مركز أبي الحسن الأشعري للدراسات والبحوت العقديةدراسات عامة

الصفرية: التعريف والنشأة – الاعتقادات – انتشارها بالغرب الإسلامي

 

التعريف والنشأة:

   [يقول أحمد جلي في تعريفه لفرقة الصُّفرية:] « هناك خلاف واسع حول نسبة الصفرية، وهل سمُّوا بذلك نسبة للصُّفرة التي تعلو وجوهَهُم من أثر العبادة والزهد؟ أم سمُّوا بذلك نسبة إلى رجل بعينه، كما نسبت الأزارقة والنجدات والإباضية. ومن ذهبوا إلى هذا الرأي الأخير اختلفوا في هوية من ينتسب إليه الصفرية: هل هو عبد الله بن صفار، أم زياد بن الأصفر، أم النعمان بن صفر؟ أم المهلب بن أبي صفرة؟ وأرجح هذه الأقوال، أن هذه الفرقة تنسب إلى عبد الله بن صفار التميمي الذي كان مع ابن الأزرق في بداية عهده، ثم انفصل عنه عند وقوع الخلاف بين قادة الخوارج[حوالي:65هـ]..»[1].
[بينما يذكر عبد المنعم الحفني في تعريفه لهم قوله:]«الصفرية، فرقة من الخوارج. قيل سموا الصفرية نسبة إلى زياد بن الأصفر، وقيل نسبة إلى عبد الله بن صفار أو النعمان بن صفر، وقيل بل هم الصِّفرية لخلوهم من الدين فقد كان يقال لهم أنتم صِفرٌ من الدين، وقيل سموا الصفرية إشارة إلى صفرة وجوههم من أثر ما تكلفوه من السهر والعبادة»[2].
[وعن ظهورها يقول شوقي أبو خليل:]«ظهرت الصفرية على مسرح الأحداث بصفة قوية في الثورة التي قادها صالح بن مسرح التميمي ضد عبد الملك بن مروان سنة 76هـ، وانتشرت الصفرية في العالم الإسلامي، واستقرت في المغرب مؤسّسَة دولة بني مدرار، وحاضرتها سجلماسة..»[3].
[وهذا ما يؤكده أحمد جلي بقوله:]«.. وفي عهد عبد الملك بن مروان(26-86هـ/646-705م) ثار الصفرية في غرب العراق وشمال الجزيرة بقيادة شبيب بن يزيد الذي عرف ببسالته وشجاعته، واستطاع أن يدمر جيوش الحجاج في أكثر من موقعة..كما قامت الصفرية بعدَّة ثورات في الشمال الإفريقي في عهد الأمويين. ففي عهد هشام بن عبد الملك (71-125هـ/690-743م) خرج ميسرة المظفري بنواحي طنجة، ونجح في حمل البربر على الخروج عن طاعة الخليفة الأموي، واستطاع أن يخضع سائر المغرب الأقصى جنوب طنجة حتى وصل إلى السوس، وبويع بدله خالد بن حميد الزناتي، ولكن جيوش الخلافة تمكنت من إخماد هذه الحركة عام 123هـ..كما شهد العهد العباسي أيضا بعض الثورات الخارجية الصفرية، ومن بينها ثورة الصفرية بناحية مكناسة في المغرب الأقصى بقيادة عيسى بن أبي يزيد الذي تجمَّع حوله الصفرية من بني مدرار، واختطُّوا لأنفسهم مدينة سجلماسة سنة 140هـ، واقتطعوها لأنفسهم من ولاية القيروان. وظل أبو يزيد أميرا نحواً من خمسة عشر عاما، ثم بويع من بعده لأبي القاسم بن سمكو المكناسي الصفري، الذي يقال: إنه كان يدين بالولاية للخليفة العباسي، وكانت هناك ولاية خارجية صفرية تحت زعامة أبي قرة الصنهاجي، الذي استطاع أن يحاصر القيروان وأن يستولي عليها..»[4].

الاعتقادات:

   [يقول عبد القاهر البغدادي:]«..وقولهم في الجملة كقول الأزارقة في أن أصحاب الذنوب مشركون، غير أن الصفرية لا يرون قتل أطفال مخالفيهم ونسائهم، والأزارقة يرون ذلك..وقد زعمت فرقة من الصفرية أن ما كان من الأعمال عليه حدٌّ واقع، لا يسمَّى صاحبُه إلا بالاسم الموضوع له، كزان وسارق وقاذف وقاتل عمد، وليس صاحبه كافرا ولا مشركا، وكل ذنب ليس فيه حدٌّ كترك الصلاة والصوم فهو كفرٌ وصاحبه كافر، وإن المؤمن المذنب يفقد اسم الإيمان في الوجهين جميعا..»[5]
[وقال أبوالفتح الشهرستاني عن عقائدهم أنهم:]«..لم يُكفّروا القعدة عن القتال إذا كانوا موافقين في الدين والاعتقاد، ولم يُسقطوا الرجم، ولم يحكموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم وتخليدهم في النار. وقالوا: التقية جائزة في القول دون العمل. وقالوا: ما كان من الأعمال عليه حد واقع فلا يتعدى بأهله الاسم الذي لزمه به الحد، كالزنا والسرقة والقذف، فيسمى زانيا سارقا قاذفا، لا كافرا مشركا، وما كان من الكبائر مما ليس فيه حد لعظم قدره مثل:ترك الصلاة والفرار من الزحف فإنه يكفر بذلك..»[6].
[ويقول أحمد جلي:]«..والصفرية على كل أقل شذوذا من الأزارقة إذ إنهم خالفوا هؤلاء رأيهم في القعدة ومرتكب الكبيرة، فلم يكفروا القعدة كما ذهب الأزارقة ما داموا موافقين لهم في الدين والاعتقاد، ولم يكفروا مرتكب الكبيرة على الإطلاق كما فعل الأزارقة، بل ميَّزوا بين الذنوب التي فيها حد مقرر كالزنا،  فهذه في رأيهم لا يتجاوز بمرتكبها ما سماه الله به من أنه زان أو قاذف إلخ. وأما الذنوب التي ليس فيها حدٌّ مقرَّر، كترك الصلاة والفرار من الزحف فمرتكب مثل هذه الذنوب يعتبرونه كافراً. ولا يرى الصفرية أن دارَ مُخالفيهم دار حرب، كما لم يحكُموا بقتل أطفال المشركين وتكفيرهم، ولا يقولون بخلودهم في النار، ولم يجيزوا سبيَ الذرية والنساء. وللصفرية آراء في الشرك والكفر والبراءة يذهبون فيها إلى أن الشرك شركان: شرك هو طاعة الشيطان، وشرك هو عبادة الأوثان. والكفر كفران: كفر بإنكار النعم، وكفر بإنكار الربوبية. والبراءة براءتان: براءة من أهل الحدود سُنة، وبراءة من أهل الجحود فَريضة. ولم يسقط الصفرية عقوبة الرجم كما فعل الأزارقة وأجازوا التقية كالنجدات ولكن في القول دون العمل. وينسب إلى بعضهم جواز تزويج المسلمات (أي الخارجات) من كفار قومهم (بقية المسلمين) في دار التقية دون دار العلانية..».[7]

الانتشار:

   [وعن قيام دولة بني مدرار الصفرية بالمغرب يقول محمود إسماعيل]:«..كان الخوارج الصفرية سبَّاقين إلى إنشاء دولتهم في سجلماسة سنة140هـ(757م)، كما كانت لهم الأسبقية من قبل في المبادرة بالثورة سنة121هـ(739م) غير أن المؤرخين الغربيين درجوا على التقليل من شأن هذه الدولة فاعتبروها مجرد دويلة لا يُعتَدُّ بدَورها في تاريخ بلاد المغرب. ويُخيَّل إلينا أن الباعث على ذلك يكمُن في أمرين أساسيين، أولهما: أن دولة بني مدرار كانت دولة داخلية صحرواية لم تسهم بدور مباشر في التيارات السياسية العالمية-كدولة الأغالبة المعاصرة لها على سبيل المثال-واقتصر نشاطها على المشاركة في حركة التجارة عبر الصحراء شمالا وجنوبا. وثانيهما: ندرة المعلومات عن هذه الدولة بدرجة جعلت المؤرخين يحجمون عن التاريخ لها، فظلَّ تاريخها يلفُّه الغموض والإبهام. وعلى كل حال-استطاع الخوارج الصفرية في سنة140هـ(757م) أن يتسنفذوا[ولعله يقصد:يستفيدوا] من اضطراب الأحوال في إفريقية ويقيموا دولتهم في سجلماسة على وادي ملوية، فعمَّال الخلافة في المغرب شُغلوا آنذاك عن الأقاليم الغربية والجنوبية بتدعيم نفوذها في المغرب الأدنى وإفريقية، فوجد الصفرية في ذلك فرصة مواتية لتأسيس دولتهم في مأمن من نقمة الخلافة وعمالها..»[8].
[أما عن أصول وعصبيات هذه الفرقة فيقول كذلك:]«..ومكناسة هي العصبية التي ارتكزت عليها دولة بني مدرار وليست زناتة أو نفوسة،..وأسهمت عناصر أخرى غير مكناسة في قيام الدولة، ولعل من أبرزها بربر صنهاجة وزويلة وزناتة وزنوج السودان وأهل الربض الأندلسييين..» [ويضيف:]« على أن الفضل يعزى إلى مكناسة في جمع شمل هذه العناصر جميعا في نظام سياسي واحد بعد أن كانت تضرب في إقليم تافيللت دونما صلة أو رباط يجمعها، فتمكَّن زعيمُها أبو القاسم سمكو بن واسول من تجميعها حول المذهب الصفري وضمها في كيان واحد. ويعزى دور مكناسة القيادي هذا إلى أسبقستها في اعتناق المذهب الصفري، فقد وصلها في وقت مبكر إذ تلقاه المكناسيون(عن أئمتهم ورؤوسهم من المغرب) فكان زعيمهم أبو القاسم سمكو على صلة بعكرمة منذ وصوله إلى القيروان،  وهو من أشهر دعاة الصفرية في بلاد المغرب على الإطلاق..»[9].
[وعن انتشارها بالمغرب يقول أيضا:]«..وهكذا تغلغل المذهب الصفري في سائر أرجاء المغرب الأقصى وبعض نواحي إفريقية والمغرب الأدنى بين البربر والعرب والأفارقة والسودان على السواء. ولعل هذا الانتشار السريع وشموله كافة الأجناس والعناصر الموجودة ببلاد المغرب وتسربه حتى جنوبي إفريقية هو الذي حدَا بابن خلدون إلى القول بأن الصفرية قد فشت مقالتها في سائر القبائل بإفريقية وصار لهم فيها عدد كثير وشوكة قوية على حد قول النويري..»[10].
[وللمقارنة بين المذهب الصفري والإباضي تقول الباحثة وفاء يعقوب:]«وبالرغم من وجود المذهب الإباضي قبل المذهب الصفري في بلاد المغرب، إلا أن المذهب الصفري كان أسرع في الانتشار، وذلك لشدته وتطرفه عن المذهب الإباضي، إذ تكاد آراؤهم تتفق مع الخوارج الأزارقة، إلا أنهم يخالفونهم من حيث أنهم لا يرون قتل أطفال ونساء من خالفهم..وقد نجحت جهود حكام بني مدرار الأولون في توطيد الأمن في البلاد، والوصول بالعاصمة إلى قمة التقدم والازدهار، ونذكر منهم اليسع بن أبي القاسم سمكو الذي اعتبره المؤرخون المؤسس الحقيقي للعاصمة سجلماسة، كما تغلب على المدن المجاورة لها، وهذا يدل على اهتمامه بتقوية النظام العسكري في الدولة، وثاني حاكم اليسع بن المنتصر مدرار بن اليسع بن أبي القاسم، الذي اتبع سياسة جده اليسع بن أبي القاسم، وكادت أن تمنح له فرصة السيطرة على معظم القرى والمدن المجاورة له، لولا ظهور عبيد الله المهدي الشيعي الذي تمكن من القضاء عليه والاستيلاء على سجلماسة وما جاورها، من ذلك العهد انتهى العصر الذهبي لدولة سجلماسة، فقد قامت بها حروب وصراعات داخلية وخارجية، وحتى عندما حاول محمد بن الفتح بن الأمير ميمون بن مدرار أن يعيد للدولة مجدها وقوتها، باءت محاولاته بالفشل، حيث قضي عليه ، بل على  دولة بني مدرار بأسرها من قبل الدولة الأموية في الأندلس..»[11].

الهوامش:

[1] دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين(الخوارج والشيعة)-الأستاذ أحمد محمد أحمد جلي- مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية-الرياض- الطبعة الثالثة/2008- ص:  76/77.
[2] الفرق والجماعات والمذاهب الإسلامية-عبد المنعم الحفني-دار الرشاد/القاهرة-الطبعة الأولى/1993-ص:277.
[3] أطلس الفرق والمذاهب الإسلامية-الدكتور شوقي أبو خليل-دار الفكر /دمشق –الطبعة الثالثة/2010- ص:221.
[4] دراسة عن الفرق ص:78/79–وانظر كذلك:العبر لابن خلدون-القاهرة-1957-ج:6-ص:108/البيان المغرب في أخبار المغرب:ابن عذارى-بيروت-1950-ج:1-ص:52/الاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى:الناصري-الدار البيضاء-1954-ج:1-ص: 97.
[5] الفرق بين الفرق:عبد القاهر البغدادي-تحقيق:محمد محيي الدين عبد الحميد-مكتبة دار التراث/القاهرة-طبعة/2007-ص: 97-98.
[6] الملل والنحل-أبو الفتح محمد بن عبد الكريم الشهرستاني-دار ابن حزم/بيروت-الطبعة الأولى/2005-ص:89
 [7] دراسة عن الفرق- ص:77.
[8] الخوارج في بلاد المغرب حتى منتصف القرن الرابع الهجري- الدكتور محمود إسماعيل عبد الرازق-دار الثقافة–الدار البيضاء-الطبعة الثانية/1985- ص:112/113- وانظر كذلك:تاريخ افتتاح الاندلس:ابن القوطية-بيروت-1957-ص:41 /تاريخ الرسل والملوك:للطبري-القاهرة-1963-ج:7-ص:191/فتوح مصر والمغرب ابن عبد الحكم-القاهرة-1961-ص: 290.
[9] الخوارج في بلاد المغرب –ص: 114–وانظر كذلك:الأزهار الرياضية في أئمة وملوك الإباضية للنفوسي-ج:1- ص93(بدون تاريخ)/العبر لابن خلدون-ج:6-ص:130-البلدان لليعقوبي-ليدن1891-ص:359.
 [10] الخوارج في بلاد المغرب –ص:50-وانظر:نهاية الأرب في فنون الأدب-النويري(مخطوط بدار الكتب-مصر-رقم:549)ج22-ورقة: 150.
[11] دولة بني مدرار الصفرية بالمغرب الأقصى الإسلامي/دراسة تاريخية حضارية(وهي رسالة لنيل درجة الماجستير في التاريخ الإسلامي من جامعة أم القرى بمكة المكرمة-كلية الشريعة والدراسات الإسلامية-للباحثة: وفاء يعقوب جبريل برناوي وإشراف الدكتور فواز علي بن جنيدب الدهاس/الموسم الجامعي:2003-ص: 46 -48-الرابط:الموقع الإلكتروني.

مقالات ذات صلة

‫3 تعليقات

  1. شكرا علئ المقال وحبذا فصلت اكثر في الثوارات الخارجية.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق