الرابطة المحمدية للعلماء

العدالة ثقافة قبل أن تكون مساطر قضائية

النقيب مصطفى الريسوني: المغرب خطا خطوات مهمة
في مجال الإصلاح السياسي والقانوني

نفى النقيب مصطفى الريسوني أن يكون السبب الرئيسي في
اختلال ميزان العدالة يخص المنظومة القضائية وحدها، سواء كان ذلك داخل المغرب أو خارجه،
بل يعود إلى ثقافة العدالة نفسها ومدى رسوخ هذه الثقافة لدى المتقاضين والمساهمين
في تحقيق العدالة بصفة عامة؛ قضاة ومحامين، وعدول، وموثقين، وكتاب ضبط، ومفوضين
قضائيين، وخبراء، وغيرهم من مساعدي العدالة.

واعتبر السيد النقيب الذي يشغل منصب عضو المجلس
الاستشاري لحقوق الإنسان في حوار حي على موقع الرابطة المحمدية للعلماء أجري مساء
أمس الخميس (03 يوليوز 2008) في موضوع: “قواعد
المحاكمة العادلة في المملكة المغربية” انطلاقا من قوله تعالى:
“وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل” أن تأصيل مفهوم المحاكمة
العادلة في التراث القضائي الإسلامي يستوجب الرجوع إلى ما تضمنه القرآن الكريم من
الحث على العدل بين الناس، وعلى وجوب احترام كرامة الإنسان، وما أوردته السنة
النبوية في هذا المجال، وما استخلصه العلماء المسلمون من قواعد تضمنتها أعمال
الرسول صلى الله عليه وسلم، وخلفائه الراشدين من بعده.

وأضاف قائلا: “لا يخفى أن الفقه الإسلامي بجميع
اتجاهاته قد وضع أسس هذه المحاكمة سواء ما تعلق منها بالمعاملات أو بالدماء وما يجب
توفره في القاضي من علم وورع وتقوى ونزاهة”.

وحول راهن المحاكمات القضائية في المغرب قال السيد
النقيب: “لا شك أن المغرب قد خطا خطوات مهمة في مجال الإصلاح السياسي
والقانوني منذ حصوله على الاستقلال، ومنذ أن عبر جلالة الملك المرحوم محمد الخامس
في خطابه التاريخي الذي افتتح به المجلس الاستشاري ( أول برلمان مغربي) يوم 12
نونبر 1956م حيث تعهد بتمكين الشعب المغربي من تدبير شؤونه العامة في دائرة ملكية
ودستورية تضمن المساواة والحرية والعدالة للأمة أفرادا وجماعات، ومنذ ذلك التاريخ
انطلق مسلسل الإصلاح السياسي والقانوني للمغرب وهكذا تم صدور الظهير المنظم للعمل
النقابي، ثم الظهائر المنظمة للحريات العامة؛ ظهير تأسيس الجمعيات وظهير التجمعات
العمومية وظهير الصحافة ثم ظهير 1959 المتعلق بالتنظيم الجماعي، والذي جرت على
إثره أول انتخابات جماعية سنة 1960 وكذا ظهير المسطرة الجنائية ثم ظهير القانون
الجنائي وأخيرا دستور 1962. ويمكن القول أن جميع الشروط الشكلية والموضوعية في
تحقيق محاكمة عادلة متوفرة بالمغرب بمقتضى القواعد القانونية، غير أن تحقيقها
الكامل لا زال مرتبطا بتحقيق الفصل بين السلطات وخاصة التنفيذية والقضائية”.

وحدد معايير المحاكمة العادلة في أمور أساسية ترتبط أولا
بالبحث التمهيدي لدى الضابطة القضائية، وثانيا بالمحكمة ذاتها ومن ثم يجب أن تكون
تصريحات الشخص المدونة لدى الضابطة القضائية غير متسمة بإكراه أو صادرة عن عنف أو
تعذيب، بل وحتى عن إكراه نفسي وناتجة عن احترام كامل لكرامة الشخص ولقواعد مدد
الحراسة النظرية التي نصت عليها قواعد المسطرة الجنائية. أما عند الحكم فيجب أن
يحاكم الشخص حضوريا أمام محكمة متركبة من قضاة خاضعين لقواعد قانونية معروفة،
متمسكين بمبدأ قرينة البراءة وتوفير كافة الضمانات لتحقيق الدفاع عن المتهم.

وجوابا على سؤال حول المؤاخذات التي يسجلها المتتبعون
على بعض الأحكام القضائية قال السيد النقيب: “يجب أن نعترف جميعا بأننا في
المغرب نعيش مرحلة انتقال ديمقراطي وسياسي، وأن هذه المرحلة تتطلب كثيرا من
المرونة ومن التمرس والاستئناس، دون أن ننسى أننا لم نخرج بعد من مرحلة سنوات
الرصاص أو الجمر أو الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، كما أن مفهوم حرية الصحافة
وحرية تبليغ الخبر ونقله لا تضبطه قواعد معروفة تندرج ضمن أخلاقيات المهنة، لهذه
العوامل ولغيرها فإن تسجيل بعض المآخذ على كثير من المساطر القضائية أو المساطر
الخاصة بإلقاء القبض وإجراء البحث التمهيدي هو طبيعي الحصول، فما ذكرتموه من إخلال
بشروط المحاكمة العادلة في بعض القضايا التي راجت إثر أحداث 16 ماي 2003 قد أشير
إليه في التقرير السنوي الصادر عن المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان عن سنة 2003. أما
بخصوص المتابعات الموجهة ضد الصحافة فإنها، على قلتها، إذا قارنا المتابعات الجارية
في الدول الديمقراطية، خاصة الغربية منها فإن النظرة العامة هي أن الصحافة في
المغرب تتمتع بحريات واسعة لذلك، لا أعتقد أن هناك انعكاسات على سمعة المغرب سواء
على المستوى الوطني أو الدولي من جراء هذه المتابعات؛ فالقضايا لا زالت مطروحة
أمام القضاء ودرجاته متعددة، ويكفيني هنا أن أشير إلى ما لقيه التقرير الذي قدمه
المغرب حول حقوق الإنسان إلى مجلس حقوق الإنسان بجنيف، من ترحيب ومصادقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق