مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينشذور

الصَّحَابَةُ رضي الله عنهم فــي كُتب الرّحلات الأندلسية والمغربية 3

 


• بقلم : ذ. رشيد العفاقي

 آثار الصّحابة في مَكّة المُكَرّمَة

من خلال كتب الرّحلات الأندلسية والمغربية

 ولما استقر بابن بطوطة المقام بالبلد الأمين، وأدى المناسك، انصرف للتعرف على خطط البلد، وفي مدونة رحلته نثر أخبارا عديدة عن الصحابة رضوان الله عليهم، أتى بها سياق الكلام حين كان يعرض وصفا لمقاماتهم أو لمعالم وخِطط البلد الأمين، قال في وصف مكة المكرّمة «ولِمَكّة من الأبواب ثلاثة، منها: باب المسفل، وهو من جهة الجنوب، ومنه دخل خالد بن الوليد رضي الله عنه يوم فتح مكة شرفها الله»[1].

ومن مقامات الصحابة ومشاهدهم المقدسة التي تكلّم عليها ابن بطوطة والتي تقع في محيط المسجد الحرام: «قبة الوحي، وهي في دار خديجة أم المؤمنين رضي الله عنها بمقربة من باب الرسول H، وفي البيت قبة صغيرة حيث ولدت فاطمة عليها السلام، وبمقربة منها دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه»[2].

ويصف ابن بطوطة مشاهد الصحابة رضوان الله عليهم خارج مكة المكرمة: ذو طوى، قال عنه: «ومنها ذو الطوى وهو وادٍ يهبط على قبور المهاجرين التي بالحصحاص دون ثنية كداء، ويخرج منه إلى الأعلام الموضوعة حجزاً بين الحل والحرام. وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنه إذا قدم مكة شرفها الله تعالى يبيت بذي طوى ثم يغتسل منه ويغدو إلى مكة»[3].

ويصف التنعيم بالقول: «ومنها التنعيم، وهو على فرسخ من مكّة، ومنه يعتمر أهل مكة، وهو أدنى الحل إلى الحرام، ومنه اعتمرت أم المرمنين عائشة رضي الله عنها حين بعثها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مع أخيها عبد الرحمن رضي الله عنه، وأمره أن يعمرها من التنعيم. وبنيت هنالك مساجد ثلاثة على الطريق تنسب كلها إلى عائشة رضي الله عنها»[4].

ومن حُجّاج الأندلسيين الذين كتبوا في رحلتهم عن المعاهد الشريفة التي تتعلق بالصحابة، أبو البقاء خالد بن عيسى البلوي الأندلسي، حجّ سنة 738هـ/739هـ، لقد ذكر البلوي أنّ لمكة المكرمة ثلاثة أبواب، أوّلها باب المعلى، ومنه يخرج إلى الجبانة المباركة، وهي بالموضع الذي يعرف بالحجون، قال: «وبهذه الجبانة المباركة مدفن جماعة من الصحابة والتابعين، والأولياء والصالحين رضوان الله عليهم أجمعين ويروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال من مات في أحد الحرمين بعث يوم القيامة آمنا وقال عليه السلام الحجون والبقيع يؤخذ بأطرافهما وينتشران في الجنة ووقف عليه السلام على ثنيه الحجون وليس بها يومئذ مقبرة فقال يبعث الله تعالى من هذه البقعة ومن هذا الحرم يوم القيامة سبعين ألفا فيدخلون الجنة بغير حساب. يشفع كل واحد منهم في سبعين الفا وجوههم كالقمر ليلة البدر»[5].

من ضمن ذلك قوله في مكّة المكرمة: «وكفاها أنها منشأ النبي صلى الله عليه وسلم الأمي الذي آثره الله بالتشريف والتكريم وبعثه بالآيات البينات والذكر الحكيم، فهي مبدأ نزول الوحي والتنزيل ومهبط الروح الأمين جبريل. وكانت بمثابة أنبياء الله ورسله الاكرمين، وهي أيضا مسقط رؤوس جماعة الصحابة القرشيين المهاجرين الذين جعلهم الله مصابيح الدين. ونجوما للمهتدين. فمن مشاهدها التي عاينها قبة الوحي وهي في دار خديجة أم المؤمنين J، وفيها كان ابتناء النبي صلى الله عليه وسلّم بها. وقبة صغيرة أيضا في الدار المذكورة. وفيها كان مولد فاطمة الزهراء رضي الله عنها، وهذه المواضع المقدسة مغلوقة مصونة قد بنيت بناء يليق بمثلها، وكتب بداخل القبة الأولى ما نصه: «بسم الرحمن الرحيم، تقرب إلى الله تعالى بعمارة هذا الموضع الشريف المنسوب إلى خديجة رضي الله عنها ومسكن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومهبط الوحي الكريم العبد المفتقر إلى رحمة الله تعالى، مولانا السلطان بن السلطان الملك المظفر يوسف بن عمر بن علي خادم الحرمين الشريفين بلغه الله تعالى غاية أماله، وتقبل منه صالح أعماله، وذلك بتاريخ شهر صفر سنة ست وثمانين وستمائة»».

وعن موضع بداخل القبة الصغيرة، كتب: «هذا موضع مولد فاطمة رضي الله عنها». وموضع الولادة شبه صهريج صغير وفيها محتبى النبي صلى الله عليه وسلم شبيه القبة وفيه مقعد في الأرض شبيه الحفرة داخله في الجدار قليلا وقد خرج عليها من الجدار حجر مبسوط كأنه يظل المقعد المذكور، قيل إنه الحجر الذي غطى النبي صلى الله عليه وسلم عند اختبائه في الموضع المذكور»[6].

ويستمر البلوي في وصف مشاهد مكة المكرمة، فيقول: «وبسفح أبي قبيس مسجد محتفل البناء عليه مكتوب هذا المسجد، هو مولد علي ابن أبي طالب رضوان الله عليه، وفيه تربى رسول الله صلى الله عليه وسلّم وكان دارا لأبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم وكافله»[7].

ويقول أيضا : «ومن جبال فيها أثر كريم ومشهد عظيم، الجبل المعروف بابي ثور، وهو في الجهة اليمنية من مكة على مقدار فرسخ وأزيد، فيه الغار الذي أوى إليه النبي صلى الله عليه وسلم ومعه صاحبه الصديق رضي الله عنه حسبما ذكر الله تعالى في كتابه العزيز، وخص الله نبيه بآيات مبينات»[8].

ويقول أيضا: «ومن مشاهدها الكريمة أيضا دار الخيزران وهي الدار التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يعبد الله فيها سرا مع الطائفة الكريمة المباردة للإسلام من أصحابه رضي الله عنهم حتى نشر الله الإسلام منها على يد الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكفى بهذه الفضيلة الكريمة»[9].

ولَمّا وصل أبو علي القلصادي مكّة المكرمة يوم 29 رمضان 836هـ، حجّ وأدى المناسك، وكتب في مدونة رحلته عن مشاهد صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، الآتي: «وزُرنا بمكّة المشرّفة الموالد غير مرّة، ومنها موضع مولده صلى الله عليه وسلم، ومولد علي رضي الله عنه، وداره عليه السلام، وبه مولد فاطمة وقبة الوحي ومسجده صلى الله عليه وسلم»[10]. ومن ذلك أيضا قوله: «وزُرْنا دار أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ودار الخيزران، وبه بيت أكثره محفور في الحجر، وبه كان الصحابة رضي الله عنهم يختفون بالعبادة أوّل الإسلام، وعلى رأسه الصخرة التي أذن عليها بلال بن حمامة، وهو أوّل أذان شُرع في الإسلام»[11].

وقد خصّص ابن الصباح الأندلسي فقرات في مدونة رحلته لمقامات الصحابة رضوان الله عليهم، قال:

«ثم نذكر المزارات والمقامات التي في هذا البلد الأمين، ففيه من المزارات الغار الذي استتر فيه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في جبل ثور الذي نسج عليه العنكبوت وعشش عليه الحمام… ثم مزار جبل حراء وهو الموضع الذي شق فيه صدر رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ثم مسجد البيعة بيعة الصحابة العشرة، ثم قبر خديجة بنت خويلد زوج النبي صلى الله عليه وسلم»[12].

«ثم مزار مسلمة بن الزبير عند باب المعلاة، وقبر عبد الله بن عمر عند باب المعلى، ثم مزار مولد النبي في مكة ثم دار خديجة ثم خالة أبي بكر ثم زقاق الموفق ثم دار الخيزران موضع ابتداء الإسلام والأذان»[13].

وعن أضرحة الصحابة رضي الله عنهم بمكّة، يذكر الشاكري في رحلته: «وفي اليوم الذي قبله بعد الرجوع من جبل الثور تبركنا برجال المعلا أولهم: ضريح مولاتنا خديجة الكبرى رضي الله عنها، ثم بضريح السيدة آمنة أم النبي عليه السلام، ثم بضريح سيدنا عبد الرحمن ابن سيدنا أبي بكر الصديق، ثم بضريح السيد العيدروس، ثم بقبر خالنا مولاي ابراهيم نضر الله تعالى مضجعه وسقى بوابل الرحمن مهيعه قبالة ضريح السيدة خديجة، ثم بضريح الشيخ جان، ثم في المقبرة المنفصلة عن الأولى بطريق الحجون وقبر سيدنا عبد الله بن الزبير وبإزائه قبر السيدة أسماء بنت سيدنا أبي بكر الصديق و… والدته، ثم قبر الإمام العلامة ابن حجر الهيثمي، ثم قبر الإمام الغزالي وبإزائه قبر الشيخ الشولي والدعاء مستجاب بين قبريهما، وبإزائه قبر الفضيل بن عياض»[14].

 


[1]  رحلة ابن بطوطة، ج.1 ، ص.158

[2]  رحلة ابن بطوطة، ج.1 ، ص.161

[3]  رحلة ابن بطوطة، ج.1 ، ص.148

[4]  رحلة ابن بطوطة، ج.1 ، ص.147

[5]  تاج المفرق، ص.119

[6]  تاج المفرق، ص.119

[7]  نفسه (ص.119).

[8]  تاج المفرق، ص.120

[9]  تاج المفرق، ص.1120

[10]  رحلة القلصادي، ص.139-140

[11]  رحلة القلصادي، ص.139-140

[12]  رحلة ابن الصباح، ص.146

[13]  رحلة ابن الصباح، ص.147

[14]  رحلة ابن الشاكري، ص.18 (مخطوط)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق