادى الأولى عام(1356هـ) اختاره الله إلى جواره بعد مرض عانى منه، وشيعت جنازته في حفل رهيب حضره الأشراف والعلماء والوزراء، وسائر طبقات الناس، ودفن بالضريح المكي بالرباط، وأنشئت في موته القصائد والمراثي رحمه الله.

  مصادر الترجمة: قدم الرسوخ لسكيرج(ص464)، ومختصر العروة الوثقى للحجوي(ص106)، ومعجم الشيوخ لعبد الحفيظ الفاسي(2/240)، وترجمة شيخنا أبي شعيب الدكالي لجعفر الناصري، وسل النصال لعبد السلام بن عبد القادر بن سودة(ص82)، والمحدث الحافظ أبو شعيب الدكالي لعبد الله الجراري، ومن أعلام الفكر المعاصر له أيضا(2/269)، وشيخ الإسلام أبو شعيب الدكالي الصديقي وجهوده في العلم والإصلاح والوطنية، مع ذكر ثلة من تلاميذه وآثاره لمحمد رياض.

  إنجاز: د.جمال القديم.

Science

الدكتور جمال القديم

باحث مؤهل بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء،

ومساعد رئيس مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بملحقة الدار البيضاء

مقالات ذات صلة

‫2 تعليقات

  1. السلام عليكم شكر الله للاستاذ الجليل جمال، جمل الله ايامك بذكره، وجمل سريرتك بفضله، والسلام عليكم

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق