مركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصةدراسات عامة

الطوائف الصوفية وأسانيدها

د. طارق العلمي         

باحث بمركز الإمام الجنيد للدراسات والبحوث الصوفية المتخصصة

مقدمة

    هناك شخصيات علمية مغربية بارزة، طبقت شهرتها الآفاق وذاع صيتها في المغرب والمشرق كالقاضي عياض، والشاذلي والجزولي…، وغيرهم، ومن المقرر المعروف أن كتبا مغربية قد أدركت من الشهرة والذيوع في أرجاء العالم الإسلامي ما لم يدركه غيرها، مثل الشفا وترتيب المدارك ودلائل الخيرات…

    واعتبارا لمكانة الجزولي في التصوف المغربي والإسلامي، ولأهمية كتابه «دلائل الخيرات» وآرائه ورسائله في التصوف، فإنني آمل تخصيص بعض المقالات لهذه الشخصية العلمية الفذة، للكشف عن هذه المكانة والتعريف به وبخصوصيات طريقته، وكتابته الصوفية، وتحليل بعض أذكاره وتصلياته، وعلى رأسها  «دلائل الخيرات».

    وسأفتتح هذا البحث بربط الجزولي وطريقته بشبكات الطرق والطوائف المعروفة قبله، والتي سيتخذها أرضية لتأسيس طريقته الخاصة: أي الطريقة الجزولية.

الطوائف الصوفية وأسانيدها

حدد ميشوبيلير المراحل التي مرت بها الطوائف الصوفية بالمغرب في ثلاث:

1- من الجنيد إلى الشاذلي.

2- ومن الشاذلي إلى الجزولي.

3- وما بعد الجزولي.

وكان أكثر دقة عندما جعل هذا التصوف ممثلا في ثلاث مدارس:

1- مدرسة الجنيد، يتبعها الشعيبيون والأمغاريون.

2- مدرسة الغزالي، يتبعها الماجريون والحاحيون والأغماتيون والحنصاليون.

3- مدرسة الشاذلي، وهي التي سيمثلها الجزولي وزروق وأتباعهما[1].

وقد تبع الأستاذ علال الفاسي هذا التقسيم، مع تعديل بسيط عندما جعل المراحل أربعة[2]:

1- من الجنيد والبسطامي إلى عهد أبي مدين والجيلاني.

2- من أبي مدين إلى ابن مشيش والشاذلي.

3- من الشاذلي إلى الجزولي.

4- ما بعد الجزولي.

    وتتفق هذه التقسيمات على وجود شخصيات مهمة وجهت التصوف وتركت آثارها عليه، وأهمها: الجنيد، الجيلاني، الغزالي، أبو مدين، ابن مشيش، والشاذلي، ومع كثرة الطرق وتعددها – فكما قيل: الطرق إلى الله عدد أنفاس الخلائق- فإنها متأثرة عموما بتصوف هؤلاء الأعلام، ومع صعوبة تحديد المراحل بدقة والفصل بينها، لما تتميز به مصادر التصوف المغربي من غنى وتداخل وتنوع، سنحاول التعريف بهذه الطرق وأسانيدها التي ستوصلنا إلى الطريقة الجزولية.

الجنيد ومدرسته

    بنيت طريقة أبي القاسم الجنيد بن محمد الزجاج (المتوفى سنة سبع وتسعين ومائتين للهجرة)على متابعة السنة، ومراقبة الباطن، واختيار الصحو دون السكر، ورياضة النفس بالخلوة وشروطها كما وضعها الجنيد ثمانية: دوام الوضوء  – الخلوة- المداومة على الذكر- دوام الصوم- ترك الخاطر- دوام ربط القلب بالشيخ- دوام الرضى بقضاء الله، وترك الاعتراض على الله وعلى الشيخ[3].

    وهناك عدة أسانيد تربط الجنيد بالرسول صلى الله عليه وسلم عن طريق كبار الصحابة: أبي بكر، وعمر، وعلي، وعبد الله بن مسعود. وقد أورد صاحب «كتاب المواهب القدسية» ستة أسانيد، نكتفي بذكر أشهرها وأكثرها تداولا.

– عن خاله السري السقطي.

– عن داوود الطائي.

– عن معروف الكرخي.

– عن حبيب العجمي.

– عن الحسن البصري.

– عن علي بن أبي طالب.

– عن الرسول صلى الله عليه وسلم[4].

    وتتجمع أسانيد الطرق الصوفية المغربية عند الجنيد لتتفرع بعد ذلك، إذ لا نكاد نجد طريقة لا تتصل بها إلا نادرا، وحتى في هذه الحالة غالبا ما تتوفر هذه الطريقة على سند ثان يوصلها إلى الجنيد[5]. وتفسر هذه الظاهرة بحرص الطرق على أن تكون سائرة على نهج السنة المحمدية لشهرة الجنيد بذلك.

من الجنيد إلى أبي مدين

    من الصعب الإحاطة بأسماء كل الذين أخذوا عن الجنيد وأسانيدهم، لذلك نركز الحديث على ما يهمنا من هؤلاء، وهم الذين ترتفع أسانيدهم إلى أبي مدين عبر شخصيات كان لها أكبر الأثر في التصوف، وهي: ابن حرزهم، والجيلاني، وأبو يعزى.

أما السند الأول: فقد أخذ علي بن إسماعيل بن حرزهم – رأس المدرسة الغزالية بالمغرب:

– عن عمه صالح بن حرزهم (وأبي بكر بن العربي). 

– عن الإمام الغزالي.

– عن أبي المعالي إمام الحرمين.

– عن أبي طاهر المكي.

– عن الجنيد[6].

أما السند الثاني: أخذ عبد القادر الجيلاني رائد الطريقة القادرية:

– عن أبي سعيد مبارك المخزومي.

– عن أبي القاسم القرشي.

– عن أبي الفرج محمد التميمي.

– عن أبي بكر الشبلي.

– عن الجنيد[7].

ويصل صاحب المواهب القدسية الجيلاني بالجنيد بالسند التالي:

– عن أبي الحسن العكاري.

– عن أبي الفرج الطرطوشي.

– عن أبي الفضل الهندي.

– عن أبي بكر الشبلي.

– عن الجنيد[8].

أما السند الثالث: فقد أخذ أبو يعزى يلنور ( المتوفى سنة اثنين وسبعين وخمسمائة هجرية):

– عن أبي شعيب أيوب بن سعيد الصنهاجي (مؤسس الطريقة الشعيبية).

– عن أبي ينور عبد الله الدكالي الأغماتي.

– عن أبي الفضل عبد الله الجوهري.

– عن أبي بكر الدينوري.

– عن أبي الحسين بن محمد النوري.

– عن الجنيد[9].

    ويشبه أبو مدين الجنيد في انتهاء أسانيد عصره إليه لكثرة تنقله واتصاله بالشيوخ، ثم تفرعها عنه بعد ذلك، عن طريق تلامذته ومريديه، وأبو مدين الغوث هو شعيب بن حسين الأنصاري التلمساني (المتوفى سنة أربع وتسعين وخمسمائة للهجرة)، تحدث عنه ابن قنفذ طويلا، وذكر شيوخه وتلامذته وطريقته ونسبه إلى إشبيلية[10]، في حين ينسبه آخرون إلى بجاية أو سبتة[11].

    أخذ عن عبد القادر الجيلاني بمكة، ودخل المغرب فمر بطنجة وسبتة واستقر بفاس للدراسة، ودرس بها على أبي الحسن على ابن حرزهم رعاية المحاسبي، وأخذ عنه طريقة الغزالي، وقد كان معجبا به وبمؤلفاته التي قال عنها: (طالعت كتب التذكير فما رأيت كالإحياء للغزالي)[12].

    وأخذ بفاس كذلك على أبي عبد الله الدقاق[13] وأبي الحسن علي بن غالب، وكان بعد انتهاء الدروس يلجأ إلى خلوة خارج المدينة[14]، كما كان كثير الاتصال بأبي يعزى، وأخذ عنه، وله معه أخبار ونوادر.

    وفي التشوف أن أبا مدين كان معجبا به إلى أقصى الحدود[15] قيل إنه لم يمت حتى أدرك القطبانية.

    وقد انتهى به المطاف في بجاية، ومنها استدعاه المنصور الموحدي خلال الفترة التي اهتم فيها بالتصوف وتقريب الصوفية، وتوفي وهو في الطريق إليه، فدفن بالعباد (قرب تلمسان)[16].

    وتتفرع الأسانيد عن أبي مدين نظرا لكثرة تلامذته، فقد جاء في التشوف عن محمد بن إبراهيم الأنصاري أن أبا مدين خرج ألف تلميذ ظهرت على يد كل واحد منهم كرامة[17]، لذلك يقال له شيخ مشايخ الإسلام، وإمام العباد والزهاد[18]، وقد ذكر ابن قنفذ طائفة منهم[19]، أسس بعضهم طرقا في الأندلس والمغرب.

من أبي مدين إلى الشاذلي

    يصل أبو مدين طرق: الغزالي- الجيلاني- أبي يعزى- (الجنيدية) بالشاذلي، بواسطة سندين مشهورين:

السند الأول: عن طريق تلميذه أبي أحمد بن سيد بونة.

– عن عبد الرحمان المدني الزيات.

– عن عبد السلام بن مشيش.

– عن أبي الحسن الشاذلي (تسمى عند الناصريين بسلسلة العلماء)[20].

السند الثاني:

– عن تقي الدين الفقير.

– عن عبد الرحمان المدني الزيات.

– عن عبد السلام بن مشيش، عن أبي الحسن الشاذلي[21].

    وأهمية هذا السند تأتي من كونه منطلق سند مهم ومشهور بالشرق، يصل الشاذلية بالرسول صلى الله عليه وسلم دون الاتصال بالجنيد، ويسمى «بسلسلة الأنوار، وسلسلة الذهب، وسلسلة العارفين، وطريقة الأقطاب»، وأخذ به بعض المغاربة، كذلك يبدأ من عبد الرحمان المدني الزيات.

– عن فخر الدين.

– عن تاج الدين.

– عن أبي محمد شمس الدين التركي (أو التركماني).

– عن زين الدين محمود الغزويني.

– عن إبراهيم البحري.

– عن أحمد المرواني.

– عن سعيد بن سعد.

– عن فتح السعود.

– عن جابر بن عبد الله.

– عن الحسن.

– عن الرسول صلى الله عليه وسلم[22].

    كما أنه لا يجب إغفال دور عبد السلام بن مشيش في تطعيم طرق صوفية مغربية: نشأته في قبائل بني عروس شمال المغرب في أحضان أسرة إدريسية، رحل إلى المشرق حيث قضى زهاء عشرين سنة، وهناك لقي عددا من الشيوخ وعلى رأسهم شيخه عبد الرحمان المدني الزيات رأس «سلسلة الأنوار» السابقة الذكر، وبعدها عاد إلى موطنه للتدريس والعبادة، وكان مقتله بين سنتي اثنتين وعشرين وستمائة وخمس وعشرين وستمائة للهجرة.

    وبالإضافة إلى أبي الحسن الشاذلي يعتبر أبو محمد صالح بن سعيد بن ينصارن الماجري من أخص تلامذة ابن مشيش، وهناك من جعله يأخذ مباشرة عن أبي مدين.

– عن علي بن حرزهم.

– عن أبي بكر بن العربي.

– عن الغزالي…

    يرجع نسبه إلى بني ماجر من بني أمية خاصة، وعاش بين خمسين وخمسمائة وواحد وثلاثين وستمائة للهجرة[23]. رحل إلى المشرق وقضى به عشرين سنة، وهناك درس على بعض تلامذة أبي مدين، وهو مؤسس الطائفة الماجرية بآسفي، وتسمى كذلك الطائفة الدكالية، وطائفة الحجاج[24]، وكان لهم أتباع في المشرق والأندلس والمغرب، وطريقته سنية تقوم على محاربة البدع، لها شارات دافع عنها حفيده أحمد بن إبراهيم، ردا على منتقديها.[25].[26].

الهوامـــش


[1] الطوائف الدينية بالمغرب:

archives marocaines vol  xxvll 1927. Confreries religieuses au maroc

[2] التصوف الإسلامي في المغرب، علال الفاسي، ص: 44.

[3] الطرق الصوفية، مخطوط الخزانة العامة ضمن مجموع رقم 637 ك من ص 90 إلى 135.

[4] انظر باقي الأسانيد في المواهب القدسية لمحمد بن العباس الجزولي السوسي، مخطوط الخزانة العامة بالرباط رقم 97 ج وط 399-400.

[5] نموذج طريقة أبي عمرو القسطلي. انظر السندين معا في شمس المعرفة في سيرة غوث المتصوفة للحلفاوي. مخطوطة خزانة ابن يوسف بمراكش، رقم 171. ص ص: 45-46.

[6] أنس الفقير، تحقيق: محمد الفاسي وأودولف فور، الرباط، 1965، ص: 93.

[7] Esquisse d’histoire religieuse du maroc/anexe –

[8] المواهب القدسية، ص ص: 399-400.

[9] المواهب القدسية، و Esquisse d’histoire religieuse du maroc/anexe

[10] خصص له ولأصحابه أنس الفقير، ص: 11. 

[11] التشوف إلى رجال التصوف، ص: 195.

[12] أنس الفقير، ص: 27. ومقالة ألفريد بيل.  

[13] أنس الفقير، ص ص: 16-26.

[14] المصدر السابق، 15-21-36.

[15] التشوف، 195.حكى ابن قنفذ تفاصيل رحلته من بجاية إلى العباد حيث دفن. (انظر  أنس الفقير، ص ص: 102-103).

[16] حكى ابن قنفذ تفاصيل رحلته من بجاية إلى العباد حيث دفن. (انظر  أنس الفقير، ص ص: 102-103).

[17] التشوف، 332. و أنس الفقير، 16.

[18] أنس الفقير، ص 16.

[19] المصدر السابق، 36، وما بعدها.

[20] فهرست ابن ناصر، ص: 162. والمواهب القدسية، ص ص: 410-411. 

[21] الروض الزاهر في التعريف بالشيخ ابن حسين واتباع السادة الأكابر لمحمد الدرعي، ص ص: 231-232. مخطوط الخزانة الحسنية رقم 3443 ز.

[22] المواهب القدسية، ص ص: 408-409. وسلسلة الأنوار في طريقة السادات الصوفية الأخيار، لأحمد بن محمد بن عطية السلاوي. مخطوط الخزانة العامة بالرباط، رقم 2458، ص ص: 31-32.

[23] المنهاج الواضح لأحمد بن إبراهيم بن أبي محمد صالح. ط مصر، 1933، ص: 123.

[24] أنس الفقير، ص ص: 63-64.

[25] انظر التفاصيل في المنهاج الواضح. 

[26] محمد بن سليمان الجزولي: مقاربة تحليلية لكتابته الصوفية، حسن جلاب، ص ص: 7-16.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق