مركز دراس بن إسماعيل لتقريب المذهب والعقيدة والسلوكمفاهيم

الشريعة 4

 

ذ/عبد الرحيم السوني

باحث بمركز دراس بن اسماعيل

 

فهذه كلها أقوال ونماذج تحدد معنى مصطلح الشريعة لدى الصوفية حيث تبرز لنا مدى الغنى الذي اتسم به هذا المفهوم لديهم وأنه لا يخرج عن الدلالة العامة المتداول بها بين جميع العلماء. إلا أن ما يميز تعريفاتهم هاته اتسامها بما هو عملي وسلوكي في تعيين معنى الشريعة. ولذلك نجدهم يحدّدون منازل أهل الشرع في: «الإرادة، والتوبة، والزهد، والتوكل، والصبر، والحزن، والخوف، والرجاء، والشكر، والمحبة، والشوق، والأنس»([1]). ويتكلمون عن أدب الشريعة التي هي: «الوقوف عند مراسمها، وهي حدود الله»([2]). بل إن البعض منهم وهو الشيخ أبو طالب المكي تحديدا عيَّن الشريعة انطلاقا من جوانبها العملية والسلوكية حيث اعتبرها وهو يتحدث عن قول الله تعالى: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾ [الجاثية: 18] بأنها: «اسم الطريق الواضح المستقيم الواسع، وهو وصف الطريق الجامع لجوامع المحاجِّ كلها، كأنه طريق يستوعب ويجمع سائر الطرق. وللطريق أسماء كثيرة منها: الصراط، والسبيل، والمنهاج، والمحجة، والمنسك. وجاء من اشتقاق هذا اللفظ أربعة أسماء: شارع، ومشرعة، وشِرعة، وشريعة؛ وهو اسم لأوسعها وأوعبها لجميع الطرق. فالشريعة تشتمل على اثنتي عشرة خصلة هي جامعة لأوصاف الإيمان؛ أول ذلك: الشهادتان وهي الفطرة. والصلوات الخمس، وهي الملة. والزكاة، وهي الطهرة. والصيام، وهو الجُنَّة. والحج، وهو الكمال. والجهاد، وهو النصر. والأمر بالمعروف، وهو الحجَّة. والنهي عن المنكر، وهو الوقاية. والجماعة، وهي الألفة. والاستقامة، وهي العصمة. وأكل الحلال، وهو الورع. والحب والبغض في الله، وهو الوثيقة»[3].

وقال الشيخ السرّاج الطوسي: « علم الشريعة: علم واحد، وهو إسم واحد يجمع معنيين الرواية والدراية، فإذا جمعتهما فهو علم الشريعة الداعية إلى الأعمال الظاهرة والباطنة، ولا يجوز أن يجرد القول في العلم أنه ظاهر أو باطن، لأن العلم متى ما كان في القلب فهو باطن فيه إلى أن يجري ويظهر على اللسان، فإذا جرى على اللسان فهو ظاهر»([4]).

وقال: « علوم الشريعة على أربعة أقسام :

فالقسم الأول منها: علم الرواية والآثار والأخبار، وهو العلم الذي ينقله الثقات عن الثقات.

والقسم الثاني: علم الدراية، وهو علم الفقه والأحكام، وهو العلم المتداول بين العلماء والفقهاء.

والقسم الثالث: علم القياس والنظر والاحتجاج على المخالفين ، وهو علم الجدل وإثبات الحجة على أهل البدع والضلالة نصرة للدين.

والقسم الرابع: هو أعلاها وأشرفها، وهو علم الحقائق والمنازلات، وعلم المعاملة والمجاهدات والإخلاص في الطاعات والتوجه إلى الله من جميع الجهات والانقطاع إليه في جميع الأوقات وصحة القصود والإرادات وتصفية السرائر من الآفات … وحسن الأدب بين يدي الله في السر والعلانية …»([5]).

 

 

 


[1] – محاسن المجالس، الشيخ أحمد بن العريف الصنهاجي، ص: 97 .  

[2] – الفتوحات المكية، الشيخ ابن عربي، ج: 2، ص: 133.

[3] ـ قوت القلوب، لأبي طالب المكي، تحقيق محمود إبراهيم محمد الرضواني، دار العلوم ـ جامعة القاهرة، مكتبة دار التراث، الطبعة الأولى 2001، ج: 3، ص: 1310.

[4] – اللُّمَع في التصوف، الشيخ السراج الطوسي، ص: 23 – 24.

[5] – نفسه، ص: 378 – 379.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق