مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

العلامة أبو إسحاق سيدي إبراهيم بن عبد القادر الرياحي الطرابلسي: (تـ1266ھ)

ولادته ونشأته: 

علامة الزمان بالإطلاق، فريد الأوان بلا شقاق، خاتمة المحققين وفاتحة أهل اليقين، الولي الكامل، الحجة الواصل، البركة الأجل، أبو إسحاق سيدنا إبراهيم بن عبد القادر الرياحي التونسي- رضي الله عنه-فقيه مالكي من أهل المغرب، ولد في “تستور” سنة 1180هجرية، ونشأ وتوفي بتونس وولي رئاسة الفتوى فيها،وهو من أفاضل أصحاب الشيخ التجاني- رضي الله عنهم أجمعين- الذين حصلت لهم العناية الدائمة، ونالوا الخلافة بعده في الهداية والإرشاد والأخذ بيد العباد…[1]

شيوخه:

أخذ المعارف الربانية أولا عن شيخ الطريقة الشاذلية الشيخ المعتقد البشير ابن عبد الرحمن الونيسي، ثم في سنة 1216هجرية تعرف بالشيخ علي حرازم وأخذ عنه الطريقة التجانية بتونس ونشرها، وأقام أورادها وأسس لها زاويته المشهورة به قرب حوانيت عاشور، وكانت له وصلة بالعارف بالله الشيخ مصطفى بن عزوز أستاذ الطريقة الرحمانية وله فيه مدائح شعرية ونثرية.[2]

 كما اجتمع بالشيخ التجاني وأخذ عنه، وأخذ عن  أفاضل العلماء، منهم: الشيخ الطيب بن كيران وتباحثا في مسائل من العلوم، وحضر درس السلطان في التفسير، ودخل سلا وأجازه فقيهها العلامة الشيخ محمد الطاهر المير السلاوي بما تضمنه ثبت الشيخ أحمد الصباغ الإسكندري من العلوم على اختلاف أنواعها والكتب المصنفة فيها من المختصرات والمطولات بالأسانيد المتصلة إلى أربابها، كما أجازه بذلك الشيخ عمر بن عبد الصادق الششتي المالكي، عن شيخه أحمد جامع الثبت المذكور، والشيخ محمد مدينة عن الشيخ عبد الوهاب العفيفي، ومحمد بن عيسى الزهار عن مؤلفه الشيخ أحمد المذكور، كما أجازه الشيخ محمد الأمير الصغير بما احتواه ثبت والده، وأجازه أيضا أبو عبد الله محمد بن التهامي الرباطي حين حل بتونس سنة 1243 هجرية إجازة عامة بجميع مروياته المتصلة السند، وتصدى لبث العلوم وأجاد وأفاد وأتى على غالب الكتب ختما، وتبارى الشعراء في مديحه في موكب الختام…[3]

تلامذته:

تخرج عليه الكثير من الفحول الأعلام، وأخذوا عنه، منهم: ابناه الطيب وعلي، والشيخ محمد بن ملوكة، والشيخ محمد النيفر، وابناه الطاهر والطيب، وأجازوه بما حواه ثبت الأمير، وثبت الْمير، وثبت الشيخ عابد وصالح ومحمد، والشيخ البنا، والشيخ المناعي، والشيخ البحري، والشيخ ابن سلامة، والشيخ الطاهر بن عاشور، والشيخ أحمد بن حسين، والشيخ أحمد بن أبي الضياف، وشيخنا سالم بوحاجب، وشيخنا عمر ابن الشيخ وغيرهم…[4] 

حج حجتين: الأولى سنة 1241هجرية أدى بها فرضه، والثانية سنة 1253هجرية، وفيها اجتمع بأعلام الإسكندرية ومصر والحرمين الشريفين منهم محدث المدينة المنورة الشيخ محمد عابد ابن الشيخ أحمد بن علي بن شيخ الإسلام محمد المزاح الألوي السندي المدرس بالحرم النبوي الشريف والمتوفى فيه سنة 1257هجرية، وأجازه بما احتواه ثبته المسمى بـ “حصر الشارد في أسانيد الشيخ عابد”.[5]

تصوفه:

كان مترجمنا أولا على الطريقة الشاذلية، قبل أن يجتمع بالخليفة سيدي الحاج علي حرازم برادة،ولما قدم للديار التونسية الخليفة سيدي الحاج علي حرازم سنة 1211ھ، اجتمع بصاحب الترجمة وتعرف به ونزل عنده في بيته بالمدرسة وقويت الصحبة بينهما، وشاهد منه الكرامات التي لا تحصى، وسمع منه من مناقب الشيخ التجاني وفضائل طريقته ما لا يقف على حده استقصا، اشتاقت نفسه للدخول في هذه الطريقة المحمدية فصار يردد ذلك في خاطره مرة بعد أخرى حتى أفصح له بالدخول فيها من لقنه الطريقة الشاذلية، وكان من أكابر المفتوح عليهم، فتقلد حينئذ بوشاحها وحلّ أقفال كنوز المعارف بمفتاحها، وكان قبل اجتماعه بالحاج علي حرازم برادة قد رأى رؤيا مبشرة له بنيل مقام من المقامات…[6]

وقد كان مترجمنا ذا همة عالية، لا يرضى بسفاسف الأمور، ولا يحب إلا سلوك الطريقة السنية سيما الطريقة التجانية ذات المواهب العرفانية، وقد ألّف تأليفا في الرد على بعض المنكرين على طريقة الشيخ سيدي أحمد التجاني- رضي الله عنه- سماه بـ “مبرد الصوارم والأسنة في الرد على من أخرج الشيخ التجاني عن دائرة أهل السنة”، قال فيه بعد الخطب: “اعلم أن الشيخ المشار إليه من الرجال الذين طار صيتهم في الآفاق، وسارت بأحاديث بركاتهم وتمكنهم في علمي الظاهر والباطن طوائف الرفاق، وكلامه في المعارف وغيرها من أصدق الشواهد على ذلك، ولقد اجتمعت به في زاويته بفاس مرارا، وبداره أيضا، وصليت خلفه صلاة العصر، فما رأيت أتقن لها منه، ولا أطول سجودا وقياما، وفرحت كثيرا برؤية صلاة السلف الصالح…[7]

شعره:

لصاحب الترجمة قصائد عديدة لا يسعها إلا ديوان بالخصوص، ومما اشتهر به من مديحه لسيدي أحمد التجاني:[8]

صاحِ ارْكَبِ العزمَ لا تُخْلِدْ إلى اليأس   واصْحَبْ أخا الحزم ذا جِدٍّ إلى فاس

واشْرَح متونَ صبابــاتي لِجيرتها    وحَـــيِّ حَيًّا بهم قد كان إيناسي

واقْرَا السّلام على تلك المعاهد مِنْ     حَيْــــرَانَ تلفظه ناسٌ إلى نَاسِ

وقُلْ لهم ذلك المـضنـى وحَقِّـكُمُ    باقٍ على العــهد ذو وَجْدٍ بكم رَاسِ

لا يُبْصِرُ الحُسْـنَ إلاَّ في وجوهِكُمُ     وليس يجـنح في حــبٍّ لوَسواسِ

وعُجْ إلى حيثُ مَـنْ عَيْنِي لفُرْقته     تبكي وتَـــزْفَرُ بالأشواقِ أنفاسي

ومَنْ أنا فيه هَيْمــانٌ يقّلــبني     دهري بأنواع تهيامــي وأجنـاس

ومَنْ فؤادي به مُضْنًى يحمّــلني
    ما بعضه دُكّ منه الشّامخُ الرّاســي

ذاك الذي نال ما لم يِحْوِه بشَــرٌ     من العَطايا ولم يُعرف بمقيـــاس

غَوْثُ البرايا أبو العبّاس أحمدُ مَنْ     معناه أعظمُ أن يُجْلَى بقرطـــاس 

روحُ الوجود وقُطبُ الكون مركزه     مُمِدُّه سرّه الساري إلى النّـــاس 

رمزُ الوجود وسِرُّ الحقّ طَلْسَـمُه     مكنونُه كنزه المَخْفِي بحـــرّاس

حقيقة الكون معنى السِّرِّ مُجْـمِعُه     فَيْضُ الإِلهِ بلا لَبْسٍ ولا بـــاس

أعني التجانيَّ تاجَ العارفيـن ومَنْ    بسابغ الفضل مِنْ عرفانه كــاسي 

ومَنْ محــبّتُه دِيـني وخِـلَّتُـه     عقلي وروحي وجُلاّسي وأحداسي…

قالوا عنه:

أستاذ الأساتذة الأخيار، خاتمة العلماء العاملين، والأئمة المحققين، المعتقد المجاب الدعوة، قدِم الحاضرة أواخر القرن الثاني عشر وأخذ عن أعلام كالشيخ حمزة الجباس، والشيخ الكواش، والشيخ حسن الشريف، والشيخ محمد المحجوب، وأخيه عمر، والشيخ أحمد بوخريص، والشيخ الطاهر بن مسعود، والشيخ إسماعيل التميمي وغالبهم أجازه إجازة عامة متصلة السند…[9]

ترجم له صاحب “بغية المستفيد” في تعداد بعض العلماء الجلة الذين حصل لهم الفتح على يد سيدي أحمد التجاني ما نصه: “… وأما رابعهم فهو شيخ الإسلام وقدوة الأنام، حامل لواء العلم والعرفان، المخصوص حيا وميتا برحمة الصريخ وإغاثة اللهفان، ناصر هذه الطريقة الأحمدية وحامي ذمارها ومطلع شموسها وأقمارها، الشيخ أبو إسحاق سيدنا إبراهيم الرياحي التونسي- رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا بمحبته ورضاه- وشهرته بالتبريز في مدائن العلم والعمل والولاية الكبرى في سائر الآفاق كافية عن التعرض لتفصيل مجمل ذلك في هذه الأوراق، وحسب مثلي عند ذكر مآثره الإطراق، هيبة لجلالة ذلك المقام، وأن يكون قصارى أمره في ذلك العي والإفحام.[10]

وفاته:

توفي- رحمه الله تعالى- في 17 من رمضان عام 1266هجرية، وضريحه الشريف بتونس يقصد للزيارة من سائر الأقطار لقضاء الأوطار[11]– رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا به-

الهوامش: 

[1]– الأعلام، خير الدين الزركلي، دار العلم للملايين، بيروت، لبنان، ط17، 2007م، 48/1.

[2]– شجرة النور الزكية، محمد بن محمد مخلوف، تحقيق: علي عمر، مكتبة الثقافة الدينية، القاهرة، ط1، 1428ھ-2007م، 400/2.

[3]– المصدر السابق، 401/2.

[4]– نفسه، 402/2.

[5]– نفسه، 401/2.

[6]– كشف الحجاب عمن تلاقى مع الشيخ التجاني من الأصحاب، أحمد بن الحاج العياشي سكيرج، د.ط، 42/2.

[7]– المصدر السابق، 42/2.

[8]– نفسه، 48/2.

[9]– شجرة النور الزكية، محمد بن محمد مخلوف، 400/2.

[10]– بغية المستفيد لشرح منية المريد، محمد العربي بن السائح، تحقيق: سعيد محمود عقيل، دار الجيل للنشر والطباعة والتوزيع، القاهرة، ط2، 1426ھ-2005م، ص: 311.

[11]– كشف الحجاب، 59/2.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق