مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةأعلام

العارف الكبير سيدي عبد الرحمن المجذوب (909-976ھ)

     من مشاهير أولياء الدولة السعدية، العارف الكبير، صاحب الأحوال العجيبة، والكرامات الغريبة، آية الله الكبرى: سيدي عبد الرحمن بن عياد بن يعقوب بن سلامة الصنهاجي الأصل، ثم الفرجي الدكالي المعروف بالمجذوب، كان مقر أسلافه بساحل بلد آزمور من دكالة، وهناك ولد ثم رحل والده مع العائلة إلى نواحي مكناس ثم سكن هو مكناس نفسها.[1]

مولده ونشأته

     ولد الشيخ سيدي عبد الرحمن المجذوب في شهر رمضان عام 909ھ- 1506م، برباط تيط قريبا من بلدة أزمور- مأوى سلفه- ثم رحل وهو صبي مع والده سنة 914ھ-1508م، إلى نواحي مدينة مكناس، ونزل بموضع يقال له: “إرُكَّان”، ونشأ في بيئة خير وصلاح.[2]

تصوفه وعلمه

     تلقى تعليمه أولا في مدينة مكناس، ثم رحل إلى مدينة فاس، لكن المصادر التي اهتمت بترجمته لم تشر إلى الجانب العلمي والمعرفي في حياته، ولا إلى مراحل تعليمه، ولا الدرجة العلمية التي وصل إليها، وقد احتك سيدي عبد الرحمن برجال التصوف وهو صغير، فوالده كان صوفيا أخذ عن الشيخ إبراهيم أفحام الزرهوني تلميذ الشيخ أحمد زروق، وهو يمثل جانب تصوف الجذب الذي ميز متصوفة القرن العاشر الهجري.[3]

شيوخه وتلامذته:       

     أخذ الشيخ سيدي عبد الرحمن المجذوب تبركا واستفادة وانتفاعا عن عدة من المشايخ، وخدمهم وتربى بهم، وتأدّب وتهذّب، منهم: الشيخ علي بن أحمد الصنهاجي الدوار، والشيخ أبو حفص عمر الخطاب دفين جبل زرهون، وعليه اعتمد في التربية وسلوك الطريق، والشيخ أبو عثمان سعيد بن أبي بكر، والشيخ أبو الرواين دفين خارج مكناسة الزيتون، والشيخ أبو العباس أحمد بن عبد الواحد الشبيه الشريف الحسني الجوطي دفين خارج مكناسة الزيتون، والشيخ أبو محمد عبد الحق الزليجي دفين جبل زرهون، والشيخ أبو زكريا يحيى بن علال البوخصيبي العمري دفين خارج باب الفتوح من فاس، والشيخ أبو عبد الله محمد جعران السفياني.[4]

ويظهر من خلال تتبع سلسلة شيوخه، أنه اتصل بالطريقة الزروقية الملامتية بواسطة الشيخ علي الصنهاجي الدوار، وبالجزولية عن طريق عمر الخطاب الزرهوني تلميذ عبد العزيز التباع خليفة الشيخ المؤسس للطريقة الجزولية محمد بن سليمان الجزولي.

وممن أخذ عنه: الشيخ أبو المحاسن رضي الله عنه،[5] والشيخ مسعود الدراوي الذي أخذ عنه واشتهرت نسبته إليه،[6] وحوله رجال ينتسبون إليه ويرجون رحمة الله من بابه، والله واسع الكرم والجود.

قالوا عنه:

     قال فيه صاحب ممتع الأسماع: “كان الشيخ المجذوب عظيم الحال باهر الخوارق، كثير الكرامات غزير المكاشفات، فكان كثيرا ما يخبر بالشيء قبل أن يكون، وكانت له الإغاثة في البر والبحر، والخطوة فلقد كان يقف كل سنة بعرفات وكان يجري في كلامه الأخبار عن اللوح المحفوظ ورؤية ما فيه…، وكان لا يكترث بالخلق في إقبالهم ولا في إدبارهم، مجموعا على مولاه لا يلتفت لغير ما به تولاّه، بل كان يعد إقبال الخلق عليه ليلا وإدبارهم عنه نهارا، يفر طول دهره من نفسه ومما سوى الله إلى الله، قد صفا باطنه من شوائب الكدر واستوى عنده الذهب والمدر، والمدح والذم، والشدائد والنعم، بل كان يعد نعمة الدنيا منعا وبلاءا والشدة عطاءا ورخاء، أعرض في بدايته عما سوى الله فحصل في نهايته من فضل الله ما لا يعلمه إلا الله…”.[7]

وقال الإمام الشعراني في طبقاته: “كان رضي الله عنه من الأولياء الأكابر، وكان سيدي علي الخواص رضي الله عنه يقول: ما رأيت قط أحدا من أرباب الأحوال دخل مصر إلا ونقص حاله إلا الشيخ عبد الرحمن المجذوب، وكان مقطوع الذكر أوائل جذبه، وكان جالسا على الرمل صيفا، وشتاء، وإذا جاع أو عطش يقول أطعموه، وأسقوه، وكان ثلاثة أشهر يتكلم وثلاثة أشهر يسكت، وكان يتكلم بالسرياني، وأخبرني سيدي علي الخواص رضي الله عنه قال: ما مثلت نفسي إذا دخلت عند الشيخ عبد الرحمن رضي الله عنه إلا كالقط تجاه السبع، وكان يرسل لي السلام، ويخبر خادمه بوقائعي بالليل واحدة واحدة، فيخبرني بها فأتعجب من قوة اطلاعه…”.[8] 

 من كراماته:

     لسيدي عبد الرحمن المجدوب كرامات ومؤيدات، منها: “أن إنسانا من أهل القصر كان يستهزئ به ويقول له المجذوم بالميم، فبينما هو ذات ليلة نائم، إذا بالشيخ وقف عليه وبيده جعبة قصب فأدناها من وجهه، ونفخ فيها أو نفث فطارت رشاشة منها على وجهه، فلما أصبح إذا آثار ذلك في وجهه جذاما، ثم انتشر ذلك في سائر جسمه، فجعلوا له خارج البلد بيتا من قصب، فكان أهله إذا أتوه بمؤونته جعلوها في رأس قصبة طويلة ثم ناولوها إياه، وبقي على ذلك طريدا، فريدا، مهانا، إلى أن توفي بعد أن كان ذا رياسة وجاه وظهور، نسأل الله السلامة من معاداة أهل الله وإذايتهم”.[9]

ومنها أنه كان مرة في زيارة مع أصحابه، فمروا بقطيع من البقر فقال لهم: “خذوا ذلك الفحل لعجل أراهم إياه فأخذوه وذبحوه واشتغلوا به، فبينما هم كذلك، إذا بربته تبحث عنه وتذهب يمينا وشمالا حتى وصلت إليهم، فسألتهم عنه وقالت لهم: والله ما بي إلا أنه عندي لسيدي عبد الرحمن المجذوب، فقالوا لها إن صاحبه قد أخذه وأخبروها بالقصة”.[10]

     ومما اشتهر عنه سياحاته الصوفية في ربوع المغرب وتقديمه النصح للناس للتمسك بالدين ومكارم الأخلاق، ودعوته إلى الجهاد ومقاومة المحتلين للثغور المغربية ونظمه للرباعيات التي عكست موقفه في الكثير من القضايا، وضمنها تجاربه التي دلت على أنه لم يكن بمنأى عما تعيشه البلاد من متغيرات على المستويات السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، فقد سجل من خلالها غيرته الوطنية وميز بين المجاهدين والمتخاذلين، كما تحدث فيها عن آثار المجاعات والأوبئة ودعا إلى الصبر والتآزر.[11]

من كلامه وحكمه:

لسيدي عبد الرحمن المجذوب كلام ملحون لا يخلو من فوائد وحكم، وقد جمعه بعضهم وشرحه وطبعه، وإليك بعض عيونه:

في البير ارم عظامـــوا
فمّك متن له لجامـــــــو
وذريه يصفى غبـــــارو
من البلا تنهي صغــارو
يا كاسرني من ذراعـي
وركّبت من كان راعـي
وجا ذا الزمان بفاســـو
كسرو لو راســــــــــــو
  نوصيك يا واكل الــــــراس
اضحك والعب مع النــــاس
القمح هو الربــــــــــــــــح
إذا بغيت تنجى من الناس
يا الزمان يا الغــــــــــــدار
طيحت من كان سلطـــــان
راح ذاك الزمان ونــــاسو
وكل من يتكلم بالــــــــحق

     وقد زادته الرباعيات شهرة وجعلته يتمتع بتقدير واحترام الخاصة والعامة، وكثر مريدوه وتلامذته وعلى رأسهم أبو المحاسن يوسف الفاسي، وأبو الحسن علي القنطري الأندلسي القصري، وعبد الرحمن بن رحو الجبلي من شرفاء جبل العلم، وأبو علي النيار الأندلسي وغيرهم.[12]

     توفي رضي الله عنه ليلة الجمعة من عيد الأضحى سنة ست وسبعين وتسعمائة ودفن خارج باب سيدي عيسى وهو اليوم في مقبرة محاط عليها بجدار مرتفع على يمين الداخل لضريح المولى إسماعيل العلوي رحمهما الله تعالى.[13]

 

الهوامش 

[1]– المطرب بمشاهير أولياء المغرب، عبد الله بن عبد القادر التليدي، دار الأمان، الرباط، ط4، 1424ھ-2003م، ص: 167.

[2]– معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1425ھ-2004م، ص: 6984.

[3]– المصدر السابق.

[4]– الروض العطر الأنفاس بأخبار الصالحين من أهل فاس، أبو عبد الله محمد بن عيشون الشراط، تحقيق: زهراء النّظام، منشورات كلية الآداب، الرباط، ط1، 1997م، ص: 108.

[5]– المصدر السابق، ص: 106.

[6]– نفسه، ص: 341.

[7]– المطرب بمشاهير أولياء المغرب، عبد الله بن عبد القادر التليدي، ص: 169.

[8] – الطبقات الكبرى، الشعراني، تحقيق: عبد الغني محمد علي الفاسي، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط2، 1428ھ-2006م، ص: 478.

[9] – المطرب بمشاهير أولياء المغرب، عبد الله بن عبد القادر التليدي، ص: 172.

[10] – المصدر السابق.

[11] – معلمة المغرب، من إنتاج الجمعية المغربية للتأليف والترجمة والنشر، مطابع سلا، 1425ھ-2004م، ص: 6985.

[12] – المصدر السابق.

[13] – المطرب بمشاهير أولياء المغرب، عبد الله بن عبد القادر التليدي، ص: 172.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق