مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة أحمد بن محمد اليعقوبي التاكموتي المراكشي (1376هـ)، ودوره في خدمة الحديث

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه

      لقد اعتنى علماء سوس في عهد الدولة العلوية بعلم الحديث النبوي الشريف عناية خاصة، وكان ممن اهتم بهذا العِلم؛ العلامة أحمد بن محمد اليعقوبي التاكموتي المراكشي (1376هـ) رحمه الله؛ تجلى ذلك بوضوح من خلال ما كان يُدَرِّسه من فنون هذا العلم الشريف لطلبة العلم في المدارس التي تولى التدريس بها.

رغم أن مصادر ترجمة هذا العالم الكبير -حسب ما وقفت عليه- شحيحة لا تعطي صورة كاملة عن مجريات حياته العلمية والدعوية، اللهم ما ذكره العلامة محمد المختار السوسي في كتابه المعسول([1])،وكتابه الإلغيات ([2])، والعلامة عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة في كتابيه إتحاف المطالع ([3])وسل النصال([4]) ، والعلامة الأستاذ أحمد متفكر في معلمة المغرب([5])، وفي كتابه إتمام الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام([6])، وما جاء في مجلة السلام الصادرة في سنة 1934م ؛ لكن لم يتيسر لي الوقوف عليها ، وإنما عرفت ذلك بإشارة الأستاذ أحمد متفكر في كتابه إتمام الإعلام .

لأجل ذلك سأحاول التعريف بهذ العلم من خلال ما وقفت عليه من تلك المصادر باختصار، محاولة إبراز دوره في خدمة الحديث الشريف.

وهذا أوان الشروع في المقصود فأقول وبالله التوفيق:

أولا: التعريف الموجز  بأحمد بن محمد اليعقوبي التاكموتي([7])

هو العلامة الجليل الحافظ سيدي أحمد –المدعو  احماد – بن مَحمد بن محمد بن عبد الكريم اليعقوبي التاكموتي الملقب ب: أكرام، ولد بزاوية تاسيوين عام 1302هـ الموافق ل: 1884م.

ترادفت عوامل النبوغ عند  المترجم له؛  من  بيئة  علمية صالحة،  إلى رحلته إلى مدينة مراكش لطلب العلم ، ومواظبته على مجالسة العلماء والإفادة منهم ، إلى اشتغاله بالتدريس، وولايته للخطابة ، حتى وصفه الذين ترجموا  له بمفخرة العصر وأحد أنصار السنة قال عنه العلامة محمد المختار السوسي (1383هـ): “العلامة النفاعة الكبير السني المحدث المدرس الذي عاصرناه فعاصرنا منه مفخرة من مفاخر العصر”([8])، وقال الأستاذ أحمد متفكر:”داعية من دعاة السلفية وأحد أنصار السنة النبوية، واعظ متمكن بناصية القول، وصورة صادقة للمصلح النظيف الذي يعمل دون أن ينتظر أجرا على عمله” ([9])، وزاد في كتابه إتمام الإعلام قوله: “العلامة الجليل النفاعة الحافظ”([10])

ومن الشيوخ الذين لازمهم وأخذ عنهم أذكر منهم:  العلامة الحاج عبد السلام السرغيني (1354هـ) ([11])، والعلامة أبا شعيب الدكالي (1356هـ)([12])الذي أخذ عنه الحديث، وغيرهما.

ولنجابته التي عرف بها تولى التدريس بمدارس منها: مدرسة  مولاي الجيلالي الجعيدي بالويدان والرحامنة، ثم بجامع ابن يوسف بمراكش، ثم بالمدرسة الحرة التي افتتحها سنة 1355هـ الموافق ل: 1936م ([13])

عُرف العلامة أحمد بن محمد التاكموتي  بأخلاقه العالية، وطلاقة وجهه، وخفض الجناح لكل من يقصده من ذوي الحاجات، ومن مواقفه النبيلة التي كان له اليد الطولى فيها: تأسيسه للجمعية الخيرية الإسلامية التي كان من أنشط أعضائها([14]).

توفي رحمه الله تعالى إثر سكتة قلبية يوم الأحد في الثالث أو الرابع من شهر رجب عام 1376هـ الموافق ل: الرابع من شهر فبراير سنة 1957م، ثم شيعت جنازته بعد الظهر من يوم الاثنين وسط جمهور غفير.

ثانيا: دوره في خدمة الحديث النبوي الشريف

تصدر العلامة أحمد بن محمد اليعقوبي التاكموتي للتدريس والإمامة والخطابة ، ولا يتصدى لهذه المناصب إلا من كان أهلا لذلك ، وكانت مجالس دروسه مجالس إفادة واستفادة، لما يتميز به من فصاحة لسانه وحسن أدائه.

وكان لعلم الحديث النبوي الشريف حضور بَيِّن في مجالسه العلمية؛ حتى قال عنه مؤرخ سوس العلامة المختار السوسي في كتابه الإلغيات: “كانت له شهرة بالتدريس والإصلاح ومقاومة البدع ومزوالة الحديث، حتى تكونت له هالة متسعة” ([15])، وقال تلميذه ابن سودة (1400هـ): ” الشيخ الإمام العلامة المطلع الحافظ المستحضر النقاد المشارك، كانت له ملكة كبيرة في الحديث والفقه وعلوم الآلة، فهو من آخر العلماء الأثبات بمراكش”([16]).

وكان مما يقرئ من المؤلفات على لسان أحد تلامذته -وهو العلامة عبد السلام بن عبد القادر بن سودة- كتاب  الجامع الصحيح للبخاري ‘قال: ” اتصلت به لما كنت بمراكش عام اثنين وخمسين وثلاثمائة وألف، واستفدت منه، وحضرت بعض دروسه بجامع ابن يوسف بين العشاءين، لأني وجدته في تلك الآونة يدرس صحيح البخاري، فكان فيها مثال الحفظ والإتقان والاستحضار، رحمه الله رحمة واسعة. “([17]).

ومن الكتب التي كان يدرسها في هذا الفن كذلك كتاب: الموطأ للإمام مالك –رحمه الله-، والجامع الصحيح للإمام مسلم–رحمه الله-، وكتاب السنن لأبي داود–رحمه الله-  كما أفاده الأستاذ أحمد متفكر في كتابه: إتمام الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام([18]).

كما كان شديد العناية بالسنة النبوية، والذب عنها؛ بحيث كانت مواقفه صارمة في محاربة البدع المخالفة لسنة النبي صلى الله عليه وسلم.

وخلاصة القول يعد العلامة أحمد بن محمد التاكموتي المراكشي  من العلماء البارزين المعتنين بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في العهد العلوي المجيد من خلال:

عنايته بالحديث النبوي وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم والذب عنها.

عنايته بإقراء وتدريس كتب الحديث.

هذا ما تيسر لي ذكره عن المترجم له،  سائلة الله تعالى  أن يرحمه بواسع الرحمة والمغفرة وسائر علماء الأمة الإسلامية والحمد لله رب العالمين.

********************

هوامش المقال

([1])  المعسول (16 /100)

([2])  الإلغيات (ص: 15 في الهامش)

([3])  إتحاف المطالع (2 /562).

([4])  سل النصال (ص: 165).

([5])  معلمة المغرب (2 /610) كاتب الترجمة أحمد متفكر.

([6])  إتمام الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (1 /29-32).

([7])  اعتمدت في صياغة الترجمة على المصادر الأنفة الذكر لكن بتصرف

([8])  المعسول (ص: 100).

([9])  معلمة المغرب (2/ 610).

([10])  إتمام  الإعلام (1 /29).

([11])  تنظر ترجمته في سل النصال (ص: 77).

([12])  تنظر ترجمته في سل النصال (ص: 82).

([13])  معلمة المغرب (2/ 611).

([14])  معلمة المغرب (2/ 611) (بتصرف).

([15])  الإلغيات (ص: 15 في الهامش)

([16])  سل النصال (ص: 165).

([17])  سل النصال (ص: 165).

([18])  إتمام الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (1 /30).

**********************

لائحة المراجع والمصادر المعتمدة:

إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع. لعبد السلام بن عبد القادر ابن سودة. تنسيق وتحقيق: محمد حجي. دار الغرب الإسلامي بيروت. ط1/ 1417هـ- 1997م.

إتمام الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام. لأحمد بن محمد متفكر. المطبعة والوراقة الوطنية مراكش ط1 /2014م.

الإلغيات. لمحمد المختار السوسي. دار الكتب العلمية بيروت لبنان ط1 (د-ت).

سل النصال للنضال بالأشياخ وأهل الكمال فهرس الشيوح. عبد السلام بن عبد القادر ابن سودة. تنسيق وتحقيق: محمد حجي. دار الغرب الإسلامي. ط1/ 1417هـ- 1997م.

المعسول لمحمد المختار السوسي. طبع بمطبعة النجاح الدار البيضاء .

معلمة المغرب . من انتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر مطابع سلا. 1410هـ- 1989.

*راجع المقال بالباحث: يوسف أزهار

Science

دة. خديجة أبوري

  • أستاذة باحثة مؤهلة بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق