مركز عقبة بن نافع للدراسات والأبحاث حول الصحابة والتابعينأعلام

الصحابي الجليل، حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه

 

 

 

 

بقلم: يونس السباح

اسمه ونسبه وولادته:

هو الصحابيُّ الجليل، حبرُ الأمة، وفقيه العصر، وإمام التفسير, أبو العباس عبد الله, ابن عم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، العباس بن عبد المطلب شيبة بن هاشم، القرشي الهاشمي المكي, الأمير رضي الله عنه.

ولد رضي الله عنه بشعب بني هاشم قبل عام الهجرة بثلاث سنين[1].

وفي تحديد مكان وزمان ولادته يقول الإمام ابن عساكر: (لا اختلاف عند أهل العلم عندنا أن ابن عباس ولد في الشِّعب، وبنو هاشم محصورون، فولد ابن عباس قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين، فتوفي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وابن عباس ابن ثلاث عشرة سنة،. ألا تراه يقول في الحديث: راهقت الاحتلام في حجة الوداع)[2].

وكان رضي الله عنه، يلقّب  بالبحر، لسعة علمه، ويسمّى حبر الأمة، ولمّا ولد أُتي بِهِ للنَّبِيّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فحنكه برِيقه، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين وقيل غير ذَلِكَ، ورأى جبريل عند النَّبِيّ صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ[3].

إسلامه:

انتقل سيدنا عبد الله بن عباس مع أبويه إلى دار الهجرة سنة الفتح، وقد أسلم قبل ذلك، فإنه صح عنه أنه قال: كنت أنا وأمي من المستضعفين, أنا من الولدان، وأمي من النساء[4].

روايته للحديث:

روى ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن عمر، وعلي، ومعاذ بن جبل، وأبي ذر.

وروى عنه: عبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وأبو الطفيل، وأبو أمامة بن سهل بن حنيف، وأخوه كثير بن عباس، وولده علي بن عبد الله بن عباس.

 ومواليه: عكرمة، وكريب، وأبو معبد نافذ، وعطاء بن أبي رباح، ومجاهد، وابن أبي مليكة، وعمرو بن دينار، وعبيد بن عمير، وسعيد بن المسيب، والقاسم بن محمد، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة، وسليمان بن يسار، وعروة بن الزبير، وعلي بن الحسين، وأبو الزبير، ومحمد بن كعب، وطاوس، ووهب بن منبه، وأبو الضحى، وخلق كثير غير هؤلاء[5].

 أخلاقه وخصاله:

قَالَ عُبَيْد الله بن عَبْد الله بن عتبة: كَانَ ابْنُ عَبَّاس قَدْ فات النَّاس بخصال: بعلم ما سبقه وفقه فيما احتيج إِلَيْه من رأيه، وحلم، ونسب، وما رَأَيْت أحدًا كَانَ أعلم بما سبقه من حديث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ، ولا بقضاء أَبِي بَكْر، وعمر، وعثمان مِنْهُ، ولا أفقه فِي رأي مِنْهُ، ولا أعلم بشعر ولا عربية ولا بتفسير القرآن، ولا بحساب ولا بفريضة مِنْهُ، ولا أثقب رأيًا فيما احتيج إِلَيْه مِنْهُ، ولقد كَانَ يجلس يومًا ولا يذكر فِيهِ إلا الفقه، ويومًا التأويل، ويومًا المغازي، ويومًا الشعر، ويومًا أيام العرب، ولا رَأَيْت عالمًا قط جلس إِلَيْه إلا خضع لَهُ، وما رَأَيْت سائلًا قط سأله إلا وجد عنده علمًا[6].

وقَالَ ليث بن أَبِي سليم: قلت لطاوس: لزمت هَذَا الغلام، يعني ابْنَ عَبَّاس، وتركت الأكابر من أصحاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ! قَالَ: إني رَأَيْت سبعين رجلًا من أصحاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تدارءُوا فِي أمر صاروا إلى قول ابْنِ عَبَّاس[7].

وقَالَ المعتمر بْن سُلَيْمَان، عن شُعَيْب بْن درهم، قَالَ: كَانَ هَذَا المكان – وأومأ إلى مجرى الدّموع من خدَّيه- من خدَّيْ ابْنِ عَبَّاس مثل الشّراك البالي، من كثرة البكاء[8].

هيأته ولبسه:

روى عكرمة مولى ابن عباس. أنّ ابن عباس كان إذا اتّزر أرخى مقدم إزاره حتى تقع حاشيته على ظهر قدميه ويرفع الإزار مما وراءه قال: فقلت له:لم تتزر هكذا؟ قال: «رأيت رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلم  يأتزر هذه الإزرة»[9].

وعن مجاهد. قال: كان عبد الله  بن عباس أمدهم قامة وأعظمهم جفنة  وأوسعهم علما.

وعن شعبة. قال: كان ابن عباس يشرب في القوارير ويتوضأ في النحاس[10].

وكان رضي الله عنه يُصفّر لحيته، وقيل: كان يخضب بالحناء، وكان جميلا أبيض طويلا، مشربا صفرة، جسيما، وسيما، صبيح الوجه، فصيحاً[11].

تفقهه في الدين:

عُرف سيدنا عبد الله بن عباس بعلمه الواسع في الدّين، وتبحّره في فقهه، ببركة دعاء النبي صلّى الله عليه وسلّم له، وقربه منه، وملازمته مجالسه. فقد رويت أحاديث كثيرة في فضله، كلها صحاح.

ولأجل المكانة، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يحبه ويدنيه ويقربه ويشاوره مع جلة الصحابة. وكان يقول: ابن عباس فتى كهول، له لسان قئول، وقلب عقول.

وروى عن مسروق عن ابن مسعود أنه قال: نعم ترجمان القرآن ابن عباس، لو أدرك أسناننا ما عاشره منا رجل.

وقال ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد أنه قال: ما سمعت فُتْيا أحسن من فُتْيا ابن عباس، إلا أن يقول قائل: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروي مثل هذا عن القاسم بن محمد. قال طاوس: أدركت نحو خمسمائة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذاكروا ابن عباس فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وقال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجا، معه ابن عباس، فكان لمعاوية موكب، ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم.

وروى شريك، عن الأعمش، عن أبي الضحى، عن مسروق أنه قال: (كنت إذا رأيت عبد الله بن عباس قلت: أجمل الناس. فإذا تكلم قلت: أفصح الناس. وإذا تحدث قلت: أعلم الناس)[12].

وفاته ومقبره:

توفي سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنه سَنَة سبعين للهجرة، وهو بالطائف. في أيام ابن الزبير[13]. وكان ابن الزبير قد أخرجه من مكة إلى الطائف، ومات بها وهو ابن سبعين سنة، وقيل: ابن إحدى وسبعين سنة. وقيل: ابن أربع وسبعين سنة، وصلى عليه محمد ابن الحنفية، وكبّر عليه أربعاً، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة، وضرب على قبره فسطاطا[14].

 


[1]  سير أعلام النبلاء: 4/380.

[2]  تاريخ دمشق: 73/175.

[3]  أسد الغابة: 3/291.

[4]  سير أعلام النبلاء: 4/380.

[5]  أسد الغابة: 3/291. سير أعلام النبلاء: 4/380.

[6]  أسد الغابة: 3/291.

[7]  نفسه: 3/291.

[8]  نفسه: 3/291.

[9]  طبقات ابن سعد -الجزء المتمم-: 1/192.

[10]  نفسه: 1/192.

[11]  أسد الغابة: 3/291.

[12]  الاستيعاب: 3/935.

[13]  التاريخ الكبير للبخاري: 5/3.

[14]  الاستيعاب: 3/934.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق