مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةأعلام

العلامة أبو الفيض حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي(1232) واعتناؤه بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم

الحمد لله الذي ورَّث العلم لمن اختارهم من عباده،  وجعلهم حجته على خلقه بعد أنبيائه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد إمام العلماء، وقائد النبهاء والنجباء، وعلى آله وصحبه .

وبعد؛

 فقد  ازدهرت الحركة العلمية والفكرية في عهد  الدولة العلوية الشريفة، ازدهارا كبيرا في شتى العلوم والمعارف والفنون، وفي مقدمتها سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم، التي اعتنى بها جماعة من العلماء المغاربة  الكبار، عناية تند عن العد والحصر من حيث الحفظ والتأليف والتدريس…

ومن بين  هؤلاء العلماء، الذين لهم مشاركة طيبة في خدمة سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم:  العلامة الحافظ حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي، الذي ألف فيها مؤلفات قيمة، ولهذا خصصته بهذا المقال، وتناولت فيه ترجمته، وما ألفه من مؤلفات في السيرة النبوية، وما كان يدرِّسه منها، وذلك وفق ما يلي:

أولا: التعريف بحمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي [1]

* اسمه ونسبه وولادته: هو حمدون بن عبد الرحمن بن حمدون  الشهير بابن  الحاج السُّلمي أصلا وحسبا المرادسي نسبا الفاسي دارا، ولد سنة: 1174هـ[2].

*شيوخه:

تلقى العلم على جماعة من العلماء منهم:

عبد الكريم اليازغي، الزهني(ت1199هـ)، ومحمد التاودي بن الطالب بن سُودة(ت1209هـ)،  والطيب بن كيران(ت1227هـ)، وسيدي عبد القادر ابن شقرون (ت1219هـ).

وأجازه الإمام المحدث أبو عبد الله محمد بن عبد السلام الناصري الدرعي(ت 1239هـ)، والإمام المحدث اللغوي محمد مرتضى بن محمد بن محمد  الحسني الواسطي الزبيدي الحنفي (ت1205هـ) شارح “الإحياء” و”القاموس”[3].

*تلاميذه:

أخذ عنه جماعة من العلماء منهم:

العلامة أحمد بن محمد بن عبد القادر البدوي(ت.1260هـ)، والعلامة المحدث عبد القادر بن أحمد الكوهن(ت.1254هـ)، قال رحمه الله: “أخذت عنه رضي الله عنه: التفسير بالبيضاوي وغيره، وصحيح البخاري ومسند أبي داود.. “[4]، وأبناه: الإمام العلامة، المؤرخ النسابة، الفقيه النوازلي، القاضي محمد الطالب بن حمدون(ت1273هـ)، والعلامة المحدث الأديب المشارك محمد بن حمدون(ت1274هـ).

*ثناء العلماء عليه:

أثنى عليه جماعة من العلماء منهم:

قال العباس بن إبراهيم المراكشي:  هو” الشيخ الإمام العالم العلامة الهمام المفسر المحدث الصوفي الفقيه، المبجل المعظم الوجيه النزيه، أديب الزمان، وفريد العصر والأوان، العارف بالله، القائم بسنة رسول الله، الممد بالمنح الإلهية، والمواهب الاختصاصية. كان رحمه الله ممن انتهت إليه الرياسة في جميع العلوم”[5].

وحلاه عبد السلام بن سودة بما نصه: ” الشيخ الشهير رئيس المنطوق والمفهوم، المفسر المحدث الأديب الشاعر المطلع”[6].

*مؤلفاته:

خلف العلامة حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج تآليف عديدة منها:

حاشية على تفسير أبي السعود ومتبوعه البيضاوي، وحاشية على مختصر السعد، وتفسير سور من القرآن، ومقصورة في علمي العروض والقوافي، ونظم الحكم لابن عطاء الله، ونظم مقدمة ابن حجر، وشرحها في سفر سماه: “نفحة المسك الداري، لقاريء صحيح البخاري، وتأليف في مسألة حذف لفظ “قال” من السند، وغير ذلك. وله أنظام كثيرة، وقصائد شتى، ووتريات على نسق وتريات البغدادي[7]، بعضها في مدح النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته[8] ـ سيأتي الكلام على بعضها ـ

*وفاته:

توفي رحمه الله عشية يوم الاثنين سابع ربيع الثاني عام اثنين وثلاثين ومائتين وألف (1232هـ) ودفن عن يمين شيخه سيدي الطيب ابن كيران بإذن أمر مولوي[9].

ثانيا: اعتناؤه  بالتأليف في السيرة النبوية والمديح النبوي:

يعد العلامة  حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج من العلماء المشاركين  في سيرة المصطفى ومدحه صلى الله عليه وسلم، على عهد الدولة العلوية؛ ويتجلى ذلك فيما ألفه من مؤلفات  في هذا الموضوع الشريف، وهي كالآتي:

* شرح نهج البردة   

اطلعت على نسخة منه بالمكتبة الوطنية تحت رقم: 2684د،  وهو في مجلد كبير عدد صفحاته: 480صفحة. جاء في ورقة منفردة بأوله ما نصه: “نهج البردة لسيدي حمدون بن الحاج وشرحها له أيضا مكتوبة بخط محمد بن الحسن أقصبي تلميذ المؤلف من مبيضته في حال حياته وقباله بها أيضا بعد مماته”.

أوله: الحمد لله الذي شرح صدورنا لحب حبيبه محمد…وبعد؛ فهذا شرح لقصيدتنا …

قال تلميذه عبد القادر الكوهن حين سرده لكتبه:  “ومنظومة ميمية في السيرة على نهج “البردة: اشتملت على نحو أربعة آلاف بيت، وشرحها له في خمسة أسفار “[10].

قال الكتاني في سلوة الأنفاس له: “منظومة ميمية في السيرة على نهج “البردة”؛ اشتملت على نحو أربعة آلاف بيت، وشرحها له في خمسة أسفار”[11].

قال عبد السلام بن سودة:  له”منظومة ميمية في السيرة على نهج البردة في نحو أربعة الآلاف بيت، وشرحها في خمسة أسفار لم يكمل وأكمله ولده أبو عبد الله محمد[12].ونهج البردة هي الميمية المسماة: عقود الفاتحة.

و الشرح المذكور عليها في خمس مجلدات طبع الجزء الأول كاملا في: 559 صفحة، ومن الثاني: 136 صفحة على الحجر بفاس[13].

*تخميس همزية البوصيري[14].

اطلعت على نسخة منه بالمكتبة الوطنية تحت رقم:  383د، ضمن ديوانه من ص: 1 إلى ص: 16.

مطلعه:

كنت نورا وكان ثم عماء** ونبيا وليس طين وماء

وإذا كان من علاك العلاء** كيف ترقى رُقيك الأنبياء

يا سماء ما طاولتها سماء.

واطلعت على نسخة أخرى منه بالمكتبة الوطنية تحت رقم: 250د ضمن ديوانه أيضا من ص: 1 إلى ص: 13. نسخة جميلة مكتوبة بخط مغربي طالعتها مزركشة.

 *ديوان  في الأمداح النبوية[15].

منه نسخة بالخزانة الحسنية تحت رقم: 1003[16].

 أولها: الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى وخيرتهم وأكملهم خلقا وشرقا.

آخره:

يوافي بيوم الحشر والنشر حاملا***لراية حمد طاويا ما دمى طيا

الديوان عبارة عن قصائد في الأمداح النبوية مرتبة على الحروف الأبجدية سلك فيها مسلك ابن رشيد البغدادي[17].

والعلامة حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج لم يكتف بالتأليف في سيرة المصطفى وشمائله ومدحه صلى عليه وسلم، بل كان يدرس الكتب الخاص بهذا المواضوع، ومما يدل على ذلك ما نص عليه العلامة عبد القادر الكوهن في فهرسته: ” أخذت عنه .. الشفا للقاضي عياض، والمواهب اللدونية، والاكتفا لأبي الربيع سليمان  الكلاعي.. وميميته في السير ووترياته على نسق واحد، وهمزية البوصيري”[18].

والحاصل أنه قد تبين من خلال هذه الترجمة الموجزة للعلامة حمدون بن عبد الرحمن بن الحاج، أنه من علماء المغرب الأقصى الذين لهم مشاركة  في التأليف في سيرة المصطفى ومدحه صلى الله عليه وسلم وتدريسها في عهد الدولة العلوية الشريفة.

****************

هوامش المقال:

[1]  سلوة الأنفاس (3 /4-5)، الإعلام بمن حل مراكش وأغمات من الأعلام (3 /117_129)، شجرة النور(1/ 544)، إتحاف المطالع(1/120)، والأعلام للزركلي (2 /275)، ووضع ابنه محمد الطالب ابن الحاج تأليفا في ترجمته ووسمه بـ: رياض الورد فيما انتمى اليه هذا الجوهر الفرد وهو مطبوع، بتحقيق: جعفر ابن الحاج السلمي.

[2]  الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام(3 /117ـ 118).

[3]  إمداد ذوي الاستعداد (ص: 15)، سلوة الأنفاس(3 /5) رقم الترجمة: 841.

[4]  إمداد ذوي الاستعداد (ص: 15).

[5]  الإعلام توفي بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام(3/ 117).

[6]  إتحاف المطالع(1 /120).

[7]  سلوة الأنفاس(3/4) رقم الترجمة: 841، وشجرة النور(1 /544).

[8]  الإعلام بمن حل بمراكش وأغمات من الأعلام(3/ 117).

[9]  إمداد ذوي الاستعداد (ص: 16).

[10]  إمداد ذوي الاستعداد (ص: 16).

[11]  سلوة الأنفاس(3 /4)، شجرة النور (1 /544).

[12]  اتحاف المطالع(1/ 120).

[13]  معجم المطبوعات المغربية ص: 102.

[14]  نشر ضمن الديوان العام ، المنشور بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز بفاس، جامعة محمد بن عبد الله، بتحقيق: أحمد العراقي، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط1: 1995. وقدم الكتاب بترجمة موسعة لابن الحاج (1 /7ـ12).

[15]  نشر ضمن الديوان العام.

[16] الكشاف(ص: 341).

[17]  منتخبات من نوادر المخطوطات بالخزانة الملكية (ص: 74).

[18]  إمداد ذوي الاستعداد (ص: 14).

*********************

جريدة المصادر والمراجع:

إتحاف المطالع بوفيات أعلام القرن الثالث عشر والرابع: عبد السلام ابن سودة، تحقيق: محمد حجي، دار الغرب الإسلامي، ط1، 1417هـ ـ1997م.

الأعلام، لخير الدين الزركلي، دار العلم للملايين. ط15، 2002 م.

تخميس همزية البوصيري، لحمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي، نسخة المكتبة الوطنية بالرباط رقم:  383د.

ثلاثة فهارس مغربية: الفهرسة الأولى: إمداد ذوي الاستعداد إلى معالم الرواية  والإسناد، لعبد القادر بن أحمد الكوهن الفاسي ، والفهرسة الثانية: المورد الهني بأخبار الإمام مولاي عبد السلام الشريف القادري الحسني لمحمد بن  أحمد بن محمد بن عبد القادر الفاسي، والفهرسة الثالثة: فهرسة أحمد بن محمد بن عبد السلام بناني، تحقيق: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية بيروت.

الديوان العام، لحمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي، تحقيق: أحمد العراقي، منشورات بكلية الآداب والعلوم الإنسانية، ظهر المهراز بفاس، جامعة محمد بن عبد الله، مطبعة المعارف الجديدة، الرباط، ط1: 1995.

ديوان  في الأمداح النبوية لحمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي، نسخة الحزانة الحسنية بالرباط، رقم: 1003.

شجرة النور الزكية في طبقات المالكية، لمحمد بن محمد بن عمر مخلوف، علق عليه: عبد المجيد خيالي، دار الكتب العلمية، لبنان، ط1، 1424 هـ ـ 2003 م.

كشاف الكتب المخطوطة بالخزانة الحسنية، لعمر عمور، تقديم أحمد شوقي بنبين، منشورات الخزانة الحسنية.

شرح نهج البردة، لحمدون بن عبد الرحمن بن الحاج السلمي، نسخة المكتبة الوطنية بالرباط رقم: 2684د.

معجم المطبوعات المغربية، إدريس ابن الماحي القيطوني الإدريسي، مطابع سلا، 1988.

منتخبات من نوادر المخطوطات بالخزانة الملكية، إعداد محمد بن عبد الهادي المنوني، تقديم أحمد شوقي بنبين، المطبعة والوراقة  الوطنية الحي المحمدي ـ الداوديات ـ مراكش، ط2، 2004.

*راجع المقال الباحث: يوسف أزهار

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق