مركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة العطرةدراسات عامة

السيرة النبوية ضياء ونور للمسلم يسير عليه في حياته

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.

وبعد؛

فإن من أعظم ما يحتاج إليه المسلم في سَيْره إلى الله سبحانه وتعالى، هو دراسة سيرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم، واستيعاب وإدراك المواقف الإيمانية والعبر والعظات التي جعلها الله عز وجل في سيرته صلى الله عليه وسلم، وكيف واجه المواقف المختلفة التي تنوعت بين الشدة والرخاء، والعسر واليسر، والاستضعاف والتمكين، والقوة والضعف في الظاهر، والتي يمكن أن تواجه المسلم في كل النواحي الإنسانية والاجتماعية التي توجد في الإنسان، من حيث إنه فرد مستقل بذاته، أو من حيث إنه عضو فعال في المجتمع، فيحتاج في كل موقف إلى أن يتلمس النور والهداية من سيرة المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم،قال الله تعالى: (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا)[1].

ومن الفوائد والمقاصد العظيمة، والمنافع الكثيرة، التي ينبغي التعرف عليها والاستفادة منها  التي يستضيء بها طريقه، من خلال سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يلي:

* الاقتداء والتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم:

لقد استجمع النبي صلى الله عليه وسلم أعلى قِمَم السلوك البشري، فكان الإنسان الوحيد الذي يصح أن يكون القدوة العليا للبشر  في أخلاقه،  وشمائله،  ومعاملاته،  وفي جميع أحواله؛ حيث يجد المسلم في سيرته المباركة الأسوة والقدرة، والنور الذي يُسْتَضاء به في ظلمات الحياة، والمثل الأعلى الذي يوصله إلى الأمن والسعادة الأبدية.

وإن قارئ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم يجد فيها أنه صلى الله عليه وسلم كان ذلك الشاب العفيف المستقيم، الصادق الأمين، الذي عُرِفَ في قومه قبل بعثته وبعدها بالأخلاق الفاضلة، والشمائل الكريمة، وكان أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأصدقهم حديثا، وأعفهم نفسا، وأوفاهم عهدا..

كما يجد فيها أنه صلى الله عليه وسلم الصاحب، الذي يحب أصحابه ويحسن إليهم، ويتواضع معهم، ويجيب دعوتهم، ويزور مرضاهم،  ويشهد جنائزهم، ويدعو لهم ولأبنائهم بالخير والبركة، ويمازحهم،  ويداعبهم، ويشفق عليهم،  ويقضي حوائجهم، ويؤلفهم ولا ينفرهم، ويهتم بهم، ويشاركهم آلامهم وآمالهم، ويشعر بأحزانهم، ويخففها عنهم، ويحول ألمهم أملا، ومحنتهم منحة، قال تعالى: (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر) [2].

كما يجد القارئ لسيرته أنه صلى الله عليه وسلم الحاكم،  والقائد،  والراعي الذي يقيم العدل بين الرعية، فهو أعدل الناس، وأبعدهم عن الظلم، فما ظلم أحدا، ولا حابى أحدا، ولا جار في حكم أبدا.

وأنه كان صلى الله عليه وسلم الزوج والأب  في حسن المعاملة للزوجة والأولاد، فلم يمنعه زهده في الدنيا، وكثرة عبادته، وعظم مسئولياته عن دوام بشره،  وطلاقة وجهه،  وملاطفته لأهله وأولاده، فكان يُولِيهم عناية فائقة،  ومحبَّة لائقة، فكان يُكرم ولا يهين، ويُوجِّه وينصح، ولا يعنِّف ويَجْرَح، وكان صلى الله عليه وسلم يقول: “خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي”[3]،  وقد أثنى الله تعالى عليه وعلى خُلُقِه، فقال تعالى: (وإنك لعلى خلق عظيم) [4]
قال العلامة البوطي في مقدمة كتابه: فقه السيرة إن القارئ لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم:” يجد بين يديه صورة للمثل الأعلى في كل شأن من شؤون الحياة الفاضلة، كي يجعل منها دستورا يتمسك به ويسير عليه. ولا ريب أن الإنسان مهما بحث عن مثل أعلى في ناحية من نواحي الحياة، فإنه واجده كله في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أعظم ما يكون الوضوح والكمال، ولذا جعله الله قدوة للإنسانية كلها”[5].

قال سعيد حوى: “وإن أي انحراف عن التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم ، واتباع تعاليمه؛ إنما هو في الواقع ارتكاس وانتكاس، مهما حاول أهل الباطل أن يفيضوا عليه من الألقاب،  والنعوت،  والتسميات”[6]

* أن السيرة النبوية تعين على فهم كتاب الله عز وجل:

وإن مما يستضيء به المسلم وينتفع به من خلال قراءته لسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم فهم كتاب الله عز وجل، فهي تساعد على الفهم الصحيح للآيات القرآنية، من خلال معرفة تفاصيل الحدث الذي تتحدث عنه الآية الكريمة، وسبب نزولها، والموقف التي نزلت فيه، وكيفية تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لها، حتى يكاد يستعصي الفهم الصحيح لبعض معاني القرآن الكريم في معزل عن السيرة النبوية المطهرة.

قال العلامة البوطي رحمه الله : ” إن الإنسان يجد في دراسة سيرته عليه الصلاة والسلام ما يعينه على فهم كتاب الله تعالى،  وتذوق روحه،  ومقاصده؛ إذ إن كثيرا من آيات القرآن إنما يفسرها ويجليها الأحداث التي مرت برسول الله صلّى الله عليه وسلم وموقفه منها”[7].

كما أن هناك الكثير من الأحاديث النبوية لا يمكن فهمها فهما صحيحا بمنأى عن السيرة النبوية.
* أن دراسة السيرة النبوية عبادة:

فالمسلم مكلف بالاقتداء برسول الله  صلى الله عليه وسلم ـ  كما تقدم ـ،  ولن يتمكن من الاقتداء والتأسي به ما لم يفقه سيرته،  ويدرسها،  ويتعرف عليها،  ويعتني بها عناية خاصة.

لهذا اهتم الجيل الأول بسيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم،  والاعتكاف عليها،  وحفظها،  والعمل بما جاء فيها.

قال منير محمد الغضبان: “ومن القواعد الشرعية المقررة: إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب؛ وقد اهتم الجيل الأول من الصحابة والتابعين وتابعيهم بهذه السيرة، كما روى محمد بن عمر الواقدي عن عبد الله بن عمر بن علي بن الحسين،  عن أبيه قال: سمعت علي بن الحسين يقول: كنا نعلم مغازي النبي  صلى الله عليه وسلم  كما نعلم السورة من القرآن”[8]

والخلاصة: إن دراسة السيرة النبوية، ليست سوى عمل تطبيقي يراد منه تجسيد الحقيقة الإسلامية كاملة، في مثلها الأعلى محمد صلّى الله عليه وسلم[9]. ولهذا وجب على المسلم دراستها،  والعمل بها، وجعلها ضياء  ونورا في حياته.

***************

هوامش المقال:

[1]  الأحزاب: 21.

[2]  آل عمران: 59.

[3]  رواه الترمذي في كتاب: المناقب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم، باب: فضل أزواج النبي صلى الله عليه و سلم، رقم: (3895) (5 /709).

[4]  القلم: 59.

[5]  فقه السيرة النبوية (ص: 21ـ 22).

[6]  الرسول صلى الله عليه وسلم لسعيد حوى(ص: 15).

[7]  فقه السيرة النبوية (ص: 22) بتصرف يسير.

[8]  فقه السيرة النبوية(ص: 16).

[9]  فقه السيرة النبوية (ص: 21) .

********************

جريدة المصادر والمراجع:

الرسول صلى الله عليه وسلم لسعيد حوى، خال من البيانات.

سنن الترمذي لمحمد بن عيسى أبو عيسى الترمذي السلمي، دار إحياء التراث العربي ـ بيروت، تحقيق: أحمد محمد شاكر .

فقه السيرة النبوية لمحمد سعيد رمضان البوطي، دار الفكر المعاصر بيروت لبنان، ط10، 1411هـ ـ 1991م.

فقه السيرة النبوية، لمنير محمد الغضبان، جامعة أم القرى، ط2 1413هـ – 1992م.

راجع المقال: الباحث محمد إليولو

Science

عبد الفتاح مغفور

  • أستاذ باحث مؤهل بمركز ابن القطان للدراسات والأبحاث في الحديث الشريف والسيرة النبوية العطرة بالعرائش، التابع للرابطة المحمدية للعلماء بالرباط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق