مركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراثأعلام

( أبو زيد عبد الرحمن النتيفي الجعفري المغربي(ت 1385هـ

هو الإمام المحدث الحافظ، العلامة الحجة، والشيخ القدوة، الشيخ الفقيه الحاج عبد الرحمن بن محمد بن إبراهيم النتيفي، أبو زيد الجعفري، يرتفع نسبه الشريف إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

ولد الشيخ سنة 1303ه‍ بقرية المقاديد بقبيلة هنتيفة (أو انتيفة وهي من قبائل الأطلس المطلة على سهل تادلا)، ولما أتمّ عامه الرابع أدخله والده الكُتاب، فحفظ القرآن الكريم، ثم انتقل مع عائلته واستقروا في مدينة سطات التي تابع فيها حفظ القرآن بالروايات، فأتم بها قراءة الكسائي وحمزة، ثم طلب العلوم اللغوية والشرعية، فتتلمذ سنة 1319ه‍ على الفقيه الشيخ سيدي بوشعيب البهلولي الذي أولاه عناية كبرى لما رآه فيه من شدة النباهة والإقبال على طلب العلم، ثم سافر إلى فاس فأخذ عن عدة مشايخ؛ منهم العلامة الشيخ الفاطمي الشرايبي، والعلامة محمد التهامي كنون، والعلامة محمد بن جعفر الكتاني وخلق، وفي عام 1325ه‍ قصد مدينة مراكش فعرج على الدار البيضاء وألقى بها بعض الدروس ليتم بعدها رحلته إلى مراكش مع شيخه البهلولي الذي كان مقربا من السلطان المولى عبد الحفيظ، ثم قفل راجعا إلى فاس عبر الدار البيضاء ووجدها تئن تحت وطأة الاحتلال الفرنسي وشهد أثناء ذلك موقعة تدارت الشهيرة. زار الشيخ بعد ذلك العديد من القبائل والمدن يعلم الناس العقيدة الصحيحة ويحارب ما انتشر من البدع والخرافات وما يدعو له المتعصبة الذين كانوا مطية للاحتلال الفرنسي والإسباني، فعلا شأن الشيخ بين الناس لا يقطعون أمرا إلا بعد الرجوع إليه، وانتشرت أخباره بالأطلس الصغير فكثر الوافدون عليه قصد طلب العلم على يديه والجلوس في حلق دروسه، فأنشأ مدرسة بمدينة خنيفرة حتى تسع لجميع طلابه؛ ومن أبرزهم: الفقيه عباس التادلي، والعلامة المؤرخ محمد العبدي الكانوني، والقاضي أبو العباس أحمد بن قاسم المنصوري، وشقيق مترجمنا القاضي الأديب محمد، وولده الفقيه الحسن بن عبد الرحمن النتيفي الذي ألف ترجمة في أبيه.

كان منهجه في دروسه الكتاب والسنة والعقيدة الصحيحة، وكان يخللها بأحاديث الفضائل وسير السلف الصالح والصلحاء حتى لا يصيب الطلبة الملل والفتور، ثم غادر خنيفرة بعد احتلالها إلى فاس ودرّس بالقرووين ثم بالجامع السليماني بأبي الجعد. وفي عام 1341ه‍ استقر بمدينة الدار البيضاء وأنشأ بها مدرسة سمّاها السنة، واشتغل بالإمامة والتدريس والوعظ والخطابة والفتوى والمناظرة واهتم كثيرا بالتأليف سواء في بيان بعض المسائل المتعلقة بأحوال البلاد في تلك الفترة العصيبة، أو في الرد على بعض العلماء أو في ما تعلق بالفتاوى والنوازل؛ ومن مؤلفاته العديدة:

1. رد طعن الطاعنين في سحر اليهود لسيد المرسلين: في الرد على من طعن في الحديث الصحيح في المسألة، و عارض سحر النبي صلى الله عليه و سلم بالكلية، 2.المستغنم في بقاء الجنة و فناء جهنم، 3.المستغنم في رفع الجناح على المستخدم:  أفتى فيه بجواز الجمع بين الظهر و العصر للعمال الذين لا يتمكنون من أداء صلاة العصر في وقتها بسبب مشاكل العمل، 4.الإعلام في الرد على من حقر بعض شعائر الإسلام: رد فيه على مقال نشر بجريدة العلم هاجم فيه كاتبه سنة الأضحية، 5.الحكم المشهور في طهارة العطور وطهورية الماء المخلوط بالملح المسمى بالكافور، 6.الاستفاضة في أن النبي صلى الله عليه و سلم لا يرى بعد وفاته يقظة: و قد رد فيه على السيوطي، 7.الفائدة المسموعة في لزوم الواحدة في الثلاث المجموعة: في مسألة الطلاق الثلاث في الكلمة الواحدة، 8.اللمعة في أن كل مكان تصح فيه الجمعة: أفتى فيه بجواز الصلاة بجنبات المسجد، والحوانيت المجاورة له، إذا امتلأت رحابه، وهو رد منه على ما أفتى به بعض فقهاء الرباط وفاس بالبطلان،  9.فهرسته التي تشتمل على أسانيده و مروياته، و إجازة العلماء له، 10. أوثق العرى في الأحكام المتعلقة بالشورى، وغيرها من الكتب.

وقد أجازه كثير من علماء وقته؛ منهم العلامة أحمد بن الخياط، وأبو محمد الفاسي، والشيخ أبو شعيب الدكالي وزير العدل آنذاك، والقاضي مولاي علي الدمناتي.

توفي الشيخ رحمة الله تعالى عليه ليلة الثلاثاء 23 ذي القعدة عام 1385ه‍ الموافق ل15 مارس 1966م بعد مرض عضال، وكان الشيخ قد أوصى قبل وفاته بعدم تأبينه، وألا يُبنى على قبره وأن يُكتب على الشاهد: هذا قبر الراجي عفو ربه ومولاه، والتارك دنياه كما أسبلها عليه لا زاده من ذلك المرحوم بكرم الله عبد الرحمن بن محمد النتيفي.

حلّاه ممن عاصره من العلماء بأوصاف تدل على علو مكانته العلمية؛ فقال في حقه الشيخ أحمد ابن الخياط: الفقيه الأجلّ المدرس المحقق النفاعة المبارك الأمثل، وقال عنه الشيخ أبو شعيب الدكالي: الألمعي الذكي الحافظ اللودعي، وقال عنه السيد محمد بن أحمد قاضي مكناس: هذا يعمر المراتب كلها، وقال عنه القاضي الدمناتي: الفقيه العلامة النّجيب الذي بزغ بين أقرانه.

مصادر الترجمة:

مختصر ترجمة شيخ الإسلام عبد الرحمان النتيفي الجعفري، لابنه الفقيه حسن ابن عبد الرحمن النتيفي.

العلامة الشيخ أبو زيد عبد الرحمن النتيفي الجعفري، مقال للشيخ محمد زحل بمجلة الفرقان.

إعداد: ذة. غزلان بن التوزر

ذة. غزلان بن التوزر

باحثة بمركز الدراسات والأبحاث وإحياء التراث بالرابطة المحمدية للعلماء -ملحقة الدار البيضاء – منذ دجنبر 2011م إلى الآن.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. السلام عليكم و رحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيرا
    أود أن أعبر لكم عن مدى سعادتي بكم ,
    و أخبركم أن أول بحث أكاديمي عن العلامة النتيفي رحمه الله أنجزته بكلية الآداب ابن امسيك خلال الموسم الجامعي 1999 ـ2000م

  2. بارك الله فيكم اخوتي اخواتي وجزاكم الله خيرا على مجهودكم هذا الذي تبدلونه في خدمة العلم والمعرفة، او ان تسعفونني وتمدوا لي يد المساعدة والعون في البحث عن الجانب الفكري والاصلاحي للشيخ النتيفي رحمه الله لانني ساعد بحثا حوله في موضوع رسالة الماستر لهذا الموسم 2015/ 2016م ان شاء الله .تعالى وجزاكم الله خيرا

  3. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    جزاكم الله خيرا ونفع بكم، لقد قمت بتحقيق مخطوط للشيخ عبد الرحمان النتيفي الجعفريري قدمته لنيل شهادة الماستر وهو بعنوان "الذكر الملحوظ في نفي رؤية اللوح المحففوظ" دراسة وتحقيقا أسأل الله أن يكتب له القبول والنشر

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق